صفحات الثقافة

هناك أناس يقسمون انهم رأوا الدم يسيل من شاشات التلفزيون


قدمه وأعده يزن عبيد

لو خُيّرت الآن الشاعرة السورية مرام المصري، المغتربة منذ ثلاثة عقود، البعيدة الغائبة، بالجسد، القريبة الحاضرة، بإلحاح مرضي، كحال السوريين جميعهم في غربتهم، بالروح واللغة والعاطفة، صاحبة “كرزة حمراء على بلاط أبيض”، أن تغير ألوان عنوانها هذا، ترى هل سترفض وتبقيه على ما هو عليه، أم أنها ستبدل فيه؟ وإن فعلت، فماذا سيصبح؟ ربما، في الوضع الذي عليه سوريا اليوم، لا شيء أسهل، لا شيء منطقياً أكثر، لا شيء أحق، من أن يكون: “كرزة حمراء على بلاط أحمر”. هي التي خبرت كيف أن نقطة دم واحدة تسيل من جرح في الأصبع، تصبغ باللون والرائحة جردلاً طافحاً بالماء، فما بالك بنهر من دم، ينبع من عيون وصدور السوريين، ويجري مدراراً في شوارع وأزقة مدنهم وقراهم!؟ نعم الأحمر يمارس طغيانه على كل شيء، الجميع يرددون هذا، الأحمر بتدرجاته وأنواعه، الأحمر الدموي، الأحمر القاني، الأحمر الوردي، الأحمر الأسود، الأحمر المقدس، والأحمر الملعون. غير أن مرام ربما تفاجئنا وتقول لنا شيئاً آخر، ليس هذا وليس ذاك!؟.كذلك الأمر مع رسامين وشعراء ومصورين سوريين، استجابوا لطلبنا، الذي في غير وقته، وغير محله، وشاركوا بهذا الملف، ولو ببعض التردد، وبقليل من الترفع، وبكثير من الغضب، هم الذين لا يتفقون على شيء، والمعروفون بعمق اختلافاتهم وتناقضاتهم، نراهم يقفون مشدوهين، مصعوقين، بما يحدث. يوحدهم هذه المرة ما لا يستطيع الشعر أو الفن أن يفعل، دم شعبهم، وآلامه، وآماله. وذلك بإجاباتهم المكثفة ما أمكن على سؤالنا : كثر اللون الأحمر هذه الأيام، ما تأثير ذلك على إحساسك، وهل غير مفهوم اللون لديك ؟()

[الشاعرة علا حسامو

لم أظنّ يوماً أنّني قد أشيح ببصري عن مظهر الدّم المنهال على كلّ زوايا الرّؤيا..ولم أظنّ أنّ بصيرتي ستمحو رمزية هذا اللون من قواميسها متعدّدة الاحتمالات وبدل أن تمحوه تُمحى فيه.

تناقضات مخيفة يخلقها هذا اللون في نفسي رغم عقمه.. فلم يعد الكرز مغرياً.. ولا الوردة الجوريّة.. ولا القُبلة الطّازجة ولا رغيفُ الخبز حديث الولادة.

الأحمر أخرس.. تركيبٌ متناقض غبيّ.. اجتاحني في لحظةِ موتٍ مرعبة وأغرقني في مستنقعه، وها أنا أتخبّط فيه وأنا أصيح يا ليت القلوب بيضاء.. يا ليت المدى أبيض. وها أنا في محاولتي لمحو الأحمر من ذاكرة الألوان، أتعكّزُ على صورة آخر طفل دثّروه بالأحمر.

[الشاعر حازم العظمة

أجمل ما في الألوان أنها لا تزهو لوحدها، لا تلمع منفردة، الأحمر ايضاً هكذا، حتى تزهو الألوان لا بد أن تجاور غيرها، حتى تظهر إطلاقاً.. الأحمر كغيره يعيد هذا ويؤكده.. لا أستطيع أن أربط الأحمر بالدم ولا بالثورة.. سيكون ناتئاً لوحده أو سيكون صارخاً.. ثم يصبح فاقعاً..

أحمر الدم مقلق، صارخ.. نادراً أو ربما إطلاقاً لم أستعمل كلمة ” دم ” في قصيدة.. أجدها فائضة أو فاقعة..الدم أحبه خبيئاً في العروق.. أحمره يؤذي ضوء النهار.. هو هكذا في العروق خبيء عن النهار.. أحمر الشقائق على عكس ذلك لا يزهو إلا بالشمس

لا معنى للألوان بدون أجسامها.. بدون أعضائها التي تحملها.. تخيّلْ مثلاً أحمر الأرض بدون أخضر الحقول الذي يسبقه أو يجاوره.. حُمرة الرايات على المتاريس بدون الفتيةِ الذين يلوحون بها.. حُمرة الجميلة بدون الشفاه التي تلفظها.. حُمرة الشفقِ بلا الجبال الزرقاء أمامها.. وهكذا

[المصور أنس اسماعيل

من بين كل الألوان، غالباً، ما كنت أشتغل على الأحمر في الصورة، وبخاصة عندما أصور على خشبة المسرح، إذ إنه يمثل إستحواذ اللون على إحساسي لأسقطه على الصورة بحركته لا بثباته وتحديده وكان يشدني إلى تجريده بكتلته أكثر من أي لون آخر لأني لا أحبه محدد الملامح ومستقلاً وحيادياً ولأنه ليس كذلك، وبالصورة يبدو ذلك جلياً.

وعلى الرغم من عشقي الأبدي للأحمر لكونه اللون الذي يسري في عروق الصورة ويمنحها المعنى، الحياة، حتى اللامرئي فيها، إلا أنه صار يتحول عندي من أحمر إلى أسود قاتم يتلاشى ببطء، لكنه ملحوظ الإيقاع، إلى الفراغ تماماً، بحيث لا يلبث أن يملأه. لدرجة أصبحت فيها أرى هذا الفراغ لوناً احمر من جديد، وأعيش بدوامة اللون الهارب من الأحمر إليه. لا بل كثيراً ما صرت أفتقده، وأنا هارب منه كأنه إستحواذ اللون، ليس فقط على إحساسي الشخصي بل على ما لا أرغب أن يكون عليه وأراه عليه.

البارحة وأنا أصور زوجتي والبيت وبعض الأثاث، كنت أنظر عبر العدسة وأتساءل كيف ستبدو الألوان وتدرجاتها بالأسود والأبيض مثلاً. أي درجة من درجات الرمادي هو الأحمر؟. هل لوّنت الأحمر بالرمادي الغامق؟. أم هو معادله البصري فيما أرغب أن يكونه الآن أو النفسي فيما أشعر به الآن هنا مرة ثانية؟.

[الشاعر منذر مصري

نعم كثر اللون الأحمر، كثر الدم. صرت ترى خريطة سوريا مرسومة بلون الدم ويسيل منها الدم. هناك أناس يقسمون إنهم رؤوا الدم يخرج ويسيل من شاشات التلفزيون. رغم ذلك هناك من لم يصدق هذا الدم، ومن تنكر له، قال: إنه صباغ أحمر يرش على وجوه وأجسام ممثلين يأخذون أوضاع الموتى والجرحى. ثم قال: إنه دم غريب لأناس غرباء لا يهمنا دمهم. ثم قال: إنه دم مجرم لمجرمين مستباح دمهم. بل وصل نكرانه إلى نكران إنسانيتهم. وهكذا راح الدم السوري ينبجس، يتدفق، يجري كنهر، لا يلوي على شيء، رأيت بأم عيني كيف سيارات الاطفاء تغسل بخراطيم المياه القوية، الدم في الشوارع، وكيف ينطلق نهر الدم نزولا للبحر.

[خضب دم الحرية القبرة الذبيحة مياه الساقية/ وهكذا ابتدأت من ضفافها، وعلى صدور من شربوا منها، رحلات شقائق النعمان… الخاطفة(1974)

لا أحد يستطيع العيش بدون اللون الأحمر، أعرف هذا، ولكن ما أن اكتمل توهمي أني رسام، حتى راح الفراغ الأبيض الذي كنت أتركه في رسومي الورقية، على صغر حجمها، يتحول، شيئاً فشيئاً، إلى أسود كبير وأنا أنتقل للرسم على القماش. وصارت اللوحة في: (تحليق ليلي) و(خطف المجهول قلبي) و(لا أرسم شيئاً أرسم الزمن) مساحة سوداء يحتل زاويتها طائر أو مربع أو فقط شريط مضيء أصفر. لكني هذه الأيام، وبدون أي تقصد، وجدتني أستبدل الأحمر بالأسود. فصارت مشكلتي أن الأحمر ليس حيادياً كالأبيض والأسود، الأحمر يصعب عليه تقبل أي شيء، يزعجه حتى أن أمرر به خطّاً. وكأنه حقاً يريد أن يحتل، يحرق، اللوحة بكاملها.

(الشعلة، /1970/ حلب- السليمانية). قبل اشتعال اللون الأحمر في سوريا بأيام، خلال تقديمي لعرض (… لأني لست شخصاً آخر) في المعهد الفرنسي للشرق الأدنى، قلت: “كما تتحول الراقصة بكليتها إلى رقصة، يتحول حامل الشعلة بكليته إلى شعلة ” فسمعت في العتمة صوتاً:”محمد بوعزيزي”. أجبت: “نعم، محمد بوعزيزي يا ياسين، النار التي أشعلت كل شيء”.

[الشاعر محمود الحاج محمد

لا أعرف إن كان جوابي، أو إحساسي، مهمّين في هذه الظروف! “الأحمر” الذي تسألني عنه، يتكاثر في شوارع وطني، وأنا أنظّر لذلك من موقع المثقّف، في الوقت الذي يموت فيه العشرات! في كل الأحوال، الإجابة أو عدم الإجابة عن السؤال، لن توقف نواعير الدماء السورية عن الدوران. كان الأمر صادماً بالنسبة لي كسوريّ اعتاد رؤية هذا اللون، على نحو كثيف، في عيد الفالنتاين وفي موسم البطيخ وفي مباريات فريق الاتحاد، فقط. الحقيقة أن ما يؤثر على إحساسي، كما سألتَ، وما يخزني ويخيفني، ليس اللون بحد ذاته؛ إنما ارتباطه الوثيق بالدموية التي باتت وجبتنا اليومية. اللون ليس أكثر من ترميز إلى ما هو أعمق وأكثر إيلاماً وحزناً. ليس لديّ مشكلة في رؤية الأحمر يملأ سوريا كلها، لكنْ: فليكن ذلك دون أن يموت أحد! هذا مجرّد تمنّ أبله في وقت وزمان خاطئين. أعرف ذلك. لكن ما العمل؟ لقد غيّرت كلمة “الأحمر” مكانها في خريطة ذاكرتنا الجمعية، وفي معاجمنا الشخصية، وهذا ما سيضطرني ـ في المستقبل ـ إلى إعادة النظر، قبل تدوينها في قصيدة. سيقول البعض إن الأحمر ارتبط، تاريخياً، بالحب والدم، ما يجعله شيئاً ذا حدّين. ردّي على هذا، هو أنني كسوري في العشرين من عمري، لم أعرف عن هذا اللون سوى معناه الأول. أما معناه الثاني، فأنا أكتشفه منذ عام ونصف فقط. هذا ثمن الحرية، الذي يدفعه أهلنا وإخوتنا.

[الشاعرة مرام المصري

أنا صاحبة كرزة حمراء على بلاط أبيض. كما أنني صاحبة أحمر الشفاه القاني.

علاقتي باللون الأحمر علاقة حميمة بل أكثر من حميمة، إنها علاقتي بالحياة، بالجمال، بالتحدي، بالشباب، بالخصوبة، وبالاغراء.

لا زلت أفرق بين اللون الأحمر كلون وبين الدم، دم الضحايا الذي يبكيني ويؤجج ثورتي. الأحمر، لازلت اشعر بنفسي امرأة قوية عندما اتجرأ وارتديه، إنه علمي أمام الدكتاتور. رايتي أمام الموت.

[الشاعر وفائي ليلا

اللون الأحمر ذاك اللون المفضل لدى الساحق من البشر كما أرى، و لا أعرف بالضبط سره الخاص… أنا أيضاً أميل إليه، هل للطفولة سر في هذا…لا أعرف بالضبط.

و لعل الأحداث الأخيرة التي تمر بها بلادنا أهرقت شيئاً ما من قداسته… أو أضافت إليه معان جديدة ما كنا يوماً نتخيل لها أن تفعل إذ لم يعد نقطاً شحيحة تدل…أو خيطاً رفيعاً يشير إلى جريمة… لقد صار الآن شرايين تتفجر أمام عينيك دون تحفظ، جروح مفتوحة تلفظ دفقات الحياة و نبضاتها بعري تقشعر له الأبدان… دم يكاد يلتهم روحك و يسحق قلبك… لقد صار مبذولاً و رخيصاً كلون و قيمة…لاحظ كيف يتم غسله عن الشوارع و قشطه عن أرضية الغرف….

لن أغير لوني المفضل ببساطة…في روحي اتسعت المعاني و اتشحت بحزن لأن الكائن الأجمل على الأرض قاطبة تم استسهال قيمته…فأبيح دمه لوناً و معنىً و قيمة.

[الشاعر جولان حاجي

ليس أحمر ماتيس وجبر علوان وأورهان باموك. يباع في محلات الدهان صباغ اسمه أحمر سيرياتل، الأحمر المسروق من شريط العلم الرامز، كما لقنوا التلاميذ في المدارس، إلى دماء الشهداء. استباحت سيرياتل بدعاياتها الحمراء كل مكان يعينها على النهب، ورعت منذ 15 آذار 2011 سفك الدم. كان هناك أيضاً دمٌ كذِب فجّر المخبرون أكياسه تحت صدورهم في اعتصامات درعا وحمص، ثم توالت صور لا تنسى: الدم المنقط في ذراع جريح آواه مستشفى ميداني، الكدمات التي تتسع ويصدأ لونها في الأجساد العارية المعذَّبة، آثار الاغتصابات، الأشلاء الملتصقة بخشونة الجدران مثل لوحات بولوك، الأطفال المسجَّون في الجوامع، ملوحة الدم في فم طفل على أرض دكان بلا باب حيث تحاول أمه أن تنومه على أصوات القصف قرب الحدود.

في طوفان الصور الذي يرفع سوريا نحو النجاة، صور لا تتوقف عبر الإنترنت والتلفزيون وصفحات الجرائد الأولى، تبقى أهوال وآمال مما لا يمكن تقليصه واختزاله ووضعه على رف الحياد. صارت لنا ذاكرة جماعية هائلة للعنف والقتل والجمال. نشاهد صوراً عاشها معظمنا هي قوت عيوننا، وقد نشيح عن فظاعتها ونتخيلها، وتتحول هذه المشاهدة أحياناً إلى شكل من الإحباط والشعور بالعجز قد ينتهي بتوبيخ الذات، ولا يكفي ما تأتي به من تعاطف ليس إلا دلالة على العجز والخوف وربما التشاؤم. لقد تداعت البراءة بمناظرها الخلابة، تزلزل عدم الاكتراث الذي تضفيه أوهام الأمان. مهما عانينا وأشهرنا عذابنا وتقلبنا على جمر أسرتنا واحمرّت عيوننا دون أن ننام، تبدو معاناتنا تافهة ووقحة قياساً إلى الرعب الذي يحيط بالمختبئين في الملاجىء تحت القصف أو هلع من ينتظرون وصول السفاحين لارتكاب مجرزة.

هناك فجور في توزيع صور الموت السوري، رخص أخلاقي في تصوير الدم المراق وعدم لياقة تام في طريقة بث مشاهده والتعليق عليها. صور كثيرة، وحشية أو رائعة، تسكن صدورنا وعقولنا وتقسي قلوبنا، ولها دور غير الثأر واحتمالات الصفح، فهي في صميم ذاكرتنا الجديدة وإدراكنا الجديد. لقد تعلمنا الكثير خلال عام ونصف وتغيرنا حقاً. تقول الصور التي لا ترحم: لا تنسَ.

[الشاعرة مها بكر

هو الخلق والعنفوان والكشف ومابينَ الحسيّ والتجريدي، يزدادُ ألقاً وفتنة كشموع ٍتنتظر في فناء الوحدة،أقتربُ من ظلاله ولا أجد لها تعريفاً، لعلّه أختامُ جدي على وجه الفجر، وهو يعرّجُ على البياض النائم ما بينَ جناحيه والموت،

لعلّه لونُ أظافري المنزوعة من أصابع أطفال درعا، والمغروسة في رأسي، في فنجان قهوتي، في الوجوه، وفي أسرّة أطفالي، كأنه عتبة الحب، عتبة اللغة، عتبة العذاب، عتبة البقاء لمن يستحق البقاء..

الأحمر لم يتغيّر بل صار له مقام لا تطأه الأرواح إلاّ بلون الدم مُضاءً بأنفاس حمزة وهاجر، أحمرٌ،حرٌّ، طليقٌ أتلّمسه بخيالِ مَن ذهبوا وبخيالِ مَن سيعودون، كالضحكات….كالعيد….. وكالأزرق.

[التشكيلية عتاب حريب

انا من جيل عاش أحداثاً مضرجة بالدماء على مدى نصف قرن، لم تكن طفولتنا وردية ولا مراهقتنا ولا مرحلة الجامعة، وبعدها الثمانينات وما حملته من أحداث دامية، فاللون الاحمر الطافي على السطوح الملونة قي مراحل كثيرة استعضت عنه بالوردي والازرق والبنفسجي. لأن أكثر مايؤجج المشاعر هو رؤية الدماء تنسكب من الصحف وشاشات التلقزيون وسطوح الكوميبوتر. فعلا هذا هو التعبير المناسب، صرت أخاف من فتح جهاز الكومبيوتر لئلا تندلق الدماء. صارت رائحة الجثث ولون الدماء على مدى اكثر من سبعة عشر شهراً، هي الطاغية، تلون بالاحمر كل شيء. فالسماء حمراء، والبيوت حمراء، والأشجار حمراء، والثورة حمراء، والموت أحمر، والمظاهرة حمراء، والجنازة حمراء، والجثث حمراء، والحب أحمر، والخبز أحمر.. ومهما حاولنا أن نكون حالمين وورديين لن يرحمنا، رغم جماله وحدته، هذا اللون الطاغية.

لونت بالأحمر شقائق النعمان، ونعرف تماماً ماهي دلالات تلك الزهرة البرية الثائرة بوجه الريح، رسمت دمشق بالأحمر، والمدن المنكوبة، وأنهار بردى والفرات والعاصي النازفة، التي اختلطت فيها المياه بالدماء. كل ذلك يعنيني أنا التي أرسم بالضوء ألوان قوس قزح، أرسم باللون مشاعري وانفعالاتي أسكبها مساحات من ألوان على سطح اللوحة. نعم أجيبك، اللون الأحمر صبغ أصابعي، صادر عيوني، وألوان لوحاتي، واغتصب ملونتي، لم يعد هناك لون غيره، طالما هناك ناس، أطفال وشباب، نساء ورجال، يصعدون الى السماء وهم مضرجون. لااحد يستطبع الهروب من صباح نشرة الاخبار المليئة بالقتل والدماء، وحتما سيلاحقنا هذا اللون وينطبع بعيوننا وليس لي مهرب الا سطوح لوحاتي المركونة في المرسم علها تزيح قليلا من الحزن وتريح قلبي المكسور على شهداء بلادي.

[الشاعرة رشا عمران

لم تعد تعنيني الألوان.. لا أراها.. أمر بها كما لو كانت فراغا.. لم يعد للون عندي أية صفة أو ملامح.. أرى ظلالا باهتة فقط..لا أرى الدم بلونه الأحمر.. أرى فقط انعكاس ظل مستبيحه عليه.. ذلك الظل الغامق.. الكالح كما القطران.. الكالح كما الحقد..الكالح كما الكراهية.. هذا الظل الغامق الذي أرفض أن أفقده أو أن اتحاشاه.. لا أريد نسيانه.. أن أنساه يعني أن أغفر وأن أتسامح.. يعني أن أعود لتمييز الألوان كما لو أن أن شيئا لم يحدث!! سأحتفظ به بكل حواسي كي لا أفقد خط العدالة والعقاب.. العدالة تعني الاقتصاص من القاتل والعقاب هو فقط من سيعيد للألوان ألقها.. هو فقط من سيعيد للدم المستباح خواصه.. هو فقط من يجعل من اللون الأحمر لونا جديدا للحياة….. حتى تلك اللحظة ليس للألوان أي وجود عندي.

() ترتيب الأسماء من تدبير يزن عبيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى