هل يستطيع الأسد حرق المنطقة؟
عبد الرحمن الراشد
الصحف التركية نفسها نقلت الرواية التي تقول إن الرئيس السوري بشار الأسد قالها صريحة للمبعوث التركي، بأنه مستعد وقادر على إحراق المنطقة إن تعرض حكمه للإسقاط.. سيشعلها ضد إسرائيل بحزب الله، وسيشعلها ضد تركيا بتحريك الانفصاليين الأكراد، وسيشعلها في الخليج عبر جماعات إيرانية.
ومع أن متحدثا باسم الخارجية التركية أنكر الرواية، فإن هذه الرواية هي الرسالة، حتى لو لم يقلها الأسد بـ«عظمة لسانه»، ولو لم يسمعها وزير الخارجية التركي بأذنيه. فاستعداد النظام السوري لإحراق المنطقة عمل متوقع، لأن النظام عاش دائما على التوازنات الخارجية وليس على الإيقاع الداخلي، في لبنان وإيران وفلسطين وأخيرا في العراق بالتحالف مع إيران. وهو الآن يعتقد أنه يخيف الإسرائيليين، إن لم يهبوا لنجدته في واشنطن بمنع أي قرار دولي وإبعاد الأميركيين عن دعم المعارضة، بفتح الجبهة اللبنانية وتهديد أمنهم الداخلي. يعتقد أنه قادر على إيقاد الحرائق من جديد في العراق، حيث إن كل التنظيمات العراقية المعارضة والإرهابية موجودة في سوريا. ويعتقد أيضا أنه قادر على تحريك جماعات محسوبة على إيران في الخليج، في البحرين والكويت والسعودية، وتخويف العالم نفطيا وسياسيا.
العقلية الابتزازية، طالما كانت سياسة انتهجتها واشتهرت بها ثلاثة أنظمة في المنطقة، نظام الأسد ونظام صدام وكذلك نظام القذافي، من عمليات خطف واغتيال وتفجير وتمويل جماعات معارضة وتشويه سمعة وتحريض سياسي. لكنها عندما جاءت ساعة المواجهة فشلت تماما. نظام صدام لم يقف إلى جانبه أحد عندما كانت القوات الأميركية تسير من دون مواجهة تذكر من أقصى جنوب العراق إلى بغداد، واحتلت العاصمة بسرعة، حيث انهارت قوات صدام فورا. القذافي الذي كان يهدد العالم هو الآخر اضطر إلى الاستعانة بمرتزقة من الخارج للدفاع عن نظامه، وسقط هو الآخر.
ماذا عن الأسد؟ بالتأكيد، نظامه أكثر تماسكا من نظام القذافي، وبالتأكيد أكثر شراسة، ولديه ارتباطات مع منظمات عربية وجماعات إيرانية ومع النظام الإيراني، الذي يعتبر قمة الهرم الإرهابي في العالم، ومع هذا فإنه هذه المرة لا يواجه أنظمة عربية أو مصالح أجنبية، بل يواجه شعبه الذي فشلت كل وسائل القمع والترويع في ردعه عن الخروج والمطالبة بإسقاط النظام. إذن لماذا يفعلها إن كانت المظاهرات ذاتية الحركة؟ يعتقد أن تخويف القوى الإقليمية، مثل تركيا والخليج، سيسهم في منعها من مد يد العون للمعارضة وقوى الاحتجاج السورية، والأهم يعتقد أنه يخيف هذه الدول حتى تترك له المجال ليستمر في مجازره داخليا حتى يخمد الثورة. لكن ليست تركيا ولا السعودية، ولا غيرهما من دول المنطقة، هي التي أوقدت الانتفاضة، وليست بالقادرة على إطفائها. إنها نتيجة طبيعية للثورة على واحد من أقسى الأنظمة في العالم وأشدها قمعا على مدى أربعين عاما، وبالتالي هذه حركة شعبية ذاتيه حقيقية، وربما كل ما استعارته من الخارج أنها استلهمت من حركة الاحتجاج التونسية الشعبية ثورتها. كل ما يفعله نظام الأسد الآن أنه يغلق المنافذ على نفسه بتهديده دول المنطقة وشعوبها إن ساعدت السوريين بأي صفة كانت، أو إذا لم تساعد النظام في دمشق على الوقوف والبقاء. القذافي مارس الكثير من التخويف والتهديد، فلما حانت لحظة النهاية لم يجد من يساعده على مخرج يؤمن له الملجأ أو يحفظ له شيئا من الكرامة.
لهذا القذافي اليوم تائه في الصحراء الليبية يتنقل خائفا، وما المسألة إلا وقت حتى تحين لحظة نهايته كشخص بعد أن انتهى كنظام، وهذا ما سيواجهه نظام الأسد.
“الشرق الاوسط”