صفحات العالم

هل ينجو النظام السوري من السقوط؟!


ياسر الزعاترة

من حق أبواق النظام السوري أن يأخذوا قسطا من الراحة بعد توقيع مندوب زعيمهم “الثوري” على “بروتوكول الجامعة العربية”، لاسيما أن وزير خارجيته لم يعلن التوقيع وحسب، بل أضاف إليه القول إن شروط نظامه قد لبيت بالكامل، ولو لم يحدث ذلك لما تم التوقيع، في محاولة للإيحاء بأن الأمر قد تم من موقع قوة وليس من موقع ضعف!!

كان يوم توقيع البرتوكول (الاثنين) واحدا من أكثر الأيام دموية في تاريخ انتفاضة السوريين، إذ سقط حوالي 120 شهيدا معظمهم من جنود الجيش المنشقين الذين وقع العشرات منهم (كما يبدو) ضحية اختراق أدى إلى إبادتهم من قبل جنود النظام، وهو ما تكرر في اليوم التالي (الثلاثاء) أيضا.

من الواضح أن جملة من التطورات قد أدت إلى هذه النقلة في الملف السوري، لعل أبرزها تراجع الموقف العربي، وميل بعض أطرافه الفاعلة إلى مسار آخر في معالجة الأزمة يقترب من السيناريو اليمني. وقد أشرنا من قبل إلى مواقف تلك الأطراف، ليس من الملف السوري وحسب، وإنما من سائر الثورات العربية ، وإن كان لذلك الوضع تفسيراته التي لا مجال للخوض فيها هنا.

لا خلاف على أن الموقف الروسي والصيني كانا حاضرين في السياق، إضافة إلى عدم رغبة الأمريكان والأوروبيين في التدخل المباشر (دعم واشنطن للمبادرة العراقية دليل على ذلك)، الأمر الذي لا يمكن إبعاده عن الموقف الإسرائيلي الذي مالت معظم مقارباته السياسية خلال الأسابيع الأخيرة إلى التحذير من خطورة الوضع العربي برمته بعد الثورات، الأمر الذي يستدعي وقف مسلسلها بأي شكل من الأشكال حتى لا يأتي بمرور الوقت على النظام العربي القديم برمته، وينتج تبعا لذلك وضعا جديدا يعبر عن الشعوب التي لا يمكن أن تعرف بالكيان الصهيوني أو تقبل أي شكل من أشكال السلام معه، أقله بعد تجاوزها المحطة الأولى من ثورتها.

لن يعترف مناصرو النظام السوري بذلك، وبالطبع لأنه ينسف مقولة المؤامرة “النفطية الصهيونية الإمبريالية على نظام الممانعة”، وسيردون ما جرى إلى عامل واحد هو تماسك النظام، وقد يضيفون إليه مع قليل من التردد، دعم إيران ومعها اتباعها في بغداد وبيروت (حزب الله تحديدا)، إلى جانب الموقفين الروسي والصيني اللذين يعيقان أي قرار يمكن أن يصدر عن مجلس الأمن.

في مقابل التحول الجديد ممثلا في توقيع النظام على المبادرة العربية، كان المجلس الوطني الانتقالي المعارض يخطو خطوة إلى الأمام نحو لملمة صفوف المعارضة عبر ضم شخصيات مهمة إليه، وذلك في الاجتماع الذي استضافته تونس (الثورة)، فيما قدم المجلس دعما للجيش السوري الحر، ليس على قاعدة تأييد عسكرة الانتفاضة الشعبية، بل على قاعدة قيامه (أي الجيش الحر) بحماية المتظاهرين السوريين من رصاص النظام ما أمكنه ذلك.

قبل ذلك كانت تجربة الإضراب تحرز قدرا لافتا من النجاح، الأمر الذي يبشر بإمكانية نجاحه بشكل أوسع خلال الجولات التالية كمقدمة لعصيان مدني شامل يؤدي إلى إسقاط النظام.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو ذلك المتعلق بمسار التطبيق فيما يتعلق بالمبادرة العربية، وما إذا كان بوسع النظام الالتزام الفعلي بتطبيق بنودها الرئيسة ممثلة في سحب الجيش من الشوارع ووقف العنف ضد المحتجين والسماح بالاحتجاج السلمي.

الأرجح بالطبع أن يعجز النظام عن تنفيذ تلك البنود؛ هو الذي يدرك أن سحب الجيش من الشوارع ووقف عمليات القتل والاعتقال والتعذيب، فضلا عن الإفراج عن المعتقلين سيؤدي إلى تصاعد الاحتجاجات على نحو تصعب السيطرة عليه، لاسيما أن أحدا في الشارع (باستثناء الكتلة المؤيدة للنظام) لا يبدو مقتنعا بإمكانية التعايش مع نظام فقد شرعيته الأخلاقية والسياسية بعد كل الذي جرى منذ اندلاع الثورة. بل إن القائلين بتوفر تلك الإمكانية ممن يوصفون بأنهم معارضة الداخل لم يجدوا سوى الرفض من قبل المحتجين في الشارع.

الشارع السوري كسر حاجز الخوف، وبوسعه الاعتماد على نفسه في مسار إسقاط النظام مع بعض الدعم من قبل أطراف لا تجد لها مصلحة في بقائه كما هو حال تركيا (رغم التراجع الواضح في موقفها هي الأخرى)، فضلا عن الغالبية الساحقة من الجماهير العربية، من دون استبعاد التعويل على موقف عربي وتركي ودولي جديد ينتج عن استمرار عمليات القتل والاعتقال. والخلاصة أن النظام ساقط لا محالة بصرف النظر عن توقيت سقوطه أو السيناريو الذي سيؤدي إلى ذلك، مع دعائنا بألاّ تكون الثورة المسلحة أو الحرب الأهلية هي ذلك السيناريو، وبالطبع لما يمكن أن تفضي إليه من دمار، وقبل ذلك من ضحايا لا يبدو أن الأسد و جماعته معنيون بسقوطها بحال من الأحوال.

(الدستور)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى