صفحات العالم

عندما قال الأسد إن السوريين غير ناضجين


 عثمان ميرغني

يقول إدوارد جيرجيان، مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق لشؤون الشرق الأدنى، إنه من خلال تعامله مع الرئيس السوري بشار الأسد تبين له أنه يتحدث بلغة مزدوجة، وأنه وجد فيه التردد والكلمات الجوفاء والوعود التي لا غطاء لها. أما لماذا يقول جيرجيان هذا الكلام الآن؟ فلأنه، كما يروي، سمع من الأسد كلاما كثيرا عن الإصلاح والانفتاح، بينما كان الزمن يمضي والوعود تتكرر من دون أن يتحقق منها شيء. ويتذكر المسؤول الأميركي الأسبق الذي عمل أيضا سفيرا لبلاده في دمشق كلاما دار بينه وبين الأسد بعد ثلاث سنوات من توليه الرئاسة خلفا لأبيه، فيقول: سألته ماذا يحدث مع خطط تحسين الحياة اليومية في سوريا، والاهتمام بالمواطن ومنح قدر أكبر من الحرية والحقوق، ففاجأني بقوله إن مواطنيه ليسوا ناضجين بعدُ ولا مستعدين لهذه الإصلاحات.

الكلام السابق جزء من حوار مع جيرجيان نشرته قبل بضعة أيام سمدار بيري، محللة الشؤون العربية في صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية، التي التقت المسؤول الأميركي الأسبق على هامش مؤتمر هرتسليا السنوي الذي خصص قسما من جلساته لمناقشة الربيع العربي والوضع في سوريا. ويبدو من سياق الحديث أن الرجل ازداد قناعة منذ ذلك التاريخ، وبالنظر إلى الأحداث الجارية في سوريا اليوم، بأن الأسد غير جاد في وعود الإصلاح.

قد لا يكون هناك جديد في كلام جيرجيان عن ازدواجية خطاب الأسد؛ لأن هذا الأمر قاله مسؤولون آخرون عرب ودوليون عن تعاملهم مع الرئيس السوري، كما أن عدم جديته في تنفيذ الإصلاحات أمر بات واضحا لرجل تولى السلطة قبل أكثر من أحد عشر عاما ولم يحقق من هذه الوعود شيئا، وتقوم قواته اليوم باستخدام البطش والعنف لقمع السوريين المطالبين بالحقوق والتغيير. الجديد في ما قاله جيرجيان هو أن الأسد يعتبر أن السوريين غير ناضجين، وبالتالي غير مستعدين للإصلاحات، وهي نظرة – لو صح الكلام بالطبع – تعكس استخفافا لا يصدق بالشعب وتترجم رفضا متجذرا لإعطائه حريات أو حقوقا ما دامت النظرة إليه تقوم على أنه قاصر وغير ناضج.

هذه اللهجة المتعالية سمعناها من قبل وبشكل فج من القذافي، مع فارق وحيد هو أن العقيد نطقها علنا وأمام الكاميرات والميكروفونات عندما قال في فورة غضبه على المنتفضين ضد حكمه: من أنتم؟ ثم رد على تساؤله بوصفهم بالجرذان والكلاب الضالة، وبنعوت أخرى كثيرة. لكن الرسالة تبقى واحدة، سواء أقيل الكلام في السر أم في العلن، وهي أن هناك أنظمة لا تأبه بشعوبها ولا بآمالها وطموحاتها وتعتبرها غير مؤهلة لنيل الحقوق والحريات. وما دامت هذه هي العقلية فإن الذين ما زالوا يروجون أن النظام السوري يمكن أن ينفذ إصلاحات حقيقية إنما يتشبثون بالوهم أو يحاولون تسويق التضليل. فالنظام لو كان يريد الإصلاح لما مارس كل هذا القتل والبطش لقمع الانتفاضة والتشبث بالسلطة غير آبه بأعداد الضحايا المتزايدة يوما بعد يوم.

الغريب أنه بعد النتيجة المتوقعة في مجلس الأمن الذي منى الكثيرون أنفسهم بأن الحل سيكون على يديه، نسمع اليوم كلاما كثيرا عن حل سحري سيأتي به الروس وأنهم سيستخدمون نفوذهم للضغط على نظام الأسد للقبول به، وتحقيق إصلاحات سريعة والتفاوض مع المعارضة لوضع هذه الإصلاحات موضع التنفيذ. الذين يقولون هذا الكلام يصمون آذانهم عن أصوات القصف العنيف على المدن السورية، ويتعامون عن أن روسيا هي التي أحبطت، ومعها الصين، مشروع القرار العربي المدعوم غربيا في مجلس الأمن، وهو أمر فهمته دمشق على أنه ضوء أخضر لتصعيد عملياتها العسكرية على أساس أن المجتمع الدولي لن يكون قادرا على فعل شيء في ظل «الفيتو» المزدوج.

الحقيقة أن روسيا، التي يشكك كثيرون في دوافعها، لن تأتي بالإصلاح إلى سوريا؛ ففاقد الشيء لا يعطيه، ونظام بوتين – ميدفيديف، الذي يواجه انتقادات شديدة في الداخل بأنه يلتف على الإصلاح والديمقراطية ويقمع المعارضة ويزوِّر الانتخابات ويحاول إعادة حكم قيصري جديد إلى الكرملين، لا يمكن أن يصبح الطرف الذي يحقق الإصلاح والتغيير اللذين ينشدهما السوريون. موسكو تريد إنقاذ النظام لا تحقيق مطالب الشعب السوري المنتفض، وتستخدم الأزمة كورقة انتخابية داخلية يبدو معها بوتين باعتباره الرجل القوي الذي يدافع عن مصالح روسيا في الخارج، ويقف في وجه الضغوط والمصالح الغربية. أما الثورة السورية المظلومة فإنها مثلما وقعت في مطب الصراع الإقليمي، تجد نفسها الآن ضحية الصراعات والتجاذبات الدولية.

في ظل هذا الوضع إلى أين تتجه الأمور؟ الواقع أنه لا المبادرة العربية في شكلها الحالي، ولا التحركات التي جرت في مجلس الأمن كانت ستقنع النظام السوري بإحداث تغييرات تعني عمليا تسليمه للسلطة، وتحركات موسكو لن تفعل هذا الأمر قطعا، بل إنها ترمي إلى الالتفاف على المبادرة العربية، وربما كسب المزيد من الوقت للنظام المكشر عن أنيابه لقمع الانتفاضة. الغريب أن موسكو تقول إن مشروع المبادرة العربية أمام مجلس الأمن كان سيقود إلى حرب أهلية؛ لأنه ينص على سحب القوات السورية من المدن والمراكز الرئيسية، مما سيعني وضعها في أيدي الجماعات المسلحة وبالتالي يدفع الموالين للنظام لحمل السلاح حماية لأنفسهم. هذا هو المنطق الذي تتحرك به موسكو، وهو منطق يتجاهل حقيقة أن استخدام موسكو ومعها الصين لـ«الفيتو» أوجد وضعا قاسيا على الأرض سينجم عنه تصعيد متزايد في العنف، وهو الخطر الأكبر الذي يمكن أن يقود إلى عسكرة الانتفاضة وحرب واسعة لا يريدها غالبية السوريين والعالم.

من الصعب تصور أن التحرك الروسي الراهن سيقود إلى حل الأزمة السورية بما يحقق مطالب الانتفاضة، خصوصا إذا وضعنا في الاعتبار أن في النظام السوري من يرى أن الشعب ليس ناضجا ولا جاهزا للإصلاحات.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى