د. أميمة أحمد
في شهادة سجلها الدكتور أحمد عظيمي أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر عما حصل في قرية بني عزيز القريبة من مدينة سطيف التي تعرضت لإبادة بالطائرات الفرنسية 8 مايو عام 1945 يوم طالب الجزائريون فرنسا بتنفيذ وعدها لهم بالاستقلال كي يقاتلوا معها في الحرب العالمية الثانية، فانتهت الحرب بانتصار الحلفاء واستبشر الجزائريون خيرا بالاستقلال فخرجت مظاهرات في كافة أرجاء الجزائر تطالب بالاستقلال، لكن فرنسا قابلت مطلبهم بالرصاص والقنابل وأبادت 45 ألف شهيد في سطيف وقالمة والخراطة بالشرق الجزائري. في اليوم الثاني في قرية بني عزيز المجاورة لسطيف خرج السكان بالعصي وبنادق الصيد ثأرا لشهداء سطيف، فهرب الكولون من القرى، وتمكن الأهالي من قتل ستة معمرين.
بعد يومين يروي شهود عايشوا تلك المجازر التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي، وكانت وقود الثورة القادمة التي اندلعت بعد أقل من عشر سنوات في غرة نوفمبر 1954. قال الشهود، جاء الجيش الفرنسي بالمدافع والرشاشات وراح يدك تلك القرى، التي هرب أهلوها للجبال خوفا من القصف، واستمر القصف 56 يوما، لم يتركوا طفلا أو شيخا أو رضيعا في طريقهم إلا وقتلوه بالرصاص. وتضيف الشهادات أن الاستعمار (دبر مكيدة للأهالي) فأخبرهم عن طريق القياد بأنه أصدر عفوا عاما عمن بقي فليعودوا لبيوتهم، فعاد البعض، وكان بانتظارهم الجيش الفرنسي الذي جرهم لساحة قرية بني عزيز، وفصل الرجال عن النساء في صفين متقابلين، مصوبا الرشاشات على الرجال، وراحوا يعتدون على النساء، ومن يصرخ ويقاوم للدفاع عن شرفه يردونه قتيلا، وهكذا أخذوا الرجال إلى مقابر جماعية، واعتقلوا من بقي حيا وساموهم أشد أنواع التعذيب. هذه حكاية موجزة لأفعال الاحتلال الفرنسي ضد الشعب الجزائري صاحب الأرض، لأنه طالب بالاستقلال.
هل يختلف المشهد عن خروج أطفال درعا قبل 18 شهرا للمطالبة بالحرية فيقابلهم النظام بتقليع أظافرهم وتعذيبهم، وعندما طالبت عائلاتهم بإطلاق سراحهم أسمعهم عاطف نجيب مسؤول الأمن بدرعا مالا يتحمله إنسان ‘مافي عندنا أولاد، خلفو غيرهم وإذا مافيكم ابعتوا لنا نسوانكم’ فلم تقبل رجولتهم وشهامتهم هذه الإهانات فخرج السكان باحتجاجات ثأرا لشرفهم، فقابلتهم قوات الجيش بالرشاشات، فاعتصموا بالمسجد العمري، فقصفوه، وراح مالايقل عن 200 شهيد في ليلة واحدة في درعا مهد الثورة السورية . كان هدف النظام دب الرعب في قلوب الناس، لكن المغفل نسي أن من لم يبق لديه مايخسره لايستطيع تخويفه ولا الانتصار عليه، والدليل الثورة ماضية منذ مارس 2011 وحتى اليوم وقوافل الشهداء يوميا بالمئات، وهتاف واحد يملأ سماء سورية ‘الموت ولا المذلة’ ومع هذا يصر النظام على العناد باستمرار القتل وتدمير البلد.
الحكايات عن الشبيحة ومافعلوه أكثر بكثير مما فعله الاستعمار الفرنسي بالجزائريات، حيث كانت المعركة مع محتل، بينما في سورية نظام حاكم، هو ملزم وفق القانون بحماية الشعب السوري لا أن يدمر المدن وينتهك الأعراض ويسلب الأموال ويحاصرهم بلا ماء ولا كهرباء ولا خبز، هذه الحصارات الجائرة للمدنيين لم تحصل في حصارات القلاع في العصور القديمة. كيف يجرؤ آل الأسد على تدمير دمشق أقدم مدينة في التاريخ مأهولة؟ كيف يطاوعهم ضميرهم على تدمير حلب عاصمة الثقافة الإسلامية، وحاضرة الحضارات، ومصنفة في الأمم المتحدة من التراث العالمي؟
كيف دمر حماه ونواعيرها، وحمص وكنائسها وجوامعها، وإدلب ودير الزور واللاذقية ..لم تسلم مدينة واحدة في سورية من الدمار، وكأن زلزالا كاسحا اجتاح البلاد.
هل كل هؤلاء يابشار إرهابيون؟ متآمرون؟
روسيا تقول هناك جزء من الشعب السوري يساند بشار الأسد، حسنا لنسلم جدلا بما تقوله روسيا التي أصبحت الناطق الرسمي للنظام السوري، هذا الجزء المؤيد إن كان موجودا ،و لنقل 45 بالمئة. ألا تقول القواعد الديموقراطية إن كان مؤيدوه أقل من 50 بالمائة عليه الرحيل؟
أتحدى بشار وروسيا أن ينظموا انتخابات نزيهة ،حينها يعرفون من يؤيده.
ليست القضية بمن معه، ولا من ضده بل القضية أن سورية الوطن دخلت نفقا مظلما لانهاية له، لأن النظام السوري برمته أصبح رهينة في أيدي إيران وروسيا، حتى لو أراد التراجع أو التوقف عن القتل لترهيب الناس (نصيحة نجاد وبوتين) لم يعد بشار بمقدوره التراجع ، لقد خرج القرار من يده، وبالتالي أصبح قرار سورية بيد القوى الإقليمية والدولية تتصارع على تقاسم المصالح في المنطقة، وأصبحنا من الصراع على سورية، بوابة الشرق الأوسط إلى الصراع في سورية، والبركة بالنظام الفاشل وشبيحته في دفع البلاد إلى هاوية التدخل الخارجي الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى. من يستطيع كسر هذا الطوق من رقبة سورية ووضعه بشار بيديه؟ أكيد ليس النظام، لكن المؤكد أن الجيش السوري، المؤسسة الوحيدة المنظمة، واعتمادا على الضباط الشرفاء فيه يمكنه فك الطوق، أجل وحده يجعل كل المتربصين بسورية يتحلقون حول الدمار الذي تركوه في سورية ويطالبهم بإعمار البلد، والجيش بيده القرار الوطني الذي يحمي سورية الوطن، بأن ينفض عن بشار ويعتقله وأعوانه وكل من تلطخت يده بدماء الشعب السوري. حينها يصبح الجيش الحر في مكانه الطبيعي بالجيش العربي السوري، ويشكل الضباط الشرفاء (في الجيشين الحر والنظامي) مجلسا عسكريا يقود مرحلة انتقالية على غرار ماحصل بمصر. لكن أولوية الأولويات الاهتمام بالشعب السوري ليهدأ روعه ويعود إلى منازله، ومن دمر منزله تقام مخيمات الكوارث، التي تشبه البيوت، يقيمون فيها لريثما تبنى المساكن.
‘ كاتبة سورية مقيمة في الجزائر
القدس العربي
