صفحات العالم

هل تنجح أمريكا بتقسيم سوريا؟/ محمد زاهد غول

 

 

لا بد أن يكون واضحا لكل المتورطين في الصراع السوري، محليا وإقليميا ودوليا، أن ظروف الوطن العربي غير ظروفه قبل قرن من الزمان، عندما تم تقسيم البلاد العربية على هوى القوى الاستعمارية البريطانية والفرنسية في ذلك الوقت، وأن وعي الشعب العربي غير وعيه قبل قرن من الزمان عندما تم تصوير التجزئة السياسية على أنها تحرير واستقلال ومشاريع نهضة، بينما كان الهدف إضعافها كي لا تستطيع مواجهة المشروع الاستعماري الغربي والصهيوني لإقامة دولة إسرائيلية في فلسطين.

المشاريع الغربية والصهيونية أصبحت مكشوفة المخططات والأهداف أمام الشعب العربي والأمة الإسلامية، وأنها تتركز اليوم على مزيد من التجزئة والضعف كي تبقى الدولة الإسرائيلية هي المسيطرة والمهيمنة على الشرق الأوسط كله، فتم تدمير الجيش العراقي عام 2003 بالاحتلال المشترك الأمريكي والإيراني، وتم تدمير الجيش السوري باستغلال الاحتجاجات الشعبية في سوريا، بتحويلها إلى حرب أهلية عن طريق استخدام التدخل الإيراني وميليشياته الطائفية.

وهكذا استغلت أمريكا وإسرائيل الأوضاع السياسية المضطربة في البلاد العربية لمنع مشاريع النهضة العربية أولاً، مهما كانت هويتها الفكرية والسياسية، وتثبيت تقسيم سايكس بيكو السابق، ومنع أي تغيير على الخريطة السياسية لاتفاقية سايكس بيكو الاستعمارية منذ عام 2016، بل تزيد على ذلك بالعمل على مزيد من التقسيم السياسي بحسب خطط أمريكية وضعت في منتصف عقد السبعينيات من القرن العشرين الماضي، وتم التطوير والتعديل عليها، بحيث تنال من كل الأقطار العربية والإسلامية بما فيها تركيا وإيران في النهاية، فضلا عن الدول المرشحة للتقسيم في المرحلة الأولى وهي العراق وسوريا. لذا كان ينبغي قراءة السياسات الأمريكية في المنطقة العربية والإسلامية منذ بداية النظام العالمي الجديد عام 1990 بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ونهاية الحرب الباردة، على أنها سياسات تعمل على منع إمكانية قيام دول إسلامية أو قومية أو إقليمية قوية، ومنع إقامة تحالفات سياسية أو اقتصادية أو عسكرية دولية، يمكن أن تكون تحالفات مناهضة للهيمنة الأمريكية على العالم، فكان تدمير نظام صدام حسين لمنع إقامة دولة إقليمية قوية في العراق، بعد أن استفاد العراق من خبرات حرب مدمرة مع إيران طول ثماني سنوات، وكان لامتلاك امريكا الفرصة باحتلال العراق دون معارضة من معظم الدول العربية أو الإسلامية، بل على العكس وجدت لديهم مساهمة بتدمير العراق معها، وكانت فرصة لم تكن تحلم بها في يوم من الأيام، ما دفعها إلى تكرار هذه التجربة بعد صناعة أكاذيب مشابهة لأكاذيب وذرائع تدمير العراق، مثل أكاذيب أسلحة الدمار الشامل، ومن هذه الذرائع صناعة تنظيم «داعش» من خلال استغلال مشاعر العداء والكراهية للنظام السياسي القائم في العراق، بعد الاحتلال الأمريكي 2003، وكذلك مشاعر العداء والكراهية للنظام السياسي القائم في سوريا منذ الاحتلال الإيراني لسوريا عام 2013، فاستغلت أمريكا هذه المشاعر ودفعت بالظروف التي تؤدي إلى تأسيس مشروع «داعش»، ليكون ذريعة لتشكيل تحالف دولي من ست وستين دولة لمهاجمة العراق وسوريا وتدميرهما، وهذا التحالف الدولي الكبير لم يكن هدفه تدمير «داعش» فقط، وإنما صناعة مشروع عالمي للتدخل في البلاد العربية والإسلامية وجعلها تحت الوصاية الدولية العسكرية مرة أخرى، فتمكنت أمريكا بهذه الخديعة تبرير تدمير هذه الدول بحجة وجود تنظيمات إرهابية فيها، وما هي إلا أداة مصطنعة مباشرة أو بطرق غير مباشرة لتكون ذريعة فقط لتمرير مشاريع تقسيمات سياسية جديدة.

