صفحات العالم

تصعيد النار والمفاوضات في سوريا

 

أسعد حيدر

طفلاً حلبياً، الى جانب عشرات آخرين قتلوا في احياء من حلب بصواريخ “سكود”. الرئيس بشار الاسد قرر استرجاع حلب وبعض ريفها قبل أواسط آذار المقبل. هذا الانتصار اذا تحقق، يكون قد احتفل على طريقته بانتهاء عامين على اشتعال الانتفاضة فالثورة في سوريا، اما الأهم بالنسبة الى الأسد فهو تقديم أوراق اعتماده الى القمة الاميركية – الروسية التي ستنعقد في الفترة نفسها. الطلب الأسدي من باراك أوباما وفلا ديمير بوتين هو ان يكون له حق الترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة مثل اي مواطن عادي وعفا الله عما مضى. عشرات الألوف من السوريين الذين سقطوا هم جزء من خسائر محسوبة في”الحرب الكونية التي تشن على سوريا”. “القيصر” يستطيع إقناع “المسالم” أوباما. استمرار الاسد في السلطة ضروري للسلم العالمي، ولإجراء الإصلاحات التي تأخرت عقدا من الزمن. لن يستعيد الاسد حلب ولا غيرها، الثورة تتقدم وهو يتراجع، مجرد ان تستخدم كتائبه صواريخ “سكود” ضد المدنيين، يعني انه فقد الأمل بالانتصار، لم يبق لديه سوى الاسلحة الكيميائية.

ملاحظة ضرورية لكل الممانعين، بعد قصف النظام الأسدي المدنيين بصواريخ “سكود” وتبريره لذلك بأنها الحرب ماذا سيقول “الأسديون” اذا قصفت اسرائيل بيروت وغيرها بالطائرات في الحرب المقبلة قصفاً عشوائياً؟.

المفاوضات بدأت، وهي مفاوضات بالنار. عرض الاسد التفاوض مع المعارضة والقوى المسلحة منها يأتي متأخرا سنة او اكثر، هذا العرض يلغي كل ما قاله عن الحرب الكونية وهو أخيرا يعترف بأن لديه مشكلة مع غالبية الشعب السوري. لكن هذا العرض ليس جديا، فهو ليس اكثر من ستارة دخان لتغطية “الجرائم” الحبية وأخذ وقت إضافي في الهجوم الذي يعتقد انه سيغير الموازين لمصلحته. واشنطن فهمت اللعبة الأسدية اضافة الى انها أدركت انها تسلم لموسكو ما لا تملكه والأسد ما يعمل لاغتصابه. العالم “اعور” لكنه ليس “أعمى”.

الخوف من “النصرة” نصرها وقوّاها. الآن وقد استفاقت إدارة اوباما على حجم “وحشية” النظام الأسدي وضرورة رحيله يصبح السؤال شرعيا “كيف”؟ الخوف من “النصرة” نصرها وقواها. ويبدو ان واشنطن استفاقت على وجود قوى معتدلة بين الجيش الحر والمسلحين فسمحت بتمرير بعض انواع الأسلحة غير “الخطرة”. تريد واشنطن ممارسة بعض الضغوط في المفاوضات ميدانيا في سوريا على بوتين.

الاسد فضّل قبل التحاور مع موسكو التفاهم مع طهران حول إدارة اللعبة التفاوضية. لطهران مصلحة مباشرة في بقاء الاسد لذلك تفعل اكثر ما بوسعها لإنجاز انتصاره وبالتالي انتصارها. ذهاب وليد المعلم الى موسكو وعودته منها عبر البوابة الإيرانية يؤكد ان الكلمة الاخيرة للمرشد وليس لبوتين. الرؤية الإيرانية في المفاوضات تقوم على كسب الوقت والعمل في الوقت نفسه لقضم وهضم بعض التحولات بحيث تصبح واقعا مقبولا، والبدء من جديد من حيث انتهت المرحلة السابقة.

رئيس الائتلاف السوري احمد معاذ الخطيب يبدو وكأنه بدأ يتخلى عن براءته ويمارس اللعبة السياسية من حيث يجب. المهم ان يتركه الاخرون يعمل. تعليقه المشاركة في اعمال مؤتمر أصدقاء سوريا قرار جيد شرط الا يتحول الى مشكلة إضافية داخل الائتلاف وان يتم استثمار مفاعيله لإحداث التحول في المواقف الدولية والعربية لمصلحة الثورة والثوار.

مسار التفاوض بالنار سيكون غنيا خلال الأسبوعين المقبلين بسقوط المزيد من الضحايا في سوريا والمزيد من مشاريع الحلول، علماً ان أي حل سياسي يجب ان يقوم على قاعدة اولى أساسية اصبحت واضحة وهي : مشاركة السنة بالسلطة فعليا وليس الاستئثار بها، وتقديم الضمانات للعلويين بأن الثورة ليست ضدهم، ولذلك فانهم سيبقون جزءاً أساسياً من مكونات السلطة. باختصار ان لا أحد سيلغي احداً. تماماً كما في لبنان مهما طال الطريق للعمل بها وليس مجرد رفعها شعارا في زمن لم تعد فيه الشعارات قادرة على حرف الأنظار عن كل ما يجري على الارض.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى