هل تواجه سوريا خطر المجاعة؟/ عبد الجليل زيد المرهون
الاقتصاد السوري
العقوبات على قطاع النفط
انهيار العملية وارتفاع التضخم
“سوريا تواجه احتمالات المجاعة للمرة الأولى في تاريخها الحديث”، تلك خلاصة توصلت إليها دراسة أجرتها لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا).
والسؤال هو: لماذا وصلت الأمور إلى حد إطلاق هذا التحذير من قبل هيئة دولية؟ هل الصراع المسلح الداخلي كفيل وحده بالتسبب في وضع اقتصادي ومعيشي يلوح فيه خطر المجاعة؟
الصراع المسلّح عامل رئيسي في الوصول إلى هذه النتيجة، لكنه غير قادر على تحقيقها بمفرده في بضع سنوات.
سوريا لم تصل إلى هذه المرحلة، بالمعنى النظامي والدراسي للمصطلح، نحن في واقع الأمر بصدد مشهد معقد، ولدته معطيات داخل ممتحن، ومقاربات خارج مرتبك.
وفي هذا المشهد أيضا، ثمة عنصر لا يلحظه الإعلام إلا نزرا، هو العقوبات الاقتصادية، هذه العقوبات، لم تغيّر شيئا في معادلات السياسة والأمن، لكنها أثرت على ملايين السوريين، إذ لم تعد لأموالهم القوة الشرائية الكافية.
الاقتصاد السوري
يرى البنك الدولي أن الأزمة التي تمر بها البلاد قد خلقت وضعا صعبا للاقتصاد الوطني، الذي ربما انكمش وفقا لبعض التقديرات بنحو 4% عام 2011، ونحو 30% عام 2012، ثم بحوالي 7% في الربع الأول من العام 2013.
وقد بلغت خسائر الاقتصاد السوري 103 مليار دولار، حتى يونيو/حزيران 2013، كما وصلت ديون البلاد إلى حوالي 34 مليار دولار.
وقدرت خسائر عام 2011 بحوالي 12.5 مليار دولار، ثم حوالي خمسين مليار دولار عام 2012، وأكثر من 23 مليار دولار في الربع الأول من عام 2013، و أكثر من 17 مليار دولار في الربع الثاني منه.
وظل إجمالي الناتج المحلي معتمدا على قطاعي النفط والزراعة، ووفر القطاع النفطي نحو 20% من الإيرادات الحكومية، وشكل حوالي 35% من حصيلة الصادرات في العام 2010.
وتراجع إجمالي الصادرات إلى سبعة مليارات دولار في العام 2011، بعد أن سجل 14 مليار دولار عام 2010.
العقوبات على قطاع النفط
كان القطاع النفطي أكثر المتأثرين بالعقوبات الاقتصادية، وكان تراجع إنتاجه وصادراته الأكثر تأثيرا على الاقتصاد الوطني.
وقد فرض الاتحاد الأوروبي، منذ 24 سبتمبر/أيلول 2011، حظرا على الاستثمارات الجديدة في القطاع النفطي السوري، وفرض بعد ذلك حظرا على تصدير المعدات الخاصة بالصناعة النفطية، وحظرا على شراء النفط.
كما وضع على قائمته السوداء المؤسسة العامة للبترول، التي تشرف على التجارة والتنقيب النفطي، وأدى ذلك إلى توقف الشركات الأوروبية المتعاملة مع المؤسسة عن العمل داخل القطر، في مجالات الاستكشاف والتنقيب والإنتاج، وعدم إبرام أية عقود أو استثمارات جديدة.
وفرضت كل من الولايات المتحدة وكندا، ودول غربية أخرى، عقوبات مماثلة على قطاع النفط السوري، والمؤسسات المالية السورية.
ومدفوعا بضغط العقوبات، تراجع الإنتاج النفطي إلى 31.5 ألف برميل يوميا بشكل وسطي، خلال الأشهر التسعة الأولى من العام 2013، منخفضا بنسبة 80%، مقارنة بإنتاجه قبل عامين، حيث وصل إلى 378 ألف برميل يوميا عام 2011، وكان حجم النفط المصدّر حينها من القطر يتجاوز مائة وأربعين ألف برميل يوميا، يذهب معظمه إلى أوروبا.
كذلك، تراجع إنتاج الغاز الطبيعي من ثلاثين مليون متر مكعب يوميا إلى 15 مليون متر مكعب.
وفي السياق ذاته، تراجع الاعتماد على النفط المنتج محليا, حيث كانت البلاد تستهلك نحو مائتين وأربعين ألف برميل يوميا، يتم تكريرها في مصفاتي حمص وبانياس.
ويعود السبب في هذا التراجع إلى فقدان السيطرة على منشآت نفطية في المناطق الشمالية الشرقية للقطر, وانقطاع خطوط الإمداد.
وقدرت خسائر البلاد الإجمالية في قطاع النفط بما لا يقل عن 13 مليار دولار، كما هي في أغسطس/آب 2013.
وفي الأصل، كان القطاع النفطي يدر على البلاد نحو أربعة مليارات دولار سنويا, ويؤمن الجزء الأساسي من المشتقات النفطية المستهلكة محليا, وخصوصا البنزين والمازوت.
وعلى خلفية هذه التطوّرات، ارتفع لتر البنزين إلى مائة ليرة، مقارنة بأربعين ليرة مطلع العام 2011, فيما وصل لتر المازوت إلى 65 ليرة، مقارنة بعشرين ليرة.
ونتيجة لهذا الوضع، لم يعد سهلا على المواطن توفير وقود التدفئة، ولجأ البعض بدلا عن ذلك إلى الأخشاب، وقطع الأشجار المثمرة، لتندمج الخسائر الاقتصادية بأخرى بيئية وصحية.
