صفحات الحوار

ياسر سعد الدين: انشقاق طلاس يشوبه غموض وعلامات استفهام


ملهم الحمصي

يرى الكاتب والمحلل السياسي السوري، ياسر سعد الدين، أن مخاوف البعض من محاولات تقسيم البلاد غير مبررة، وأن الشعب السوري عصي على الانقسام، رغم محاولات النظام التهويل من الخطر الطائفي والمذهبي، كما يرى أن هناك العديد من الشكوك وعلامات الاستفهام حول ظروف وملابسات انشقاقات العميد مناف طلاس.

ملهم الحمصي: يحلل الكاتب والمحلل السياسي السوري، ياسر سعد الدين، عوامل تصاعد موجات الانشقاق السياسي والعسكري، ولا ينسى أن يلقي باللوم على المعارضة السورية، التي يصفها بـ”الأسوأ” من بين كل المعارضات التي شاركت في ثورات الربيع العربي… وفي ما يلي نص المقابلة.

– أستاذ ياسر.. كيف ترى الحراك السياسي على المستوى الشعبي في سوريا بعد مضي عام ونصف عام تقريباً؟

اندلعت ثورة الحرية والكرامة في سوريا، وكانت مطالبها في البدء إصلاحية يسيرة، وكان الناس بحكم ثقافة القمع والقهر التي رزحوا تحتها يتقبلون التنازل عن حقوق كثيرة مقابل الحصول على بعض من الأساسي منها، غير أن النظام تعامل معهم ومع مطالبهم بقسوة وفظاظة، وكأنهم عبيد في مزرعته، لا يحق لهم التفكير أو المطالبة بكرامتهم الإنسانية وجزء من حقوقهم الأساسية.

الإذلال الممنهج من أجهزة النظام وانتهاك الحرمات والخطاب الكاذب للنظام وإعلامه أفقد الناس الثقة بإمكانية الإصلاح، كما إن تزايد العنف والاغتصاب وانتشار المجازر دفع الناس إلى الدفاع عن أنفسهم، بما يتيسر لهم من سلاح، وما جاء به المنشقون من الجيش وأجهزة الأمن، والذين رفضوا أن يتورطوا في سفك دماء أهلهم أو المشاركة في إذلالهم. وعلى الرغم من أن الثورة السورية تكرست منهجًا وواقعًا ونموذجًا للتضحية والشجاعة، إلا أنها لاتزال تشكو الافتقار للرؤيا والإستراتيجية على المستوى السياسي.

– هل تعتقد أن قدرة النظام على الصمود قد تأثرت بتفجير مبنى الأمن القومي، وما مدى تأثيره على معنوياته وقدراته الأمنية؟

تأثر النظام السوري بشكل واضح بخسارته لرجال من حلقته الضيقة يشكلون أعمدة النظام الأمني والقمعي في تفجير مبنى الأمن القومي لدرجة أن بشار الأسد غاب عن الظهور بعدها في الإعلام عدا مرة واحدة في تسجيل قصير بحضور وزير دفاعه الجديد وهو يؤدي القسم. وفي عيد الجيش طلب بشار في رسالة مكتوبة من قواته القتال والتضحية فيما كان هو في مخبأه. كما يلاحظ أن الانشقاقات الدبلوماسية والعسكرية تزايدت بعد الانفجار كنتيجة لشعور ويقين عام باقتراب نهاية النظام، أضف إلى ذلك أن ما حدث من تفجير للمبنى القومي رفد الثورة وأبناءها بمعنويات عالية.

– كيف ترى تعامل الإعلام العربي والدولي والسوري مع الأزمة السورية، وهل تلحظ أي تغيير فيه؟

الإعلام العربي بطريقة أو أخرى هو انعكاس لسياسة الدولة التي أنشأته أو تلك التي تموّله. بدأت تغطية القنوات العربية للثورة السورية خجولة وعلى استحياء، غير أن إصرار الثوار وصمودهم فرض الثورة وبقوة على القنوات الفضائية. ومع تحول المواقف، تحولت التغطية إلى اشتباك ومواقف قوية، خالفت المهنية في بعض الأحيان، وهي من الناحية السياسية تعكس مواقف دولها وحكوماتها، ورأينا ذلك جليًا في التعامل مع المعارضين السوريين، ومن تستضيفهم تلك القنوات -إضافة إلى العامل والعلاقات الشخصية- من دون النظر إلى عمق ومنطقية الضيف وقدراته الإعلامية والسياسية، وحتى اللغوية.

أما الإعلام الدولي فهو أكثر تنوعًا وحرية، وإن كان في نهاية المطاف يعكس توجهات القائمين عليه. وبشكل عام لعب الإعلام دورًا إيجابيًا في مناصرة الثورة، خصوصًا مع تحول الكثير من النشطاء والثوار إلى إعلاميين ومراسلين متطوعين، استفادوا من تكنولوجيا الاتصالات ومواقع التواصل الاجتماعي.

– ما رأيك في ظاهرة الانشقاقات التي تكاثرت أخيراً، وخاصة الانشقاق بين صفوف الدبلوماسيين والعسكريين الكبار؟

تأخر الانشقاقات في الصفوف الأولى عسكريًا ودبلوماسيًا مرده إلى عاملين: الأول هو حرص النظام على تقديم شخصيات انتهازية في المجمل، ولها معه مصالح مادية، كما تم توريطها (أو غضّ النظر عنها) بقضايا فساد مالية وغيرها، مع رصد تلك التجاوزات في ملفات تستخدم عند الحاجة. أما العامل الثاني سببه رد فعل النظام، والتي تكون على أي انشقاق عنيفة وقاسية، وتطال الأعراض والمصالح والأقرباء وبطريقة وحشية.

زيادة وتيرة الانشقاقات تشير إلى أن أهل المصالح والوصوليين والخائفين من انتقام الأسد أصبحت عندهم قناعة بأن النظام ضعف وانتهى، وقد ينهار في أية لحظة. أضف إلى ذلك أن جرائم النظام وهمجيتها وانفضاح أكاذيبه وإدعاءاته لم تترك فرصة لمن كان عنده بقية من وطنية أو إنسانية إلا أن يترك هذا النظام، بل ويعاديه.

– كيف تنظر إلى انشقاق العميد مناف طلاس والحديث عن مستقبل له في قيادة المرحلة الانتقالية؟

أية عملية انشقاق مهما كانت، وكيفما كانت، مرحّب بها، وهي موضع ترحيب وتقدير، فهي مؤشر إلى انهيار النظام، وتساهم في حقن دماء السوريين وتخفيف معاناتهم. غير أن مسألة انشقاق طلاس شابها الكثير من الغموض وعلامات الاستفهام، ففرنسا على سبيل المثال، والتي استضافت والده منذ شهور، أعلنت الأمر، وقالت إن الرجل وصل إليها، ثم تراجعت عن إعلانها. كما إن انشقاقه اختلف عن انشقاق الآخرين، فهو لم يلتحق بالجيش الحر، ولم يفضح سرًا نظامًا خدمه عقودًا، ولم يدن النظام بشكل واضح، بل وأكثر من ذلك، أرجع ما يجري في سوريا في مقابلة صحفية إلى الدائرة الضيقة المحيطة ببشار.

أما عن دوره في قيادة المرحلة الانتقالية، فبتقديري أن ردود الفعل السلبية من النشطاء والثوار على هذا الطرح، والذي بدأه معارض سوريا في موسكو، كانت كفيلة بإضعاف هذا الطرح، إن لم نقل وأده. طلاس كان جزءًا مهمًا من منظومة النظام بعلاقاتها وارتباطاتها، والمنصب الذي حصل عليه، وموقعه أشبه ما يكون بالتوريث من والده مصطفى طلاس، وهو أحد الحرس القديم المتشدد في ولائه للأسد الأب، وممن اشتهروا بمواقفهم المتطرفة. فهو كان يفاخر بتوقيعاته على أوامر إعدام المئات من المعارضين للنظام في الثمانينات، وهو مهندس بارز لتوريث السلطة لبشار، وكان في ربيع دمشق من الممانعين وبشدة لأية إصلاحات، ففي تصريح له حول التغيير قال إننا حصلنا على الحكم بالدم، ولن نتخلى عنه إلا بالدم. وحين صدر بيان بتوقيع ألف مفكر وناشط يطالبون بالإصلاحات، اتهمهم بالعمالة للمخابرات الأميركية، وطعن بنزاهتهم وأمانتهم.

