“30 يونيو” بعد عام/ سلامة كيلة
ما حدث يوم 30 يونيو/ حزيران 2013 في مصر ثورة بالتأكيد، على الرغم من المآل الذي رُسِم لها يوم 3 يوليو/ تموز، والذي كان نتيجة “طبيعية” لغياب الأحزاب التي تريد لثورة الشعب أن تُسقط النظام، وتفرض نظامها هي، حيث كان واضحاً أن مجمل الأحزاب في جبهة الانقاذ كانت تراهن على دور الجيش، وليس على فرض نظام بديل. ولكن، أيضاً، كان أمراً “طبيعياً” نتيجة ميل الإخوان المسلمين إلى الهيمنة على الدولة، حيث بات واضحاً، منذ انتخابات الرئاسة، أن بيروقراطية الدولة، وقيادة الجيش خصوصاً، باتت تخشى من إبعادها. على الرغم من أن الأمر، في كل الأحوال، كان يتعلق بدور الجيش، كما حدث في 25 يناير 2011 بالضبط، نتيجة غياب الأحزاب التي تفرض سلطة الشعب من جهة، ونتيجة أن ما جرى هو محاولة التفاف على الثورة، من أجل الحفاظ على بنية السلطة ذاتها، خصوصاً هنا النمط الاقتصادي (وهو ما كان يقرّب بين المجلس العسكري والإخوان، حيث أنهما لا يختلفان على استمرار النمط الاقتصادي القائم، والذي هو نمط ريعي، همّش الكتلة الشعبية الأكبر، ودفعها إلى الثورة).
إذن، بغض النظر عن المآل الذي سينتج، أيضاً، وضعاً يفرض التغيير، فإن 30 يونيو هو يوم ثورة كبيرة، كانت تهدف إسقاط نظام الإخوان المسلمين، ولا شك في أن الحشد الذي تدفق كان أضخم من الذي كان ضد حسني مبارك، بعدما استثير “حزب الكنبة” (أي الفئة المتفرجة)، نتيجة أن نظام “الإخوان” لم يحقق مطالب الشعب (العمل والأجر ومجانية التعليم والصحة وتحسين البنية التحتية)، بل زادها سوءاً (ارتفاع الأسعار وبقاء الأجور كما كانت)، وأيضاً، أظهر، في سلوكه في السلطة، أنه يريد فرض “نظام متشدّد دينياً”، فيه استعادة لنُظُم القرون الوسطى، وخافت هذه الفئة من المصريين من سلطة “دينية”. وبالتالي، فرض أن يسقط الإخوان، وأن تنتهي كل مراهنةٍ عليهم.
يتعلق الأمر هنا بأن التوتر المجتمعي يفرض أن يحقق مَن يصل إلى السلطة مطالب الشعب مباشرة، وليس بعد حين، وكل تلكؤ سوف يفرض انفجار هذا التوتر من جديد. هذا ما لم تفهمه جماعة الإخوان المسلمين، بالضبط، لأن رؤيتها الاقتصادية لا تختلف عن رؤية حسني مبارك، كما صرّح أكثر من قيادي فيها، من دون فهم أن رؤية مبارك الاقتصادية، أو النمط الاقتصادي الذي تشكّل في ظله، كان في أساس نشوب ثورة 25 يناير. لهذا، كان واضحاً أن ثورة جديدة قادمة منذ نهاية سنة 2012، حين جرت محاولات اقتحام قصر الاتحادية، وفي تظاهرات الذكرى الثانية للثورة في يناير/ كانون الثاني 2013. بالتالي، وكما في 25 يناير، حيث دعت ” 6 إبريل” و”كلنا خالد سعيد”، وتجمعات شبابية أخرى، إلى اعتصام 25 يناير، عملت “تمرّد” على الدعوة لخلع محمد مرسي في 30 يونيو، وكان واضحاً أن الشعب سيستجيب.
توّصل الشعب المصري إلى أن “النظام الجديد” هو النظام القديم، لكن بـ”لحية” وسبحة، وهذا ما زاد الغلّ، وعمّم التخوّف، وبالتالي، جعل المشاركة كبيرة. وإذا كانت النهاية مشابهة لنهاية 25 يناير، أي بتحكّم العسكر، فإن المسار مستمرّ، وسيكون واضحاً أن الإغراق في السياسة الاقتصادية ذاتها، وتجاهل كل مطالب الشعب سوف يفرض أن يعود الحراك من جديد، وأن تصبح الثورة ممكنة، على الرغم من كل الميل إلى السيطرة العنيفة على المجتمع.
حين تنهض الشعوب، لا بد من أن تتحقق مطالبها.
العربي الجديد