لقد نجحت المشاريع الأمريكية بإدخال الدول العربية في الحروب المدمرة، ولكن هل ستنجح امريكا باستثمار هذه الحروب والدمار بتقسيم هذه الدول، وجعلها كانتونات صغيرة معادية لبعضها بعضاً؟ أم انها سوف تفشل في مشروع التقسيم، رغم كل هذه السنوات التي أشعلت فيها حرائق الحروب والقتل والدمار والتشريد والأحقاد الداخلية؟ إن الشراكة الأمريكية مع الأحزاب الإرهابية التابعة لحزب العمال الكردستاني في سوريا، دليل فشل السياسة الأمريكية في مشاريع التقسيم، فهي لم تجد قوات وطنية أو محلية لتعمل معها، فلجأت إلى أحزاب غير عربية وغريبة عن الشعب العربي، حتى تستخدمها في مشاريع التقسيم، وهذا يعني ان أمريكا لا تملك مشروعا تقسيميا مقنعا للشعب العربي، أو لمكوناته العشائرية أو طوائفه الدينية، ولذلك تعمل لصناعة واقع ديمغرافي جديد في سوريا أو في العراق، ففي سوريا يتم احتلال القرى والمدن العربية، مثل عين العرب وتل أبيض ومنبج والرقة وإعطاؤها لقومية غير عربية، لأنها توافق على مشروع أمريكا بالتقسيم، وكذلك عملت على صناعة تغيير ديمغرافي في بعض مدن العراق الكبرى، بما فيها بغداد لتمرير التقسيم السياسي في العراق أيضاً، وهذه التغييرات الديمغرافية لا تستطيع أن تصنع التقسيم السياسي إلا بالقوة العسكرية، وزوال القوة العسكرية الأمريكية عن المنطقة سيعني عودة هذه التغييرات الديمغرافية إلى أصلها، ولا يمكن ضمان بقائها مهما مرّ عليها من الزمن، بدليل فشل السياسة الغربية الأوروبية والأمريكية في فلسطين، فصناعة الدولة الإسرائيلية عن طريق تهجير الفلسطينيين من بلادهم، لم يضمن استقرار الدولة الإسرائيلية حتى بعد مرور سبعة عقود تقريباً، وهذا الفشل واجهته الحروب الصليبية من قبل في القدس وغيرها، فالتغيير الديمغرافي لا يضمن نجاح المشاريع الاستعمارية، ولا تزال قناعة الشعب العربي وستبقى أنهم شعب عربي واحد، وأمة واحدة، رغم تقسيمهم قبل مئة عام إلى عشرات الدول، وهذا ينطبق على الأمة الإسلامية أيضاً، فالمسلمون في الأرض ورغم وجودهم في خمس وخمسين دولة إسلامية، إلا أنهم يشعرون ويؤمنون بأنهم أمة واحدة، وأن صناعة الحدود السياسية بينهم بالقوة العسكرية لم تجعل منهم أمما مختلفة، فهم يتوجهون إلى قبلة واحدة، ويحجون إلى بيت واحد، ويصومون شهرا واحدا، وعيدهم واحد، كما أن تحيتهم واحدة، وهذا يعني أن مشاريع التقسيم هي مشاريع القوة العسكرية الغاصبة التي تزول بزوالها.

أمريكا تدرك أن مشاريعها لتقسيم العراق، أو تقسيم سوريا تحديدا لن تنجح دون موافقة تركيا على ذلك، بل دون مشاركة تركيا في ذلك، ولكن من حسن حظ الشعب العربي أن تركيا لا توافق على تقسيم دوله، حتى لو لم تكن مجاورة لها أولاً، وحتى لو لم تكن تعمل لإقامة كيانات معادية لتركيا على حدودها ثانيا، لأن تركيا تدرك أن نجاح مشروع التقسيم في سوريا أو في العراق أو في كليهما، سوف يفتح محاولات تقسيم تركيا مباشرة في المرحلة التالية، ولذلك فإن من واجبات تركيا أن تضع كل العراقيل لتقسيم سوريا او تقسيم العراق، حتى تمنع تقسيم تركيا لاحقاً، أي ان تركيا مضطرة لمقاومة التقسيم في سوريا والعراق للدفاع عن نفسها قبل ان تفكر بالدفاع عن حقوق الشعب العربي أيضاً، وهذا ما ينبغي أن يكون واضحا لكل الدول العربية أيضاً، فنجاح أمريكا وإسرائيل بتقسيم سوريا أو تقسيم العراق سيعني نجاحهما لاحقا بتقسيم السعودية أو تقسيم مصر أو ليبيا أو المغرب أو غيرها من الدول العربية، دون ان تسلم إيران من ذلك، بل إن مشاريع الحروب الأهلية في إيران على الأبواب، فالتفجيرات الأخيرة التي وقعت في إيران، تعني أن الانطلاقة قد بدأت ورمزيتها بتفجير البرلمان الإيراني وضريح الخميني تحمل كل معاني ذلك.

لقد استغلت أمريكا الأطماع الإيرانية التوسعية بتفكيك عدد من الدول العربية مثل، لبنان والعراق وسوريا واليمن، ولا يزال الدور الإيراني مؤهلا للعمل مع أمريكا لتفكيك دول الخليج العربي، بل ودول كبرى من دول العالم الاسلامي مثل تركيا وباكستان وغيرهما، وقد تجد أمريكا ان ردود الفعل العربية وحدها كفيلة بإشعال فتن حروب أهلية في إيران، فكيف إذا جمعت إليها ردود فعل باكستانية أو تركية أو أذربيجانية أو غيرها، فمن المؤكد ان إيران لن تستطيع مقاومة ذلك، وإذا قاومته لسنوات مقبلة فإنها ستجد نفسها في وضع أسوأ من العراق أو سوريا أو اليمن أو لبنان، وهذا ينطبق على كل الدول المرشحة للتقسيم وسبق ذكرها، فهل تدرك إيران أن أفضل خطوة لمنع الحرب الأهلية فيها هي بمنع التقسيم في سوريا وفي العراق وفي دول الخليج العربي أيضاً، وذلك لن يكون إلا بسحب إيران ميليشياتها وحرسها الثوري من سوريا والعراق لبنان واليمن أولاً، وجعل شعوب هذه الدول تقرر مصيرها السياسي بنفسها ثانياً، بغض النظر عن النظام السياسي الذي تختاره تلك الشعوب فهذا حقها، وإلا فإن على إيران انتظار التقسيم في بلادها كما تسببت به في سوريا.

كاتب تركي

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى