صفحات الناس

صورة الثورة السورية/ أرنست خوري

 

كادت الضحكات تخرج من تلك الصورة الفوتوغرافية السوريالية التي صفعتنا بها وكالة “فرانس برس”، في 29 إبريل/نيسان الماضي. هي من بين مجموعة صور تصلح لأن تكون غلافاً لأسطوانة الرقص فوق القبور في سورية، مثلما يفهمها آل الأسد.

المكان: أحد فنادق النجوم الخمسة في دمشق الذي احتضن قراناً جماعياً لجنود “الجيش العربي السوري” وضباطه، على حسناوات لم يفتهنّ مراعاة أي تفصيل من أجل إكمال المشهد الموجّه إلى الداخل السوري والخارج، بالمقدار نفسه: فساتين زفاف بيضاء، مطرّزة عصرية، تلفّها الأعلام السورية البعثية، غير ملطّخة بدماء ضحايا الغوطة وحلب بالطبع. تسريحات شعر آخر موضة، لا تتلاءم تماماً مع بشاعة البزّات المرقّطة لشركاء العمر.

حسناوات بابتساماتٍ، ونظرات خبيثة، يتقصّدن النظر إلى عدسة المصوّر لؤي بشارة، وكأنها تقول له: فلتبثّ وكالتك الصورة الآن، ليرى مَن بقي من السوريين والعالم مَن نكون “نحن”، ومن يكونون “هم”. رقص تحت الطاولات وفوقها من شدة البهجة. ديكور لا يمكن أن تكتمل عناصره إلا بإضافة محجّبة، أو اثنتين، إلى عشرات السافرات على كل طاولة مستطيلة.

كل تفصيل كان مشغولاً بعناية فائقة في تلك الصورة التي لا تقلّ قساوةً عن ذلك المشهد الأبوكاليبسي الذي وثّقته صورة توافد عشرات آلاف السوريين والفلسطينيين في مخيم اليرموك، قبل نحو شهرين، باتجاه أحد مداخل المخيم ــ المدينة، لدى سماعهم نبأ وصول بضعة أكياس من الطعام.

كان العالم يظنّ، في بداية الثورة السورية، أن نظام الأسد يخشى الصورة، ويتعاطى مع الكاميرا على اعتبارها سلاحاً فتّاكاً، يجوز شرعاً إبادته مع حامله، كونه قد ينقل صور جرائم يستحيل أن يظلّ العالم متفرجاً أمامها. ثم راحت بلدات وقرى ومدن سورية تتحرّر من سلطة النظام شيئاً فشيئاً، وبدأ المصورون من كل أصقاع الأرض “يهجمون”، ليسرقوا اللقطات التي قد تخلّد أسماءهم في سجلّ أصحاب أشهر صورة لجائزة “بوليتزر” (على طريقة المصوّر كيفين كارتر الذي انتحر بعدما التقط صورة النسر الذي يستعد لالتهام طفل المجاعة في السودان)، لتصبح كلمة سورية صاحبة أكبر عدد من الصور حالياً في وكالات الأنباء.

حبس النظام في دمشق أنفاسه، إثر انتشار آلاف، وربما ملايين، الصور للخراب الأسدي الكبير، وليتبيّن سريعاً أن صور الجحيم السوري استحالت ورقة قوة هائلة في رصيد نظام الأسد، فأدّت مفعولها العكسي، لناحية إثارة الرعب في نفوس السوريين من المصير الذي سيكون بانتظارهم في حال قرروا الخروج عن عبوديتهم. قد تكون تلك، أيضاً، إحدى نصائح عبقريات العقل الإعلامي لحلفاء دمشق في طهران وحزب الله وموسكو… وكراكاس ربما، وصار الشعار المفضل لدى مريدي آل الأسد: كلما كانت الصورة أقسى، وكلما التقطت جرائم النظام أكثر، وكلما كثر فيها الدم والخراب والتعذيب والدمار ونحول الأجساد بسبب الجوع، كلما أتت النتيجة أجود، وكلما صارت “المصالحات” أو اتفاقيات استسلام البلدات المحرّرة أسرع.

في زمن العهر والتكالب الكونيَّين ضد الشعب السوري، صورة واحدة تثير هلع الضمير العالمي: مشهد مطران مخطوف هنا، وراهبة أُخرجت من ديرها هناك… أما أن يُباد عشرات الآلاف، بالصورة والصورة، مباشرة على الهواء، فما هو إلا مهرجان، الدعوة مفتوحة لمصوّري العالم لتغطيته.

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى