صفحات العالم

هل يضمن “الإخوان” سوريا جديدة “غير تكفيرية”؟

 

    سركيس نعوم

كانت الادارة الاميركية منسجمة مع مواقفها عندما أدرجت “جبهة النصرة” المقاتلة الى جانب الثوار السوريين على “لائحة الارهاب”. فهي، استناداً الى معلوماتها، على علاقة وثيقة بـ”تنظيم القاعدة” الذي تعتبره ارهابياً، والذي تخوض معه حرباً منذ عقود سجل فيها عليها نقاطاً كثيرة بعضها موجع جداً، وكبَّدته خلالها خسائر فادحة جعلته في موقع دفاعي. علماً ان حاله هذه لا تمنعه ولن تمنعه من الاستمرار والتجدد، لأنه ليس تنظيماً عادياً مهيكلاً، وليس جيشاً نظامياً، ولأن بيئاته الحاضنة له هي دائماً “الشعب” الذي يرى فيه أملاً في التخلص من عبودية انظمة، او من طغيان فقر وفساد، أو من هيمنة قوى استعمارية – دينية “كافرة”. و”تنظيم القاعدة” يشكل خطراً على حلفاء اميركا في المنطقة وفي مقدمهم اسرائيل والانظمة العربية “المعتدلة” في سياساتها العامة على رغم بعض التطرّف في سياساتها الدينية. كما انه يشكل خطراً على “الثورات العربية” التي يسعى الى السيطرة عليها بغية تحويل دولها مناطق آمنة له وقواعد لعناصره ونقطة انطلاق لعملياتهم “الجهادية”. وما يجري في تونس وليبيا، وما قد يجري في مصر وربما في سوريا بعد سقوط نظام الاسد، دليل واضح على ذلك. إلا أن ذلك لا يعني ان مواقف “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” و”الإخوان المسلمين” السوريين كما “الجيش السوري الحر” المنتقدة للقرار الاميركي في شأن “جبهة النصرة” ليست في محلها ايضاً. إذ في وجه آلة القمع والقتل التي امتلكها النظام السوري ولا يزال، وفي مواجهة قراره بتصفية الثورة على نظامه وإن أدى ذلك الى تدمير سوريا والقضاء على نصف شعبها، وفي ظل “تريث” الغرب والعرب في تزويد الثوار ما يحتاجون اليه من أسلحة نوعية للانتصار، وهو تريث استمر نيّفاً وبضعة اشهر، إذ في وجه كل ذلك وظله ولم يكن في وسع الثوار إلا الترحيب بكل من يأتي الى مساعدتهم.

هل يؤثِّر القرار الاميركي إدراج “جبهة النصرة” على لائحة الارهاب على مسار الثورة السورية، وعلى التزام العرب والغربين الاميركي والاوروبي مساعدتها للتخلص من نظام الاسد ولإقامة نظام بديل يعتمد الديموقراطية ويعترف بالتعددية ويحترمها؟

المعلومات المتوافرة عند جهات عدة إسلامية وغربية تستبعد ذلك. فنسبة الاصوليين الاسلاميين التكفيريين في سوريا اليوم ضئيلة إذا ما قيست بنسبة غالبية الثوار. بعضهم غير عرب، وبعضهم سوري. لكن “الجيش السوري الحر”، استناداً الى مصادر اسلامية معتدلة مطلعة، صار قوياً ويمتلك المال والسلاح. وهو يتطور تدريجاً. وبعد تأسيس “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” وتبني معظم العالم له لم تعد هناك مشكلات اساسية غير قابلة للحل. طبعاً، يقول هؤلاء قد يحصل فوضى في سوريا المحررة في حال سقوط النظام على نحو مفاجئ، أو في ما يتحرر منها جراء انكفائه الى “مربعه الجغرافي المذهبي”. وهذا امر طبيعي جراء الصراع على السلطة بين الاسلاميين انفسهم وبينهم وبين غير الاسلاميين… لكن هناك قدرة على ضبط الوضع وتنظيمه. فجماعة “الإخوان المسلمين” مثلاً عززت وجود عناصرها في الالوية والكتائب المقاتلة داخل “الجيش السوري الحر” وداخل الفصائل الاخرى. وهي تتولى عملية التوجيه والدفع في اتجاه الوحدة. و”الإخوان” سيكون لهم على ما يبدو دور مهم واساسي في مرحلة ما بعد الثورات بقبول الغرب والتفاهم معه وتالياً مع العرب. فالقيادة العسكرية للثورة التي شكّلت حديثاً “إخوانُها” راجحون. والدور الغربي – العربي في تشكيلها واضح. وسيكون لهذه القيادة عندما يحين الوقت 20 الف عنصر مدربون جيداً في تركيا وربما في الاردن تستعملهم عند عودتهم الى بلادهم سوريا لتشكيل نواة جيش جديد، ولمنع الفوضى، ولتجميع كل الفصائل والفئات الساعية فعلاً لإقامة دولة جديدة وحديثة.

اما العرب والغرب، الذين اكثروا أخيراً من اجتماعات عسكرييهم الكبار لوضع اللمسات الاخيرة على الخطط المتعلقة بسوريا ما بعد الاسد او بتسريع اسقاطه، فإنهم سيصبحون أكثر سخاء في موضوع السلاح والمال والمساعدات المتنوعة.

هل من تقدير لموعد نجاح الثوار في إسقاط الاسد؟ لا جواب واحداً عن ذلك. البعض يقول خلال اسابيع، والبعض الآخر يقول خلال اشهر، والبعض الثالث يتمسك بالقول: لا تزال الأزمة طويلة. والتناقض ناجم عن نقص في المعلومات، أو عن تصارع في الاهواء والميول السياسية، أو عن تمنيات.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى