هل ستفرض تركيا منطقة آمنة في الشمال السوري؟/عمر كوش
جديد المنطقة الآمنة
تطور هام
لن يهدأ بال المسؤولين الأتراك حتى يتحقق مطلبهم في إنشاء منطقة آمنة في الشمال السوري، كونها باتت تشكل ضرورة ملحة للأمن القومي التركي، بعد تزايد تعرض بعض مناطق تركيا الجنوبية إلى القصف، وسقوط المزيد من القذائف، وخاصة على مدينة “كيليس” الحدودية مع سوريا.
وزادت في الأيام القليلة الماضية، حدة تصريحات المسؤولين الأتراك حول ضرورة إقامتها، مع دفع الجيش التركي بمزيد من التعزيزات إلى المناطق الحدودية مع سوريا، وذلك بعد تنامي ضغوط داخلية، ومظاهرات شعبية، تطالب بالتحرك لوقف هذا القصف الذي أودى بحياة 10 مواطنين أتراكا و7 لاجئين سوريين، وعشرات الجرحى، منذ بداية أبريل/نيسان الماضي.
جديد المنطقة الآمنة
لعل الجديد في عزم القيادة التركية على إقامة منطقة آمنة، يرجع إلى ضرورات داخلية، تتعلق بالأمن التركي، وعوامل خارجية، جسدتها تصريحات المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل خلال زيارتها الأخيرة مخيمات اللاجئين السوريين في تركيا، التي أيدت فيها للمرة الثانية خلال أقل من شهرين إقامة منطقة آمنة في سوريا، بعد أن أعلنت تأييدها في فبراير/شباط الماضي إقامة منطقة حظر طيران في الشمال السوري، بغية توفير مكان آمن لاحتضان اللاجئين السوريين الذين تدفقوا بمئات الآلاف إلى دول الاتحاد الأوروبي، وخاصة ألمانيا.
ولا شك في أن ميركل أعادت طرح موضوع المنطقة الآمنة مع الرئيس الأميركي باراك أوباما، خلال زيارته الأخيرة الوداعية لألمانيا، وهو أمر أحرج الأخير وجعله يبرر موقفه الرافض لفكرة إقامة منطقة آمنة.
ولم يجد أوباما غير القول بأن الأمر الخاص بإقامة منطقة آمنة في أراض سوريا، لا يتعلق “باعتراض أيديولوجي” من جهته، وأنه لا علاقة للأمر بعدم رغبته “في تقديم المساعدة وحماية عدد كبير من الأشخاص”، وأرجع الأمر إلى “ظروف عملية بشأن كيفية تحقيق ذلك”.
وظهر أن مسوغات جديدة لاعتراض الرئيس الأميركي على المنطقة الآمنة، طرحها في جملة من الأسئلة بخصوصها، تدور حول البلد الذي يمكنه “وضع عدد كبير من القوات البرية داخل سوريا”. في حين أن تركيا لم تطالب بإرسال قوات برية إلى الشمال السورية لفرض المنطقة الآمنة، وربما أقنع المستشارة الألمانية بضرورة إدخال تعديلات على مطلبها، من خلال إدراج المنطقة الآمنة على أجندة مفاوضات جنيف3 بين وفدي النظام والمعارضة، على أمل التوصل إلى اتفاق سياسي حولها، يمكنه توفير ملاذات آمنة للاجئين السوريين، ويريح ألمانيا وأوروبا من تبعات أزمة اللجوء التي باتت تشكل عبئا ثقيلا على الاتحاد الأوروبي، وتهدد وحدته، وبالتالي تحول الطرح الألماني إلى مشروع توافقي يستوجب موافقة مختلف اللاعبين الإقليميين في الأزمة السورية، وهو أمر صعب التحقق، بل ومستبعد جدا.
” غير أن وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، اعتبر أن الهدف الأساسي لبلاده، “هو أن نطهر المنطقة الممتدة حتى منبج، والتي يبلغ طولها 98 كيلومترا، من عناصر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وعندما يتم تحقيق هذا الأمر تكون المنطقة الآمنة قد فرضت نفسها”.
ويبدو من تصريحات القادة الأتراك أن فكرة المنطقة الآمنة التي طالما نادت بها تركيا ما زالت حية وقابلة للتطبيق، وأن العديد من قادة العالم مقتنع بالفكرة، لكن لا توجد إرادة سياسية لتنفيذها، بالرغم من أنها باتت تعني لدى تركيا، أن تكون منطقة خالية من تنظيم الدولة (داعش) ومن قوات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا (PYD)، الذي تعتبره الذراع السوري لحزب العمال الكردستاني (PKK)، المصنف إرهابيا في تركيا، وأن تكون مخصصة للنازحين واللاجئين السوريين والأغراض الإنسانية.
ولا شك في أن واقع الأمر، هو أن الإدارة الأميركية لا تريد الانخراط عسكريا في الأزمة السورية، وأوكلت المهمة إلى روسيا، وتذرعت بمختلف الحجج لتبرر اعتراضها على المنطقة الآمنة، حيث يذهب بعض المسؤولين الأميركيين إلى القول بأن إنشاء منطقة آمنة في الشمال السوري قد يشعل فتيل حرب إقليمية، ويفضي إلى مواجهات مباشرة بين دول المنطقة، وهو ما تسعى مختلف الأطراف، لتجنب حدوثه بأي ثمن، وبكل صورة من الصور.
وبالتالي تخشى الإدارة الأميركية في حالة إقامة منطقة آمنة ما بين منطقتي إعزاز وجرابلس من حدوث اشتباك أو احتكاك ما بين قوات حزب الاتحاد الديمقراطي والقوات التركية، وهي تميل في الوقت الحالي إلى حليفها الكردي الجديد في سوريا، وتتحالف معه في سياق حربها على تنظيم الدولة، وذلك على حساب حليفها القديم في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وتحاجج أن تحالفها مع الحزب الكردي هو فقط من أجل محاربة تنظيم الدولة، وليس مع أجل تحقيق أهدافه الانفصالية في سوريا، حيث أعلن هذا الحزب عن فيدرالية شمالي سوريا في نهاية شهر مارس/آذار الماضي، وقوبل هذا الإعلان برفض تركي، ورفضته كل قوى المعارضة والثورة السورية.
تطور هام
العامل الذي يمثل تطورا هاما على المستوى العسكري، هو موافقة الولايات المتحدة الأميركية على نشر منظومة “هايمارس”، (HIMARS)، ويمكن لهذه المنظومة حمل 6 صواريخ أو صاروخ تكتيكي واحد برأس مضاد للدروع، أو رأس يحمل قنابل عنقودية، أو رأس انفجاري تقليدي. ويصل مداها إلى 90 كيلومترا، في حين أن المدفعية التركية مداها لا يتجاوز 40 كيلومترا.
ويخطط المسؤولون الأتراك لإقامة منطقة خالية من تنظيم الدولة، بعمق 18 كيلومترا، وعرض 8 كيلومترات، بين منطقتي جرابلس وإعزاز، بالاعتماد على هذه الصواريخ، التي يمكنها ضرب مواقع التنظيم بدقة أكبر، إلى جانب تقديم دعم جوي وبري عبر الحدود التركية للمعارضة السورية المعتدلة، التي ستتقدم عبر البر.
وكان القادة الأتراك يريدون أن تمتد المنطقة الآمنة على طول 100 كيلومتر من الحدود السورية التركية، وبعمق 50 كيلومترا، تبدأ من جرابلس وصولا إلى معبر باب السلامة، التابع لمدينة إعزاز السورية، وأن تكون منطقة حظر جوي، وهو أمر لم يلق قبولا لدى الإدارة الأميركية.
ويبقى أن الغاية التركية من المنطقة الآمنة هي إبعاد احتمال قيام كيان كردي في شمال سوريا، يمتد من القامشلي وصولا إلى عفرين، فضلا عن إبعاد خطر تنظيم داعش عن الحدود التركية، إضافة إلى إعادة اللاجئين السوريين في تركيا إليها، وما يترتب على ذلك من توفير ملاذ أمن للمعارضة السورية، بشقيها السياسي والعسكري.
وفي مطلق الأحوال، هناك تصميم تركي على دعم عملية عسكرية محدودة في الشمال السوري، لإبعاد تنظيم الدولة “داعش” عن حدودها، ومنع سقوط القذائف داخل أراضيها، وتتطلب تلك العملية مشاركة وحدات خاصة تركية محدودة، فيما يكون عمادها من فصائل المعارضة السورية المعتدلة، وستتولى تركيا إسنادها بالصواريخ والمدفعية والطيران، بالتنسيق مع قوات التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الذي تقوده الولايات المتحدة.
ولا شك في أن نشر الولايات المتحدة منظومة صواريخ “هاريماس”، سيشكل عاملا مشجعا لتركيا في المضي قدما في إقامة المنطقة الآمنة، رغم أن الرئيس باراك أوباما لا يزال غير متحمس لهذه الفكرة، ويخشى أن تكون مقدمة لاستدراج تدخل عسكري أميركي، طالما سعى إلى تجنبه طيلة الأزمة السورية.
الجزيرة نت