صفحات الثقافة

هموم الكاتب الشبح مع زبونه: من بلير الى ترامب/ عبد الاله مجيد

 

 

تدور رواية الاثارة السياسية “الشبح” التي نشرها الكاتب روبرت هاريس في عام 2007 وحولها رومان بولانسكي الى فيلم ناجح حول استعانة رئيس وزراء سابق لا يُخفى انه توني بلير بشاب لاستكمال كتابة مذكراته. ويقوم بدور رئيس الوزراء السابق بيرس بروسنان ودور الكاتب الشبح ايوان ماكغريغر الذي سرعان ما يقع في رمال دولية متحركة. وترسم الرواية صورة دقيقة لما يحدث في احيان كثيرة حين يُكلف كاتب شبح بعمل كهذا.

الكاتب الشبح توني شوارتز الذي دبج The Art of the Deal “فن الصفقة” لحساب دونالد ترامب اعرب عن ندمه على “وضع احمر شفاه على خنزير” ، بحسب تعبيره. ورد ترامب بالقول ان شوارتز إذا لم يعجبه ما فعل يستطيع ان يرد المبالغ الكبيرة من المال التي تقاضاها عن الكتاب مصراً في الوقت نفسه على انه نفسه كتب كل كلمة فيه. ورفع المستشار الالملني الراحل هلموت كول قبل وفاته مؤخراً دعوى على كاتبه الشبح هريبرت شفان مطالباً بتعويض قدره خمسة ملايين يورو لنشره مادة من احاديثهما الخاصة في كتاب نشره شفان باسمه. وتعتبر مذكرات باربرا فينمان تود الجديدة Pretend I’m Not Here “تظاهر إني لستُ هنا” من أفضل ما صدر عن الكتابة التجارية.

بدأت فينمان تود حياتها المهنية صحافية في واشنطن بوست وكتبت شبحياً لكل من بن برادلي وبوب وودورد ، الصحافي الذي فجر فضيحة ووترغيت. وكانت ايضا الكاتبة الشبح لهيلاري كلنتون حين كانت سيدة اميركا الأولى ، وهي تكشف معلومات مثيرة عن الحياة بين جدران البيت الأبيض في عهد الرئيس بيل كلنتون. وتكتب فيمان تود في مذكراتها ان وودورد استدرجها الى الحديث له بلا حذر عن جلسة لتحضير الأرواح جرت في البيت الأبيض وان عائلة كلنتون قاطعتها حين نشر وودورد القصة في كتابه هو. ولكن وودورد نفى ذلك. ويقول اندرو كروفتس انه نفسه كاتب شبح ويتفهم شعور فيمان تود بالألم حين تكتب انها ادركت الخطأ الفادح الذي ارتكبته. ولكن ندم الكاتب الشبح لا ينفع لأنه وضع احمر شفاه على زبون كلفه بالكتابة ليتضح لاحقاً انه خنزير. فالصفقة على تسطير الكتاب أُبرمت وعلى الكاتب الشبح ان يلتزم ببنود العقد وان يحافظ على اسرار الزبون ويحترم ثقته على غرار المحامي مع موكله والطبيب مع مريضه. فهذا هو الاتفاق ويجب ان يكون رب العمل قادراً على الثقة بالكاتب الشبح الذي تعاقد معه وإلا فانه لن يبوح للكاتب بمكنوناته.

والتعاقد مع كاتب شبح عملية مغرية للطرفين. فالذين يُكتب باسمهم يعرفون ان سمعتهم ستُنقل بعين الكاتب الشبح وهم يحرصون على اعطاء الانطباع المناسب والحفاظ في الوقت نفسه على الكلمة الأخيرة بيدهم. وهم يميلون الى لقاء الكاتب الشبح في قصورهم المنيفة أو فنادق فخمة ظناً منهم بأن هذا ينعكس ايجابياً على الكتاب. ويقول الكاتب الشبح كروفتس ان فندق بولغاري في منطقة نايتس بريدج الذي يبعد مسافة متساوية عن مخازن هارودز ومخازن هارفي نيكولز في لندن ، مكان شائع بين الروس والشرق اوسطيين والأفارقة لعقد لقاء قصيرة فيه. ولوجبات الغداء التي تستمر فترة اطول يفضلون عادة مطعم ريب روم في شارع سلون أو جميرة كارلتون تاور الذي تملكه دبي أو تشاينا تانغ في فندق دورتشستر. والمهم استخدام اندية ومطاعم وفنادق راقية للقاء الكاتب الشبح بهدف اثارة اعجابه بالشخص الذي سيؤلف له الكتاب.

ويجب ان يتذكر الكاتب الشبح انه قد لا يلقى اعترافاً بجهده إذا نُشر الكتاب. وإذا اختار الزبون التنويه بالكاتب الحقيقي على الغلاف أو في مكان ما منزوٍ داخل الكتاب فان هذا يكون مفيداً للفوز بتكليفات في المستقبل ولكن على الكاتب الشبح ألا يتوقع ذلك. وهو يستطيع ان يتوقع الاحتفاء به اثناء بوحهم بأسرارهم له ولكن ما ان تنتهي المهمة حتى تنتهي العلاقة ايضاً. وبعض الكتاب الشبحيين يفضلون ان تكون العلاقة قصيرة ليبحثوا عن الكتاب التالي.

الكاتب الشبح لا يجادل مع الزبون أو يطعن في اقواله مهما وجدها مثيرة للنفور إلا إذا ناقض الزبون نفسه أو قال شيئاً من الصعب ان يستسيغه الناشر أو القارئ. ويريد الكاتب الشبح من زبونه ان ينفتح عليه وان يقول له المزيد لا ان يصبح في موقف دفاعي لا سيما وانه يؤلف الكتاب الذي سيكتبه الزبون لو كان يستطيع الكتابة وبالتالي فان الآراء التي يتضمنها هي آراء الزبون وليس الكاتب الشبح. فهو يكتب بصوت الزبون ويستوعب شخصيته ويطرح قضيته ببلاغة متعذرة على الزبون ، مثلما يفعل المحامي حين يرافع بالنيابة عن موكله.

توني شوارتز قام بعمل رائع لدونالد ترامب في “فن الصفقة”. فالكتاب تصدر قائمة أكثر الكتب مبيعاً طيلة اسابيع وأوصل اسم ترامب الى دائرة من الجمهور اوسع مما كان سيحققه بوصفه مجرد مستثمر عقاري نيويوركي آخر. وأدى الكتاب كل ما يُراد من سيرة ذاتية سطرها كاتب شبح لصاحبها الحقيقي رافعاً صيته الى مستوى نال معه ترامب دوراً في برنامج تلفزيوني واقعي ذي شعبية واسعة. وكان شوارتز سيغتبط في تلك الفترة بأن يعرف ان كتابه ساعد زبونه في مهنته. ولكن حين دخل ترامب حلبة السباق الرئاسي ذعر شوارتز وصرح قائلا انه بعد ان أمضى 18 شهراً برفقة ترامب يرى ان ترشيحه ليس فكرة صائبة. ويبدو ان تركيز ترامب كان ضعيفاً بحيث احتاج كاتبه الشبح الى اجراء حوارات ومقابلات معه على امتداد 18 شهراً كاملة لانتزاع مادة كافية لكتابه في حين ان بضعة ايام تكفي احياناً ليجمع الكاتب الشبح ما يحتاجه لموضوع مادته. ويقول الكاتب الشبح كروفتس ان من الجائز تماماً ان ترامب لولا مساعدة شوارتز لما وصل الى المكتب البيضاوي.

ويبدو ان ترامب يصدّق انه حقاً كتب كل كلمة بنفسه. وبعض الزبائن فعلا يعتقدون بعد انجاز الكتاب انهم مؤلفوه ولكن العديد من الزبائن الآخرين يقولون انهم يشعرون بالامتنان لاعفائهم من كتابة 80 الف كلمة بأنفسهم. وهؤلاء يكون لديهم عادة أمور أكثر اهمية من كتابة سيرة حياتهم مثل ادارة دولة أو شركة أو القيام بدور البطولة في فيلم من افلام هوليود أو الغناء في ملاعب مليئة بجمهورهم.

ويقول كروفتس انه يتلقى استفسارين أو ثلاثة استفسارات في اليوم عن خدمات الكتابة الشبحية وانه لا يستطيع ان يؤلف أكثر من ثلاثة أو اربعة كتب في السنة وبالتالي يبحث عن قصص تثير اهتمامه ومواضيع مشوقة واماكن لم يرها من قبل. والسؤال هو ما إذا كان الشخص مثيراً للاهتمام بحيث يكون الكاتب الشبح مستعداً لتقمص شخصيته بضعة اشهر وما إذا كانت قصته مناسبة للصدور في كتاب. ثم هناك اجور الكتابة وما إذا كان الكاتب الشبح يستطيع ان يغطي احتياجاته من جيبه اثناء الكتابة أم ان الزبون سيدفع اجور الكتابة أم ان ناشراً يكون مستعداً للدفع بما يكفي لارضاء الكاتب الشبح وزبونه على السواء خلال عملية الكتابة. وهل يتطلب البحث عن ناشر الاستعانة بوكيل أدبي يساعدهما في بحثهما أم انهما يستطيعان ان يفعلا ذلك بمفردهما؟

يحدث في احيان كثيرة ان الأثرياء واصحاب السلطة يفقدون الاهتمام بالكتاب في منتصف عملية تأليفه لانشغالهم بعملية استملاك قيمتها مليار دولار أو بسبب سقوطهم في انقلاب سياسي أو التهائهم بيخت جديد أو شريكة حياة جديدة. وعلى الكاتب الشبح ان يكون فلسفياً في هذه الحالات وان يكون لديه زبون آخر ينتظر للاتفاق معه. إذ لا جدوى من محاولة الاستمرار في مشروع حين يكون بطل الكتاب فقد الاهتمام به.

احياناً يصاب الزبون بالهلع حين يواجَه بكلماته مكتوبة بالأسود والأبيض ويقول انه يريد ان يجري الكثير من التغييرات. ويجب ان يبقى الكاتب الشبح هادئاً ويؤكد للزبون ان من دواعي سروره ان يجري له التغييرات التي يريدها. وغالبيتهم ليس لديهم رغبة في التحرير مثلما انهم لم يرغبوا في الكتابة بأنفسهم اصلا. لذا تعود المخطوطة مع بعض الملاحظات الشكلية على الهوامش يمكن ادخالها في المتن خلال ساعات.

ويؤكد كروفتس انه لا يريد ان يوحي بأنه لا يكتب إلا للأثرياء واصحاب السلطة بل انه في الفترة السابقة فعل عكس ذلك وسافر في انحاء العالم حيث عمل مع ضحايا زيجات قسرية في شمال افريقيا والشرق الأوسط وبغايا في الشرق الأقصى ويتامى في مناطق مزقتها الحرب والدكتاتورية مثل البلقان ورومانيا وضحايا جرائم واطفال تعرضوا للاعتداء في اماكن مختلفة. ولكنه استغرق في عمله بحيث فاته ان يضمن لنفسه معاشاً تعاقدياً وهو الآن يبحث عن رعاة يدعمونه كما يفعل الفنانون منذ قرون.

ايلاف

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى