ولي نصر
وصل الصراع في سوريا إلى نقطة تحول، لكنها ليست التي تبشر بنهاية سريعة للقتال. وسواء استمر بشار الأسد كرئيس أو رحل، تمتلك سوريا الآن كل مقومات حرب أهلية طويلة وقاتمة، فلا يوجد فريق مستعد لوقف إطلاق النار، والقوى الخارجية المشغولة بأجنداتها الخاصة، وغير قادرة على إيجاد أرضية مشتركة.
لا يوجد مخرج سهل لمثل هذا الصراع المتأزم، وهو ما يهدد استقرار الشرق الأوسط ككل. لذا يجب على الولايات المتحدة وحلفائها أن يسعوا للتعاون مع حلفاء الأسد، روسيا، وإيران بشكل خاص، للتوصل إلى اتفاق لاقتسام السلطة لفترة ما بعد الأسد، يمكن أن تدعمه جميع الأطراف، على الرغم من صعوبة تحقيق ذلك.
حتى الآن، ترى واشنطن التطورات في سوريا هزيمة استراتيجية مذلة لإيران، واختارت الوقوف بشكل كبير على الهامش، في محاولة للحصول على تعاون دبلوماسي من روسيا. ربما تعتقد الإدارة ومنتقدوها – على حد سواء – أن مشاركة إيران في أي قرار حول الصراع سيلقي طوق النجاة لطهران ويعيق المحادثات بشأن البرنامج النووي الإيراني. لكن تفكك سوريا، وسلسلة الأحداث التي توحي بأن مثل هذا الانقسام مقبل لا محالة، يفرض تهديدات ضخمة تجاه الشرق الأوسط ومصالح الولايات المتحدة في المنطقة أكثر من البرنامج النووي الإيراني. وتتمتع إيران بنفوذ كبير على قيادة الأسد أكثر من روسيا.
إذا انفجر الصراع السوري خارج أراضيه فسوف يخسر الجميع، إذ سيطال دول الجوار في لبنان والأردن والعراق وتركيا. وستكونان لبنان والعراق من الدول الأكثر تضررا؛ حيث ترتبط الخصومات الطائفية والاجتماعية بالصراع (السني – العلوي) على السلطة في البلد المجاور.
كان قد فقد الأسد الأسبوع الماضي، السيطرة على مناطق حيوية في البلاد، واعتمدت المعارضة، المدعومة بتعاطف ودعم خارجي، على التفجير الضخم الذي هز دمشق وراح ضحيته مساعدون أمنيون كبار للرئيس. هذا التحول في ميزان القوة واضح، لكنه ليس حاسما. وعوضا عن ذلك سيهيئ الساحة لنزاع مطول سيقسم سوريا إلى معارضة محاربة وجيوب مؤيدة للأسد. تحظى حكومة الأسد في الوقت الراهن بدعم كاف وقوة حربية لاستمرار القتال ولا تظهر رغبة في الاستسلام. ولا يزال غالبية الطائفة العلوية السورية والمسيحيون والأقليات الكردية، إلى جانب شريحة من العرب السنة يفضلون الأسد، خشية ما قد يحدث في أعقاب سقوطه. وربما يشكل مجموع هؤلاء سويا نصف سكان سوريا، بينما تهمين أغلبية سنية على النسبة الباقية.
في الوقت ذاته تواصل المعارضة مكاسبها على الأرض، لكن صفوفها تنقسم بين 100 مجموعة دون قيادة سياسية واضحة. وحتى إذا ما تنحى الأسد طواعية، فإن آلته العسكرية العلوية وحلفاءهم الطائفيين سوف يواصلون القتال، والاحتفاظ بمساحات كبيرة من الأراضي. ستنقسم سوريا حينئذ، وسيقرر القتال الطرف الذي يسيطر على هذه المنطقة أو تلك، نسخة أكبر حجما من لبنان في سبعينات القرن الماضي، وستشهد البلاد حملات تطهير وطوفانا من اللاجئين وكوارث إنسانية وفرصا لوجود القاعدة.
توقفت المذابح في لبنان قبل عقد ونصف العقد بمساعدة من سوريا وجيشها، الذي عمل وسيط سلام. وأدخل صراع طائفي مماثل العراق في دوامة العنف في أعقاب الغزو الأميركي، ولم يسهم في وقف نزف الدم سوى زيادة أعداد القوات الأميركية في عام 2007، لكن لا توجد قوات أجنبية في سوريا للعب مثل هذا الدور، وهناك احتمالات ضئيلة بدخول أحد إلى سوريا في وقت لا تزال الحرب فيه مستعرة.
لا يزال هناك وقت لمنع وقوع الأسوأ في سوريا. لكن ذلك يتطلب اتخاذ قرارات صعبة، وإعادة تقييم ما هو ممكن. وعلى الرغم من الفيتو الذي تستخدمه روسيا والصين اللتان تشعران أن الغرب تجاوز تفويض الأمم المتحدة في ليبيا، ولا تزال الولايات المتحدة وحلفاؤها يركزون على الضغط الدولي ودعم المعارضة لإسقاط الأسد. وهذا هو الهدف الخاطئ؛ لأنه لن ينهي القتال.
وعوضا عن ذلك ينبغي أن يكون هدف الدبلوماسية التوصل إلى اتفاق لتقاسم السلطة لما بعد الأسد يمكن للجميع التوقيع عليه. وأن ذلك، لا إلقاء مزيد من الضغوط على الحكومة والمشاحنات بين القوى الخارجية، يمكن في النهاية أن يقنع السوريين الذين لا يزالون يؤيدون الأسد بالتخلي عن القتال.
هناك أسباب تدعو للأمل في أن تنضم روسيا وإيران إلى التفاوض. فكلاهما ترغبان في إعادة بناء مكانتهما التي أصابها الضرر في العالم العربي، ناهيك عن قلق إيران بشأن مصير أكثر من مليون شيعي في سوريا. وبالنسبة للغرب، فإن سقوط الأسد، دون خطة انتقالية، سيكون انتصارا باهظ الثمن، وبداية لمزيد من إراقة الدماء.
يجب أن تضم الخطة الانتقالية تركيا، التي تمتلك حدودا طويلة مع سوريا، وتمتلك قوة عسكرية قادرة على التأثير على الصراع.ةلكن أهم مشارك سيكون إيران. فهي وحدها تملك التأثير على الأسد وحكومته لإجبارهم على قبول المرحلة الانتقالية. وتقف إيران في الوقت الراهن في مأزق، فلا يمكنها التخلي عن الأسد، ولن تتمكن من إنقاذه. لكن نقاشات مكثفة تجري بين قادتها والتي طالب البعض فيها بإنهاء دعم إيران الثابت للأسد.
ما إن يتم تطبيق الخطة الانتقالية، يجب أن نضع في اعتبارنا أن خطة كهذه لا يمكن أن تحظى بمصداقية دون إلزام القوات الأجنبية بتطبيق وقف إطلاق النار، وحماية الأقليات المهزومة التي دعمت الأسد. وحتى تتوصل الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى اتفاق مع روسيا وإيران والجدية بشأن كيفية إدارة سقوط، فسوف يزداد الصراع فقط، وكذلك التهديد للمنطقة.
* عميد كلية «الدراسات الدولية المتقدمة» بجامعة «جون هوبكنز»، مستشار المبعوث الخاص للرئيس أوباما لأفغانستان وباكستان.
* خدمة «نيويورك تايمز»
الشرق الأوسط