هل ينجز داعمو المعارضة السورية ما عليهم؟/ عمر قدور
أغلب الظن أن جهوداً كبيرة تُبذل الآن لجمع المعارضة على وثيقة سياسية مرجعية واحدة، ووفق ما يتسرب من أوساط المشاورات التمهيدية، النجاح مضمون هذه المرة على الأقل. باستثناء طهران التي أعلنت رفضها مؤتمر الرياض المقبل، لم تصرّح أية جهة إقليمية أو دولية منخرطة في الصراع السوري برفضها له، مع التنويه بأن الرفض قد يودي نهائياً بتفاهمات الحد الأدنى في فيينا 2. إذ كما هو معلوم، أحيل ملفان شديدا الحساسية والأهمية لعمّان والرياض، الأول هو تصنيف المنظمات الإرهابية، والثاني جمع من لم يصنّفوا إرهابيين تحت رؤية توافقية للحل والتفاوض.
ربما أتى رفض طهران المؤتمر على خلفية العلاقات الشائكة مع الرياض في أكثر من ملف، وربما أتى أيضاً بموافقة ضمنية من موسكو التي تفضّل فشل أي جهد لجمع المعارضة، بخاصة بعد فشل جهودها في تصنيع وترويج معارضة ليست بالمعارضة. الأكيد أن موسكو تراهن ضمناً على الفشل لأسباب تتعلق بالدول الداعمة للمعارضة نفسها، يقوّي رهانها حادث إسقاط طائرتها من قبل الطيران التركي، وما تلوّح به من آثار ذلك سلبياً على عملية فيينا.
الرهان الروسي الأول هو عدم قبول دول إقليمية بالتصنيف الذي تعدّه عمان عن المنظمات الإرهابية، وهذا لا بد أن ينعكس على أجواء مؤتمر الرياض. فشل الرهان الأول سينقل المحاولة إلى جلسات فيينا، حيث من المتوقع أن تستهلك موسكو وقتاً طويلاً في مناقشة قائمة المنظمات الإرهابية ومحاولة توسيعها لتطال كل من يحمل السلاح ضد الأسد، فضلاً عن الوقت الذي ستستهلكه في الجدل حول أحقية شخصيات مقربة منها ومن النظام بالانضمام إلى وفد المعارضة.
بهذا المعنى يمكن قراءة رد فعل موسكو المبالغ فيه إزاء حادث إسقاط الطائرة، فما سعت إليه قبل الحادث هو استهداف العامل التركي في الملف السوري، فإذا نجحت تكون قد وجهت ضربة إلى معسكر داعمي المعارضة عموماً، وإذا فشلت تكون قد خلقت أزمة في المعسكر نفسه من خلال تصلب الموقف التركي. طبعاً، رهان موسكو يستند إلى خلاف خليجي تركي لم يجد طريقه إلى الحل نهائياً بعد، وتأمل بتفاقمه على وقع عملية فيينا.
لقد راجت مع التحضيرات لفيينا فرضية التمايز بين موسكو وطهران، تحديداً في ما يسمى عقدة الأسد، ووفق الفرضية، جزء من أهداف فيينا يتعين في استمالة الروس بعيداً عن طهران. لقاء بوتين بالمرشد خامنئي وما أعقبه من إعلان حول سورية يقوّضان تلك الفرضية، مثلما يقوّضها إعلان الناطق باسم الكرملين فيما بعد أن القضاء على الإرهاب ينبغي أن يسبق العملية السياسية. لكن تقويضها لا ينال منها ككل ومن حيث المبدأ، أي لا يمنع موسكو وطهران استخدام عملية فيينا في شكل معكوس، ومحاولة استغلال التناقضات الإقليمية في معسكر داعمي المعارضة، ما سينعكس بالضرورة على إمكانية جمع المعارضة، وعلى إمكانية ضبط الواقع العسكري ميدانياً.
