مؤامرة أم فرصة؟
ساطع نور الدين
لأن السياسة ومفرداتها انعدمت في سوريا، وصار القتل والجرح والاعتقال، ومعها التعذيب والتمثيل بالجثث، العنوان الرئيسي الوحيد للازمة، يصبح مؤتمر المعارضة السورية المقرر افتتاحه اليوم في مدينة انطاليا التركية، بمثابة فرصة ثمينة لاحتواء تلك الهستيريا الجماعية المتبادلة بين النظام وبين الشارع، وبلورة نصاب ما للحوار الداخلي السوري المعطل منذ نحو اربعين عاما.
وكما في كل خطوة سياسية مفصلية، كان لاختيار زمان ومكان انعقاد المؤتمر اكثر من دلالة جوهرية، لا تستقيم مع الكلام الساذج عن مؤامرة خارجية على سوريا ونظام الرئيس بشار الاسد، الذي ليس لديه حتى الان من رد عليها سوى استخدام القوة… التي يبدو ان الجهة الرسمية التركية الداعية والمنظمة والممولة لمؤتمر انطاليا تريد تعطيلها، وتوفير بدائل سياسية لها. وهي في ذلك، تخدم النظام وتمنعه من الانتحار قبل ان تخدم الشارع وتحميه من الفراغ والفوضى، وتدعم الاعتقاد السائد بان انقرة، وبرغم الموقف الفظ الصادر عن رئيس حكومتها رجب طيب اردوغان وكبار المسؤولين الاتراك، هي العاصمة الوحيدة في العالم التي لا تزال تؤمن بأن لدى الاسد فرصة للخروج من الازمة، اذا اعتمد بسرعة خيارا سياسيا صادما.
وعدا عن السعي الى وقف اطلاق النار في شوارع المدن والبلدات السورية، ثمة رغبة تركية في ان يساهم مؤتمر انطاليا في تكريس انقرة كمرجعية رئيسية لطرفي الازمة، وبوابة رئيسية ووحيدة ايضا لأي دور خارجي في انهاء تلك الازمة، ذات الطابع الداخلي بالنسبة الى الاتراك عموما. وهي حقيقة معترف بها ضمنا من الجميع من دون استثناء، وتشكل خيارا افضل من اي عاصمة عربية او اوروبية بعيدة عن سوريا وحدودها، كان يمكن ان تستضيف المؤتمر وتحوله الى منصة اضافية لاشعال الحرب الاهلية السورية او استدراج التدخل الخارجي في الشأن الداخلي السوري.
وحسبما تردد انقره بشكل يومي تقريبا، فان الوقت ينفد امام النظام والشارع اللذين يتواجهان من دون اي افق لهدنة، وهو يلح على المعارضة لكي تبادر الى التشكل في جبهة وطنية تضم الجميع من دون استثناء سوى للطرفين الاكثر اثارة للجدل او الشبهة، اي النائبين السابقين لرئيس الجمهورية السورية عبد الحليم خدام ورفعت الاسد… وتباشر في وضع تصوراتها للمرحلة المقبلة، التي باتت تقاس بالايام والاسابيع لا بالاشهر، وتضغط على مختلف السوريين لكي يردوا على اسئلة اصلاح النظام واقامة دولة مدنية ديموقراطية، ولكي يحددوا مواعيد وقوانين مقترحة للانتخابات المحلية والنيابية والرئاسية تباعا.
وسم المؤتمر بانه جزء من المؤامرة على سوريا ونظامها، وبان المشاركين مجرد عملاء للاجانب، يضيع الفرصة الوحيدة للخروج من الطريق المسدود امام النظام والشارع، ويعطل المسعى التركي الدؤوب لخرق الكثير من المحرمات السورية الموروثة من الثمانينيات، واهمها الحوار بين النظام وبين حركة الاخوان المسلمين… ما يمهد للدعوة الى مؤتمرات جديدة للمعارضة السورية في باريس او لندن او بروكسل او واشنطن تعيد الى الاذهان المؤتمرات التي كان ينظمها المعارضون العراقيون قبل غزو العام 2003.
السفير