يأس مشروع
فلورنس غزلان
يتوضأ وطني بالموت، وتتدفأ رئتَّي جامعاته على الغبار، لم يعد للزمن موطيء نقطة…أكتب فيها تاريخاً يشهد على مسلسل عزرائيل المحتل لأرض الشام…لم يعد لقصص العشق بين أجندات الطلاب في قاعات العلم والمعرفة ..فتحة هواء للخاصية…فقد تحولت أكوانهم لجحيم مستمر…
هل لكم بعد من أنفاس تخرج من رئتيكم؟..هل في مخيلتكم إمكانية تمنح القمح سنابلا ذهبية فوق أرض حوران مثلاً ..ترونها في يوم قريب؟..كل مافي حياتي منذ عامين…كان أملاً كبيراً…أراه اليوم ضباباً غبارياً صحراوي الفتك يغمر طرقات قلبي ونوافذ روحي…ولا أجرؤ على البوح بأني …يائسة…نعم ..هي حقيقة ..قولوا ماشئتم…حتى لو انتصرت الثورة فهل ينتصر السوري على نفسه؟ هل ينتصر على ضعفه وثقافته وعلى طائفيته وعلى خرابه النفسي ؟ كم من الأعوام نحتاج لترميم أنفسنا ؟ وكم من الأعوام ستبصر عيوننا أعداد المعاقين؟ وكم من الزمن نحتاج لترميم المدن …وأعادة هيكل الحياة لوطن لايستطيع أغنياءه ولا عربه الأشقاء ولا عالم الأصدقاء أن يغيثوا لاجئيه في الداخل ولا في مخيمات البؤس؟…فكيف سيعيدوا ويشاركوا في بناء وطن انهار بكل مقاييس الإنهيار؟
لاتجعلوا الوهم يشظيكم أكثر ..ولا تُرَكِّبوا لآذانكم أقراطاً في شحمتها…كي ترقص على أنغام فخرٍ من الماضي المنخور…لاتنظروا في مرآة غائمة …ترسمكم كما تهوون…اقرأوا خيباتكم كما هي…واتركوا التدليس والتمليس…والتغني والإشادة فيما ليس بيدكم ولا بمقدوركم…لاتضربوا بسيوف غير سيوفكم..ولا تضخموا أفعالكم دون أن تفهموا كيف تدور موازين المنطقة والعالم وسياسييها…لأن سياسيينا مخيبين وخائبين…دعكم من الهمس وقولوا الحقيقة في العلن…اربطوا أحزمتكم قبل الهبوط في قلعة السحر الإسلاماني..كي لاتسقطوا على رقابكم فتكسروا ماتبقى منها، ولم يصب بلطمات من أقرباء وأحبة…لملموا بضاعتكم واعتنوا بالصنف والنوع…فقد كَثرُ الباعة الجوالين…وكثُرت الحوانيت المتنقلة من عاصمة لأخرى …فاحذروا التقليد….
هل لكم القدرة على الإنتظار بعد؟ انتظار أم لغائب …ربما!…انتظار حرية ستأتي بعد أجل غير مسمى …ربما! …انتظار طفل لم يولد في هذا الزمن الأغبر القاتل…أجلوا قدومه لأعوام كي لايرى ولا يسمع أحاديث الإفك والموت والتنكيل..انتظار صلاح الأرض لتثمر حباً نقياً وأخوة ومواطنة سليمة…ربما!.. بعد عقود ومرارة…إن قلبتم تربة الخراب المُزمن واعتذرتم من أطفالكم…وأعدتم لهم حقهم في مدرسة بلا أيديولوجيا…وبلا تمييز مذهبي…مدرسة تضم العربي والكردي والآشوري، تفتح أبوابها للدرزي والمسيحي والاسماعيلي والسني والشيعي..واللاديني…كلهم يجلسون على نفس المقاعد ويتلقون نفس المناهج…ويتعرفون على أن الرب واحد كما هو الوطن واحد.
فلورنس غزلان .. باريس ،تاريخ بوادر اليأس بعد تكاثر المذابح…واستمرار الظلام والظلم البشري.