وقد انعكست أزمة الطاقة هذه على القطاع الزراعي، الذي كان في الأصل قد تأثر بالعقوبات الاقتصادية.
ويأتي القطاع الزراعي هو الآخر في مرتبة متقدمة من حيث أهميته النسبية للاقتصاد المحلي، ويساهم بنحو 20% من الناتج الإجمالي.
وتعتبر 36% من الأراضي السورية صالحة للزراعة، وتقع محافظة الحسكة في المرتبة الأولى من حيث مساحة الأراضي المزروعة على المستوى القطري، بواقع (1.2 مليون هكتار)، يليها ريف حلب (1.1 مليون هكتار)، وإدلب (356 ألف هكتار)، وحمص ( 304 آلاف هكتار).
وهذه المساحة من الأراضي المزروعة، جعلت من القطر مُصدّرا رئيسيا للحمضيات على مستوى الشرق الأوسط، ومنتجا ومصدّرا لعدد من السلع الزراعية المختلفة.
أما اليوم، فقد اضطر عدد من المزارعين إلى ترك أراضيهم، أو عجزوا عن رعايتها، بفعل غياب عوامل الإنتاج، كما قلص نقص الوقود من حجم إمدادات مياه الري في عدد من المناطق.
كذلك، أثرت العقوبات الاقتصادية على فرص استيراد الحبوب، علما بأن سوريا تستهلك نحو ثمانية ملايين طن سنويا، يجري استيراد نصفها تقريبا.
وعلى الرغم من أن الغذاء غير مشمول بالعقوبات، إلا أن تراجع احتياطات البلاد النقدية جراء تضرر القطاعات الإنتاجية، ووقف التعاملات المالية الخارجية مع بنوك القطاع العام، جعل من استيراد السلع المختلفة مسألة معقدة، وأحيانا غير مضمونة.
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أعادت المؤسسة العامة للتجارة الخارجية طرح مناقصتين لاستيراد الأرز والسكر، بعد عدة محاولات بدأت في يونيو/حزيران، وطرحت المؤسسة مناقصة لشراء 276 ألف طن من السكر، وأخرى لشراء 135 ألف طن من الأرز.
وطالبت سوريا بسداد قيمة مشترياتها الغذائية من حسابات مصرفية مجمدة في الخارج، إلا أنها لم تحصل على موافقة بهذا الخصوص.
انهيار العملية وارتفاع التضخم
وإذا كان القطاعان النفطي والزراعي، قد شهدا ضررا متفاوت المستويات، فإن النتيجة الأكثر وضوحا للضغوط المتأتية على الاقتصاد الوطني، قد تمثلت في فقدان العملة الوطنية لأكثر من نصف قيمتها، في غضون عامين.
وفي يوليو/تموز الماضي، وصل سعر الصرف لأكثر من ثلاثمائة ليرة للدولار، ثم عادت العملة لتقلص خسائرها، وتحوم حول مائة وخمسين ليرة للدولار.
وتراجع سعر الصرف الرسمي حوالي 180% خلال الفترة بين مارس/آذار 2011 ويوليو/تموز 2013، وحوالي 65% في النصف الأول من العام 2013 وحده.
إن معطيات البيئة الاقتصادية والمالية قد ترجمت نفسها في نهاية المطاف، في صورة تضخم غير مألوف في اتساعه.
ووفقا للبيانات الرسمية، فإن التضخم على مستوى معيشة الأسر قد قارب 300% في مارس/آذار 2013, مقارنة بـ190.49 في الشهر ذاته من العام 2012.
وتظهر البيانات أن مؤشر أسعار المستهلك قد ارتفع في أبريل/نيسان 2013 حوالي 212% مقارنة بمارس/آذار 2011، وحوالي 161% منذ أبريل/نيسان 2012.
وبلغ الرقم القياسي لهذه الأسعار في مايو/أيار الماضي 319.98%، ووصل معدل التضخم السنوي في مايو/أيار من العام 2012 إلى 68.03%.
وتتفاوت المؤشرات بصورة ملحوظة بين محافظات القطر المختلفة، وقد تصدرت حلب غلاء الأسعار، في حين حلت دمشق في نهاية المؤشر.
وارتفاع الأسعار، الذي كثر الحديث عنه، لا يعبر في جوهره عن أزمة نقدية مجردة، بل يُمثل مشكلة اجتماعية عامة.
وهناك تصنيف خاص، اعتمده برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، انتهى فيه إلى القول بأن أكثر من نصف الشعب السوري بات يقع في خانة الفقر.
وبغض النظر عن طبيعة الأدوات التحليلية التي اعتمدت في الوصول إلى هذا الاستنتاج، فإن الثابت في الأمر هو أن انزياحا معيشيا أصاب الناس في مناطق وبلدات باتت متضررة من شدة الظروف التي تمر بها البلاد.
كذلك، فإن النازحين داخليا بسبب القتال، الذين يُقدر عددهم بنحو أربعة ملايين مواطن، تقع حالتهم أيضا تحت خط الفقر، بل هي في جوهرها حالة تشرد.
وهؤلاء لا يصنفون ضمن خانة الفقر فقط، بل يعتبرون مستحقين للمساعدات، على اختلاف صنوفها.
وأيا تكن المناهج المعتمدة في القياس والتحليل، فالثابت والأكيد هو أننا بصدد تحديات متعاظمة، والمطلوب ليس فقط إحصاء عدد المحتاجين أو المتضررين، بل توفير أسباب تعافيهم المعيشي، وتجنب المقاربات التي تحول بينهم وبين هذا التعافي.
الجزيرة نت