صفحات الناس

 

وائل عصام ومحمد الزهوري

انطاكيا ـ ريف حمص ـ ‘القدس العربي’: قال ناشطون من داخل الأحياء التي تحاصرها قوات النظام منذ 22 شهراً في مدينة حمص وسط سوريا، إن اتفاقاً لوقف إطلاق النار برعاية الأمم المتحدة دخل حيز التنفيذ الجمعة، يفضي في نهايته لانسحاب قوات المعارضة من تلك الأحياء خلال 48 ساعة.

ومنذ الايام الاولى للحراك الثوري في حمص برزت وجوه قادت الحراك السلمي وتصدرت المشهد الاعلامي في حمص، خالد ابو صلاح وهادي العبدالله لعل ذاكرة السوريين لا تنسى خالد وهادي بعد ان ارتبطا بمسيرة الاحداث في حمص من ايامها الاولى، وارتبطت ذاكرة السوريين بمشاركاتها عبر الفضائيات، فهما كناشطين الاقرب الى الحدث والى هموم الناس، الاقرب الى الوجع، والجرح النازف، ليصبحا شهود مرحلة فارقة من تاريخ سوريا الحديث، ربيع سوريا العربي.

مشروع ‘حلم حمص’ تهجير ‘سنة المدينة’ واسكان ‘العلويين من القرى’

لم يكن النظام يتوقع ان يتحول مشروع محافظ حمص اياد غزال ‘ حلم حمص’ الى احد مسببات الاحتقان الداخلي في حمص والذي انفجر في الثامن عشر من اذار/مارس بمظاهرة في مسجد خالد بن الوليد ، ليسجل يوم انطلاقة الثورة ثلاث مظاهرات في درعا وحمص وبانياس.

يروي خالد ابو صلاح احد ابرز ناشطي الثورة السورية تفاصيل الايام الاولى من انطلاقة الثورة في حمص عندما خرج مع 400 شباب من حمص عند جامع خالد بن الوليد غضبا لما حصل في درعا، فحمص واهلها كان لديهم خزين هائل من التراكمات لممارسات النظام ابتداء باجهزة الامن وصولا لمشروع ‘حلم حمص’ الذي اثار نقمة كبيرة في اوساط اهالي حمص لكونه مشروعا يهدف لتغيير التركيبة الديمغرافية لاحياء حمص بجلب سكان من الريف والقرى واسكانها بالمدينة وازالة جزء من الاحياء القديمة وبناء مراكز تجارية بقلب المدينة التاريخي.

هذ المشروع في تغيير التركيبة الديمغرافية لحمص هو امتداد لما بدأه النظام منذ تسلم الاسد السلطة حيث قام بجلب سكان القرى العلوية واسكنهم في احياء داخل حمص هي الزهراء والنزهة، اضافة الى حي الارمن، وخرجت في المقابل عائلات حمصية عريقة مثل الاتاسي والدروبي عرفت بانها عائلات اقطاعية ثرية.

يقول ابو صلاح لـ’القدس العربي’، ‘كان سكان تلك الاحياء العلوية لهم الاولوية منذ سنوات، في كل مؤسسات الدولة كان لهم الاولوية في التوظيف لدرجة ان معظم افراد الاسرة في احياء النزهة والزهراء كانوا موظفين في دوائر الدولة’.

ويضيف ابو صلاح ‘اما سكان حمص السنة فقد التفتوا للتجارة والاعمال الحرة، وهذا الخزان البشري الهائل المؤيد للنظام داخل المدينة هو الذي ساند قوات النظام عند بدء احتجاجاتنا السلمية، كل الشبيحة كانوا من ابناء تلك الاحياء’

ميليشيات طائفية خارجة عن سيطرة الدولة

الدور المتنامي للميليشيات العلوية المنتمية لاحياء الزهراء والنزهة جعل اجهزة الدولة الرسمية تفقد هيبتها امام انفلات تلك المجموعات، اذ انها لا تمتثل في كثير من الاحيان لقرارات القيادات العسكرية النظامية.