جهوزية المعارضة للاتفاق غير مرتبطة أصلاً بعوامل ذاتية، وهي تكون جاهزة له كلما تلمست أكثر وجود نوايا دولية وإقليمية للحسم. الأمر يشبه إلى حد كبير حال المعارضة العراقية المشتتة طوال سنوات قبل رحيل صدام، ولما أزفت ساعة رحيله أمكن تجميعها برعاية أميركية، أو ضغط أميركي لا فرق. اليوم يصعب الحديث عن رعاية أميركية، على رغم ضرورتها للجمع بين الأطراف الإقليمية قبل الجمع بين أفرقاء المعارضة.
مع ذلك، هناك أطراف محسوبة على المعارضة جاهزة للقطع التام مع النظام، فقط إذا أيقنت أنه راحل، وهي في المقابل جاهزة للتنصل من أي تفاهم في الرياض في حال فشل عملية فيينا، بينما لا يمكن الفصل بين أطراف معارضة أخرى وارتباطاتها الإقليمية. الحديث هنا لا بد أن يلحظ الإمدادات العسكرية وطرق وصولها، وهو أيضاً ما سيكون ضرورياً ملاحظته عند تصنيف المنظمات الإرهابية، إذ من غير التفاهم على تجفيف إمداداتها مع الجهات المعنية بها لا معنى لمكافحة الإرهاب.
في الواقع آلت جلسات فيينا 2 إلى وضع العبء على معسكر أصدقاء المعارضة، إذ لم يكن مطلوباً من النظام وحلفائه خلال الفترة التي تفصل عن فيينا 3 أي مجهود أو التزام، ولو على سبيل إثبات حسن النوايا. على سبيل المثال، لم يتوقف استهداف الطيران الروسي المكثف مواقع المعارضة، ولم يتراجع منسوب التصريحات المتمسكة ببقاء الأسد. عدم وجود التزامات متكافئة بين الطرفين يعني دخول موسكو وطهران جلسات فيينا 3 من موقع اللامسؤولية، على أمل تكريس فكرة عدم وجود بديل للأسد.
لمواجهة هذه المعطيات، يُستحسن بداعمي المعارضة إنجاز مهمتهم بروح المسؤولية، وأفضل ما يضمن نجاحها وضوح الرؤية وعدم النظر إلى جمع المعارضة كمناسبة تنقضي سريعاً. وضوح الرؤية يتطلب التفاهم على حد أدنى لا يقبل أحد من الداعمين التخلي عنه، وعلى أساسه تتم دعوة المعارضين. أما جعل التفاهم يمتلك حظاً من الاستمرارية فيتطلب تفاهماً إقليمياً على قواعد المنافسة، بما يمنع أي طرف من الاستعداد للتضحية لمعسكر حلفاء النظام نكاية بمنافسه.
أنْ نقول إنّ النظام وحلفاءه استفادوا طويلاً من تشتت المعارضة، أو إنهم استفادوا من خلافات داعميها، لا فرق بين القولين لأن الأول منهما على مثال الثاني. ربما يُسجل لعملية فيينا إلزامها الداعمين بإعادة هيكلة الفصائل المسلحة، وإيجاد غطاء سياسي متفق عليه، بعد بلوغ الفوضى حداً يهدد بالخروج التام عن السيطرة. هنا تتلاقى عدة مصالح، بينها المصلحة الدولية والمصلحة المحلية، تنضم إليهما المصالح الإقليمية عامة لم تُستثنَ منها أطراف فاعلة بقوة. وعلى رغم أن موسكو وطهران ستحاولان في فيينا 3 المناورة في شأن القوائم العسكرية والسياسية للمعارضة، فإن إعدادها على قاعدة صلبة من التفاهم سيقطع خطوط المناورة، وسيكون أسوأ ما على الحليفين مواجهته تبلور جبهة قادرة على ضمان الحل السياسي في حال توفره، لكنها قادرة أيضاً على المضي بتماسك في المجابهة العسكرية في حال فشل الخيار الأول.
بالتأكيد، ثمة كلام آخر صائب عن مدى تمثيل هذه المعارضة سورياً، لولا أنه سياسياً لا يصيب أي هدف الآن.
الحياة