سمر يزبك… مرايا سورية معارضة
غدي فرنسيس
لا يغطي شعرها الأشقر نقاب، ولا تحمل جهاز تعقّب تشغّله آلة خارجية وليس في يديها سوى سلاح من قلم وألم. لا تشبه منقّبات دوما، لكنها سارت معهن. لا تريد أن تسكت، بل كتبت «يوميّات دمشقية» من قلب الشارع.
عن الحرب النفسية قال سعيد تقي الدين في زمانه: إذا اردت أن تقتل رجلاً أطلق عليه شائعة. فماذا لو كانت إمرأة، من الساحل السوري، من مجتمع محافظ، تعيش وحدها ولها ابنة شابة. ماذا لو كانت هذه المعارضة واحدة من داخل البيت ولها صلات قربى مع النافذين. وماذا لو كانت هذه الإمرأة الجميلة القوية تمتلك قلماً؟ وتستطيع أن تفعل فعلاً؟ تكون سمر يزبك، كاتبة «لها مرايا». تكون صرخة «لا» تفتح أفقاً جديداً للمعارضة وتفرمل تطرّفها في آن معاً. تكون العينين الخضراوين اللتين تدمعان لكل شهيد جيش، ولكل مدني يقتل. تكون الاعتدال الذي يجد نفسه بين طرفين، كل يشده إلى ناحية، ويشعر انه عرضة للتمزيق.
قلم سمر يزبك بعيونهم
صباح الجمعة، على طاولة المثقفين، تأتي الالسنة على ذكرها، فلها تاريخ في المعارضة، ترجمته كتب وقصص وروايات ومقالات متنوعة. ابنة جبلة ولدت في العام 1970 وتنقّلت حول مدنها والاحزمة. يقول الخمسيني الاول: كتبت مستوحية من شخصية قائد رفيع في الدولة في إحدى رواياتها. ليردّ الآخر: كتبت عن الطائفة العلوية في «لها مرايا». هي معارضة مؤلمة لأنها من قلب البيت.
لا يختصر ترداد اسمها بالمقاهي. ففي مكتب سيدة علمانية معارضة في وسط البلد، وبينما دار كلام السياسة الصباحي، وصلت ورقة مطبوعة بعنوان «يوميات دمشقية» مذيلة بإمضاء يزبك، وفيها تشرح انفعالها وأحاسيسها في أولى التحرّكات. تلبس حواءها وتنزل إلى التظاهرات. تحاول أن تجد لنفسها مكاناً للرفض رغم أن الشارع لا يشبهها. لكنها تحكي وتروي، تكتب، ولهذا تدفع ضريبة.
تمثل رمزا ما لهؤلاء الذين رفضوا شكل النظام من قبل ولكن الحراك الذي نزل لم يشبههم بعد، أو لم يعطَ الفرصة. تمثل نموذجاً عن المعارضة التصالحية التي تتكلم بانفعال عصبي أقل، وقلق أكبر. وترفع كل السقوف وتفتح كل الأبواب المغلقة، من دون مساس برمز الدولة ورئيسها. حديثها أقل حديّة من الشارعين، فهي ليست جديدة على ترداد «لا».
كتبت رواية صادرة عن «دار الآداب» بعنوان «لها مرايا». تسلّط فيها الضوء على جزء من تاريخ الطائفة العلوية وتحولاتها. علّقت في أحد الأحاديث الصحافية السابقة قائلة: «فكرة الحديث عن العلويين، كطائفة مجهولة التاريخ والحاضر والهوية، ما يعرف عن العلويين أفكار مغلوطة، ارتبطت منذ حوالى نصف قرن بالسلطة والعسكر لا أكثر ولا أقل، تحديداً في سوريا، هناك جهل حقيقي بتاريخ هذه الطائفة، وأنا على الرغم من أني ضد فكرة الهويات والانتماءات المحدودة والعصبيات، ولا أقول إني مسلمة أو مسيحية، ولا علوية أو سنية، وتهزني بعمق تلك التعريفات اللاإنسانية، فقد وجدت نفسي أبحث عن المكان الذي جئت منه إلى هذه الحياة، ومنذ سنوات وأنا أحاول اكتشاف حقيقته». تقول انها متأثرة بأدبيات العلويين وتستقي منها مادة حياتية؛ من الخصيبي والمكزون السنجاري الى إخوان الصفا ونهج البلاغة للإمام علي بن أبي طالب، المتنبي والفارابي والشيرازي…
حرب باردة
في قهوة دمشقية خالية إلا من طاولتين، نلتقي وسط نظرات ارتباك. تشعل سجائرها بتواصل، تنفعل سريعاً إذ تحكي، تتسع عيناها مع كل زاوية حادة لكل حديث. تخبر عن الضغط الذي استعمل معها: هي امرأة، وبرأيهم، فهي سهلة التكسير. لعبت دوراً بين جبلة واللاذقية لوأد الفتنة، ثم اشتد الضغط عليها، ووزعت مناشير في قريتها تتهمها بالتعامل مع العدو، وتحرض على قتلها، ونشر عنها موقع تابع للمخابرات رواية ملفّقة عن خيانة، هددت بابنتها، ولم تعد تستطيع الحركة في منطقة الساحل.
ضد النظام… الأمني
ما يؤلمها سلب الناس الرحمة، والتجييش والاحتقان القادر على القتل المتطرّف حد التخلّي عن القيم. تعتبر ان ممارسات التخويف والترويع طالت الطائفتين وجعلت الناس في حالة استنفار وجاهزية للاشتباك المسلّح. وهنا الخطر. وهذا لم يأت من الفراغ، بل يتحمّل النظام مسؤوليته. «نحن لا نتكلّم في السياسة، نحن نتكلّم في بديهيات الحياة. في بداية التظاهرات كل من خرج إلى الشارع لم يطالب بإسقاط النظام، الكل كان يطالب بالإصلاحات. طريقة الامن في قمع التظاهرات هي التي غيّرت التحرّك.
«أريد حلا»
الحل بإيقاف القتل والسماح بإبداء الرأي «سواء عن طريق التظاهر أو الكتابة»، وقف حصار المدن وعدم زجّ الجيش في صراعات السياسة. إطلاق سراح معتقلي الرأي ومعتقلي «الإنتفاضة السورية»، التحقيق النزيه بالأحداث الأخيرة، والبدء بالحوار الوطني الشامل، بما يحفظ وحدة الأراضي السورية والمجتمع السوري، ويضمن حرية وسلامة الشعب. لا لست مع التطرّف الذي أصاب الحراك ولا مع قتل عناصر الجيش. اعتبر من يموت في التظاهرات شهيدا من أجل الحرية، وانا ضد الاعتداء على جيش الوطن، والعسكريون القتلى هم شهداء … مثلهم مثل المدنيين.