ولعل ما حصل عند دخول بعثة الامم المتحدة لاحياء حمص المحاصرة لاخراج العائلات هو ابلغ تعبير عن ذلك، اذ قامت الميليشيات بقصف احياء حمص القديمة بالهاون ليصاب عدد من اعضاء البعثة والمدنيين الذين يجري اخلاؤهم، ويوضح ابو صلاح ‘لم تستطع قوات النظام السيطرة على الميليشيات عند دخول بعثة الامم المتحدة ، الشبيحة في حمص لديهم الكلمة الاولى’.

قرى شيعية في حمص تخطف 200 موظف حكومي من حي الوعر

واضافة الى الاحياء العلوية هناك قريتان شيعيتان مجاورتان لحمص هما الرقة والمزرعة، وتقعان على اطراف حي الوعر الحمصي، وكما الميليشيات العلوية في احياء حمص اسهمت ميليشيات تلك القرى الشيعية في مساندة النظام وقوات الامن ولكنها ايضا ميليشيات غير خاضعة لسيطرة الدولة.

ويقول خالد ابو صلاح ان مسلحي قرية الرقة الشيعية المدعومين من عناصر حزب الله خطفوا قبل ايام نحو مئتي مواطن من حي الوعر بعد توتر ومواجهات ويشرح ابو صلاح تفاصيل ما حصل ‘قرية الرقة ساندت النظام منذ بداية الحراك السلمي، وسكان قريتي الرقة والمزرعة هم اناس بسطاء وفقراء ويعملون في مهن بسيطة بالانشاءات والبناء، ولكن النظام سلحهم وهم استجابوا لدعاية حزب الله حتى باتوا قوة عسكرية لقمع المعارضة، وقبل ايام هاجموا حي الوعر فتصدى الثوار لهم واوقعوا فيهم قتلى، وعندما طالبت قرية الرقة بجثث قتلاهم في تلك المواجهة اصر اهالي الوعر على

تبديلهم بالمعتقلين من ابناء الوعر في بلدة الرقة، فما كان من ميليشيات الرقة الا ان قاموا بخطف 200 من موظفي الدولة المنتمين لحي الوعر اثناء توجههم لعملهم اليومي في مصفاة حمص، وتدخل المحافظ وقوات الامن ولم يستطيعوا لحد الان من اطلاق سراحهم رغم انهم موظفوا دائرة حكومية، (النظام ما حسن يمون عليهم حتى ) !!

الدم والدمار في حمص

ويروي خالد ابو صلاح بدايات المواجهات في حمص التي اوصلت المدينة الى ما آلت اليه اليوم من دمار، يقول ابو صلاح ‘الحل العسكري بدأ بيوم الرابع من شباط/فبراير 2012 حيث قصف النظام مظاهرة سلمية في حي الخالدية وقتل يومها نحو 45 متظاهرا، وبعدها بدأ النظام بقصف باب عمر بالصورايخ كان اول حي يقصف بالصواريخ منذ بداية الثورة، وبعدها اقتحم النظام بابا عمر ثم ارتكب مجزرة رهيبة بحي كرم الزيتون. كان الهدف منها ترويع سكان باقي الاحياء’.

النظام حاول تجنيد مقاتلين من حمص لاغتيال الساروت بعد اغتيال الاب فرانسيس

وكشف خالد ابو صلاح لـ’القدس العربي’ عن محاولات قام بها النظام لاغتيال القيادي البارز عبد الباسط الساروت من خلال تجنيد مقاتلين من الثوار كانوا ينوون الانسحاب وتسليم سلاحهم للنظام.

ويوضح ابو صلاح ‘هناك نحو 300 مقاتل سلموا انفسهم للنظام في الايام الاخيرة داخل حمص، بعض هؤلاء كان يضغط عليهم النظام عارضا عليهم العفو وامتيازات اخرى كاطلاق سراح اقاربهم في مقابل تنفيذ مهام امنية لصالح النظام قبل الخروج من حمص، او محاولا تجنيدهم، فشل النظام في معظم الحالات، اعتقد ان اغتيال الاب فرنسيس كنا من خلال احد هؤلاء ، ومؤخرا اعترف اثنان من المقاتلين في حي جورة الشياح ان احد ضباط النظام طلب منهم اغتيال الساروت كشرط قبل استسلامهم، فما كان منهم الا ان ذهبوا واخبروا الساروت بذاك محذرين اياه من محاولات النظام لاستهدافه’.

من مجزرة الخالدية الى بابا عمر بدأت قصة الصحافي الثائر

ولكن لابو صلاح قصة خاصة ترافق ايام الثورة الاولى لحمص، ارتبط اسمه باهم التغطيات الاعلامية التي قدمها الناشطون في الثورة السورية لاحداث حمص ، وذاع صيته في اكثر من مشهد ان كان برفقة وفد المراقبين العرب او غيره، درس ابو صلاح بجامعة حمص في كلية الاداب وكان الاول على دفعته، وتأثر بالربيع العربي، ويقول راويا ايامه الاولى ‘كنت اتمنى ان ينتقل هذا الربيع العربي لنا، لذلك شاركت في اول مظاهرة بحمص في ال 18 من اذار/مارس، وكنت وقتها اصور بهاتفي المحمول، الى ان تعرفت على صديق غدا رفيق عملي الصحافي..تعرفت عليه عند ساعة حمص، فبعد ان اطلق النظام النار علينا تفرقنا ثم التقينا وهنئنا بعضنا على السلامة، واتفقنا ان ننقل صور تلك المظاهرة.. انا اصور وهو يبث عبر الانترنت.. وحقيقة لم اكن وحدي، بل كان معي فريق كامل..هم لا يقلون عني ابدا’.

ورغم الانتقادات التي وجهت لعمل الناشطين الاعلاميين في الثورة السورية الا انهم يدافعون عن انفسهم بالقول انهم لم يتعلموا الصحافة الا بالممارسة وكانت قضيتهم الثورية هي الاولوية بالنسبة لهم، كما ان سياسية التحيز والتسييس في التغطية الاخبارية انتهجتها مؤسسات اعلامية عربية كبرى فما بالنا ونحن نتحدث عن ناشطين يعتبرون العمل الاعلامي اداة لنصرة قضيتهم.. ويعترف ابو صلاح بانه وقع وزملاؤه ببعض الاخطاء ويضيف ‘بدأنا نكسب مهارات العمل الصحافي شيئا فشيئا، وتعلمنا ان اكبر مصداقية للخبر الصحافي هو ان يكون الخبر حقيقيا، ومن ضمن الاخطاء التي وقعنا بها هي نشر خبر عن مقتل 300 متظاهر في مجزرة الخالدية بينما قتل في الحقيقة 45 وبعدها باسبوع توفي ‘متأثرين بجراحهم’.

هادي العبد الله.. صوت حمص والثورة

صوته وكلماته لا تزال عالقة في اذهان السوريين الذين يصفونه ‘بالشاهد الذي لا يموت’، من داخل حمص الى القصير الى يبرود الى القلمون وما زال هادي ينتقل وينجو بنفسه وبقضيته من الموت.. تحدثنا الى الناشط الثوري البارز هادي العبد الله وهو في منطقة بجبال القلمون.. وعن الايام الاولى لانتفاضة حمص على النظام يقول العبد الله : ‘انتفضت حمص نصرة لدرعا وفزعة لأطفالها! ولا يخفى على أحد أن مدينة حمص كانت نائمة على بركان خامد وكان من المتوقع أن ينفجر في أي لحظة نتيجة ضغط النظام على أهلها وتهميشهم اقتصادياً وسياسياً وتمكين العلويين من بسط سيطرتهم على المدينة كما في الوظائف الحكومية رغم أنها ثالت أكبر محافظة بعد دمشق وحلب’.

من السلمية للمسلحة… ولادة الجيش الحر

ويتحدث العبد الله عن ايام الحراك السلمي الاولى التي شارك بها ويقول : ‘الحماصنة كلهم صغيرهم وكبيرهم قادوا الثورة. الكل شارك حسب استطاعته لدعم استمرار السلمية. الشباب طبعاً كانوا المحرّك الاساسي رغم الصعوبات وهواجس الاعتقال وملاحقة الأمن’.

وعن مرحلة الانتقال للعمل المسلح : ‘وكيف لا تنتقل إلى العمل المسلح! فبداية كان الشباب الأعزل يُقتل بالرصاص المتفجر والقنابل المسمارية في مظاهراته دون رحمة بأسلحة قوات الامن السوري ومخابراته! ثم ما لبث بشار الأسد أن زجّ بالجيش السوري في مواجهة غير متكافئة مع الشعب كلّه! مما دفع إلى الإنشقاقات وذلك على طول البلاد وعرضها حيث عاهد المنشقون الناس على حمايتهم وقتال مَن يتعرض لهم.

.. وكان ذلك بمساعدة الضباط المنشقين فتشكل في سوريا ما يُسمى بـ لواء الضباط الأحرار والذي مهّد فيما بعد إلى تشكيل الجيش السوري الحر فكان يمثل الشق العسكري في تلك الفترة! وبالعودة إلى حمص تشكلت كتائب كانت متواضعة عسكرياً لحماية المناطق الثائرة من اقتحام جيش الاسد المتكرر لها وقصفها بدبابات t72 وآليات الشيلكا ككتيبة خالد بن الوليد والفاروق في الريف والمدينة! برزت في حمص أسماء عظيمة خدمت الثورة ولمعت في سمائها كالملازم عبدالرزاق طلاس والملازم وليد العبدالله ومنهم رحلوا تاركين لنا الأثر الطيب والواجب بالوفاء لهم كالشهيد الملازم أحمد خلف والشهيد الملازم مهند الخطيب أبو بكر والشهيد القائد أحمد دعبول والشهيد القائد بلال الكن والشهيد القائد معن الكنج وغيرهم.

وعن دور الاعلاميين والنشطاء

كان للإعلاميين دوراً كبيراً في تحويل أحياء فقيرة شعبية وقرى منسيّة إلى أسطورة خالدة وذلك عبر بث مقاطع مصوّرة لكل مظاهرة وتصوير تفاصيل دقيقة عن الحياة الثورية بحلوّها ومرّها في ظلّ القمع وتضييق النظام لهم عن طريق قطع الاتصالات والنت وحجب مواقع التواصل الإجتماعي.

بالنسبة لي عملي الصحافي هو عملي الثوري فأنا لم أدرس الإعلام ولست صحافياً محترفاً كلّ ما أردته هو أن أكون حرّاً إلى جانب الأحرار فكنت صوتاً يتحدّث باسمهم لعلنا نجد من يسمع′.

سوق السنة

وعن دور النظام في تغيير الديمغرافية للسكان في حمص يفصل هادي العبدالله هذا الامر ‘عمل نظام الأسد منذ استلامه حكم سوريا إلى تهجير أهل السنة بداية بالحكم المتعلق بالإخوان حيث يتم مصادرة أملاك كل شخص تثبت الدولة بأنه إخواني ‘وان لم يكن’ وتمنحها للعلويين. ثم التضييق على التجار والصناعيين السنة وتقديم تسهيلات للعلويين للعمل بالتجارة الضغط على السنة بلقمة الأكل حيث حرم الناس من السكر والغاز والكثير من مقومات الحياة وتوفرت كلها للعلويين بسهولة.

لديهم سوق يدعى سوق السنة يبيعون فيه كلّ ما يسرقونه أثناء عمليات الاقتحام التي يشنها النظام في الأحياء السنّية.

هم باختصار شركاء النظام في الإجرام والمجازر’.

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى