مراجعات كتب

فاطمة المرنيسي و«السلطانات المنسيات»… كسر صمت المصادر العربية/ إلهام الطالبي

 

 

تعود الكاتبة فاطمة المرنيسي في كتابها «السلطانات المنسيات» إلى الماضي الإسلامي لتطرح بجرأتها المعهودة أسئلة كانت ومازالت تؤرق المهموم بوضع المرأة المسلمة، لم تتوان مؤلفة «شهرزاد رحلت إلى الغرب» من وضع التاريخ الإسلامي على المشرحة السوسيولوجية، عبر السفر بالقارئ إلى أزمنة وأمكنة متباعدة لتحاول نفض الغبار عن أهم المحطات في تاريخنا الإسلامي، التي كان ينبغي دراستها والاهتمام بها عوضا عن تجاهلها.

تلح المرنيسي في بداية الكتاب على أنها تتحدث عن الإسلام السياسي، الإسلام كممارسة لسلطة المدفوعين بمصالحهم والمشبعين بالأهواء، وهو ما يختلف عن الإسلام الرسالة الإلهية، الإسلام المثالي المدون في القرآن. وتشير إلى أنها عندما تتحدث عن هذا الأخير فإنها تعبر عنه بالإسلام كرسالة أو الإسلام الروحي، لتشرح للقارئ المتعصب أنها تفصل بين الروحاني والأرضي.

تساءلت السوسيولوجية المغربية عن كيف نجحت نساء الازمنة القديمة اللواتي يفترض فيهن أنهن أقل تأهيلا منا في الوصول إلى مراكز صناعة القرار، في الوقت الذي فشلنا نحن العصريات بشكل مثير للشفقة، وهذا ما تؤكده أرقام تمثيلية النساء في المسرح السياسي في الدول الإسلامية.

تستهل الكاتبة رحلة البحث عن إجابات لأسئلتها، ما هو سر الملكات السابقات كيف تنقلن في الحلبة السياسية، حيث أن كل امرأة تتحرك فيها تستحق العقاب البشري والإلهي؟ هل هو الإغراء؟ أم هو ذكاؤهن وقدرتهن على الخروج من عالم الحريم إلى معترك السياسة، لو كان الجمال والإغراء لنجح الكثير من النساء من مختلف دول الغرب والبلدان العربية الأخرى اللواتي لهن طموحات سياسية وجميلات إلى أقصى حد وموهوبات بأنواع من الجمال الساحر، لكن جهلهن على المستوى السياسي جعل الإغراء سيئ التأثير مع الزمن.

تشير مؤلفة «نساء على أجنحة الحلم» إلى أنها لم تعرف امرأة اجتازت بواسطة الإغراء العتبة التي تجعل من محظية غير آمنة شريكة في السياسة.

صمت المصادر العربية عن وجود سلطانات حكمن ومارسن السلطة السياسية، كان من بين الدوافع التي جعلت مؤلفتنا تحفر في الماضي لتقابل نساء لقبن بالحرات، ومن النساء الأكثر شهرة تذكر عائشة الحرة، المعروفة عند الإسبان بـ»مادري بوعبديل»، وحسبما ذكره عبد الله عنان المتخصص في دراسة سقوط غرناطة لعبت عائشة الحرة دورا بارزا في الأحداث التاريخية رغم صمت المؤرخين العرب الذين قلما ذكروا اسمها.

تصف الوثائق الإسبانية حياة عائشة بأنها كانت صفحة من البطولة، واتخذت قرارات مهمة في الفترة المأساوية في غرناطة، فبعد سقوط زوجها محمد أبو عبد الله في فخ إغواء اسيرة الحرب الإسبانية ايزابيلا، وشعور النخبة في غرناطة بالخطر الذي مثلته هيمنة الزوجة الإسبانية، جعلها تستجيب لدعوة الزوجة العربية التي كانت أهدافها واضحة، وهي إزاحة الأب الخائن لشعبه.

إن سقوط غرناطة دفع بحرات أخريات من نساء علية القوم اللواتي كن يعشن حياة أخرى مسترخية في الحريم إلى المسرح السياسي ليخرجن بذلك من الفضاء المنزلي ويتحررن من قيد التقليد.

وتفيد المصادر الإسبانية والبرتغالية بأنها كانت شريكة في اللعبة السياسية وقد كانت لعدة سنوات حاكمة تطوان والإقليم الشمالي الغربي من مراكش وكانت رئيسة للقراصنة لا منازع لها وكان أحد حلفائها القرصان التركي بارباروس.

عقب وفاة زوجها تزوجت ملك مراكش أحمد الوطاسي ثالث ملوك هذه الأسرة

ولكي تفهمه انها لا تنوي مطلقا التنازل عن دورها السياسي طلبت منه الانتقال من العاصمة فاس إلى تطوان لإقامة حفلة الزواج وكانت المرة الوحيدة في تاريخ المغرب التي يتزوج فيها ملك خارج عاصمته.

من المغرب تسافر بنا المرنيسي بأجنحة السوسيولوجيا إلى السعودية التي ما زالت المرأة في عصرنا الراهن تكافح لأجل سياقة السيارة، لنتعرف على الغالية الوهابية الحنبلية من طربا قرب طائف، فقد قادت في العربية السعودية حركة مقاومة عسكرية كي تدافع عن مكة بصورة خاصة في بداية القرن الثامن عشر ضد الاحتلال الأجنبي، ولقد أعطيت لقب أميرة. ويسجل المؤرخون ظهورها على راس البدو كحدث استثنائي.

لم يكن فقط تقلد المرأة لمناصب السلطة محط تجاهل المؤرخين، بل أيضا عشق الخليفة للمرأة وضعفه أمامها كان أمرا يلغي جميع إنجازاته، وهنا نستحضر مع السوسيولوجية المغربية علاقة يزيد الثاني تاسع خليفة أموي مع جاريته حبابة، وكيف كان يقول عندما يصل إلى أوج سروره أنه يود أن يطير وحبابة هذه هي التي كان ينبغي عليها أن تذكره بمهمته على الأرض، وبلزوم عدم الذهاب بعيدا.

ولعه بأمته المغنية والشاعرة التي كانت تدخله في حالة من الرعدة وتجعله يتكلم بكلمات خرقاء، أثارت استياء المؤرخين، فإهمال يزيد لشؤون الدولة عقب وفاة حبابة وبكاءه وحزنه، الذي كان سببا في موته بعدها، جعل المؤرخين يهملون إبداعه في مجال السياسة وتشجيعه للحوار ومناقشة معارضيه.

كتاب «السلطانات المنسيات» رحلة عبر الزمن لاكتشاف تاريخ منسي لنساء تفوقن بحكمتهن. تعتمد مؤلفة «حريم السياسة» على دراسات اليمني المعاصر عبد الله التاور، الذي يثبت بوضوح أن عهد الملكتين أروى وأسماء كان عهدا هادئا في تاريخ اليمن.

«عرفت اسماء بعبقريتها وكانت متواضعة على الإطلاق كانت تحضر مجالس الرأي بوجهها المكشوف فلا حجاب لامرأة تحب زوجها وتثق به حسب الباحث، ولا انحطاطية سيئة لامرأة عربية لديها ما تقوله».

لما فوض علي زوجها بإعلان نفسه ملكا منحها الهدية الأكثر ملكية التي يمكن منحها لامرأة، وذلك بإشراكها جهارا وعلانية في حياته واعتباره لها كشريك وند فقد طلب بأن تلقى الخطبة باسمها، فكانت مساجد اليمن تذكر اسمها بعد العاهل الفاطمي وزوجها «اللهم أدم أيام الحرة التي تدير بعنايتها شؤون المؤمنين»

تربية الملكة اسما لابنها المكرم كانت على أساس أن الزوجة هي القوة ومن الغباء أن نتركها تكد في ظلال الحريم.

تتساءل المؤلفة لماذا لم يسبق أن اختيرت فترات كهذه من تاريخنا كنصوص مختارة للمدارس الابتدائية والثانوية فالتاريخ الذي يدرس ما هو إلا سلسلة من الفتوحات واحتلال المدن والأراضي وسلسلة معارك مغطاة بآلاف القتلى.

٭ كاتبة مغربية

القدس العربي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى