هيروغليف نظرةٍ أخرى/ أحمد شاملو
أغنية صغيرة
ــ أين أنت؟
في هذا المدى اللامتناهي للعالم
أين أنت؟
ــ أنا أقف في أقصى مكان للعالم:
إلى جانبك أنت؟
ــ أين أنت
في مدى هذا العالم البائس
أين أنت؟
ــ أنا أقف في أكثر مقامات العالم نقاء:
على ضفة هذا النهر الكبير
الذي يغني من أجلك أنت.
في اللحظة
أتلمّسُكِ فأكتشفُ العالم
أفكـرُ بكِ
وألمس الزمن
معلّقًا وبلا حدود
وعاريًا.
أهبّ وأهطلُ وأسطعُ
أنا السماءُ
والنجوم والأرض
وقمحٌ معطـرٌ يتبذّرُ
راقصًا
في روحه الخضراء.
أعبرُ عنك
كما يعبر الرعدُ عن الليل.
أبرقُ وأتساقط.
قصيدة فراق
من نحن ومن أين
ماذا تقول وماذا تفعل؟
هل هناك إجابة؟
تعبت أعصابنا في انتظار الجواب
وبلمسة صدى
ننهار مثل الجبل.
قيامة
كنتُ جميعَ الموتى
أنا ضحية الطيور تتقرى
صامتة
ضحية لأجمل الكائنات
على التراب وفي الماء
ضحية جميع البشر
من جميل وسيئ.
كنتُ هناك بلا أنشودة
في ما مضى
لم يكن لي سرٌ
ولا ابتسامة ولا آهة.
ذات مرة في المنام
نظرتِ إليّ بحنين
واستيقظتُ معك.
النهر
هو أن تعطي نفسك للقدر السائر
أن تفاتح أسرارك للحصاة دون رضا
ما أجمل غناء النهر!
هو أن تنزل عن حد غرورك
أن تهبط عن طيبة قلبك العالية
بصرخة مفزعة عن أي سقوط.
ما أبهى زئير الشلالات!
هو أن تجلس في منحدر الأخدود
وتنهض مع كل صخرة بصراع
يا للنهر من ملحمة، يا له من ملحمة!
قصيدة ليل
الليل اعترافٌ طويلٌ الليل اعتراف طويل
الليل صرخةٌ للخلاص الليل صرخةٌ للخلاص
وصرخة للقبض.
الليل اعترافٌ طويلٌ
لو كانت هذه الليلة الأولى من السجن
لو كانت المساء الأخير
حتى تتذكر شمسًا أخرى
على المفترقات
أو تنساها على محلقٍ
سيكون الليل صرخة لانهاية لها
صرخة من اليأس صرخة من الأمل
صرخة من الخلاص
وصرخة من القبض.
الليل صرخة طويلة.
رسم
النافذة:
ندمٌ
نظرةٌ
آه.
هيروغليفُ نظرةٍ أخرى
في النظر إلى الطريق
وعدم اختيار آهٍ أخرى
بعد آه.
وعين؛ تمتد عبر الطريق نادمة
في التشييع المسكين لتابوت عجوز.
النافذة:
ندمٌ
نظرةٌ
آه.
قصيدة ليل
الآن، ثانية، مضى ليلٌ
مضى هادئًا عني بكل لحظاته.
مثل … الحُبّ
بكل انحناءات جسده
من الضفيرة حتى الأظافر
أعطى نفسه إلى لمسة يدٍ دافئة.
في بركة لم تضطرب من حركات الأسماك
غطست بالسيدة ذات الضفيرة الطويلة
تشابه حبيبة
لأنني كنتُ أنظر إليها بكامل الخجل.
كانت نافرة من الضوء
قلتُ سأراها في الأسحار أمام الشمس
وأطفأت المصابيح.
وحين أشرقت الشمس
كانت قد طارت مثل قطرة ندى.
* قد يكون أحمد شاملو (1925 ــ 2000) أبرز شعراء قصيدة النثر في إيران، ولعلّه أكثرهم تاثيراً على التيارات الشعرية التي ظهرت هناك في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي. كما أن ترجماته لشعراء مثل لوركا وريتسوس وباث وشعر الهايكو الياباني ما زالت مؤثرة في المشهد الأدبي الإيراني.
من مجموعاته الشعرية: “حديقة المرآة” و”آيدا في المرآة” و”العنقاء في المطر” و”إبراهيم في النار” و”الهواء الطلق” و”مراثي التراب” و”مدائح بلا صلة” و”الخنجر في الصحن” و”الأغاني الصغيرة للغربة” و”اتفاق” و”الحديد والمشاعر” و”آيدا: شجرة وخنجر وذكرى”.
* ترجمة عن الفارسية حمزة كوتي
العربي الجديد