سلام الكواكبيصفحات سورية

 الافتقار الى السياسة

سلام الكواكبي

في انتظارانعقاد مؤتمر جنيف الذي سيبحث في وثيقة روسية – أميركية للحل السوري، لم يفهم خباياها من وضعها قبل ان يفهمها من يراد منه أن يتبنّاها، يقوم كل طرف منهمك مباشرة بالمسألة السورية بمراجعة ملفاته وتحضير قراءاته وترتيب أفكاره وإثراء خبراته ووضع تصوراته وتجميع خبرائه وحصر نقاط ضعفه وتقويم قدراته وتبيان نقاط قوته، إلخ. آه، عفواً، ربما هذا الحديث هو عن حدث مختلف، أو عن تحضير حقيقي لمؤتمر “سلام” حقيقي. فواقع الشأن السوري يُشير إلى مشهد مختلف تماماً عن هذا التصور. فلنسدل الستار على خشبة المسرح، ولنعد إلى صفوف المشاهدين الخارجين من عرضٍ فاشل يتبادلون التعليقات.

“جنيف 2″، يحضّر له الغربيون، أو بالأحرى، الأميركيون، من خلال السعي بكل السبل إلى عقده. وكفاهم الله شرّ البحث عن مقومات نجاحه. فهم نجحوا في إقناع الروس بأن يفرضوا عليهم تصورهم للحل. نعم، إنها جملة تحتاج للتفسير ليس لأنها معقدة، بل لأنها تنافي المنطق السردي. أعود: لقد نجح الأميركيون بأن يصلوا إلى اقناع الروس، وأخيراً، بأن يفرض الروس أنفسهم على الأميركيين أنفسهم رؤية الروس أنفسهم للحل في سوريا نفسها.

إذاً، فالأميركيون في الانتظار، والشيطان في الانتظار، وليس في التفاصيل المفقودة. وفي حقبة الانتظار، “تنشط” ديبلوماسيتهم، إن هي توافقت، على التواصل مع جميع الأطراف لإقناعهم بإيجابية انعقاد المؤتمر من دون شرح مضمونه، مساره، مآلاته، مكوناته، إمكاناته، وما إلى ذلك من هذا الكلام الذي يغني ويفيد.

أما الأوروبيون، فهم وضعوا المجيبة الصوتية مع موسيقاها الرتيبة في العمل للرد على كل التساؤلات السياسية الحقيقية. في المقابل، فجزء منهم، كفرنسا وبريطانيا مثلا، لا ينفكون يلازمون نشاطات المجتمع المدني “الوليد” في سوريا من خلال برامج زيارات وندوات، علّها تساهم في تعزيز قدرات هذا المجتمع في بناء سوريا المستقبل التي ستنجم عن مؤتمر جنيف الذي لا علم لهم بمحتواه. وفي الآن ذاته، فهم يثبتون، للمرة الألف، بأن لا سياسة خارجية موحدة لديهم.

بالتأكيد، فإن انعقاد مثل هذا الاجتماع في مكان رمزي كجنيف الوادعة، سيشجّع سياحة المؤتمرات في هذا البلد الذي لا يعاني، حتى إشعار آخر، من أزمة في السياحة المصرفية أو القمارية أو الاستجمامية التي تعوّدت عليها جموعٌ غفيرة من أغنياء العرب والعجم.

وستتصدر جنيف خلال أيام المؤتمر، في حال انعقاده، صدر الصفحات الأولى كما تتصدرها اليوم مجريات بطولة ويمبلدون للتنس ومفاجآتها ولكن دون الإشارة إلى النتائج. وستنتشر الأقاصيص والأقاويل، ومن صافح من، ومن قبل من، ومن غمز من، ومن قرص من…

وفي هذه الأثناء، يحضّر النظام السوري ملفاته بدقة، فهناك عمليات عسكرية ساحقة ماحقة تجري في مناطق عدة، وهناك سلاح روسي يتدفق، وهناك موت واعتقال وتعذيب واختفاء قسري. وهناك وفد لا وزن له، سيشارك.

وأما المعارضة السورية، فلديها مهمات جسام لا يمكن زعزعتها بالاهتمام بمثل هذه “الترّهات”. فهي تهنئ أمير دولة عربية صديقة بعبارات لا علاقة لها بأدبيات الديبلوماسية وهي أقرب إلى أدبيات الأعراس. وهي تتشاور لتوسيع تمثيلها. وهي تتحاور لتختلف على برنامجها غير الموجود. وهي تناور وتتحالف وتفك التحالف وتتهم. والشعب السوري، رغم الألم والدم والانتظار، يستعيد اغنية ربما تقول مقدمتها : يا حرية يا بعيدة، تعالي إلينا واضحكي، اكذبي قليلا واحضري، حتى يضحك الصبي…

استاذ جامعي في باريس

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى