صفحات الثقافة

ولادة جديدة/ فروغ فرخزاد

 

 

“ترجمة ماجد الحيدر

وجودي كلُّهُ آيةُ ظَلامٍ

تقودُكَ في تكرارِها

صوبَ صبحٍ من براعمَ

وازدهارٍ أبديّ.

في آيتي أطلقتُكَ حسرةً

في آيتي طعَّمتُكَ بالشجر

طعَّمتُكَ بالماءِ والنار.

ربما كانتِ الحياةُ

شارعاً طويلا تذرَعُهُ كلَّ يومٍ

سيدةٌ تحملُ زنبيلاً.

ربما كانت الحياةُ

حبلاً يشنقُ امرؤٌ به نفسَهُ

من غصنِ شجرة.

ربما كانت الحياةُ

طفلاً يؤوبُ من المدرسةِ.

ربما كانت الحياةُ

سيجارةً توقَدُ في استراحةٍ خدِرةٍ

بين عناقينِ

أو عابرَ سبيلٍ ساهمٍ

يرفعُ قبّعَتَهُ مُحيّياً،

مبتسماً دونَ معنى

لعابرٍ آخرَ،

مبادراً بتحيةَ الصباح.

ربما كانت الحياةُ

تلكَ اللحظةَ الموصَدة

حين تُفني نظراتي

ذاتَها في عمقِ عينيكَ

وحيثُ أذيبُ ما بقلبي

بإدراكِ القمرِ

وأمزُجُهُ.. بفهمِ الظلام

في حجرةٍ بقدرِ الوحشةِ

قلبي الذي بقدرِ الحبِّ

يقلّبُ النظرَ بذرائعَ ساذَجاتٍ

لسعادتِهِ المُدّعاةِ،

بالذبولِ الجميلِ لورودِ المزهريةِ

بالشجيراتِ التيِ زرعتَها بيديكَ

في حديقةِ بيتِنا

وبألحانِ الكناري التي تُغنّي

باتّساعِ نافذة

آهٍ

تلكَ قِسمتي

تلكَ قِسمتي

قسمتي.

قسمتي سماءٌ يحجُبُها انسدالُ الستائرِ،

قسمتي نزولٌ من سلالمَ مهجورةٍ،

قسمتي أن أهوى لانتشالِ شيءٍ

من كل هذا الهَمِّ والاغتراب

قسمتي نزهةُ حزنٍ

في بستانِ ذكريات،

واشتياقٌ يُميتُني

لصوتِهِ إذ يهمسُ لي:

كم أحبُّ يديكِ!

وأغرسُ كفّيَ في الحديقةِ

وأعلمُ، أعلمُ، أعلمُ أنّي سأخضَرُّ

وأن طيورَ السنونو ستُودِعُ بيوضَها

في أنامليَ المَصبوغةِ بالمِداد.

سأعلِّقُ في أذنيَّ

قِرطينِ حمراوينِ صُغتُهما

من حبّتَي كرزٍ توأمتينِ

وألصِقُ في أظافري

تويجاتِ الداليا.

للآنَ ثَمَّ زقاقٌ

ما زال صِبيتُهُ الذين

أُغرِموا بي ذاتَ يوم،

بأَعناقِهِم النحيلةِ

وشعرهِم الأجعد

وسيقانهم الضامرة،

يذكرونَ الشِفاهَ البريئةَ الباسمة

لصَبيّةٍ سرقَتْها الريح..

سرقتها الريحُ ذاتَ ليل.

وللآنَ ثَمَّ زقاقٌ

سرقَهُ قلبي

من دروبِ الصِبا

شكلٌ مبهم يسافرُ عبرَ الزمان

يُخَصِّبُ الزمانِ اليبيس، يُلقِحُهُ.

شكلاً لم يزل يذكرُ صورته

عائداً من وليمةِ مرآة.

هكذا الأمرُ:

شخصٌ يموت

ويلبثُ شخص.

وما من صيّادٍ بهذا الجدولِ الضئيل

الماضي لحفرةٍ في الأرض

يظفرُ بصيدِ لؤلؤة.

أعرفُ جنيّةً

حزينةً صغيرة

بيتُها المحيطُ

قلبُهُا يخفقُ من نايٍ خشبي

مثل لحنٍ رفيقٍ رفيق،

جنيةً حزينةً صغيرة

تموتُ في الليلِ من قُبلةٍ

وتُبعَثُ من قُبلةٍ

في الصباح.

 

كيكا

ماجد الحيدر: شاعر وقاص ومترجم من كردستان العراق. ولد ببغداد عام 1960. يكتب ويترجم بالعربية والكردية والانكليزية. أصدر العديد من المجموعات الشعرية والقصصية والترجمات.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى