هل مات الملك؟/ ممدوح عزام
وضّح الروائي فورستر في كتابه “أركان الرواية” الفرق بين الحكاية والحبكة بطريقة بسيطة للغاية. فالحكاية هي: مات الملك، ثم ماتت الملكة. أما الحبكة فهي: مات الملك، ثم ماتت الملكة حزناً عليه. أو أن الأولى هي القصة، والثانية هي العقدة.
وقد تكون هذه واحدة من أكثر المسائل إثارة للحيرة، والارتباك في الكتابة الروائية التي تواجه الكاتب العربي، والسوري خاصة، اليوم. فضخامة الحدث اليومي، وتراكم المتغيرات وتنوعها واختلافها، بحيث يمكن للمتابع أن يرى، أو يسمع، أو يقرأ، عن الأحداث التي تتسارع من حوله في جميع المناطق السورية، سواء تلك التي تشهد المعارك، أو تلك التي تترقب وتشاهد. تحتّم أن يبرز السؤال الذي لم يجب عليه فورستر: من هو الملك هنا؟ ربما هو سورية نفسها، أو الثورة، أو الحياة اليومية، أو مصير الأفراد، أو مصير الجماعة؟
فتاريخ البلد بات مضرّجاً بدماء الآلاف من السوريين الذين دافعوا عن “الملك” الذي في داخلهم. عن سورية التي يحبونها كوطن، أو عن أيامهم العادية، أو عن تلك القيم الإنسانية العظيمة التي خرجوا إلى الشوارع ذات يوم، قبل خمس سنوات كي يثبتوا لأنفسهم أنهم متمسكون بها: الحرية والكرامة ولقمة العيش الشريف. منهم من أخرج الخوف من دمه، ومنهم من أعاد تشغيله في لحمه وعظامه. وهؤلاء جميعا يسألون السؤال المرير:
هل مات الملك حقاً؟ هل ضاعت سورية من بين أيديهم؟ هل ذهب اليومي العادي البسيط المؤلف من شراء الخضار، والحديث مع الجارة، والمشي مساءً، وإصلاح حنفية الماء…إلى آخر ما يمكن لليومي أن يكونه؟ ثم من هي الملكة التي ماتت حزناً؟ ربما تكون ما أضعناه في هذه السنوات الخمس من الحلم والأمنيات والفرص التي كان يمكن أن تتحقق.
ولكن خصائص الصراع الروائي ترتبط بشروط الحبكة الروائية، ولا تخضع للحوادث في الحياة الواقعية. أي أن الأحداث في الرواية تتابع طبقاً لقواعد منطقها الخاص، وليس طبقاً لقواعد المنطق المألوفة في الحياة اليومية. وهي مشكلة تعترض الروائي في مواجهة اليومي. كيف يمكن أن يبتكر ثورة خاصة مثلاً، تكون مخلصة لروح ثورته، وتختلف من حيث التفاصيل عن كل ما يحدث حوله؟
كما أنها تضع الروائي أمام مسؤوليات كبيرة، إذ لا يمكنه أن ينسج روايته دون أن يتقصى الأسباب الضرورية التي أفضت إلى الحدث المعني فيها، أو دون أن يعرف بطريقة ما، ما هي النتائج المترتبة على السيرورة الروائية لذلك الحدث.
بينما يُجمع معظم الروائيين في العالم على أن الواقع الذي يبدو مرجعاً لأعمالهم، يفتقر للأسباب المنطقية، أو أنه لا يعمل أساساً وفق منطق الأسباب والنتائج، إذ ربما كان أقرب إلى العشوائية التي تتطلب إعادة التنظيم.
ثمة آلاف الموضوعات التي ترشّح نفسها كي تكون روح الحكاية السورية. قال الروائي فورستر في الكتاب ذاته: “نحن جميعاً نشبه زوج شهرزاد، أي شهريار، في أننا نريد أن نعرف ماذا سيحدث بعد ذلك”، فهل ستتمكن الرواية من أن تقول لنا ماذا سيحدث بعد ذلك؟
العربي الحديد