هل من منقذ في سوريا؟
علي إبراهيم
هناك علامات على أن الأزمة السورية دخلت في مرحلة تشبه الأسابيع الأخيرة لنظام العقيد الليبي معمر القذافي حينما ظل النظام هناك يكابر ويطلق التصريحات النارية، ثم حدث الانهيار المفاجئ ودخل الثوار إلى طرابلس وهرب أركان النظام إلى النهاية الدموية التي رأيناها. وكان يمكن للنظام لو اتبع حلولا سياسية قبلها بأشهر أن يجنب البلاد الدم والاضطراب وانهيار المؤسسات الذي حدث وما زالت تداعياته مستمرة حتى اليوم.
طبعا الحالة السورية مختلفة حتى لو كانت هناك ملامح تشابه في السيناريو الذي تحول من مظاهرات سلمية تطالب بالحرية والعدالة إلى مواجهات مسلحة ووضع أشبه بحرب داخلية يستخدم فيها السلاح بكثافة. فالجغرافيا السياسية الداخلية في سوريا أكثر تعقيدا، وكذلك الجغرافيا السياسية الإقليمية لها، بما في ذلك المواقف الإقليمية والدولية التي جعلت الأزمة جزءا من صراع أكبر يدفع الشعب السوري ثمنه.
علامات الانهيار وفقدان النظام السيطرة أصبحت واضحة، فعندما نشاهد فيديو قاعدة كتيبة الصواريخ قرب حمص، التي قالت المعارضة إنها انشقت، والقصف الجوي لها من قبل النظام بعد انشقاقها، فلا بد أن يشعر الجميع بالخطر من المسار الذي يمكن أن يتجه إليه هذا الصراع بين نظام يكابر ومتشبث بالحكم من دون استعداد لتقديم حلول حقيقية، وبين المعارضة التي أثبتت على مدار نحو عام ونصف العام تقريبا أن هذه الانتفاضة غير قابلة للإخماد، وأن العودة إلى الأوضاع السابقة غير ممكنة.
وهناك حديث رئيس المجلس الوطني السوري الجديد، أن النظام في أيامه الأخيرة وأنه فقد السيطرة على أجزاء كبيرة من سوريا، ويؤكد ذلك التصعيد الذي نراه في الأعمال العسكرية مثل القصف المستمر لحمص وحتى لأحياء في دمشق، وعودة الاشتباكات إلى مناطق دخلها النظام سابقا، ومظاهرات أيام الجمعة التي يخرج فيها عشرات الآلاف متحدين رغم القمع والاعتقالات.
الغريب أن هناك شبه إجماع أو اتفاق دولي وإقليمي على أن بقاء هذا النظام أصبح مستحيلا، وأن تغيير النظام قادم لا محالة عاجلا أم آجلا، لكن لا توجد رؤية واضحة للكيفية التي يمكن أن يتم بها ذلك، أو كيفية تقصير الفترة حتى لا تكون التكلفة باهظة، سواء على صعيد الثمن الذي يدفعه الشعب السوري أو الثمن الذي سيدفعه الأمن الإقليمي للمنطقة.
ولعل أكثر ما يقلق بعض الأطراف الخارجية هو القلق من مصير ترسانة الأسلحة الضخمة التقليدية وغير التقليدية الموجودة لدى النظام السوري، وما يمكن أن يحدث لها لو حدث انهيار بدأت ملامحه تظهر في الوحدات العسكرية التي تتسارع فيها الانشقاقات، وجرى فقدان السيطرة على هذه الأسلحة. لكن الأخطر من ذلك هو القلق على مستقبل سوريا نفسها إذا استمر نزيف الدم والعنف يتصاعد بهذا الشكل مع المجازر التي ترتكب من قبل ميليشيات غير نظامية تابعة للنظام، وما يخلفه ذلك من ثأرات وصعوبات أمام مصالحات مستقبلية وإعادة بناء الدولة.
ومن الواضح أن العالم كان يقدم رجلا ويؤخر أخرى في تعامله مع الأزمة السورية منذ بداية الانتفاضة، بينما منح النظام فرصا كثيرة في محاولة لتفادي السيناريو الذي نراه أمام أعيننا حاليا. ولم تكن هناك استجابة من قبل أصحاب القرار في دمشق، وحتى خطة المبعوث الدولي كوفي أنان تعامل معها النظام باستخفاف شديد، رغم قبوله بها، رغم أنها كان يمكن أن تقدم له مخرجا.
لقد شبه وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ الوضع في سوريا بأنه أصبح الآن أشبه بوضع البوسنة والحرب الأهلية فيها قبل أن يتدخل الغرب عسكريا ضد صربيا لوقف المذابح. ولو عدنا بالذاكرة إلى أزمة البلقان، وقتها، فسنجد أنها انتهت بعدة كيانات وجغرافيا جديدة على أنقاض يوغوسلافيا القديمة. فهل هذا ما يريده النظام في سوريا، وقد بدأ الحديث يتصاعد الآن عن عدم استبعاد التدخل العسكري، وهو أمر تزداد احتمالاته كل يوم مع وتيرة القتل اليومية؟ وهو مسار سيكون مؤلما لو حدث، فلا أحد يريد حربا أهلية في سوريا، أو أن يتمزق كيان وجغرافية الدولة وتنهار مؤسساتها بشكل كامل، وهو طريق تدفع إليه طريقة التفكير الانتحارية للنظام حاليا، ما لم يظهر منقذ أو منقذون من قلب مؤسسات الدولة هناك لديهم القدرة والشجاعة على تولي المسؤولية في مرحلة انتقالية وإقصاء القيادة الحالية.
الشرق الأوسط