هل هرب أيمن جابر من سوريا؟/ بشار جابر
وسط الغموض الدائم المحيط بصراعات مراكز القوى داخل النظام، تبدو قصة زعيم مليشيا “صقور الصحراء” أيمن جابر، نموذجاً لما هو عليه الحال في “سوريا الأسد”. فالأنباء المتضاربة عن اختفاء جابر، بعد صعوده السريع خلال العامين الماضيين، تفتح الباب واسعاً أمام ديناميات صنع مراكز القوى ضمن النظام، ووسط المجتمع العلوي.
حينما أوقف سليمان الأسد حركة المرور في شوارع مدينة اللاذقية، في العام 2013، ليعلن والده هلال رئيساً لمدن الساحل السوري، صمتت جميع الأجهزة الأمنية والعسكرية التابعة للنظام. حتى هلال الأسد لم يُكلف نفسه إيقاف رسائل ابنه المفتوحة، فقد كان ذلك حُلم الأب، خاصة أنه أصبح القائد العلوي الأكثر قوة، والذي يقود أكبر تشكيل عسكري من بعد قوات النظام لحماية الساحل: “الدفاع الوطني” المدعوم إيرانياً، والذي باتت أجهزة الدولة مسخّرة بالكامل له.
حينها لم يكن العلويون يسمعون بأيمن جابر، المتزوج من ابنة كمال الأسد، رغم المليشيا الصغيرة التي يقودها في منطقة الحفة شمال شرقي اللاذقية. فوجود هلال الأسد حجّم جابر بشكل كبير. إلا أن وفاة هلال في ظروف غامضة، ومسارعة النظام لضرب نفوذ ابنه، شكلا فراغاً في اللاذقية مع عدم وجود شخصية علوية محورية.
مليشيا أيمن جابر المحليّة، كتنظيم أمني بديل قائم على العصب الطائفي، استغلّت الفراغ، وتمكنت من السيطرة على حركة الهامش التي لا يُمسكها النظام في الساحل. من هنا خرج أيمن جابر، كقائد علوي جديد، بصلاحيات ممنوحة من شقيق الرئيس، ماهر الأسد. وكان ماهر قد تجنّبَ إعطاء صلاحيات مماثلة لأفراد عائلته في اللاذقية، على خلفية تمردهم على تجاهل بشار وماهر لهم. فالرئيس وشقيقه لم يقدما العزاء لآل هلال الأسد، ولا في جنازة فواز جميل الأسد، ولا في جنازة شيخ الجبل محمد توفيق الأسد. الأمر الذي دفع منذر الأسد لشتمهما علناً، فأرسل ماهر قوات من دمشق لمحاصرة منذر، وأخضعه لتحقيق مطوّل في دمشق، لمدة تجاوزت 15 يوماً.
وكبديل عن زعماء العائلة، سُلمت اللاذقية إلى أيمن جابر، بعدما وافق ماهر على دعم مليشيا “صقور الصحراء” كبديل عن “الدفاع الوطني”، والقبول بمشاريع أيمن جابر الاقتصادية، ليتحول إلى واجهة اقتصادية مدعومة من النظام. وصار شقيق أيمن، محمد جابر منسقاً أعلى للعمليات العسكرية التدريبية للمليشيا. وأوفد الشقيقان إلى إيران للتفاهم مع الإيرانيين ليتبنوا “صقور الصحراء” ووضع آلية لعملها. الأمر الذي انطلق فعلياً في خريف العام 2014، لتصبح “صقور الصحراء” صاحبة النفوذ الأكبر في الساحل خلال عام واحد.
اختيار ماهر الأسد لأيمن جابر، لتعويض الفراغ الذي خلّفه مقتل هلال، لم يكن سوى مناورة تحول دون خلق شخصية محورية جديدة لدى العلويين، إلا على مستوى العمل البرغماتي المباشر. فاسناد الدور الذي كان يقوم به هلال الأسد، إلى شخص آخر من آل الأسد، سيثير مخاوف لدى النظام، من الأطماع والطموحات التي لم يوفر هلال الأسد جهداً لإخفائها. بالنسبة لنظام الأسد، أي شخص من العائلة، سيكون مصدر تهديد، إذا عمل باحتكاك مباشر مع المجتمع العلوي.
أيمن جابر، وبموافقة من رأس النظام، احتكر استيراد التبغ، وحظي بدعم مؤسسات “الدولة” التنفيذية، ما تسبب في ضرب عمليات التهريب التي احتكرتها عائلة الأسد في الساحل، وأشعل معارك بين العصابات المسلحة في مدينتي اللاذقية وجبلة وفي ريف حمص. احتكار استيراد التبغ كان نظرياً بهدف تحويل الأرباح لدعم “صقور الصحراء”، أي دعم الاقتصاد المليشياوي ذاتياً.
كما أن استحواذ الجابر على تعاطف الشارع العلوي، كشخصية بارزة تُعطي الرواتب وتعوّض على ذوي القتلى، جعله عدواً لدوداً لآل الأسد في الساحل. استياء منذر الأسد ازداد بعد تعاون “صقور الصحراء” ورأس النظام، لمنعه من تشكيل مليشيا خاصة به، ومنعه لمرتين من دخول مدينة اللاذقية. ابن منذر، هاجم أيمن الجابر مباشرة، وأطلق النار على موكبه، مرتين؛ في تموز وآب. ما دفع الجابر لتحصين مقرّه بأكثر من أربعين سيارة مسلحة، بأسلحة ثقيلة.
استمرت تهديدات آل الأسد للجابر وقتاً طويلاً. إلا أنه وما أن عاد من زيارة إلى دمشق لاستشارة ماهر الأسد بما سيفعله، قبل اسبوعين، وحصوله على وعدٍ منه بحمايته من العائلة، حتى صدر قرار بسحب احتكار استيراد التبغ الأجنبي وبيعه منه.
أوساط النظام بررّت الغاء احتكار الجابر لاستيراد التبغ، بسبب إلزامه تجار الجملة تأمين أسعار التبغ المطلوبة بالعملة الصعبة، ورفعه للأسعار بشكل دائم، على الرغم من قيامه بتصنيع قسم كبير من الدخان “المستورد” في مصانع على سفن بحرية، وادخال تلك الكميات من دون دفع ضرائب عليها. أحد تجار الجملة قال لـ”المدن” إن الجابر استغل الصلاحيات الممنوحة له من ماهر الأسد، لزيادة أرباحه الخاصة، وعدم تقاسمها مع عرّابيه.
قرار سحب احتكار التبغ من الجابر، لحقته أنباء بفكّ ارتباطه بـ”صقور الصحراء”. الأمر غير مؤكد حتى اللحظة، إلا أن اختفاء أيمن الجابر واضح، فموكبه لم يعد يُرى في اللاذقية، وبيته مازال محمياً بالسيارات العسكرية، وسط اشاعات عن مغادرته البلاد.
المدن