هولوكوست الأسد: النظام السوري أعدم 82 شخصاً حرقاً/ عبسي سميسم
إسطنبول
اتبع النظام السوري سياسة “حرق البشر وهم أحياء حتى الموت”، وحرق جثث أشخاص بعد إعدامهم، بشكل كبير، منذ بداية الثورة السورية في عام 2011 وحتى الآن. لم تهتم أي من دول العالم لتلك الجرائم، ولم تحرّك ساكناً حيالها، كما لم تحظَ باهتمام إعلامي من قبل وسائل الإعلام الغربية، كالاهتمام الذي حظي به حرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة، على يد تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش).
وذكر “المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان”، و”الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، في تقرير مشترك، أمس الأربعاء، أن “القوات التابعة للنظام السوري (قوات الجيش والأمن والمليشيات المسلحة المؤيدة لهما)، قتلت 82 شخصاً على الأقلّ عن طريق حرقهم وهم أحياء، منهم 47 مدنياً، بينهم 18 طفلاً، فيما أُحرقت جثث 773 شخصاً آخرين، من بينهم 146 امرأة و69 طفلاً، بعد أن قامت بقتلهم، إما انتقاماً أو لإخفاء معالمهم أو لطمس آثار الجريمة، أو بهدف ترويع المعارضة”.
وعدّد التقرير الجرائم المُرتكبة، ومنها: جريمة يوم السبت 28 يناير/كانون الثاني 2012، حين أقدمت مليشيات موالية للنظام على قتل أربعة أشخاص من عائلة واحدة، ثلاثة أطفال وسيدة، عن طريق إحراقهم داخل منزلهم، في منطقة سوق الذهب في اللاذقية.
ويوم الاثنين 3 سبتمبر/أيلول 2012، حاصرت قوات النظام أحد المنازل في حي الفراية، في مدينة حماة، حيث كان بداخله مجموعة من مسلّحي المعارضة، فأشعلت قوات النظام النار في المنزل، ما أدى إلى مقتل 27 منهم.
ويوم الأربعاء 19 سبتمبر/أيلول من العام عينه، اقتحمت قوات من جيش النظام حي مشاع الأربعين في حماة، وذلك بعد أن قصفته بالدبابات والأسلحة الثقيلة. وتلا ذلك عمليات اعتقال لعدد من شباب الحي، قبل جمعهم في أحد المنازل، وإشعال النار فيه وإحراقهم جميعاً.
ووثقت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” مقتل تسعة أشخاص حرقاً في هذه الحادثة، من بينهم أربعة مسلحين وخمسة مدنيين، ومن ضمنهم الطفل الذي يدعى حمزة كنان، والذي قطّعت القوات النظامية أطرافه قبل إلقائه حياً في النار. ويوم الأربعاء 24 سبتمبر، قامت القوات الحكومية بإعدام فادي خلَف، في ناحية السبينة، في ريف دمشق حرقاً.
واستمرّت مآسي شهر سبتمبر 2012، بعد إعدام مجموعات مسلحة تابعة لقوات النظام ثلاثة أشخاص حرقاً، من خلال رميهم في أحد أفران حي الجورة، في دير الزور. ووثّقت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” الحادثة، بالاعتماد على فريقها التوثيقي، الذي أكد أحد أعضائه لـ”العربي الجديد”، نقلاً عن شهود عيان، أن “مليشيات محلية مؤيدة للنظام، قامت يومها باقتياد ثلاثة أشخاص إلى فرن في حي الجورة، ووضعتهم وهم أحياء داخل الفرن. وتم اكتشاف الجثث بعد أيام عدة، ووجد الأهالي بالقرب منها عُلب وقود فارغة”.
وتجدّدت عملية الإحراق يوم الجمعة 21 يوليو/تموز 2013، حين اقتحمت مليشيات محلية، “جيش الدفاع الوطني” قرية البيضا التابعة لمحافظة طرطوس، وتوجّهت مباشرة إلى منزل المواطن أسامة فتوح، وأعدمته قبل احراق زوجته وأطفالها، عبر إشعال النار في المنزل، وهم بداخله.
وكان نصيب محافظة حماة في الإعدام حرقاً، الأكبر من بين المحافظات السورية، وفقاً لـ”الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، التي أفادت عن احراق 38 شخصاً في المحافظة، من ضمنهم سبعة مدنيين، بينهم طفل، و31 من أفراد المعارضة المسلحة.
وأُعدم حرقاً في محافظة حلب 11 شخصاً، من ضمنهم مسلّحان اثنان، وتسعة مدنيين، بينهم ستة أطفال وثلاث نساء، معظمهم من منطقة السفيرة في ريف حلب. كما تمّ إحراق ثمانية أشخاص في محافظة دير الزور، بينهم ستة مدنيين واثنان من أفراد المعارضة المسلحة. وفي محافظة ريف دمشق، أُعدم ثمانية أشخاص حرقاً، جميعهم مدنيون، وبينهم أربعة أطفال وامرأة، كما قُتل ستة أشخاص حرقاُ في محافظة حمص، جميعهم مدنيون، بينهم أربعة من عائلة واحدة، من ضمنهم سيدة حامل. وأُحرق خمسة أشخاص في محافظة طرطوس، جميعهم مدنيون، أربعة أطفال وامرأة، كما أُحرق عدد من المدنيين في محافظة درعا.
ولم تكتفِ قوات النظام بتنفيذ عمليات القتل عن طريق الحرق، بل كانت تقوم بعمليات واسعة لحرق الجثث، بعد قتل أو ذبح أصحابها، وذلك فيما يبدو إما زيادة في التشفي والانتقام، أو لردع وإرهاب المجتمع المحلي، أو من أجل إخفاء معالم الجثث والضحايا، وبالتالي إخفاء الجريمة. كما تم توثيق بعض حالات الحرق لنساء، بعد أن مورست بحقهن عمليات اعتداء جنسي. وكانت تتم عمليات إحراق الجثث إما بطريقة فردية، أو بشكل جماعي، وعلى خلفية انتقامية ذات طابع طائفي، كما ترافق الكثير من عمليات حرق الجثث مع المجازر التي تحمل صبغة طائفية.
وأكد مدير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، فضل عبد الغني، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “معظم عمليات الحرق قد ترافقت مع مجازر”. وكشف أن “طواقم الشبكة وثّقت 44 مجزرة على الأقلّ تحمل طابعاً طائفياً، مترافقة مع عمليات تعذيب وتنكيل للضحايا، والتشفي من الجثث بطريقة سادية وحشية، وكُتبت عبارات انتقام طائفية، والتقطت بعض الصور والفيديوهات التي تحمل عبارات تطهير طائفي”.
وعن أبرز حالات حرق الجثث بعد جرائم القتل في المجازر الجماعية التي وثقتها الشبكة، أكد عبد الغني أن “أبرزها كان مجزرة دير بعلبة، التي استمرت لمدة أسبوع في الفترة بين 2 و9 أبريل/نيسان 2012، بعد اقتحام القوات الحكومية، مدعومة بعناصر من مليشيات محلية تقطن مناطق مجاورة، حي دير بعلبة، وارتكبوا مجازر مروعة في الحي، تضمنت اقتحام المنازل، وعمليات إعدام ميداني بحق السكان، واغتصاب للنساء. وتبع ذلك عمليات تشويه ثم حرق لأغلب الجثث، ودفنها بمقابر سطحية جماعية”.
وأضاف “كما ارتُكبت مجزرة آبل في ريف حمص، يوم الاثنين 25 مارس/آذار 2013، ومجزرة قرية المزرعة في ريف حلب، يوم السبت 21 يونيو/حزيران 2013، ومجزرة النبك، التي استمرت، لأكثر من شهر، في الفترة بين 20 نوفمبر/تشرين الثاني و27 ديسمبر/كانون الأول 2013”.
وعن البعد القانوني لجريمة قتل الأشخاص حرقاً أو إحراق جثثهم، يبيّن مدير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، أن “عمليات الإعدام حرقاً تتسم بوحشية كبيرة، وهي تمثل جريمة ضد الإنسانية بموجب ميثاق روما، كونها تُعدّ من الأفعال اللاإنسانية، التي تتسبب عمداً في معاناة شديدة أو في أذى خطير يلحق بالجسم”.
وتابع “تُعدّ تلك الجرائم صورة من صور جرائم القتل المتعمد. كما أن حالات الحرق التي تنطوي على بعد طائفي، تُمثل اضطهاداً لجماعة محددة أو مجموع محدد من السكان لأسباب سياسية. وقد نصّ عليها البند الأول من المادة 7 من ميثاق روما الأساسي، الناظم للمحكمة الجنائية الدولية”.
وأضاف عبد الغني أن “جريمة إعدام الأشخاص حرقاً، تمثل استعمالاً للعنف ضد الحياة والأشخاص، وتشويهاً ومعاملة قاسية، كما تُعدّ اعتداءً على كرامة الشخص، وتمثل تنفيذاً للإعدام من دون وجود حكم سابق صادر عن محكمة مشكلة تشكيلاً نظامياً. وهذه كلها تجعل من هذه الجريمة جريمة حرب بموجب المادة 8 ـ2 (ج) من ميثاق روما الأساسي”.
ويرى عبد الغني، أن “القوات الحكومية السورية والمليشيات الموالية لها تقوم بالقتل حرقاً، أو حرق الجثث بعد القتل، بشكل منهجي مترافقة بالمجازر التي اتسمت بالطابع الطائفي، وبالتالي فإن تركيز المجتمع الدولي على جرائم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وإغفاله بشكل شبه تام ما يقابلها من قبل القوات النظامية والمليشيات الأجنبية الموالية لها، يشكل ذخيرة تغذي داعش بالرجال والأموال”.
واعتبر أنه “يجب على مجلس الأمن، محاربة التطرف والإرهاب الذي تمارسه الأطراف المختلفة، والعمل على الاضطلاع بدوره، لإنهاء النزاع الدائر في الأراضي السورية منذ سنوات، والذي أصبح مهدداً للأمن والسلم الدوليين بشكل كبير، وإحالة المسؤولين عن الجرائم المرتكبة للمحاكمة أمام المحكمة الجنائية الدولية، وضمان مساءلة مرتكبي الجرائم المذكورة، بإحالة الوضع في سورية إلى المحكمة الجنائية الدولية، وعليه أن يضمن تعاون سورية الكامل مع لجنة التحقيق الدولية المستقلة، بتنسيق دخولها إلى المناطق الخاضعة تحت سيطرتها حيث وقعت الجرائم”.
العربي الجديد