وتموّن سلطة الأسد وتُطيل عمرها!…/ مرزوق الحلبي
إذا كان صحيحاً ما نُشر عن تحويل الملايين من الدولارات من منظمات أممية إلى مقرّبي جزار دمشق في إطار مشاريع الإغاثة الإنسانية، فإنها فضيحة أخرى تُضاف إلى فضيحة هيئات الأمم المتحدة في سورية. فكأن يكفي أنها لم تتحرّك لوقف جرائم الحرب التي يرتكبها النظام منذ العام 2011، يتضح لنا الآن أنها تموّل بطانته ورجاله تحت غطاء الإغاثة الإنسانية. مشهد تراجيدي حقّاً عندما تُشرف هذه البِطانة على تنفيذ الجريمة وعلى «إغاثة» ضحاياها، على تدمير حاضرة السوريين بأموالهم وتقاضي أجر على ذلك من هيئات تابعة للأمم المتحدة!
الفضيحة الأممية الأولى، أن كل هيئات الأمم المتحدة مجتمعة، لا سيما مجلس الأمن – أقوى الهيئات والذراع التنفيذية في التعاطي مع الأزمات والحروب – لم تقم بواجبها تجاه الشعب السوري الذي أصبح نازحاً في ثلثه ولاجئاً في ثلثه الآخر ومرشحاً للأمرين في ثلثه الثالث ومعرّضاً في كل ساعة لاعتداء أربع دول عدا الميليشيات العديدة. فضيحة مجلس الأمن أنه أعطى لهذه الكوارث أن تحلّ بالشعب السوري بأيدي جهات واضحة في عناوينها وأسمائها وزعمائها. الفضيحة الأممية الثانية، أن هيئات الأمم المتحدة فشلت في منع النظام الدموي من استخدام أسلحة محرّمة دولياً، لا سيما الغازية منها. فعلى رغم حصول الاستخدامات المتكررة لمثل هذه الأسلحة، لم تفعل الأمم المتحدة سوى إرسال بعثات وإقامة لجان تحقيق تسخر منها الطائرات الروسية وتلك التابعة للنظام وتواصل دك المدن السورية وقصفها من مرة لمرة بقنابل الفوسفور وببراميل محشوة بالكلور وغيره من غازات يعرفها الروس ويصنعونها. فضيحتها الثالثة، أنها لم تستطع إقامة مناطق آمنة للمدنيين أو فرض حظر على قصف المستشفيات والمدارس والملاجئ حيث يحتمي المدنيون.
أما فضيحتها الحالية فهي تلك التي نُشرت وكشفت عُمق العجز «الأممي» في القضية السورية. فليس إن الأموال الأممية تدفّقت على النظام وبطانته، بل إنها تعني تكليف المجرمين أنفسهم بعمليات «الإغاثة» الإنسانية. وفي مثل هذه الحالة، من الطبيعي أن تتمّ المناورة بالمعونات أو استخدامها كتتمة للعمل العسكري العنيف ضد المدنيين والمغضوب عليهم أو في إسناد جماعة النظام والمرضي عنهم! والمفارقة، أن النشر عن هذه الفضيحة يأتي بعد يومين من تهجير أهالي داريا واقتلاعهم بعد حصار أربع سنوات بأيدي قوات النظام الدموي وحلفائه الدوليين! لقد خلقت هذه «السياسة» الأممية واقعاً تمكّن فيه النظام الممتلك وقواته الحليفة كل سلاح فتاك ممكن، من امتلاك سلاح أكثر فتكاً، وهو سلاح ضبط عملية البقاء أو الفناء لملايين غير محسوبين عليه أو للحاضرة التي تحتضن المعارضات والمقاومة للنظام وللغُزاة!
صحيح أن المنظومة الأممية – هيئات الأمم المتحدة – لا تعمل في فراغ دولي ولا تحتكم الى القانون الدولي والأممي بقدر احتكامها الى توازنات قوى دولية وإقليمية. لكن صار لزاماً هتك هذا التوازن لإنقاذ ما يُمكن إنقاذه. أما التفكير بلغة الاستراتيجيا أو الجيو ـ سياسة، فيقودنا إلى الاستنتاج أنه لو كانت لأي دولة من الدول المعنية بالصراع قُدرة أو رغبة في إنهاء الحرب في سورية لحصل ذلك في ظرف أشهر. لكن الدول المعنية إما إنها غير قادرة فعلياً على إنهاء الحرب ولو رغبت، وإما أنها غير راغبة في ذلك أو أنها معنية باستمرار الحرب. الدول الراغبة في وضع حدّ للكارثة السورية تبدو ضمن خارطة القوى أضعف من أن تفعل. مقابلها دول أقوى معنية باستمرار الحرب لأنها تُفيدها في حد ذاتها كحرب هي فرصة لجني مكاسب وأرباح منها ومن ذيولها أو لأنها تُفيدها في كونها أفضل من تطورات ومستجدات قد تنشأ من وقف الحرب وانتهاء الأزمة السورية إلى ترتيبات مُقلقة. فلو فرضنا أن الإقليم الكردي في سورية حظي باستقلال شبه تام، لقامت تركيا ولم تقعد – كما هو حاصل الآن في توغلها العنيف ضد الأكراد! ولو فرضنا أن المعارضة انتصرت على النظام، لجُنّ جنون طهران وروسيا وحزب الله.
المنظومة الأممية التي شلّتها أطراف فيها ورهنتها لمصالحها، سقطت تماماً في اللحظة التي تواطأت مع النظام منذ بدايات الأزمة وأدارت ظهرها للشعب السوري. حتى الإغاثة الإنسانية لم تستطع أن توفّرها بل وضعتها لقمة سائغة في فم وحوش النظام وسماسرته. أحد ما ينبغي أن يدفع الثمن وأن يُحاسب مرة لمسؤوليته عن التواطؤ المكشوف مع أسوأ ديكتاتور في القرن الـ21، ومرة لخيانة الأمانة وهدر أموال الأمم المتحدة وزجّها في جيوب بطانة الجزار وجلاوزته. مثل هذه الخوّة وهذه التحويلات الفاسدة المُفسدة ليست غريبة عن النظام في سورية. فقد قام في جزء كبير منه على مثلها، نظام يعيش على «الخوّة». وها هي هيئات الأمم المتحدة تُطيل عمره وتعبئ خزائنه ليس بالأموال فقط بل بالمؤن! وأعتقد في ضوء ما توافر لدي، أن هناك دواعيَ كافية لتقديم موظفي الأمم المتحدة – بمن فيهم السكرتير العام – الذين موّلوا بطانة الأسد إلى المساءلة الدولية لمحاسبتهم.
الحياة