“الربيع العربي الاسلامي” والأقليات المسيحية
سركيس نعوم
… أي مصير سيكون لمسيحيي لبنان اذا سقط الرئيس السوري بشار الاسد جراء الانتفاضة الشعبية على نظامه الذي أسسه الرئيس الراحل حافظ الأسد عام 1970؟ وأي مصير سيكون للأقليات في لبنان وكذلك في المنطقة، اسلامية كانت أو مسيحية، في حال انتهى “الربيع العربي” الى جعل الاسلاميين المتنوعين اصحاب السلطة فيه وفيها؟
… وأي مصير سيكون لليبراليين العرب المؤمنين بالدولة المدنية وبالنظام الديمقراطي اذا نجحت تركيا “حزب العدالة والتنمية” الاسلامي في اقناع اميركا بعدم معارضة أو بتسهيل وصول “اسلامييها” العرب الى السلطة في دولهم لأنهم سيكونون معتدلين مثلها ولأنهم سيكونون خير معين لها وللعالم كله، كونهم ينتمون الى الغالبية في العالم الاسلامي في مكافحة الارهاب الاصولي الذي صار عنوانه اسلامياً رغم ارهاب الاصولية المسيحية الذي بدأت تشهده مجتمعات اوروبية متقدمة، وربما في حل ازمة الشرق الاوسط. وهؤلاء الليبراليون ينتمون الى الغالبية والاقليات في الاسلام، كما ينتمون الى الاقليات المسيحية؟
هل الاسئلة المطروحة أعلاه في محلها؟ وهل من اجابة واضحة وشافية عنها؟
لا شك في ان السؤال الأول يعكس مباشرة أو مداورة اموراً ثلاثة. الأول، هو ان النظام في سوريا ورغم “بعثيته” القومية ينتمي في شكل ما الى الاقليات. والثاني، هو انه حمى الأقلية التي ينتمي اليها اصحاب الأمر والنهي فيه والأقليات الاخرى وفي مقدمها المسيحية. والثالث، هو ان الخطر على الاقليات في سوريا من مسلمة ومسيحية انما ينبع من الغالبية الاسلامية وخصوصاً بعدما سيطر على قطاعات واسعة منها فكر “اخواني” او “سلفي” أو “قاعدي” أو “مجاهد” متطرف. ولا شك ايضاً في ان السؤال الأول يعتبر ان وجود سوريا في لبنان مباشرة ومداورة عسكرياً وامنياً وسياسياً واجتماعياً قرابة ثلاثة عقود، واستمرار نفوذها فيه رغم خروجها العسكري والامني منه عام 2005 ، لا شك في انه حمى، وإن من دون ان يذكر ذلك، اقليات لبنان وفي مقدمهم مسيحييه. والامور الثلاثة المذكورة اعلاه لا بد من التدقيق فيها لأن ظاهرها قد يوحي بصحتها، في حين ان باطنها يرخي ومن دون ادنى شك ظلالاً سميكة على هذه الصحة. فنظام آل الأسد لم يبدأ نظام اقلية، بل بدأ نظاماً بعثياً قومياً عربياً ذي هموم متنوعة، منها داخلي ويركز على اعطاء دور مهم للأقليات في القرار السياسي بل الوطني من دون مصادرة دور الغالبية أو القضاء عليه، ومنها اقليمي ويتعلق بالقضايا والمشكلات والأزمات العربية. وكان في الشق الداخلي من همومه نوع من رد الفعل على ممارسات قديمة جداً أو أخرى حديثة حيال اقليات معيّنة وتحديداً حيال دورها السياسي والوطني. لكن مع الوقت فقد النظام بسبب الممارسة، وبسبب اصحاب المصالح من أهله، وبسبب انتشار الافكار الاصولية المتطرفة غير المتسامحة مع الاقليات او غير المعترفة بها، وكذلك بسبب مواقف جهات اقليمية واحياناً دولية، الثنائية المشار اليها اعلاه وتحوّل عملياً نظام اقلية. الا ان التحول هذا في “هوية” النظام لا يعني ابداً ان الاقليات في سوريا ومنها المسيحيين تساوت مع الاقلية الحاكمة. فالدور والقرار والسلطة والأمن والاقتصاد انحصرت في ايدي الاخيرة وإن شاركه في التنفيذ اشخاص او جهات من الاقليات الاخرى. وقد حصلت الاخيرة جراء ذلك على الحماية، وعلى ضمان ممارسة دياناتها او مذاهبها ونوعية حياتها وعلى اعمالها. اما في لبنان، فإن المسيحيين خسروا دورهم الأول في البلاد لأنهم اساساً لم يكونوا واقعيين فتمسكوا بمكاسب وضمانات وامتيازات لا قيمة لها في ظل تغير الميزان الديموغرافي، ولم يحاولوا التوصل مع المسلمين (غالبية واقليتان) الى عقد وطني ثابت ونهائي. لكن من ساعد على خسارتهم اياه كانت سوريا الاسد عقاباً لهم على رفضهم ان يكونوا مثل مسيحييها، اي ابناء النظام وداعميه ومنفذين لسياساته حتى المتعلقة بوطنهم من دون ان يكون لهم دور فيها. علماً ان جهات اخرى عربية واقليمية ساهمت في هذا الأمر ايضاً ولم تمانع فيه سوريا! فهل يعني اصحاب السؤال الاول انهم يقبلون وضعاً كهذا في بلادهم اذا استمر نظام الاسد واستعاد نفوذه اللبناني عبر اقلية اسلامية كبيرة وقوية في آن واحد؟ وهل يدعون الى السير مع حلفائه في لبنان والى مواجهة اخصامه الذين هم اقلية كبرى فيه ارغم انتمائها الى الغالبية في محيطه؟ وهل يضمن ذلك مصالح لبنان؟
انطلاقاً من السؤال الأول والتعليق عليه، هل يمكن الخوض في ماذا ينتظر مسيحيي لبنان؟ وماذا عن السؤالين المتعلقين بالليبراليين والاسلاميين؟
النهار