– ما رأيكم في اشتباكات حلب الأخيرة، وهل سوف تنجح في تحرير المدينة كما يقول الثوار؟

أحداث حلب شكلت نقلة نوعية في الثورة السورية، فهي ضربت مصداقية النظام أو ما تبقى منها أمام أنصاره، وهو يزعم أن حلب تدين له بالطاعة والولاء، فكان تحركها، وإن تأخر، الأكثر عنفوانًا وشدة وحدة. كما إن اشتباكات حلب مختلفة عمّا حصل في دمشق، فالقوات المهاجمة أكثر تنظيمًا وعددًا وعدة وعتادًا، والمناطق المحيطة بحلب محررة بشكل شبه كامل، كما إن خطوط الإمداد بعد تحرير حاجز عندان أصبحت مفتوحة حتى الحدود التركية. قد لا تستطيع قوات الجيش الحر حسم معركة حلب بشكل سريع أو خاطف، نظرًا إلى تفوق قوات الأسد جوًا، غير أن حلب ستشكل استنزافًا كبيرًا لقوات النظام ومخزونها المادي والمعنوي، وستدفع بكثير من مناصري بشار وهم يراقبون تدمير العاصمة الاقتصادية لعدائه ومحاربته.

– كيف ترون مستقبل الحل في سوريا، وإلى أين تتجه الأمور برأيكم؟

المستقبل في سوريا مفتوح على احتمالات كثيرة، ولكن ليس من بينها على الإطلاق بقاء بشار الأسد في الحكم. هناك خوف من تقسيم البلاد، وخصوصًا مع تسليم الأسد مناطق شمالية شرقية إلى حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، وهو يريد بذلك إشغال تركيا، وربما التمهيد لإعلان دويلة علوية، بعد أن يكون للأكراد السبق في ذلك، طبعًا هذا سيناريو محتمل في تفكير نظام الأسد.

الوقوع في حرب أهلية أمر محتمل، خصوصًا بعد المجازر الطائفية التي دفع إليها النظام شبيحته في القرى والبلدات الواقعة ضمن نسيج اجتماعي متعدد. هناك من السوريين من يرى أن ما حدث في سوريا يلحق بما حدث في الصومال والسودان والعراق، من تحويل الدول العربية إلى دول فاشلة ومنقسمة، ولكن ليس كما يطرحه إعلام نظام الأسد، هم يعتقدون أن الغرب والمجتمع الدولي أعطى متعمدًا النظام المهل تلو المهل لتدمير سوريا وبنيتها التحتية، وكان بالإمكان التعاطي بجدية وحزم مع النظام لمنعه من الدفع بسوريا إلى منزلق خطر وهاوية قد تكون سحيقة.

– هل من كلمة أو إضافة؟

إذا كانت الثورة السورية الأطول زمناً والأرقى نبلاً والأجود تضحية، فإنها للأسف الأسوأ معارضة. تشكل المعارضة السورية نقطة قاتمة ودائرة مظلمة في الثورة. فالتسابق على السراب والتنافس المحموم على مناصب وهمية، ومحاولة نقل الصراع إلى الداخل وشراء الولاءات أمور مؤلمة، وقد تكون لها استحقاقات خطرة. الساحة السورية أصبحت، شئنا أم أبينا، ميدانًا ومسرحًا لصراع إقليمي ودولي بأبعاد مذهبية وعقائدية واقتصادية.

وإذا كان التعامل مع الأطراف والدول أمر مشروع للمعارضة، ولكن ينبغي أن لا نتحول إلى بيادق أو أحجار على رقعة الشطرنج، تحركنا مصالح غيرنا، وإن كانت مشروعة بالنسبة إليهم. على المعارضين توحيد الصفوف، وجعل أولوياتهم وبوصلتهم سورية، مع الاحتفاظ والاعتزاز بالبعد العربي والإسلامي والدولي.

ايلاف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى