وأصبح للشعر “سوبر ستار” على “سورية دراما”/ سامر محمد إسماعيل
تأتي نسخة جديدة من برامج أحالت كل شيء إلى ماراتون. فبعد مسابقات الطرب والرقص والتمثيل، صار للشعر «سوبر ستار» على شاشة «سورية دراما» بعنوان «شعراء الشام». أسوةً ببرامج خليجية جعلت من «ديوان العرب» مادةً للبيع والشراء من قبل شركات الاتصالات النفطية وسواها، يشترك الجمهور في التصويت لاختيار «شاعره المفضّل». هكذا استنسخت القناة السورية طبعةً رديئة من برنامجي «شاعر المليون» و «أمير الشعراء» في برنامج تقدمه ألمى كفارنة، ويرأس لجنة تحكيمه كل من الناقد محمود نقشو، والدكتورة سمر ديوب، والأديب أحمد يوسف داوود.
خصص البرنامج 60 في المئة من علامات المسابقة للجنة التحكيم، وما تبقى يعود إلى تصويت الجمهور. يغيب صوت الجمهور في المراحل الأولى، سواء في تقدم المتسابقين إلى لجان فرعية في مديريات الثقافة في المحافظات، أو حتى في المرحلة الأولى لتقدم المرشحين من المدن السورية. خلال هذه المرحلة نشاهد قاعة «مسرح الاستعمالات المتعددة» في دار الأوبرا السورية فارغة تماماً إلا من طاولة لجنة التحكيم التي ظهرت كهيئة محلّفين أكثر منها لجنة أدبية.
ينظر «قضاة الشعر» في حال «المتهمين» به من متسابقين بدوا بعيدين كل البعد ـ في غالبيّتهم ـ عن المدوّنة الشعرية المعاصرة للبلاد. جميع القصائد المنتقاة كانت من قبيل تلك النصوص المستهلكة فنياً والأكثر ميلاً إلى الخطابية والمباشرة الفجة، بينما استلهم بعض المتسابقين قصائد بعينها لكل من نزار قباني ومحمود درويش.
في بلدٍ لا يذكر اسمه إلا ويذكر معه أنه بلد كل من بدوي الجبل وأدونيس ونزار قباني ومحمد الماغوط وسليمان العيسى وعلي الجندي ونزيه أبو عفش ومنذر مصري ورياض الصالح الحسين، غابت قصيدة العمود أو التفعيلة. أسماء يبدو أنها لم تخطر في بال القائمين على «شعراء الشام»، على الأقل عندما انتقوا وفق ذائقة أحادية تسللت منها رائحة وذوق شعراء «اتحاد الكتاب العرب»، ليختاروا هذه المجموعة المتجانسة للغاية من هواة الوقوف على المنابر واللهجة الخطِرة في الإلقاء. يحاكي كلّ من المتسابقين التفجّع والدراميّة في طريقة قراءة نصوص بدت وكأنها خرجت دفعةً واحدة من دفاتر مراهقين ومراهقات وإنشاءات خشبية عن هزائم الحب واللوعة وفقد الحبيب وصدّه، ليصبح المُشاهد أمام ما يشبه أغنيات الحب العربية الغارقة في الميلودرامية والخالية من أي أفق فكري أو إبداعي.
يزيد الطين بِلة معاملة البرنامج للمشتركين الذين ينتظرون قرار اللجنة الحاسم والخطير»شاعر أو لا شاعر»! يُتخذ القرار بعد التداول بين أعضاء اللجنة لتركز الكاميرا على وجه المتسابق/ة وهم/نّ في حالة ترقّب. تثير تعاطف المشاهد. كيف يتم بهذه البساطة جرّ الناس وتوريطهم لملء ساعات البث التلفزيوني، ثم ماذا؟ لا شيء؟ لا شيء سوى التعريض بهؤلاء وكسر شاعريتهم وعفويتهم الصادقة في حب الشعر، واعتباره ملاذاً أخيراً لهم بعد خمس سنوات ونصف من حرب لم تبق خياراً لهم سوى انتظار معجزة.
قضى «شعراء الشام» نهائياً على المخيلة كحصن أخير لهؤلاء، جاعلاً منهم أبطالاً لبرامج تلفزيون الواقع أو ما يعرف بـ «تلفزيون القمامة» الذي يحرص على أن يجعل من كل الناس «نجوماً» بتحويلهم إلى مادة تشويق وتسلية لتحقيق الأرباح أو تغطية فراغ مزمن في الدورة البرامجية للمحطة.
أسئلة تنسف الخصوصيات الفردية بحجة تسويق ظاهرة «شاعر نجم». النموذج الذي أفل مع هزيمة حزيران 1967، وسيادة نمط جديد من شعرية تمرّدت على القوالب البائدة فكان عنوانها الأبرز ما عُرف بـ«قصيدة النثر» والتي جاءت كرد على شعراء المنابر ولهجتهم المتعالية وحناجرهم الهادرة في ملاعب كرة القدم وصالات الأفراح وسواها من مظاهر تصدير الشعر كواحد من أدوات السلطة في تعبئة الجماهير.
لا يمكننا أن نتعاطف في «شعراء الشام» إلا مع هؤلاء الذين تكبّدوا عناء المجيء إلى عاصمة بلادهم، ليقفوا مرتجفين ومخذولين أمام كاميرات حرصت على مطاردتهم إلى آخر لحظة؛ فلم توفرهم حتى وهم يخرجون مطأطئي الرأس من باب دار الأوبرا، وقد حملوا حقائبهم الخفيفة على ظهورهم بعد أن قال لهم «قاضي قضاة الشعر»: أنتم لستم شعراء!
السفير