70 مقالة لكتاب عرب تناولت الاتفاق النووي الايراني الغربي زتداعياته على الأزمة السورية
كيف يُبّدل الاتفاق مع إيران وجهَ الشرق الأوسط؟/ جورج سمعان
«خطوة أولى كبرى» و«تقدم مهم على طريق الامن والسلام يصب في مصلحة بلدان المنطقة والسلام العالمي». لكنه لا يخفي وجود «صعوبات هائلة» في هذا الملف. إتفاق الدول الخمس الكبرى والمانيا مع إيران «نقطة تحول»، على رغم أنه «اتفاق على خطة عمل» لستة أشهر، كما وصفته مفوضة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين اشتون. أوصاف كثيرة أطلقت على ما تحقق في جنيف أمس بعد أيام شاقة من المفاوضات. لم تكن النتيجة مفاجئة. بدا منذ الجولة السابقة قبل أسابيع أن ثمة دينامية جديدة باتت تحكم مسيرة الحوار، ولا بد لها أن تنتهي إلى ما انتهت إليه. لا يهم إن كثرت التفسيرات واختلفت. نادراً ما خرج نص دولي لا يحتمل مثل هذا التفسير وذاك. من القرار 242 و338 وحتى «جنيف 1» الخاص بالأزمة السورية. إنها الطريقة الوحيدة لخروج الجميع رابحين. «الكل رابحون وليس هناك خاسر». هكذا عبر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف. يجب أن تربح واشنطن ومثلها طهران لحفظ ماء الوجه ولإسكات الغاضبين على الضفتين وما بينهما.
الإدارة الأميركية كانت تستعجل انجازاً يقطع الطريق على تحرك الكونغرس لفرض مزيد من العقوبات على طهران. ويفتح الباب أمام تسوية معضلات كثيرة ملحة في المنطقة لا غنى عن دور إيران فيها. وحكومة الرئيس حسن روحاني كانت هي الأخرى تستعجل اغتنام الفرصة والباب المفتوح على رغبة الولايات المتحدة وروسيا، للتوصل إلى ما ينقذ البلاد والنظام معاً من الانهيار. ولم تكن التصريحات الأخيرة المتشددة في صفوف الطرفين سوى رسائل إلى الداخل أكثر منها إلى الخارج. والهدف طمأنة المتشددين. كما أن التصلب والتعقيدات التي طبعت جولتي التفاوض كانت طبيعية ومتوقعة، لأنها عادة ما تسبق اللحظات الأخيرة من إبرام أي تسوية.
الاتفاق الأولي سيشكل نقطة تحول جوهرية. سيبدل وجه «الشرق الأوسط الكبير»، إذا اجتاز الطرفان امتحان الأشهر الستة. لذلك أثارت المفاوضات موجات من الغبار المصحوب بالغضب. في إسرائيل وبعض الدول العربية وحتى داخل الولايات المتحدة وإيران. سيبدأ عهد آخر في المنطقة يعيد رسم خريطة جديدة من العلاقات والمصالح والاستراتيجيات. ولعل أولى نتائجه طي صفحة الخيار العسكري. ولن يكون بمقدور حكومة بنيامين نتانياهو المستاءة، مهما بالغت في التباهي بقدرتها على التلويح بمثل هذا الخيار منفردة، أن تواجه إرادة المجتمع الدولي وقراره.
كان واضحاً في سير المفاوضات أن فرنسا حاولت إعاقة ما يعتبره بعض المتشددين «اندفاعة» وزير الخارجية الأميركي جون كيري لإبرام تفاهم في الملف النووي الإيراني، على شاكلة الاتفاق مع روسيا في شأن الملف الكيماوي السوري. وواقع الأمر أن جملة من الأسباب أملت على باريس مثل هذا الموقف قد يكون في مقدمها شعورها بأنه جاء نتيجة اتصالات سرية بين الأميركيين والإيرانيين. كما أنها خشيت أن تلدغ من الجحر الأميركي مرتين، كما حدث عشية الاستعدادات لتوجيه ضربة عسكرية لسورية. وبين الأسباب أيضاً أنها رغبت في كسب ثقة إسرائيل ليظل لها دور وموقع في أي تسوية إقليمية في الملف الفلسطيني أو غيره من الملفات. وثمة دوافع وجيهة أخرى أملت على باريس التروي هو حفاظها على مواصلة التفاهم والتنسيق مع الدول العربية، الخليجية منها خصوصاً، التي لم تخف ارتيابها وامتعاضها وخشيتها من قيام اتفاق أميركي – إيراني على حساب مصالحها وموقعها… كما حدث ويحدث في الأزمة السورية.
ترغب باريس، مثلما تفعل روسيا التي تغازل مصر هذه الأيام، في السعي إلى ملء حيز من الفراغ في الشرق الأوسط، والذي قد ينجم عن انتقال الثقل الأكبر من الاهتمام الأميركي إلى شرق آسيا وجنوب شرقها ووسطها. وتسعى إلى مزيد من التنسيق مع مجلس التعاون، انطلاقاً من الأزمة السورية والملف النووي الإيراني الذي تتجاوز مخاوف الخليجيين منه الشق العسكري إلى المسائل السياسية. فهؤلاء يخوضون صراعاً مديداً ضد التمدد الإيراني في شبه الجزيرة وفي الشرق الأوسط عموماً. من اليمن إلى البحرين والعراق وسورية ولبنان وبعض فلسطين… وحتى السودان. ويدركون جيداً أن أي اتفاق بين واشنطن وطهران سيبدأ بالملف النووي ولا بد عاجلاً أم آجلاً من فتح الملف السياسي والاستراتيجي الشائك والمعقد.
ثمة مبالغة في الحديث عن انسحاب أميركي كامل من المنطقة. مثلما ثمة مبالغة في تقدير ما يتوافر لفرنسا وروسيا وغيرهما من وسائل وقدرات في السباق لملء الفراغ الذي سيخلفه هذا الانسحاب. لا يمكن الولايات المتحدة أن تدير ظهرها كاملا للشرق الأوسط وحلفائها فيه. لا يمكنها أن تتخلى ببساطة عن استراتيجية جهدت في بنائها قواعد وعقوداً عسكرية واتفاقات ومصالح سياسية واقتصادية واسعة، منذ ما قبل تطبيق «مبدأ كارتر» أواخر السبعينات من القرن الماضي. وأنفقت في سبيلها الكثير من الضحايا والمال. فالاتفاق بين واشنطن وطهران قد يعني تجاوزهما مرحلياً الايديولوجيا وتغليبهما المصالح الآنية التي فرضتها ظروف خاصة على كل منهما. وهي ظروف معروفة ولا تحتاج إلى شرح. إدارة الرئيس باراك أوباما تسعى إلى تهدئة طويلة تحتاج إليها في منطقة تتبدل فيها الأوضاع على وتيرة سريعة ومفاجئة. كانت تعول على بروز القوى الإسلامية المعتدلة في دول «الربيع» العربي لتقيم نوعاً من التوازن في وجه التمدد الإيراني، أولاً، ولمواجهة حركات التطرف من «القاعدة» وشقيقاتها ثانياً. لكن ما حل ويحل بهذه القوى «الإخوانية»، خصوصاً في مصر، ثم تصدع الجبهة التي كانت تتشكل بين القاهرة وأنقرة وعواصم خليجية عدة، دفعاها إلى حوار مع طهران تأجل منذ توصية «تقرير هاملتون – بيكر» في الولاية الثانية للرئيس جورج بوش الإبن. ويعتقد المتحمسون للتطبيع مع الجمهورية الإسلامية أنها قد تكون عنصراً فاعلاً مع روسيا وأميركا في مواجهة التطرف الإسلامي والجهادي. ويمكنها أن تشكل مع العراق كتلة نفطية وازنة في السوق الدولية.
يمكن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أن يؤكد أن مفاوضات جنيف لم تتناول أي ملف آخر غير الملف النووي، لكنه يدرك أن واشنطن – ومثلها موسكو – راغبة في تسوية لأزمة سورية. وهو ما سيفتح الباب إلى ملفات أخرى، من لبنان إلى العراق فأفغانستان ومناطق أخرى. أي بدء مسيرة إعادة إيران إلى موقعها في المجتمع الدولي. وهذا ما يثير حفيظة كثير من الدول العربية التي تخشى أن تمر التسويات على حسابها. ولا شك في أن بعض خصوم الجمهورية الإسلامية لا يغالي في الرهان على تبدل الأوضاع جذرياً وسريعاً في عدد من البلدان التي ترزح تحت تأثيرات إيرانية شتى، كما هي حال شمال اليمن والعراق ولبنان. فالتحالف بين طهران وقوى معروفة في هذه البلدان يتجاوز الخيارات السياسية. بات سنده الأساس دينياً إلى حد كبير، في ظل الصراع المذهبي في الإقليم، وإن حاول المتحالفون تغطيته بشعارات من قبيل «الممانعة» والمقاومة» وما شابه.
أي أن الاتفاق بين إيران والقوى الكبرى قد لا ينعكس سريعاً على الأوضاع في البلدان الثلاثة وأماكن اخرى في الإقليم. بل إن وجهة الأحداث في بيروت وبغداد لن تكون منوطة بمثل هذا التفاهم، بل بقدرة القوى المحلية وما تمتلك من أسباب القوة والمنعة. وأولها أنها قوى لا يمكن تجاهلها أياً كان حضور الجمهورية الإسلامية وتأثيرها، وقدرة خصومها أيضاً. صحيح أن القوى المحلية لن تظل على تشددها إذا كان على طهران أن تراعي شروط عودتها إلى أداء دور بناء في المجتمع الدولي. لكن الصحيح أيضاً أنها ستظل في المدى المنظور قادرة على تعديل ميزان القوى فلا تخسر الكثير مما جنت في السنوات السابقة. ينطبق هذا على العراق حيث الغلبة السكانية للطائفة الشيعية التي عرفت حتى اليوم كيف تحافظ على الحد الأدنى من وحدتها على رغم ما يعتريها من خلافات. كل ذلك من أجل توكيد ما تعده حقها «الشرعي» في الحكم استناداً إلى حجمها الديموغرافي. وكذلك الأمر في لبنان حيث يرى «الثنائي الشيعي» أنه يمثل نحو ثلث البلاد. وهو واقع لا يمكن أي تفاهم أو تسوية أن تتجاهله. أما سورية فأمرها مختلف تماماً حيث الغالبية السنية تسعى إلى استرداد ما تعتقد بأنه صودر منها منذ أربعين عاماً. تريد أن تسترد «شرعية» الحكم. لذلك تجهد إيران للحفاظ على تركيبة الحكم القائمة في دمشق. وهي ترفض إلى اليوم أن تعلن موافقتها على مقررات «جنيف 1». ولا ريب في أنها ستظل تتمسك بالنظام القائم حتى وإن انتهت سورية إلى التفتيت والتقسيم.
لكن عودة إيران إلى حضن «الشرعية الدولية» لن تكون رهن الساعة الأميركية وتوقيتها. ستؤجج هذه العودة صراعات بينها وبين عدد واسع من الدول العربية التي كانت غائبة عن جنيف. من دول مجلس التعاون إلى مصر التي تؤكد في كل مناسبة أن أمن الخليج جزء من أمنها القومي. وستوقظ مخاوف وهواجس حتى لأقرب الحلفاء. ولا شك في أن موسكو تتخوف في سرها من التقارب المتسارع بين واشنطن وطهران التي لم تر في سنوات الحصار غير روسيا خياراً وحيداً في ظل غياب بدائل أخرى تناصرها في الساحة الدولية ودوائرها. ولعل ذلك كان أحد العوامل التي أملت على باريس التشدد في مفاوضات جنيف. فقد كانت فرنسا قبل العقد الأخير شريكاً اقتصادياً وتجارياً مهماً لإيران. وستجد نفسها بعد أي اتفاق في سباق محموم على السوق الإيرانية مع الشركات الأميركية والأوروبية المنافسة.
وأبعد من مخاوف روسيا وفرنسا وغيرهما، يظل الطقس العربي عموماً غير مواتٍ لهرولة أميركية نحو طهران، إذا لم يراع مواقع وأدوار ومصالح أهل الإقليم. سيظل مستحيلاً أن تركن الدول العربية إلى حضور إيران المتقدم في العالم العربي. وإذا كان أهل هذا العالم بعيدين عن جنيف وملحقاتها، فإنهم قريبون من ساحات العراق وسورية ولبنان. وإذا كانت الجمهورية الإسلامية مارست طويلاً دور «الممانع» والمعترض، ومثلها فعلت سورية طويلاً قبل أزمتها، وشكلتا عائقاً أمام كثير من التسويات والحلول، فليس أسهل من أن يواصل المعترضون على حكومة نوري المالكي مسيرة اعتراضهم. والمعترضون على سطوة «حزب الله» رفع الصوت عالياً ضد سلاحه وحرمانه من «شرعية» داخلية يعتقدون بحاجته إليها. والمعترضون على «جنيف 2» استعجال توحيد القوى العسكرية على الأرض، كما حصل أخيراً، بعد الحكومة الموقتة للمعارضة… لتشكيل جدار يستحيل القفز فوقه لتسوية في سورية تريح الأميركي وتعطي الإيراني والروسي ما يطمحان إليه. الطرق ليست معبدة كما يتصورون، لا إلى طهران ولا إلى واشنطن وبغداد ودمشق وبيروت و»جنيف 2»… وجه الشرق سيصاب بمزيد من الحروق والندوب.
الحياة
النووي والدور والقاموس/ غسان شربل
لم يخف باراك اوباما ان بلاده تعبت من الحروب ومن مسؤولية التفرد في قيادة العالم التي بدأت غداة انهيار الاتحاد السوفياتي. كشف ان بلاده لم تعد قادرة على تحمل أعباء هذا الدور ولم تعد راغبة فيه بعدما دفعها جورج بوش الى حربين باهظتين وزادت الازمة المالية العالمية في انهاكها.
رجلان سارعا الى التقاط هذه الرسالة – الفرصة، وهما قيصر الكرملين والمرشد الايراني.
رسمت ادارة اوباما اربعة محاور لاهتماماتها في الشرق الاوسط هي: ضمان تدفق النفط ونزع اسلحة الدمار الشامل ومكافحة الارهاب ومتابعة مسار السلام الفلسطيني-الاسرائيلي. واعتبرت الادارة ان هذه المحاور الاربعة تخدم الموضوعين الابرز في سياستها التقليدية في المنطقة، وهما امن النفط وأمن اسرائيل. وفي ضوء هذا التصور يمكن فهم ما حدث في سورية لجهة تقديم ملف السلاح الكيماوي على ما عداه والقبول بدور روسي في صناعة الحل وتفادي حرب تلحق الهزيمة بالدور الايراني في المنطقة وتضاعف شهية ايران لبناء قنبلة نووية.
في الاسابيع الماضية لم يخف اوباما ان بلاده تتجه نحو إبرام اتفاق مع ايران في الملف النووي. لم يخف ايضاً سروره بأنه اول رئيس اميركي يتحدث هاتفياً الى رئيس ايراني منذ العام 1979. قال هذا الكلام بوضوح لدى استقباله في بداية الشهر الحالي رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الذي استكمل عملية نقل رسائل كان بدأها الرئيس جلال طالباني منذ سنوات. وكان طالباني واثقاً بأن المفاوضات الاميركية – الايرانية آتية وستشمل الى الملف النووي المسائل المطروحة من افغانستان الى لبنان.
يقول احد الذين تابعوا الملف الايراني – الاميركي ان اتفاق جنيف ولد من «حاجة متبادلة». حاجة واشنطن الى الانسحاب من الشق العسكري من نزاعات الشرق الاوسط. وحاجة ايران الى وقف التدهور الذي اصاب اقتصادها بفعل العقوبات الغربية. وكذلك حاجة روسيا الى تكريس ما وفرته لها الأزمة السورية، اي حق المشاركة في صناعة الحلول في الشرق الاوسط. ويلاحظ ان مسارعة المرشد الايراني الى الترحيب بما تحقق في جنيف تظهر ان المسار الذي بدأ هو من قماشة الخيارات التي لا يمكن العودة عنها.
من المبكر فعلاً وضع لائحة بالخسائر والأرباح. لا يمكن اختزال الموضوع الايراني بالملف النووي وحده. الهجوم الايراني يقوم اصلاً على مسارين: مسار القنبلة ومسار الدور الاقليمي. وبالنسبة الى اهل الشرق الاوسط لا يقل المسار الثاني اهمية عن الاول. والاسئلة في هذا السياق كثيرة. هل تعتبر طهران اتفاق جنيف اعترافاً بها كدولة كبرى محلية وترى فيه غطاء لمواصلة الدور الذي يقوم على سلسلة من الاختراقات ادت الى تمزق النسيج الوطني في اكثر من دولة عربية؟ وهل يستطيع العرب القبول بدور ايراني من هذه الطبيعة وبهذا الحجم؟ وماذا عن النزاع الشيعي – السنّي المفتوح في المنطقة؟ وماذا عن الدور العربي في الاقليم؟ وماذا عن ادوار الدول العربية الرئيسية وتحديداً مصر والسعودية؟ وهل يمكن هذه الدول القبول بمقعد ايراني دائم في حل مشكلات اليمن والبحرين والعراق ولبنان وسورية؟ وهل ايران جاهزة للعودة الى احترام الحدود الدولية وهواجس جيرانها؟ هل تريد اللقاء معهم في منتصف الطريق ام تريد التفاوض معهم من موقع إملاء الشروط عليهم؟ هل يرد المتخوفون من اتفاق جنيف بالإصرار على قطع الدور الايراني وتحديداً في الحلقة السورية مع ما يمكن ان يرتبه نجاحهم في لبنان والعراق؟
لا يغيب عن ذهن اي متابع ان اميركا لا تستطيع ابرام صفقة كبرى مع ايران من دون ان يكون امن اسرائيل حاضراً فيها، ولو في صيغة تفاهمات خارج الطاولة. وهذا يعني احالة قاموس الممانعة على التقاعد. ومثل هذا القرار ليس يسيراً ولا شيء يوحي بأن ظروفه نضجت في الداخل الايراني. وقد يكون هذا ما قصده جون كيري حين تحدث عن الحاجة الى تغيير في السلوك الايراني لبناء علاقات دائمة مع اميركا.
الحياة
“غموض بنّاء” يُشعل معركة تسويق النووي/ روزانا بومنصف
مع انه يفترض ان يكون الاتفاق النووي بين الدول الغربية وايران متوازياً وآمناً للطرفين في ما يرغب فيه كل منهما، برزت خشية ديبلوماسية في المواقف الاولية وفي اطار مسارعة كل طرف الى تسويق تفسيره للاتفاق وما تضمنه بما يصب في مصلحته ان يكون الاتفاق قام على صيغة ملتسبة تحت عنوان “الغموض البناء” الذي يتيح لكل طرف هامش تفسيره وفق ما يريد بما يتيح امكان تجميده او عرقلته لاحقاً تحت وطأة الاختلاف على تفسيره. ولذلك سارع البيت الابيض الى توزيع نص الاتفاق لكي يضع حداً لاخذ ورد بدا انهما سيلقيان ظلالا قاتمة على الاتفاق الذي تم التوصل اليه وفق ما لفت مراقبون ديبلوماسيون باعتبار ان واشنطن تحدثت عن غياب اي اشارة في النص الى حق ايران في تخصيب اليورارنيوم فيما قالت ايران العكس. في هذا الكباش المحموم، برزت جملة عوامل ساهمت او اريد لها اعطاء الانطباع بخروج ايران بالاتفاق التي تريد اكثر من حصول الدول الغربية على ما ترغب فيه من الاتفاق فعلا. فاذا عدت مسارعة المرشد الايراني علي خامنئي الى الاحتفاء والتهنئة بالاتفاق استباقاً لمحاولات الالتفاف عليه من قوى داخل ايران يمكن ان تساهم في الخربطة، فان مسارعة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الى اعتبار الاتفاق مع طهران “خطأ تاريخياً” وهو “اتفاق سيئ وان طهران حصلت على ما تريده” الى جانب اعتبار وزير خارجيته افيغدور ليبرمان ان “اتفاق جنيف هو اكبر انتصار ديبلوماسي لايران” تساعد وفق مصادر ديبلوماسية على اعتبار هذا الاتفاق اكثر من مقبول ومهم بالنسبة الى ايران من جهة وتعطي دفعاً للرئيس الايراني حسن روحاني ووزير خارجيته اللذين يحتاجان الى العودة مرفوعي الرأس ومنتصرين من الاتفاق مع الدول الغربية اياً كان نوع التنازلات التي قدمت في الوقت الذي يساعد الغرب في التشدد اكثر خصوصا في المرحلة المقبلة وفي مراقبة التنفيذ. والحاجة الى تسويق الاتفاق لدى ايران برزت قوية. فالى جانب تقديمه من المسؤولين الايرانيين الكبار وتفسيره بما يتلاءم والشروط التي يرفعها هؤلاء في مقابل تفسيرات اخرى متناقضة قدمها الطرف الاميركي مثلاً، فان اطار الدعم امتد من النظام السوري الذي سارع ليكون اول المرحبين باتفاق “تاريخي”، ما دامت اسرائيل منزعجة منه والدول العربية تتخوف من تبعاته، وكذلك الامر بالنسبة الى العراق وحكومة نوري المالكي التي تدور ايضاً في فلك ايران. كل العوامل لتسجيل ايران انتصارا توافرت في التمهيد للاتفاق والاعلان عنه وفي الايحاء بانه ومن خلال الاقرار بحق ايران في تخصيب اليورانيوم فان ذلك ينطوي على اعتراف بان ايران قوة اقليمية وتأمن لها هذا الاعتراف في المفاوضات مع الدول الخمس الكبرى زائد المانيا.
في المقابل فان ما ساهم في اعطاء دفع لهذا المنحى الى جانب الانتقادات الاسرائيلية هو تعليقات الجمهوريين في مجلس الشيوخ الاميركي الذين وجهوا بدورهم انتقادات قاسية لاداء ادارة الرئيس باراك اوباما في هذا الملف بناء على الخلافات مع هذه الادارة حول جملة ملفات وتأثرا بموقف نتنياهو ايضاً وحرص وزير الخارجية جون كيري على طمأنة اسرائيل الى ان الاتفاق يجعل المنطقة اكثر امناً. كما ان التهليل الديبلوماسي الغربي للاتفاق حرص على وضعه في اطار “خطوة اولى” على الطريق الصحيح باعتباره يستند الى فترة تجربة لستة اشهر تؤدي اما الى اتفاق نهائي شامل في حال نجحت ايران في كسب الثقة او الى العودة الى فرض عقوبات اضافية في حال ظهر ان ايران تحاول كسب مزيد من الوقت. وبمقدار ما حاولت ايران ان تظهر انها حظيت باتفاق جيد يعترف لها بقدرتها النووية فان الدول الكبرى رغبت في ان تظهر انها جمدت سعي ايران الى كسب القدرة على صنع قنبلة نووية.
الا ان هذه الشكليات الاعلامية والسياسية مهمة بمستوى الاتفاق نفسه الذي يؤدي الى تساؤلات لا تقل اهمية على مستوى انعكاساته على المنطقة في الدرجة الاولى ومدى القدرة على ترجمته في جوانب استيعاب ايران. والسؤال المهم ايضاً في هذا المجال يثار في ضوء ما كتبه وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف في صجيفة “الشرق الاوسط” الخميس الماضي في اطار تحضيره للاتفاق المرتقب مع الغرب وطمأنة لدول الجوار الايراني من اقرار بما احدثه الملف النووي لبلاده بان “المسألة النووية القت ومن دون دواع كما قال بظلالها بانعدام الامن والازمات على امتداد المنطقة”. فهل ان التوصل الى اتفاق يساهم في تهدئة ايران والمساهمة في تعزيز الامن وتخفيف الازمات؟ والجواب منتظر على جملة مسائل على امتداد المنطقة من لبنان الى سوريا وغالبية دول المنطقة حيث تحاول ايران ان تدفع باجندتها مذكية حربا شيعية سنية خطيرة بدأت تستعر في بلدان عدة.
النهار
ما بعد «جنيف» ليس كما قبله/ علي هاشم
إيران نووية. ليس الأمر بالجديد، فهي كذلك منذ سنوات، بيد أنها بعد هذه السنوات تمكنت من الحصول على ما يمكن وصفه بـ«رخصة سوق دولية نووية»، تسمح لها بالحركة كما لم تكن تتحرك من قبل.
قد يقول قائل وماذا عن الرقابة الدولية، وتخفيض نسبة التخصيب، وتقديم المعلومات حول المفاعلات الجديدة للوكالة الدولية للطاقة الذرية؟
جواب طهران أن لكل شيء ثمناً، وإيران كما قدمت فقد حصدت، وليس الرفع الجزئي للعقوبات بالأمر اليسير، ولا شرعنة النووي الإيراني دولياً حادثة عابرة، القصة كبيرة وكبيرة جداً، ومن يأخذ الأمر بالسطحيات، فليذهب ويسأل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن سر صراخه.
من بطل الحكاية الحقيقي؟ هل هي إدارة الرئيس الإيراني حسن روحاني، أم نظام الجمهورية الإسلامية، أم من بالضبط؟
يقول قائل، هم جميعاً، لكن هناك من يعتقد أن البطل الحقيقي والجندي المجهول لهذا الاتفاق، هو قرار اتخذ قبل ثمانية أعوام، عندما دخلت إيران مرحلة التصعيد النووي، حينها كان لدى إيران عشرون جهاز طرد مركزي، وكان العالم يفاوضها على التخصيب بنسبة 3.5 في المئة خارج أرضها.
قررت إيران حينها رفع عدد أجهزة الطرد المركزية لتصل عشية اتفاق جنيف إلى تسعة عشر ألفاً، وإلى تخصب بنسبة عشرين في المئة، ولتوجه لها الاتهامات ببدء التخصيب الليزري من دون أن يتم تأكيد ذلك.
إذاً، رفعت إيران السقف خلال السنوات الماضية إلى درجة كادت أن توصل إلى الحرب، حتى داخلياً. كان الأمر أشبه بمغامرة، لا سيما أن العقوبات كانت تزداد يوماً بعد يوم، لكن إيران كانت مع كل رفع للعقوبات، ترفع من سقفها.
معركة عض أصابع، والكل ينتظر الآخر ليصرخ أولاً، والكل كان يظن أن الآخر سيصرخ أولاً، لكنه لم يفعل، وبقي التعادل السلبي مسيطراً على اللعبة، وبدأت الأصابع بالنزيف وما من صراخ، وكأن الجميع كان في انتظار حدث يغير كل شيء، كان الحدث أن فاز حسن روحاني في الانتخابات الرئاسية الإيرانية.
في لحظة ما، ولأسباب كثيرة، قرر الجميع أن اللعبة أصبحت مزعجة ومؤلمة. لأسباب عدة بدا الجميع مستعداً للحل، وانطلقت ديبلوماسية الابتسامات.
نظرة في نيويورك وابتسامة، ثم لقاء، فلقاءات، فاتفاق، وهكذا كان. لكن الاتفاق، وبالرغم من كل الضجة التي أحيطت به، هو خطوة في طريق الألف ميل، إذ انه سيكون على الجميع الالتزام به لا لينجح، بل ليبدأ. ففترة الستة أشهر هي فترة تجريبية، وبعدها يكون الاتفاق الحقيقي، والذي بموجبه تُرفع العقوبات، وبموجبه يتغير شكل العلاقات.
اتفاق جنيف ببساطة كسر الجليد الذي يلف الجدار، لكن الجدار يحتاج إلى الكثير ليكسر. بالنسبة إلى إيران هي دائمة التوجس من الغرب، وليس الأمر محصوراً بأنصار الثورة الإسلامية أو الإسلاميين، بل يتخطاهم إلى نسبة غير قليلة من الإيرانيين.
هؤلاء يذكرون نفي بريطانيا للشاه الأب رضا بهلوي إلى موريشيوس، ثم إلى جنوب أفريقيا حيث توفي وهو يرى ولده يستبدله بالعرش. ويذكرون أيضاً انقلاب الولايات المتحدة وبريطانيا على رئيس الوزراء المنتخب ديموقراطياً محمد مصدق. كما يذكرون محاولة استضافة الولايات المتحدة للشاه، والدعم الغربي لصدام حسين في حربه مع إيران. إنها حالة الـ«غربوفوبيا» التي تسيطر على جزء غير قليل من الإيرانيين، وهم لن يشفوا منها بسرعة.
ولدى الغرب أيضاً، توجس تاريخي من الجمهورية الإيرانية وليدة الثورة الإسلامية، فهي التي رفعت منذ انطلاقتها شعار «الموت لأميركا والموت لإسرائيل»، ثم كانت الحرب الخفية التي يتهم الغرب إيران، بلعب دور فيها بأخذ رهائن وتهديد مصالح الغرب ومحاربة إسرائيل، لا بل إن شوارع طهران حتى اللحظة ما زالت تزخر بجداريات تحتاج ربما إلى شركات متخصصة لإزالتها، جداريات «الموت لأميركا»، و«الشيطان الأكبر»، وغيرها وغيرها.
الطريق طويل، ومن يظن أن باتفاق وابتسامات ستنتهي القضية فهو مشتبه، ومن يعتقد أن إيران تسلم رقبتها إلى الغرب فهو يحتاج إلى مراجعة حساباته، ومن يظن أن الغرب يثق بأن إيران فعلاً لا تريد سلاحاً نووياً، فالأرجح أنه طيب القلب.
ما يحدث اليوم، هو عملية تحويل عداء مطلق إلى نصف عداوة ونصف صداقة، ومجدداً لا بد من دراسة العلاقات الصينية الغربية، وتحديداً الصينية الأميركية، لفهم مآل العلاقة بين إيران والغرب، وتحديداً واشنطن. بيد أن التاريخ يفرض كلمة حق علينا قولها، أن ما بعد جنيف قطعاً ليس كما قبلها.
السفير
الاتفاق الايراني الامريكي: لا عزاء للعرب؟!/ رأي القدس
استقبل الايرانيون الاتفاق الذي توصل اليه وزير خارجيتهم محمد جواد ظريف مع مجموعة 5+1 بالفرح والاستبشار وهم محقّون في ذلك بغض النظر عن الشروط القاسية التي وضعتها القوى العالمية الكبرى والتي تنهي عملياً اية امكانية لاستخدام المشروع النووي الايراني في صنع قنبلة نووية.
فبعد 34 عاماً على انطلاق الثورة الايرانية والمفاعيل الخطيرة التي اطلقتها في العالمين الاسلامي والعربي، وبعد نزاع طويل لم تنته فصوله بعد مع الغرب، تبدو ايران على الطريق الى تطبيع علاقاتها مع هذا الغرب، واستبدال الحالة الثورية العنيفة التي ميّزت علاقاتها معه بالتطبيع التدريجي، وصولاً، الى حل شامل ودائم، حسب نصّ الاتفاق، والى شرعيّة دولية وتقاسم للنفوذ في المنطقة.
قراءة مدققة في نصوص الاتفاق تظهر تخلّي ايران عن اتجاهها السابق لفرض ارادتها النووية على العالم، فايران ستتخلى عملياً عن مفاعل اراك وستقدم معلومات التصميم ‘الحساسة’ عنه، كما ستتيح للمفتشين زيارات يومية الى المفاعلين الآخرين في فوردو ونطنز، وسيكون كل ذلك مقابل تخفيف محدود للعقوبات ‘يمكن الرجوع عنه’.
يظهر الاتفاق وجود استراتيجية سياسية ايرانية طويلة الأمد، بدأت مع طيّ صفحة الرئيس الايراني السابق محمد احمدي نجاد بمزاجه الهجومي وتصريحاته المثيرة للجدل (مثل ان امريكا تريد منع ظهور المهدي المنتظر ومثل حديثه عن هالة النور التي أحاطت به خلال خطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة)، واتفاق اقطاب المؤسسة الايرانية (المرشد خامنئي، الحرس الثوري والمؤسسة العسكرية – الأمنية) على ترشح وانتخاب رئيس أكثر قابلية لتطبيع صورة ايران مع العالم.
للوصول الى هذا الاتفاق لعبت ايران بالأوراق الكثيرة التي اشتغلت على بنائها على مدى عقود وكذلك بالأوراق التي كسبتها من أخطاء الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين بعد احتلال افغانستان والعراق، ومن تكدّس أخطاء الأنظمة العربية التي لا تملك قطباً وازناً يقدم استراتيجية حقيقية لمواجهة المخاطر الحقيقية التي تحيط بمنطقتها.
ما يثير التساؤل في الاتفاق ليس المكتوب في نصوصه بل غير المكتوب فيها، فهو يعالج القضية التي تهم الغرب (منع ايران من صناعة القنبلة النووية) ويترك القضايا الأساسية الأخرى التي تقضّ مضاجع العرب والمسلمين، وعلى رأسها استفحال النزاع الشيعي السنّي الذي يهدد بتهشيم حدود وكيانات ومجتمعات العراق وسورية ولبنان.
الاتفاق يتجه الى تسوية كبيرة في المنطقة لا نرى للدول العربية الرئيسية أثراً كبيراً في تحديد معالمه، فالسعودية فقدت البوصلة استراتيجياً وصدّعت اولوياتها بتقديم الغطاء السياسي والمالي لاستعادة نظام حسني مبارك عبر المؤسسة العسكرية المصرية، واستعداء احزاب الاسلام السياسي وحلفائها الاقليميين وخصوصاً تركيا وقطر، فيما تتجه مصر نحو فقدان وزن تاريخي وشرعي بعد ازاحة الرئيس المنتخب محمد مرسي وتراكم الأخطاء السياسية في الداخل (من خلال منع التسويات السياسية واقرار قوانين تمهد لدكتاتورية طويلة الأمد) وفي الخارج (قطع العلاقات الدبلوماسية مع تركيا، والتضييق على حماس).
يعتقد البعض ان الاتفاق يمهد عملياً لحلف امريكي- ايراني بغطاء روسي على حساب المنطقة العربية نموذجه العراق، وستكون سورية ولبنان ضحيّتيه المرتقبتين، ويقوم أساساً على استخدام أدوات ايران في المنطقة، مثل الفصائل الشيعية في العراق وحزب الله في لبنان للقضاء على التنظيمات القريبة من القاعدة (مثل داعش و’النصرة’)، بعد ان تم استرضاء اسرائيل بالقضاء على المشروع الكيميائي السوري.
ما دامت الدول العربية غير مؤهلة للتخطيط والاتفاق على استراتيجية اقليمية ودولية فإن هذا السيناريو سيكون واقعياً وممكناً.
أحد العوامل الخطيرة المؤثرة الأخرى والتي ستنتج عن الاتفاق هو توقع خسارة 20 دولاراً في سعر برميل النفط، وهو ما يعادل خسارة 72 مليار دولار سنوياً للسعودية وحدها.
رغم علائم الامتعاض والاستنكار التي أبدتها اسرائيل، فالحقيقة الدامغة ان الغرب حصل على ما يريده، واسرائيل، بالاستتباع، ستنال حصتها من الاتفاق، وستكون راضية بالنتيجة النهائية، اما العرب، غير المدعوّين للعرس السعيد، فسيكتفون من الغنيمة بالاياب.
القدس العربي
إيران والغرب.. “قرض” لا “دبلوماسية”!/ طارق الحميد
هرول الرئيس أوباما لوصف الاتفاق الأميركي – الغربي النووي مع إيران بأنه انتصار للدبلوماسية التي «فتحت مسارا جديدا نحو عالم أكثر أمانا»، والحقيقة أن أدق وصف للاتفاق هو أنه اتفاق مناقشة ديون متعثرة، أكثر من كونه دبلوماسيا، أو سياسيا.
نحن الآن أمام اتفاق يمكن كل الأطراف من إعلان الانتصار، وهذا ما حدث في طهران وواشنطن، بينما العنوان العريض للاتفاق هو أن تمنح كل الأطراف مهلة ستة أشهر لإثبات حسن النيات، مع تعطيل إيران لبرامج التخصيب إلى أقل من 20 في المائة، التي تمكنها من صنع السلاح النووي، وبموجب ذلك تحصل إيران على مبالغ محددة من مليارات الدولارات من أموالها المجمدة. وجرى وضع سقف منخفض لتلك الأموال ليتمكن الرئيس أوباما من التوقيع عليها من دون الرجوع للكونغرس، والحصول على موافقته على الاتفاق مع إيران، حيث من المتوقع أن يعطل الكونغرس ذلك الاتفاق! وبالتالي فنحن فعليا أمام اتفاق مناقشة ديون متعثرة أكثر من كونه اتفاقا سياسيا جادا يمنع إيران من الوصول للسلاح النووي، ويضمن الحد من انتشاره، ويضمن أمن المنطقة!
ومن جرب شراء سيارة بأقساط، أو منزل، سيعي تماما طبيعة تفاصيل هذه المفاوضات، والاتفاق الذي جرى التوصل إليه.. ففي هذا الاتفاق نحن أمام عميل سيئ السمعة، ويملك رصيدا في البنك، لكن لا تنطبق عليه شروط الإقراض، وبالتالي قام البنك بإقراضه المبلغ المطلوب من أمواله المحتجزة للتأكد من انضباطه في الأشهر الستة المقبلة، هكذا هي القصة بكل بساطة.
وبالتأكيد أن المستفيد من ذلك اثنان، إيران وأوباما. بالنسبة لإيران، فليس بسر أن الرئيس روحاني أمام اقتصاد داخلي منهك، ويحتاج الآن لالتقاط الأنفاس، بأي ثمن، وهذا الاتفاق يمنحه نافذة مهمة لالتقاط الأنفاس. وبالنسبة للرئيس أوباما، فإن الاتفاق يمنحه فرصة التهرب من مواجهة إيران، وتحويلها إلى أزمة للرئيس الذي يأتي بعده، ويكفي هنا تأمل أسلوب إدارة أوباما، فعندما أراد التهرب من ضرب الأسد لجأ للكونغرس لأنه ضامن معارضته، لكن عندما أراد أوباما الآن تمرير اتفاق إيران السيئ فإنه سعى إلى تكتيكات قانونية برفع العقوبات بشكل محدود ليتمكن من الإمضاء عليها من دون اللجوء للكونغرس!
ولذا، فنحن فعليا أمام اتفاق سيئ هو أقرب لمناقشة ديون متعثرة، وليس اتفاقا سياسيا ينزع فتيل أزمة لا تعني حربا ودمارا فحسب، بل إنها تعني أيضا أن سباق التسلح النووي بالمنطقة قد فتح على مصراعيه الآن، فإذا كانت إيران تدعي أن برنامجها النووي سلمي، فمن سيمنع باقي الدول الآن من الحصول على مشروع مماثل قد يتحول في أي لحظة إلى مشروع نووي متكامل، على غرار ما حدث بين الهند وباكستان؟!
وعليه، فما دمنا أمام اتفاق «حسن نيات»، فالأكيد أن الأزمة قد انتقلت إلى مستوى أكبر وأخطر، ولم تحل على الإطلاق كما يحاول الرئيس أوباما القول الآن.
الشرق الأوسط
أيّة إيران نريد ويريدون؟/ حـازم صـاغيـّة
لا يزال من السابق لأوانه إصدار الاستنتاجات القاطعة في ما خصّ الاتّفاق “النوويّ” الأخير بين إيران والدول الكبرى. فهو “اتّفاق مرحليّ” (6 أشهر)، كما أنّه لا يحسم الخلاف حول “حقّ إيران في التخصيب” ولو بنسبة منخفضة.
يزيد في هذه الصعوبة أنّه سوف يواجه تحدّيات جدّيّة في المعسكرين المعنيّين، قد تبدأ بالمرشد الإيرانيّ الأعلى آية الله علي خامنئي، ولا تنتهي بالكونغرس الأميركيّ. وهذا ناهيك عن الضغوط التي ستهبّ من جانب إسرائيل، وهي قد سارعت إلى إعلان أنّها غير معنيّة بالاتّفاق، أو من جانب السعوديّة وباقي دول الخليج.
مع هذا، ثمّة سؤال لا بدّ أن يطرح نفسه عاجلاً أم آجلاً في حال إقرار الاتّفاق من قبل الطرفين الموقّعين: إلى أيّ حدّ سوف يمتدّ، عبر ملاحق سرّيّة أو غير ذلك، ليطال الترتيبات الإقليميّة للمنطقة، وبالتالي طبيعة الدور الإيرانيّ الجديد خارج حدود إيران؟ وأغلب الظنّ أنّ سؤالاً كهذا لا بدّ أن يفتح على سؤال آخر ضمنيّ يطال تركيبة النظام الإيرانيّ وقدرته، في شكله الحاليّ، على التكيّف مع علاقات خارجيّة جديدة، ومع لغة سياسيّة، وربّما إيديولوجيّة، مختلفة؟
يزيد في أهميّة أسئلة كهذه، وما يقيم خلفها من هموم، أنّ إيران صارت عنصراً داخليّاً بالغ الفعاليّة والتأثير في لبنان (منذ أوائل الثمانينات) وفي سوريّا (خصوصاً مع عهد بشّار الأسد ثمّ مع الثورة عليه)، وطبعاً في الخليج.
فصورة إيران، في ما يعني أكثريّة اللبنانيّين والسوريّين، لن تستقيم من دون الكفّ عن التدخّل السلاحيّ والعسكريّ في شؤون هذين البلدين، أي في صيغة أخرى: من دون إعادة نظر جذريّة في سلاح حزب الله ودور هذا الحزب في البلدين. وما لم تُحسم المسألة هذه، باتّفاق نوويّ أو من دونه، سيبقى نظام إيران مسبّباً للرعب جاذباً للكراهيّة. وغنيّ عن القول إنّ الخليجيّين، من ناحيتهم، يملكون قائمتهم من المخاوف حيال الدور الإمبراطوريّ لإيران.
وأغلب الظنّ، وكما دلّت “الانتفاضة الخضراء” وشعاراتها في 2009، فإنّ قطاعات عريضة جدّاً من الإيرانيّين توافق على هذه الصورة البديل لبلدها، طامحةً بسلطة تنكفئ على داخلها الوطنيّ وتُعنى بمسائل الحرّيّة والتنمية أكثر كثيراً ممّا بالتمدّد الإمبراطوريّ.
فإذا كان الاتّفاق الأخير يلحظ هذه المسألة أمكن الحديث عن إصابة عصفورين بحجر واحد، أي عن دمج التخلّص الكونيّ من احتمال إيران النوويّة بالتخلّص الإقليميّ من طغيان طهران وتمدّدها. أمّا إذا كان الاتّفاق لا يلحظها، فهذا لن يغيّر شيئاً في العدوانيّة الإيرانيّة وفي تصدّي شعوب المنطقة لها، ومع تلك الشعوب خيرة أبناء الشعب الإيرانيّ.
موقع لبنان ناو
دوافع القلق الإسرائيلي من الاتفاق الإيراني الغربي/ عدنان أبو عامر
دوافع القلق
حوار الضربة
تقارب الخليج
بصورة غير مسبوقة منذ وقت بعيد، طغى الموضوع الإيراني على النقاشات الإسرائيلية في الأسابيع الأخيرة، لاسيما بعد ما قيل عن مصالحة مع الولايات المتحدة، حيث تعيش إسرائيل حالة من القلق والتوتر جراء تقارب الغرب عموما، والولايات المتحدة خصوصا مع إيران، خشية أن يكون ذلك على حسابها.
دوافع القلق
سعت إسرائيل عبر قنواتها الدبلوماسية وأدواتها الدعائية لإقناع الدول الغربية والعالم بعدم الوقوع في ما أسمته “شرك هجمة الابتسامات ومعسول الكلام” الإيراني، وهي تعلم أن مهمتها لن تكون سهلة بالمرة، لكنها مع ذلك شنت حملة إعلامية ضد إيران، وحذرت من التوصل لاتفاق متسرع مع الدول الغربية بشأن مشروعها الذري، مستندة إلى تجربة الغرب مع كوريا الشمالية التي واصلت تطوير مشروعها النووي رغم التوصل لاتفاق معها.
في الوقت ذاته، هناك خيبة أمل إسرائيلية واسعة النطاق، لأن مهمتها شبه مستحيلة في ظل انبهار الغرب بـ”روحاني” إيران، ما قد يدفعها لما أسماه البعض “أسرلة” الملف الإيراني، وهذا توجه خاطئ للغاية، رغم اعتبارها لـ”روحاني” بأنه “ذئب يرتدي لباس خروف”، مجددة التذكير بأنه يتبع سلسلة تكتيكات في الكذب والخداع، ويستمر بالتقدم نحو هدفه الإستراتيجي بالحصول على قنبلة نووية.
لكن أنصار التقدير المتشائم يرون أن تل أبيب أضاعت الفرصة لعدم مهاجمتها المنشآت النووية، لكون طهران تجاوزت كل الحدود والقيود، ما يضعها أمام تغيير تاريخي في توازن القوى الإستراتيجي في المنطقة، ويعتقدون أن التساؤل المطروح ليس كيف نمنع القنبلة، بل كيف نمنع إطلاقها، وماذا نصنع في ذلك الوقت؟ محذرين من “الرسائل التصالحية” التي ترسلها إيران، وترمي لعملية احتيال تقوم على وقف البرنامج النووي في المرحلة المقبلة من الناحية العلنية.
وفي ضوء ذلك يمكن القول إن الإستراتيجية الإيرانية نجحت، وستحصل على القنبلة النووية.
الأخطر في التقييم الإسرائيلي للتقارب الأميركي الإيراني هو تداعياته على العلاقات الثنائية بين تل أبيب وواشنطن في ظل ما تقول إنه “فقدان للبوصلة” لديها، وإنها لم تعد ملزمة بتبني موقفها، وقد تتخذ موقفا مع إيران خلافا لها، ما يعني أنها تلقت منها صفعة مدوية.
وهو ما دفع بإسرائيل لأن تدير -خلال الأسابيع الأخيرة- حربا يائسة لوقف ومنع التوصل لاتفاق مع طهران عبر اتصالات ماراثونية مع وزراء خارجية الدول الغربية، لاسيما فرنسا، التي تبنت موقفا مناصرا لإسرائيل بصورة غير مسبوقة، وهو ما دفع بأحد الوزراء الإسرائيليين للحديث بعيدا عن اللباقة الدبلوماسية بحق إدارة “أوباما” بقوله: الولايات المتحدة لم تكن صريحة وصادقة مع إسرائيل في عرض حقيقة الموقف عليها، لأن ما عرض عليها -خلال الاتصالات المكثفة الأخيرة- يختلف عن جوهر الاتفاق الذي عرض على إيران في جنيف.
حوار الضربة
في الوقت ذاته، ورغم الضجيج الإسرائيلي المتزايد مما يعتبر صفقة إيرانية أميركية هناك أوساط “متعقلة” ترى أنه طالما من الممكن حل القضية النووية الإيرانية من خلال المفاوضات، فينبغي فعل ذلك كما حصل في صفقة الكيميائي السوري بين موسكو واشنطن، لكنها تحذر أن تستهلك تلك المفاوضات الوقت دون الخروج بنتائج ملموسة.
وفي حال لم يثمر المسار الدبلوماسي فإن إسرائيل ليست بحاجة للولايات المتحدة عند ساعة الصفر، وباستطاعتها شن هجوم عسكري على المنشآت النووية الإيرانية وحدها، لأن أي عمل عسكري انفرادي سيؤدي لعرقلة تنامي القدرات الإيرانية في ملفها النووي، لكن ليس بالحجم الذي لو شاركت فيه الولايات المتحدة، لأن النتائج بالتأكيد ستكون أفضل بكثير.
كما أن القناعات السائدة في تل أبيب تشير إلى أن الضربة العسكرية يمكنها وقف الخطة النووية الإيرانية خمس سنوات على الأقل، في حين لو شاركت الولايات المتحدة فستوقفها عشر سنوات، ما يدفع بعدد من الجنرالات الإسرائيليين لتوجيه اللوم للمستوى السياسي لأنه يعتبر البرنامج النووي الإيراني مشكلة إسرائيلية، وليست عالمية، ووقوف إسرائيل في الجبهة وحدها لا يجدي في معالجته، وسيكون من الصحيح أن تعالجه دول أخرى.
كما يدرك صنّاع القرار الإسرائيلي المصاعب الإستراتيجية، العسكرية، السياسية والاقتصادية التي سيجلبها قرار مهاجمة إيران، لأنها تنثر منشآتها النووية في أرجاء الدولة، بعضها توجد في القسم الشرقي، وقد حصنتها ببنائها تحت الأرض، أو في الخنادق المحصنة، وليس لسلاح الجو الإسرائيلي قدرة إستراتيجية حقيقية على قصف أهداف بعيدة لفترة زمنية طويلة.
وكنت قد تحدثت على هذه الصفحة العام الماضي بالقول إن خيار “الضربة يغلب الصفقة” في التعامل الإسرائيلي مع إيران، لكن التقارب الأخير في علاقات طهران واشنطن بات يؤثر بصورة واضحة في تراجع هذا الخيار، لأن إسرائيل تدرك أكثر من سواها أن الإدارة الأميركية ليست متشجعة البتة لأي هجوم ضد إيران.
ولذلك فإن إسرائيل تعض أصابعها ندما لأنها لم “تورط” “أوباما” في حرب مع إيران، وترى أن إدارة ترددت وتراجعت عن توجيه ضربة خاطفة ضد سوريا، ستكون أكثر خوفا من مغامرة عسكرية ضد قوة إقليمية مثل إيران، في ضوء تحفظاتها من النتائج المتوقعة لمثل هذه العملية خشية تدهور عام في الشرق الأوسط، وأزمة في سوق النفط، وهي ظروف لن تزول في المستقبل القريب، ولذلك يبدو أن واشنطن لن تسارع لتنفيذ هجوم على طهران، إلا إذا اقتنعت بأن تأثيرات الهجوم ستكون أقل شدة مما تقدر اليوم.
أكثر من ذلك، لا ترى إسرائيل اليوم تأييدا دوليا لعمل عسكري ضد إيران، ولذلك ستحتاج في الخروج لهذا الهجوم إلى إعداد الساحتين الداخلية والخارجية، وبناء أدنى قدر من التأييد لها، وستكون معنية بإحراز شرعية له.
لكن عملا عسكريا إسرائيليا ضد إيران كرد على تقاربها مع الغرب لا يمكن أن يكون نهاية المسار، بل بدايته، لأنها ستحتاج إلى مساعدة أميركية مهمة لتواجه نتائج الهجوم، ومنع إيران من إعادة بناء المنشآت التي ستصاب، ومنعها من استغلال الهجوم للانطلاق قدما نحو سلاح ذري حينما تصبح مستعدة لذلك، وصد جهدها لإسقاط العقوبات عنها، ومحاولة ردعها عن رد واسع على إسرائيل وأهداف أخرى في المنطقة.
تقارب الخليج
المفارقة المثيرة للنظر في الموقف الإسرائيلي من التقارب الغربي الإيراني التقييم العربي الرسمي له، باعتبار أن معظم الدول العربية قلقة بقدر لا يقل عن إسرائيل من إمكانية أن تتسلح إيران بسلاح نووي، وأن الطرفين الإسرائيلي والعربي لديهما إحساس عام بأن أميركا متعبة، ومن المريح لها التساوق مع الخطوة التكتيكية الإيرانية التي ستؤدي في نهاية الأمر لقنبلة نووية، وأن واشنطن لها جدول أعمال ورؤى خاصة بها، وبالتالي فإن “أوباما” لن يجرؤ على الخروج لمغامرة عسكرية ضد إيران.
ورغم سواد الصورة الإسرائيلية في تقارب إيران مع الغرب، لكنها رأت فيه زاوية مضيئة تمثلت بأنها ليست وحدها المعارضة لذلك، فقد أعلنت دول عربية عديدة، ومنها السعودية، رفضها لهذا التقارب، ووصل الأمر إلى توتر في العلاقات الأميركية السعودية بسبب إدارة الملف النووي الإيراني.
وما قد يقلل من القلق الإسرائيلي من المصالحة الإيرانية الأميركية أن مخاوفها يتشارك فيها ثلاثة حلفاء تقليديين لأمريكا في المنطقة: مصر، والأردن، ودول الخليج، وأن هناك قناعة لدى تلك الدول أن “أوباما” قام بتقليص نفوذ الولايات المتحدة من خلال تخليه عن مبارك في مصر، ومعارضة الانقلاب الذي أطاح بمرسي، والتذبذب في السياسة السورية، والدخول في مفاوضات مع إيران، دون استشارة الحلفاء المقربين.
بل إن الأمر وصل برئيس الحكومة “بنيامين نتنياهو” إلى الإعلان أن إسرائيل وبعض دول الخليج العربي تتحدث بصوت واحد في ما يخص المشروع النووي الإيراني، داعيا الدول الكبرى للإصغاء إلى هذا الصوت!
وفي هذا ما يشير إلى أن “تسخين” العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران عمل على تقريب إسرائيل من دول الخليج العربي، حيث تحدثت المصادر الصحفية عن محادثات في مقر الأمم المتحدة في نيويورك بين دبلوماسيين إسرائيليين ونظرائهم من السعودية والإمارات العربية المتحدة والأردن، ودول أخرى.
وقد نقلت أوساط دبلوماسية إسرائيلية عن موظفين رفيعي المستوى في وزارة الخارجية قولهم إن الدبلوماسيين العرب عبروا خلال هذه المحادثات عن “شعورهم بالهلع” من التقارب الأميركي الإيراني دون أن يقابل ذلك نفي عربي، وهو ما دفع بوزير الخارجية الأميركي “جون كيري” للقول إن واشنطن ليست عمياء أو غبية، لأن أي اتفاق مع إيران لن يمس مصالح إسرائيل ودول الخليج معا!
ولذلك عرضت محافل سياسية إسرائيلية جهودها لإحباط المشروع النووي الإيراني على أساس أنها بضاعة يتوجب على دول الخليج دفع ثمنها، ووجوب ممارستها ضغوطاً على الغرب لتوجيه ضربة عسكرية لإيران، لأن قدرتها على ذلك أكبر من قدرة إسرائيل في ظل وجود إدارة أميركية تنأى بنفسها عن الفعل العسكري، هذا إلى جانب توظيفها سلاح النفط بشكل يجبر الغرب على الاستجابة لمطالبها، والتوقف عن المصالحة مع إيران، لأن بإمكانها رفع سعر برميل النفط بشكل جنوني بشكل يدفع الغرب لإعادة حساباته، وهو ما سيقلص من قدرة إدارة “أوباما” على الوصول إلى حالة من التعافي للاقتصاد الأميركي.
بل إن بعض الدوائر الدبلوماسية الإسرائيلية طالبت باستغلال حقيقة عدم وجود سياسة متفق عليها بين جميع دول الخليج، ليكون بإمكان إسرائيل أن تتوصل لتفاهمات مع كل دولة حسب مستوى شعورها بالخطر الإيراني، ما يعني أنها تقف أمام فرصة تاريخية لتتحول إلى قوة إقليمية معترف ومرحب بها، وألا يتم النظر إليها كـ”نبتة غريبة” في المنطقة، إذا عرضت جهودها ضد برنامج إيران على أساس أنها خدمة لدول الخليج، وليس لها وحدها فقط.
أخيرا، تعتقد إسرائيل أن المأزق -الذي علقت فيه دول الخليج بشأن إيران- عائد إلى أنها تبنت إستراتيجية أمنية قامت على الاعتماد على المظلة العسكرية التي توفرها الولايات المتحدة، في حين تبدي الأخيرة مؤشرات عن قرب تركها للمنطقة، لاسيما بعد الانسحاب من العراق، وكأن لسان حال إسرائيل ودول الخليج في تقاربهما أمام إيران: عدو عدوي صديقي!
الجزيرة نت
مشروع إيران بعد اتفاق النووي/ياسر الزعاترة
ما الذي تريده إيران بعد اتفاق النووي؟ سؤال ليس هامشيا ولا عبثيا في التاريخ الجديد الذي يُصنع في المنطقة هذه الأيام بعد الاتفاق المذكور.
ولا يبدو أن الإجابة عليه من النوع المعروف والمحسوم كما يمكن أن يذهب البعض، إن كان بدافع الحب والولاء، أم كان بدافع العداء، لا سيما المذهبي منه، بعد أن حظيت إيران بعداء مع غالبية الأمة غير مسبوق في تاريخها، بما في ذلك القديم منه، ربما باستثناء تلك الحقبة التي اصطدمت خلالها مع الدولة العثمانية، يوم كانت تعرف بالدولة الصفوية.
ولعل ذلك هو ما يفسّر استدعاء ذلك التاريخ من قبل كثيرين في الساحة العربية والإسلامية لسبب بسيط هو أن حجم العداء الذي تحظى به إيران هذه الأيام في الأوساط الإسلامية السنيّة التي تشكل غالبية الأمة يكاد يقترب من ذلك التاريخ.
حين كان وفد إيران المختص بالملف النووي في طريقه إلى لقاء مجموعة “خمسة زائد واحد” في الجولة الأخيرة التي أفضت إلى الاتفاق، كان خامنئي المرشد الأعلى للثورة يخطب في عشرات الآلاف من قوات البسيج التابعة للحرس الثوري، معلنا بدء مناورات “إلى القدس”، ومكررا خطابه التقليدي عن أن إسرائيل كيان “إلى زوال”، من دون أن ينسى رفضه التنازل عن حقوق إيران النووية.
حدث ذلك رغم أن كل التقديرات كانت تشير إلى أن الصفقة مع الغرب كانت جد قريبة، وأن جوهرها هو تنازل إيران عن سعيها لامتلاك سلاح نووي، مقابل رفع للعقوبات في صفقة جزئية لمدة ستة أشهر، الأمر الذي يعني أن إيران قد وضعت قدميها على طريق التفاهم الكامل مع الغرب فيما يتعلق بهذا الملف الذي كان سببا في تعرضها لعقوبات قاسية أثرت بقوة على حياة الإنسان الإيراني، من دون أن تتسبب في تراجع مشروع التمدد بطبعته الثانية، والذي أفضى عمليا بسبب رعونة واشنطن إلى منح إيران ما يشبه الولاية على الجار العراقي الذي كان بدوره سببا في إفشال مشروع التمدد بطبعته الأولى (تصدير الثورة بعد انتصارها عام 79).
لم تكن هناك صفقة أميركية إيرانية، لا في العراق ولا في أفغانستان، كما يردد كثيرون بلغت بهم عقلية المؤامرة مبلغها بسبب نجاح مشروع التمدد الإيراني خلال الألفية الجديدة، بخاصة سيطرته على العراق ولبنان، فضلا عن سيطرته العملية على سوريا في ظل بشار الأسد الذي جعل من البلاد ولاية إيرانية، خلافا لأبيه الذي لم يسمح لطهران بالتمدد داخل الدولة بشكل كبير، وإن كان تحالفه معها إستراتيجيا.
كان مشروع الغزو الأميركي للعراق يستهدف إيران، كما يستهدف إعادة تشكيل المنطقة برمتها، لكنه تورط في مقاومة شرسة أغلبها من السنّة أفضت لأسباب تتعلق بإدارة الثورة ومراهقة السياسيين السنّة وضعف الوضع العربي بقيادة محمد حسني مبارك، إلى وضع البلد رهينة لإيران، من دون أن ننسى أن الغالبية العددية للشيعة الأكثر ميلا لإيران في ظل الاستقلال العملي للأكراد قد كانت سببا مباشرا أيضا.
بعيدا عن التأريخ لمشروع التمدد الذي بدأ في لبنان، واستقطب الأقليات الشيعية في العالم العربي والإسلامي، ووصل سوريا ثم العراق، فإن السؤال الراهن هو ذاته الذي بدأنا به، وهو: ما الذي تريده إيران الآن، أولا بصفقتها المرحلية، وبعدها النهائية مع الغرب، وثانيا بموقفها من سوريا والعراق، وثالثا فيما يتعلق بموقفها من الصراع الأهم في المنطقة ممثلا في الصراع مع المشروع الصهيوني؟
من العبث في هذا السياق الاستماع إلى خطابات خامنئي، فلا روحاني ولا وزير خارجيته كانا يتحركان من تلقاء نفسيهما، بل توفر توجه فعلي من قبل المرشد نفسه نحو إتمام الصفقة مع الغرب في شقها النهائي (بعد المرحلي) بعد أن بلغ التعب من العقوبات مداه.
وحين ندخل في تفاصيل الصفقة النهائية، فإن عاقلا لن يقول إنها ستنتهي بالتنازل عن طموحات السلاح النووي وحدها، وإنما ستشمل كذلك موقفا جديدا من المشروع الصهيوني أيضا، بدليل أن خطاب روحاني في الأمم المتحدة لم يكن يمت إلى خطاب المرشد بصلة، وإنما هو أقرب إلى خطاب الأنظمة العربية في اعترافها بالكيان الصهيوني، وقبولها بما يقبل به الفلسطينيون في حال التوصل إلى صفقة ما.
وإذا كان هذا البعد محسوما إلى حد كبير، مما سينعكس على سياسات إيران في لبنان الذي سينتهي فيه حزب الله كحركة مقاومة (انتهى فعلا)، وكذلك على دعم إيران لقوى المقاومة الفلسطينية الذي تراجع عمليا؛ فإن الجوانب الأخرى ليست محسومة، أكان في ملف العراق، أم في العلاقات مع المحيط العربي والإسلامي، والذي تحظى فيه إيران بعداء غير مسبوق من قبل الغالبية السنية، بسبب العراق أولا، وبسبب سوريا ثانيا وثالثا ورابعا.
وفي حين سيرى البعض أن أكثر الأسئلة ستعتمد بهذا القدر أو ذاك على نتيجة المعركة في سوريا، فإن الأمر لا يبدو كذلك تماما، إذ ستعتمد بشكل أكبر على رؤية إيران لنفسها في الإقليم، ولدورها على الصعيد الدولي أيضا.
هل ستواصل إيران مشروع التمدد والإصرار على أن تكون الأقوى في الإقليم حتى لو غامرت بعداء محيطها، أم سترضى بأن تكون قوة من ثلاث قوى إلى جانب العرب وتركيا، مع تقدم للوضع العربي تبعا لفارق الإمكانات رغم الشرذمة التي لن تكون قدرا أزليا بحال؟
وعلى نحو أكثر وضوحا: هل ستستبدل إيران شعار المقاومة والممانعة الذي استخدمته في مشروع تمددها سابقا، بلافتة الأب، والراعي الرسمي للشيعة في العالم العربي والإسلامي بما ينطوي عليه من استفزاز للكثير من الدول وتلاعب باستقرارها؟
وهل سيسكت الآخرون في المقابل، لا سيما وهم يدركون أن في إيران من التناقضات العرقية والمذهبية ما يمكن الدخول على خطه بقوة أيضا؟
إن ميل إيران إلى سلوك يعزز حسن الجوار والرضا بحجمها الطبيعي بعيدا عن استخدام المذهب في مشروع التمدد سيفضي إلى تعزيز القواسم المشتركة مع الآخرين، وسينعكس ذلك إيجابا على الإنسان الإيراني. أما إذا أصرت على لغة الهيمنة واستخدام المذهب في تخويف الآخرين وإثارة القلاقل، فإن الصراع سيستمر، ومعه نزيف الجميع لصالح القوى الاستعمارية، والأهم لصالح المشروع الصهيوني، وهو الأمر الذي طالما ركز عليه الفكر الصهيوني حين تحدث مرارا عن صراع سنّي شيعي يمكن استثماره سياسيا، بل العمل على تعزيزه بكل الوسائل الممكنة.
ثمة فرصة لتعايش بين محاور الإقليم الثلاثة (العرب وتركيا وإيران)، لكن المشكلة الأكبر هي في إيران، من دون أن نغفل أن ميل أنظمة العرب لرفض الإصلاح والمشاركة السياسية سيبقي على حالة عدم الاستقرار الداخلي، وتبعا لها ضعف إمكانية أن يكون العرب قوة موحدة تتكلم بلسان واحد، مع الجيران ومع العالم.
لقد ضيّع من جعلوا أولويتهم إنهاء ربيع العرب ومواجهة الإسلام السياسي (السنّي)، ضيّعوا مصر وهمشوها، ولم ينقذوا سوريا، بل تآمروا على تركيا أيضا، وها هم الآن في مواجهة إيران الجديدة المتصالحة مع الغرب.
وإذا لم يغير هؤلاء أولوياتهم أيضا، فإنهم لن يساعدوا إيران على التواضع، ولن يساعدوا أنفسهم أيضا.
الجزيرة نت
إيران المستقبل؟/ حازم صاغيّة
ما أحرزته إيران في الاتّفاق النوويّ الأخير ليس بسيطاً. بيد أنّ التنازلات التي قدّمتها وستقدّمها تبقى أكبر. فـ «انتزاع الحقّ في التخصيب» ليس محسوماً بعد، وهذا ناهيك عن السقف الذي سيحكم كلّ تخصيب والذي لا تتعدّى نسبته الـ5 في المئة، فضلاً عن تقليص المادّة التي خُصّبت بنسبة 20 في المئة أو تغيير طبيعتها.
لكنّ هذه الأمور التي أطنب الإعلام العالمي في شرحها تبقى قابلة للأخذ والردّ في النهاية، خصوصاً أنّنا لا نزال في طور «الموقّت» (6 أشهر) وفي إطار المقدّمات الأولى.
أهمّ من ذلك، لا سيّما في ما يعنينا، صورة إيران التي ستخرج إلى النور بعد هذا الاتّفاق، في حال إتمامه، محمّلةً بالمكاسب التي أحرزتها وبالأكلاف التي ستدفعها.
فهي ستكون محرومة من الأنياب النوويّة للمستقبل، وهذا ليس تفصيلاً بسيطاً. وهو لن يطاولها فحسب، بل يُرجّح أن يطاول منطقة بكاملها ستتّسع المسافة بينها وبين أسلحة الدمار الشامل. لكنّ إيران ما بعد الاتّفاق قد تمتلك موقع نفوذ في المنطقة يحظى بالإقرار الدوليّ، وإن كانت التكهّنات لا تزال تدور حول طبيعته واحتمالاته. ومن ناحية أخرى، ومن دون أيّ رابط سببيّ، يجيء التزامن مع تردّي العلاقة بين تركيّا ومصر ليقوّي حجّة القائلين بدور إيرانيّ أكبر تحتاجه الولايات المتّحدة في العراق وأفغانستان وأيضاً حيال الإرهاب «السنّيّ».
لكنْ، هل يعقل أن تمارس إيران دورها الجديد المحتمل بالأدوات الأيديولوجيّة ذاتها، وهل تستطيع أن تعدّل أدواتها الأيديولوجيّة وتحافظ على قوامها السلطويّ الراهن؟
يُلاحظ، بادئ ذي بدء، أنّ ما حمل طهران على التفاوض كان العقوبات الاقتصاديّة التي آذتها إلى أبعد الحدود، بعدما لعبت دورها الكبير في إيصال الشيخ «المعتدل» حسن روحاني إلى رئاسة الجمهوريّة.
وهذه خلفيّة تسمح بالقول إنّ للأيديولوجيا حدوداً في إيران. فنحن لسنا حيال كوريا شماليّة أخرى مستعدّة «أن تلتهم التراب كي لا تقدّم التنازلات». لكنّ تطوير هذه الخلفيّة والبناء عليها لن يكونا سهلين على نظام جمع منذ قيامه بين التمدّد الأمبراطوريّ وبين الوعي الأيديولوجيّ. فهذا، في حال حصوله، سيكون أخطر وأكبر من المغامرة بانتخاب روحاني أو انتخاب محمّد خاتمي قبله.
هل نغامر بالقول إنّ روسيا بوتين الساعية إلى مدّ نفوذها، بعد التخلّي عن الشيوعيّة، صالحة كمصدر للاستلهام؟
هذا السؤال المعلّق وغيره من الأسئلة لا تحول دون الجزم في أمر واحد، وهو أنّ لبنان وسوريّة سيكونان المسرحين اللذين يقدّمان الكثير من الإجابات حول إيران المستقبل.
وفي هذه الحدود، ثمّة فرصة للتدخّل العربيّ في ما ستؤول إليه الأحداث، أتمثّل هذا التدخّل في سياسات رسميّة وحكوميّة أشدّ ديناميّة وأقدر على الاندراج في الإجماعات الدوليّة ومعارضتها من داخلها، أم في سياسات شعبيّة، سوريّة وإيرانيّة، تستطيع أن تربط تصدّيها للاستبداد بالوجهة الكونيّة الغالبة للحدّ من انتشار أسلحة الدمار الشامل.
فجر جديد في ايران؟/ الياس حرفوش
تشعر إيران بالانتصار. الإيرانيون الذين أسرعوا إلى مطار مهراباد للترحيب بالوزير محمد جواد ظريف والوفد المفاوض العائد من جنيف كانوا يدركون القيمة الحقيقية للصفقة التي أهداهم إياها «الشيطان الأكبر». إعادة إنعاش الاقتصاد الإيراني وتحريك عملته صعوداً. وضع إيران على طريق إنهاء الحصار المفروض عليها، مع ما يُنتظر أن يعقب ذلك من تسويات لعلاقاتها مع الدول الغربية، التي قاطعت الجمهورية الإسلامية منذ الثورة. الاعتراف بصدق الرواية الإيرانية عن البرنامج النووي «السلمي»، ومنحها الفرصة لتثبت ذلك، على رغم النشاط السري الذي رافق تطوير هذا البرنامج على مدى عشر سنوات، والذي كان يتم الكشف دائماً عن مختلف مراحله من مصادر معارضة أو غربية، وعلى رغم النفي الإيراني الرسمي.
إيران تشعر بالانتصار. يقول قادتها وأنصارها في المنطقة: لقد أثبتنا أن الغرب بحاجة إلينا. هم الذين أسرعوا إلى مهادنتنا والتفاوض معنا. موقفنا الثابت على مدى عقد من الزمن أرغمهم على الهزيمة والتراجع أمام مواقفنا الصلبة. لقد اقتنع الغرب أخيراً أن سياسة العقوبات والضغوط لا تجدي معنا. اثبت الغرب أيضاًً أنه لا يخاف ولا يتفاوض إلا مع الأقوياء.
هذا الشعور بالنصر الإيراني يعزز مخاوف أهل المنطقة مما هو آت وما يمكن أن يكون أخطر من صفقة «النووي». فمثلما أعاد «الكيماوي» السوري غطاء الشرعية إلى نظام بشار الأسد ومدّه بعمر جديد، ها هو «النووي» الإيراني يحيي مجدداً النظام المتهالك في طهران تحت ضغط أزمته الاقتصادية. ومثلما كان «الكيماوي» السوري معداً للمقايضة عند أول قارعة طريق، هكذا أثبت الإيرانيون أن ما كانوا يزعمونه من رفض للقبول بمستوى لعمليات التخصيب تحت النسبة التي يريدونها، هو أيضاً قابل للمساومة، إذا كان المقابل هو إعطاء النظام جرعة جديدة تبقيه على قيد الحياة.
لقد أثبتت شعارات «المقاومة والممانعة» أنها مجرد بضاعة معدّة للاستخدام الداخلي، لكنها قابلة للبيع في أسواق الخارج، إذا كان الثمن مناسباً لبقاء الأنظمة. يساعد على هذه الصفقات المذلّة أن الغرب لا يعير اهتماماً للسلوك الداخلي لهذه الأنظمة ولممارساتها القمعية ضد شعوبها، وليس مستعداً للمحاسبة على ذلك، على رغم شعاراته المبهرة عن احترام حقوق هذه الشعوب. والدليل الذي أمامنا هو سكوت الغرب عن أعمال القمع التي يرتكبها النظام السوري بعد تخلّي هذا النظام عن سلاحه الكيماوي، وقبول الدول الغربية بتجاوز مساوئ الوضع الداخلي في إيران، وممارسات نظامها بحق المعارضين، في مقابل موافقة هذا النظام على «صفقة العصر» التي تهدف إلى إضعاف قدرات إيران النووية.
يساعد على قلق أهل المنطقة العربية أيضاً أن سلوك النظام الإيراني في هذه المنطقة ليس مطروحاً للمقايضة، ولم يكن، كما يبدو، جزءاً من الصفقة التي تمخضت عن مفاوضات الأيام الأربعة في جنيف. صحيح أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري دعا طهران إلى «تغيير سلوكها السياسي»، إذا أرادت تطوير علاقاتها البعيدة المدى مع الولايات المتحدة. لكن هذه العبارة المطاطة يمكن أن تعني من وجهة نظر الاستراتيجية الأميركية مصالح إسرائيل ودعوة إيران إلى خطاب معتدل حيال هذه المسألة، أكثر من أي أمر آخر.
من هنا تبقى الأسئلة المتصلة بالاتفاق الإيراني الغربي تدور حول حدود الدور الذي سيُسمح لإيران أن تلعبه في شؤون الدول المجاورة، وتدخلاتها في مختلف الأزمات الإقليمية، من العراق إلى سورية ولبنان، مروراً بمنطقة الخليج. هل نحن بانتظار عهد جديد من العلاقات الإيرانية العربية، يقوم على أساس احترام قواعد الجوار وعدم التدخل في شؤون هذه الدول؟ هل يفسح هذا الاتفاق لقيام إيران جديدة أقل أيديولوجية وأكثر واقعية؟ أم أن إيران التي نعرفها منذ ثلاثة عقود لن تسمح ببزوغ هذا الفجر الجديد؟
الجار الإيراني اللدود/ أحمد جابر *
احتلت إيران المشهد السياسي، وهي تفاوض على ملفها النووي. خلف القدرة النووية يكمن مغزى امتلاكها. تفوق «الجمهورية الإسلامية» في هذا المضمار، يعني تحقيق قفزة واسعة نحو احتلال المركز الأول في مدارها الجغرافي، والاعتراف لها بحق الفوز بهذه القفزة، يعني تثبيتها لاعباً أول في المدار نفسه.
الوصول الإيراني إلى هذه النقطة لم يحصل سراً، بل جرت مراكمة أسبابه علناً، وعلى مرأى من الجميع ومسمعهم. قاد المسيرة هذه، خليط سياسات، منها السياسة الخاصة التي كان عنوانها تصدير الثورة الإيرانية إلى الخارج، ومنها سياسة الدول المعنية الموازية، التي كان مغزاها الأهم، السماح لإيران بالحركة المنضبطة، حتى لا نقول سياسة غض النظر. لقد كانت إيران منضبطة فعلاً، لأنها ضبطت حركتها على إيقاع خفيف الوقع عملياً، وكان ذلك مفهوماً من المعنيين، على رغم علو ضجيج «موسيقى السياسة» شعارياً. مسارح الحركة الإيرانية العامة شهدت لهذا الانضباط، في أفغانستان كما في فلسطين، والمشاكسة السياسية التي حصلت لم تتجاوز حدود المشاغبة المسموحة، من أجل تثبيت الدور، ولم تصل يوماً إلى التهديد «بقلب الطاولة»، لأن الأمر كان متعذراً على إيران من جهة، ولأن حصيلة مسلك كهذا، تشكل خسارة واضحة لمجمل مصالحها.
قراءة المشهد الراهن، تقترب من الواقعية السياسية أكثر، كلما تمت بعيون الآخرين الذين يدققون في السطور الإيرانية، وليس بعيون الجوار العربي والتركي وسواه، فقط. ربما قدمت الصورة، بما لاح منها حتى الآن، ملامح ترويض للموقع الإيراني، تمهيداً لإدراجه تحت السقف السياسي الغربي العام، بغلبته الأميركية الواضحة. يحمل الترويض معنى الحزم لبلوغ الهدف، مثلما يحمل الترغيب والأناة، وإعطاء الوقت اللازم للوصول إلى المرتجى.
في الأثناء، تضج الحالة العربية بصخب معلن حيال المتغيرات، ولعلها تمعن في قراءة هادئة في السر، لمعنى اللحظة الراهنة، وتتفحص مكنون المسالك السياسية لمختلف الأطراف. في هذا السياق، يجدر التوقف أمام الدور الذي كان للمنطقة العربية، في المعادلة الدولية، وأمام النظرة «الغربية» إلى هذا الدور، هذا من أجل تعيين «التغير الوظيفي»، للمواقع العربية، وتحديد موقعه على الخريطة الدولية الجديدة، والتعامل مع السياسات انطلاقاً من هذه النظرة المعرفية العامة.
من دون مكابرة، بل بواقعية مسؤولة، يجب الاعتراف بأن الوظيفة العربية العامة تراجع شأنها دولياً، منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، وبعيد انتهاء الحرب الباردة. هذا بدّل في سياسات «معسكر الأصدقاء»، مثلما أعاد ترتيب أولوياته، وجدد مواضيع ومواضع اهتمامه. لقد كان العرب، في الخليج على وجه أعم، أصدقاء لأميركا، وفي الوصف تعميم تسقطه «حكمة» النظرة السياسية. كان العرب أولئك مأموني الجانب، إبان سياسات الحرب الباردة ومناوأة «الأنظمة التقدمية»، ومنع امتداد تيار الحركات القومية العربية، ودعم الأنظمة القوية، التي كانت تشكل ضمانة، أو خصماً عنيداً في وجه الحركات الشعبية الناهضة. ما سلف صار كله من الماضي، وما هو متداول اليوم، رسم صورة جديدة للمنطقة، يتولاها «الكبار» الدوليون، ويشارك فيها «المتقدمون» المحليون، أولئك الذين لا مكان لمتقدم عربي بين صفوفهم!
في السياق، تعرف إيران مغزى الوضعية الإقليمية العامة، وتعلم كل وضعية خاصة ضمنها، وحدود هذه الوضعية وقدراتها، لذلك فهي تتصرف بحرية نسبية، طالما أنها في مأمن من «غضب الكبار»، وفي منأى من تأثير رد فعل الصغار.
انطلاقاً من ذلك، تقرب سياسة الجمهورية الإسلامية من مسلك اقتناص الفرصة السانحة، إقليمياً ودولياً، وتقترب حثيثاً من إجراء عملية مقايضة، تضمن بموجبها سلامة النظام، ولو على حساب البيع الموقت لبعض الأهداف، أي مقايضة يمكن تسويقها داخلياً، بالشعاراتية، وبقطف بعض الجنى السياسي والمادي.
على خلفية إدراك عناصر القوة الذاتية الإيرانية، وإدراك معطيات الضعف الإقليمي والقبول الدولي، يتصرف الساسة الإيرانيون وفق معادلة مزدوجة: إدامة الإرباك في الجوار، بهدوء أو بصخب، أو بالأمرين معاً، والمضي في الانفتاح الذي يديم الحصانات الخارجية ويطورها. مؤدى هذه السياسة البقاء في حالة الجار اللدود، للوضعية العربية، والأخذ من حسابها، للحساب الإيراني، ولسائر الحسابات الأخرى، الغربية وغير الغربية. استمرار سياسة كهذه، يعوق تحول إيران إلى «دولة طبيعية»، حيال داخلها، وبالاتصال مع جيرانها.
إلا أنه وبالرغم من ذلك، فالحذر واجب في تصنيف الوضعية الإيرانية، فهذه ليست عدواً كما يذهب الشطط السياسي بالبعض، وإن كانت جاراً مزعجاً بتدخلاته وبسياساته.
ماذا يمكن لـ»العرب» حيال هذه اللحظة؟ ليس أقل من أن يكون الجوار العربي لإيران، والعمق العربي أيضاً، طبيعياً هو الآخر، إذ أن الوضعية العربية ليست «عادية» الآن، وهي تحصد سنوات تخليها عن سعيها لأن تكون رقماً بين أرقام المعادلة، وهذا من الزمن الذي لا يمكن تداركه بغضبٍ عاجل، أو بدعوة مواجهة سياسية عجولة.
حتى إشعار آخر، ستظل إيران أسيرة فائض «تفوقها» على جوارها، وستظل مشدودة إلى خطابها التعبوي محلياً، وإلى الاحتفاظ بعناصر تدخلها خارجياً. ستستمر في ذلك ولو غيَّرت شكل أدائها…
هذا عن الشأن الإيراني، فماذا عن شجون الشؤون العربية؟.
* كاتب لبناني
بعد الاتفاق ايران مشاكسة أم مندمجة؟/ راجح الخوري
كانت ايران في حاجة ملحّة الى الاتفاق مع الدول الغربية، بعدما وصلت ازمتها الاقتصادية الى مرحلة حرجة جداً، وآخرها افلاس شركة الغاز الايرانية وقيام سلسلة من التظاهرات في اصفهان، وكانت الادارة الاميركية في حاجة الى الاتفاق الذي تسوقه على انه انتصار لديبلوماسية باراك اوباما ابعدت شبح الحرب وستمهّد لترتيب الاوضاع في “الشرق الاوسط الكبير”، اما “الشريك الروسي” فهو رابح في ايران التي ساعدها في بناء نووياتها ورابح أيضا في تراجع اميركا في المنطقة كلها، ولا يمكن تجاهل الربح الاسرائيلي من الاتفاق رغم صراخ الاعتراض الكاذب من بنيامين نتنياهو الذي ربح الكيميائي السوري والنووي الايراني!
عملياً نحن امام اتفاق يمثّل “بداية طريق” صعبة ومعقدة مدتها الزمنية لن تتجاوز الاشهر الستة، والدليل على ذلك التناقض الفوري في التصريحات الاميركية والايرانية حول التخصيب. ففي حين يقول الايرانيون ان الاتفاق يسمح لهم بالتخصيب، بنسبة ٥٪ يقول جون كيري ان هذه النسبة ستكون صفراً بعد ستة اشهر. ومن الواضح هنا ان كيري يتلاعب بالكلمات، فالصفر لا تعني صفراً في الواقع بل تعني عودة الى القبول الدولي السابق المعروض على ايران بأن تبقي النسبة تحت ٥٪ والذي طالما رفضته، وفي النتيجة واضح ان ايران انتزعت الاعتراف بحق التخصيب في هذه الحدود!
ومن الضروري طرح السؤال: لماذا رفضت ايران قبل خمسة اعوام ما وافقت عليه الآن، ولماذا تكبدت كل هذه الاضرار والخسائر نتيجة العقوبات التي فرضت عليها؟ ثم ان السؤال الأهم هو: هل ستلتزم ايران البقاء في حدود الـ٥٪، وهل ستنفذ الشروط العشرة الصعبة المطلوبة منها في المرحلة الانتقالية ومنها وقف العمل في منشأتي “اراك” و”ناتانز” واخضاعهما للتفتيش، وهل ستعمد الى ابطاء العمل في منشأة “فردو” وهل ستبدأ خفض الاورانيوم المخصب بنسبة ٢٠٪ الى نسبة ٣.٥٪ المتفق عليها وكل ذلك في مقابل سبعة مليارات دولار؟
كان من اللافت استعجال البيت الابيض الايعاز بعد اقل من خمس ساعات على الاتفاق للافراج عن اربعة مليارات من الودائع الايرانية الموقوفة، وفي حين جاء تصريح محمد جواد ظريف دليلاً على الاستمهال، عندما قال امس ان تطبيق الاتفاق سيبدأ “في غضون اسابيع” والاشهر الستة هي اسابيع عملياً، اعلن علي اكبر صالحي “ان التخصيب حق لايران سواء بنسبة ٥ او ١٠٠٪”!
على الصعيد الاقليمي تزداد المرارة عند حلفاء اميركا عندما يتبين ان الاتصالات بين واشنطن وطهران بدأت سراً منذ آذار الماضي، واذا صح خبر” وورلد تريبيون” عن تبادل رسائل بين اميركا و”حزب الله”، فهذا يعني اننا نتجه فعلاً الى خريطة سياسية جديدة للاقليم، لا تجعل منه بالضرورة مشاعاً لايران بل قد تجعل ايران اكثر اندماجاً فيه!
النهار
عزيزتي إيران، عزيزتي الولايات المتحدة… أهلاً بكما من جديد في عالم الديبلوماسية!/ اوكتافيا نصر
أحياناً لا يُقاس النجاح بالضرورة بوجود “رابحين” و”خاسرين”. هذا ما يحدث الآن بالضبط، والفرصة التي نشهدها نادرة جداً، ولذلك ينبغي ألاّ تهدر بتبادل الاتهامات أو محاولة تسجيل نقاط.
لدى إيران قيادة جديدة تتحدّث بلغة يستطيع الجميع فهمها، ولدى الولايات المتحدة قيادة تنشر رسالة إلى العالم مختلفة جداً عن السياق المثير للانقسام والعداء الذي أحدثته العبارة الشهيرة “إما معنا وإما ضدنا”.
توصّلت إيران والغرب إلى اتفاق ينص على وقف إيران عمليات التخصيب النووي وحتى العودة عن جزء منها، وتطبيق أجندة نووية سلمية أكثر شفافية وقابلية للتدقيق إلى حد كبير، بالمقارنة مع ما كانت تتبجّح به القيادة الإيرانية السابقة والتهديدات التي كانت تطلقها. في المقابل، لن يفرض الغرب عقوبات جديدة أشد صرامة على إيران، وسوف يعمد إلى تخفيف بعض العقوبات الاقتصادية الحالية، بما يُتيح فرصة نادرة لإحياء العلاقات مع إيران المجمَّدة منذ عقود.
أودّ، من جهتي، أن أحتفي بهذا الإنجاز التاريخي على رغم كل التعليقات الصادرة عن أطراف عدّة والتي تعبّر عن الصدمة، وهول المفاجأة، واللوم، والتهديدات.
من يطلقون الانتقادات بأعلى صوت خاب ظنّهم إما لأن أحداً لم يسألهم عن رأيهم في الأصل، وإما لأن آراءهم كانت موضع تجاهل أو لم تؤخَذ في الاعتبار خلال العمل على إبرام الاتفاق في جو من الحذر، لا بل السرّية المطلقة والمستحقّة.
طوال سنوات، حاول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عبثاً، تغيير موقف الرئيس أوباما من التعامل مع إيران. جرّب التهديد، والإقناع المنطقي، واستخدم ورقة التهويل والتخويف إنما من دون جدوى (هل تذكرون العرض الطفولي الذي قدّمه أمام الأمم المتحدة مستخدماً صورة قنبلة موقوتة؟) نتنياهو، وليس إسرائيل كلها، مصمّم على قصف إيران لمنعها من تحقيق طموحاتها النووية. وقد أراد من الولايات المتحدة أن تؤازر جهوده، لكن أوباما لم يؤيّد يوماً خططه الدموية.
في حين تتردّد أصداء الكلام الذي وصف فيه نتنياهو الاتفاق مع إيران بـ”الخطأ التاريخي” في مختلف أنحاء إسرائيل والعالم، انضمّت الأسواق المالية الإسرائيلية إلى الأسواق العالمية التي تنفّست الصعداء وبدت عليها أجواء الارتياح والترحيب بالاتفاق، مع التراجع الكبير لأسعار النفط.
أدركت إيران والملالي، في عهد حسن روحاني، أهمية التوصل إلى اتفاق قبل انتهاء ولاية أوباما. هذه هي النقطة التي يجب التركيز عليها. إذا نجح هذا الاتفاق، جل ما ستحتاج إليه إسرائيل هو تغيير القيادة واستبدال نتنياهو المتعنّت والمتشدّد بشخصية ديبلوماسية بكل معنى الكلمة تدرك الوقائع على الأرض وتتحلّى بالمهارات اللازمة لإيجاد الحلول من طريق الديبلوماسية بدل السعي الى مزيد من التصعيد من خلال الخوف والترهيب.
هذه اللحظة التاريخية تضع القيادة والرؤية والالتزام للمستقبل على محك الاختبار في مختلف أنحاء الشرق الأوسط. ظهر بصيص أمل جديد في قلب الاضطرابات الشديدة. يجب أن يبدأ الآن العمل الدؤوب كي يبصر هذا الأمل النور وينمو أكثر فأكثر.
الاتفاق مع إيران يُطلق حلّ الأزمة السورية ويُنهي وجود محور “المقاومة والممانعة”؟/ اميل خوري
يمكن القول إن اسرائيل بعد اتفاق الدول الست على الملف النووي مع ايران ربحت أمنياً لكنها خسرت شيئاً من دورها السياسي في المنطقة. وقد يكون هذا ما أثار غضبها رغم أن الاتفاق يكمل فرحها إذ يمنع ايران من انتاج السلاح النووي بعد إزالة السلاح الكيميائي السوري، ما يجعل الاتفاقات التي ينتظر أن تعقد لاحقاً لتحقيق السلام الشامل في المنطقة تنهي وجود ما يسمى “محور المقاومة والممانعة”.
الواقع انه، منذ قيام دولة اسرائيل، وأمن حدودها هو الهاجس إذ كانت تطرح في المفاوضات مع الفلسطينيين والعرب معادلة “الأرض مقابل الأمن” رداً على معادلة “الارض مقابل السلام” كي تظل محتفظة بالاراضي التي تشكل حماية لحدودها. وذهب زعماء عرب إلى حد القبول بانسحاب اسرائيل إلى الحدود التي تراها آمنة لها. ولأن الأمن كان ولا يزال هاجس اسرائيل فإنها اشترطت للموافقة على إقامة دولة فلسطينية أن تكون منزوعة السلاح ومنع أي دولة عربية وغير عربية في المنطقة من التسلح بأسلحة متطورة تفوق قدرة أسلحة اسرائيل.
لذا سُمح لها من دون سواها بامتلاك السلاح النووي تطميناً لها ولم يسمح بذلك لأي دولة عربية أو إقليمية معادية لها. حتى إن شاه ايران، رغم انه كان صديقاً بل حليفاً للولايات المتحدة الاميركية، عندما صار يمتلك جيشاً قوياً يشكل تهديداً لأمن اسرائيل أطيح حكمه، وعندما أقام الرئيس العراقي صدام حسين دولة قوية بجيش قوي وأشيع أنه يمتلك سلاح الدمار الشامل الذي يهدد أمن اسرائيل، لم تتوانَ الولايات المتحدة الأميركية مع دول أوروبية عن توجيه ضربة عسكريّة إلى العراق أطاحت حكمه، ولم يتم التوصل حتى الآن إلى إقامة حكم مستقر فيه بل فوضى عارمة ودمار شامل وأعمال عنف مذهبية متبادلة لا تتوقف. وكانت اسرائيل، تطميناً لها ، قد أخرجت مصر من حرب معها بعقد اتفاق كمب ديفيد، وأخرجت بعدها الاردن بعقد اتفاق “وادي عربة”، وحاولت اسرائيل أن تجعل من لبنان الدولة العربية الأخرى التي تعقد معها اتفاق سلام لتضع حداً للعمليات الفدائية الفلسطينية التي تنطلق من جنوبه، مستفيدة من دخولها العاصمة بيروت، ولكن فات اسرائيل أن التركيبة اللبنانية الدقيقة سياسياً ومذهبياً لا تسمح لأي حكم فيه بعقد مثل هذا الاتفاق إذا لم يكن يحظى بموافقة القوى السياسية الأساسية في البلاد. بين أن اسرائيل نجحت في عقد اتفاق فك اشتباك بينها وبين سوريا في هضبة الجولان ما جعل الحدود هادئة وآمنة بين البلدين سنوات طويلة ولا تزال حتى الآن.
وعندما خضع لبنان للوصاية السورية من أجل وقف الاقتتال فيه، تم إخراج المسلحين الفلسطينيين منه إلى تونس وتوقفت العمليات الفدائية التي كان يقوم بها هؤلاء انطلاقاً من جنوبه، وصارت الهدنة المعقودة في الماضي بين لبنان واسرائيل هي التي تحفظ أمن الحدود بين البلدين مع وجود قوات دولية. وعندما زالت الوصاية السورية على لبنان وقامت حرب تموز عام 2006 بين “حزب الله” واسرائيل، صدر عن مجلس الامن الدولي القرار 1701 الذي حقق لاسرائيل حدوداً هادئة مع لبنان بفضل انتشار قوات دولية وجيش لبناني على طول هذه الحدود. وقد التزم “حزب الله” ما نص عليه هذا القرار فتوقفت العمليات العسكرية في المنطقة على رغم أن اسرائيل لم تنفذ المطلوب منها بموجب القرار ذاته وهو الانسحاب من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا ومن جزء من قرية الغجر بذريعة وجود نزاع على ملكية هذه المزارع بين لبنان وسوريا وامتناع الأخيرة عن الاعتراف رسمياً وخطياً بملكية لبنان لها.
وهكذا نعمت اسرائيل بالأمن والهدوء على طول حدودها مع مصر والاردن وسوريا ولبنان ولم يعد لديها هاجس على أمنها إلاّ من ايران في حال امتلكت السلاح النووي، ومن “حزب الله” في لبنان الذي يتحرك ضدها بأمر إيراني. وقد أدى الاتفاق الأميركي – الروسي على إزالة السلاح الكيميائي من سوريا الى تفادي توجيه ضربة عسكرية اميركية للنظام السوري، ثم الاتفاق الأخير مع ايران الذي يمنعها من انتاج سلاح نووي يهدد أمنها وربما وجودها كما تقول اسرائيل.
والسؤال المطروح هو: هل تستطيع اسرائيل أن تحقق أمنها الدائم والثابت إذا لم يتحقق السلام الشامل والعادل في المنطقة؟
وإذا كان الاتفاق الذي تم التوصل اليه بين ما كان يسمى “محور الشر” و”الشيطان الاميركي الأكبر” مهماً، فالأهم هو التوصل الى تنفيذ كل بنوده خلال الأشهر الستة المحدّدة لتنفيذه ولا يصيبه ما أصاب كثيراً من الاتفاقات التي ظلت من دون تنفيذ كامل.
النهار
جنيف السوري على نار جنيف الإيراني هل من تفاهمات سرية تُكشف تباعاً؟/ روزانا بومنصف
أقر مسؤول اميركي كبير على هامش التوصل الى اتفاق حول الملف النووي بين الدول الغربية وايران باجراء مفاوضات سرية اميركية ايرانية مهدت للاتفاق. ولم يفاجىء ذلك ايا من الدول المعنية والمهتمة ولم يحظ بأي تعليق نظرا الى ان هذه المفاوضات، وان كانت بعيدة عن الاعلام، فان غالبية الدول المؤثرة والمعنية كانت على علم بها. اذ حين زار السلطان قابوس طهران في 25 آب الماضي في زيارة أثارت تساؤلات من حيث توقيتها ومضمونها كونها الثانية لسلطان عمان يقوم بها لايران منذ قيام الثورة الاسلامية فانها ربطت بالتوسط بين ايران التي كان انتخب فيها الرئيس حسن روحاني واميركا. وكانت هذه الزيارة علنية وواضحة ومندرجة في اطار واضح لجهة نقل الرسائل بين طهران وواشنطن. وعمان غير البعيدة من دول الخليج العربي لا يمكن ان تتميز بالاضطلاع بدور مماثل من دون وضع هذه الدول في الصورة في الوقت الذي نقل مسؤولون دوليون عن مسؤولين عمانيين كبار على اثر الزيارة المذكورة فتح الخطوط واسعة امام تفاهم اميركي ايراني لا يقتصر على الملف النووي بل يشمل ملفات عدة في المنطقة تتمحور في خطوطها العريضة حول نفوذ ايران في المنطقة. اذ كان لافتا بالنسبة الى المصادر المعنية الاستعانة بوزير الخارجية الاميركي جون كيري للتوجه الى جنيف من اجل تذليل العقبات التي كانت تعترض صياغة الاتفاق النهائي بين الدول الكبرى وايران على نحو لا يستبعد الاتفاق مسبقا بين الجانبين الاميركي والايراني على اهم البنود ومضمونها. وكان نقل عن هؤلاء المسؤولين العمانيين حصول لقاءات اميركية ايرانية عدة تناول البحث فيه جملة هذه الملفات المتعلقة بالمنطقة ولو من دون تحديد تفاصيل ما تم الاتفاق عليه او ما اذا كان الثمن الفعلي للاتفاق النووي هو الاعتراف بنفوذ ايران حيث امتداداتها في دول المنطقة. وسبق لهذه الزاوية في “النهار ” تحديدا ان كشفت عن اللقاءات الاميركية الايرانية التي كانت تجرى سرا في شهر تشرين الاول الماضي قبل شهر تماما من كشفها على لسان مسؤول اميركي في جنيف وقد كشفت مصادر ديبلوماسية انذاك معلومات عن اقرار واشنطن لايران بنفوذها في المنطقة. ولذلك يثار وفق مصادر سياسية وفي ضوء الكشف من الجانب الاميركي عن اللقاءات السرية الاميركية السؤال بما اذا كان ينبغي الوثوق بما قيل بان هذه اللقاءات اقتصرت على الملف النووي من دون الملفات الاخرى من الجانبين الاميركي والايراني على حد سواء ام العكس. اذ كما اخفيت هذه اللقاءات اعلاميا فمن المرجح ان يكشف تباعا عن التفاهمات الاخرى، وما هي الاثمان والمكاسب، نظرا الى ان المسائل تحتاج الى اخراج ومعالجة الكثير من الاشكالات المحيطة بها علما ان الاعتراضات التي ابدتها دول في المنطقة على التفاهم الاميركي الايراني منذ انطلاقه علنا في اوائل تشرين الاول الماضي اطلق محاولات طمأنة اميركية تمحورت على ما يتخطى الملف النووي الى تهدئة المخاوف من اطلاق اميركا يد ايران في المنطقة في مقابل التنازلات التي ستقدمها.
لذلك كان لافتا وموحيا في ضوء ذلك ان تنطلق على نار جنيف الايراني المحادثات التي سمحت بالاتفاق على موعد جنيف 2 السوري الذي اعلن بعد يوم واحد على الاتفاق الايراني الغربي علما ان التمهيد لهذا الاعلان تم ايضا على هامش المحادثات النهائية ووضع اللمسات الاخيرة على الاتفاق حول النووي الايراني حيث كانت ايران شريكة في هذه المحادثات الدولية التي شاركت فيها الامم المتحدة. وتعتقد المصادر المعنية ان البوادر الاولى للتفاهم الايراني الاميركي الى ما هو ابعد من النووي الايراني ستظهر ضرورة في الموضوع السوري سواء تم الاتفاق على اخراج يسمح بحضور ايران ومشاركتها في المؤتمر او من دونه ربما مراعاة لبعض الشكليات والاشكالات التي تثار حول دورها في سوريا. فبعض الدول التي شاركت في جنيف كما دول اخرى اوروبية عبرت عن املها ان ترى جنيف السوري يبنى على جنيف الايراني مع ازالة عائق الجلوس مع ايران على طاولة واحدة وازالة الحواجز معها والاستعداد لقبولها عنصرا بناء في السلم الدولي بدلا من خربطته. وبحسب هذه المصادر، فان المهلة الفاصلة عن موعد جنيف 2 حول الازمة السورية والذي اعلن عن انعقاده في 22 كانون الثاني المقبل ستكون كافية لاحتمال تأهيل ايران لتكون على طاولة جنيف 2 ان باعترافها بمضمون جنيف واحد الذي حددت الامم المتحدة موعده وموضوعه بالاتفاق على حكومة انتقالية متفق عليها بين الجانبين او بتوجه ايراني مختلف في اتجاه الدول العربية.
النهار
اتفاق جنيف والامتحان الصعب!/ الياس الديري
اتفاق جنيف إنجاز مهم، قد يؤدّي إلى فتح صفحة جديدة في العلاقات الإيرانية – العربية، إذا التزمت طهران النصوص وما تعهَّدت به.
وخصوصاً بعد السفور عن الدور الفعّال والواسع النطاق الذي أُفْرِدَ للروسيا العائدة بطنّة ورنّة الى المنطقة العربية والمياه الدافئة التي طال شوقها إليها.
إلا أن الأهم يكمن في النيّات الإيرانيّة. وما إذا كانت ناوية حقاً على الخير، وعلى مغادرة “مصانع” الاضطرابات والأزمات والأحداث الخطيرة في المشرق العربي، والخليج العربي، والعالم العربي بكل دوله… وبالتزامن مع مغادرتها مصانع الأحلام النوويّة التي أدخلتها في اشتباكات سياسيّة، وخصومات حادة، ومقاطعات شملت ثلاثة أربع الكرة الأرضيّة.
لا شك في أن إيران سعت إلى لعب دور “الدولة العظمى” في المنطقة. وحاولت أن تتمدّد سياسياً. وقد وُجدت بصماتها في الكثير الكثير من الأحداث الكبرى حتى في أفريقيا، وفي الأميركتين أيضاً.
وهي ذاتها بيت القصيد في ساحات الاضطرابات، وتفاقم الخلافات، والمواجهات من العراق إلى سوريا، فلبنان طبعاً، مروراً بمصر وتونس وليبيا، في شكل أو آخر.
من الطبيعي، إذاً، أن يكون التحفّظ، والانتظار، والصمت هنا وهناك، ريثما يظهر الخيط الأبيض من الخيط الأسود، والأبعاد السياسيّة، وما يحصل في سوريا، والى أين يأخذون لبنان.
وفي هذين البلدين يكمن الامتحان الصعب للإتفاق “التاريخي”، مثلما تتكدّس أحداثٌ وأمور تأزيميّة ومصيرية معقّدة للغاية، ومطلوبٌ من إيران بالذات حلّها، لا من الروسيا العظمى التي يهندس خطواتها القيصر الجديد فلاديمير بوتين، ولا من أميركا التي انكفأت الى الداخل… من غير أن تلملم أطراف فشلها المنتشر في الشرق والغرب معاً.
فهل يشمل اتفاق جنيف هذه الأمور الملحّة، وهذه اللائحة الأساسيّة من الأزمات الكبرى والمتصلة بحياة شعوب ومصائر دول لا حاجة الى تكرار أسمائها، أم أن وضع المنطقة شيء والبرنامج النووي شيء آخر؟
و”القضيّة” الفلسطينية، الأم الشرعيّة لكل هذه الحروب والأحداث والأعاصير السياسية، هل تطرق إليها المجتمعون أم سيتطرق إليها الكلام في المرحلة اللاحقة؟
فإذا أٌبقيت هذه “القضية” في عناية الإهمال، فإن كل الاتفاقات والتفاهمات معرّضة لعواصف لم تعد نماذجها غريبة على أحد.
أما بالنسبة الى لبنان، فليس أسهل من كشف الغطاء عن طبخة جنيف، وفي مادتين: تأليف حكومة جديدة، وانتخاب رئيس للجمهورية يخلف الرئيس ميشال سليمان.
قد تفتقر التسوية الشاملة الى “مؤتمر مكمّل” يضمّ المملكة العربيّة السعودية والعراق ولبنان ودول الخليج. وباكتمال الأفراح..
النهار
ملاحظات أولية على الصفقة النووية/ ماجد كيالي
حسناً، لنقل أن هذا زمن المساومات والتسويات، وهذا أفضل بكثير لشعب إيران، ولكل شعوب هذه المنطقة، التي ظلّت تفيض بالشعارات، وبالحروب، ولنأمل أن هذا الاتفاق، الذي فوّت على إسرائيل فرصة إشعال حرب جديدة، سينعكس ايجاباً على مختلف الملفات الساخنة في منطقة الشرق الأوسط.
مع ذلك ثمة أسئلة عديدة تطرح نفسها بعد الصفقة المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني، ومثلاً، هل نحن إزاء إيران جديدة، أو منكفئة، بعد أن أخذها الإعياء، نتيجة العقوبات التي تعرّضت لها، والأعباء الخارجية التي باتت تثقل كاهلها؟ أم إزاء إيران أكثر وثوقاً بذاتها، وبدورها الإقليمي، وأنها تناور لإعادة ترتيب أوراقها وأولوياتها تمهيداً ربما لنقلة استراتيجية أخرى؟
وفي الواقع من المبكّر الحكم على الاتفاق، فهذا ليس مجرد اتفاق تقني، على أهميته، وإنما هو بالأساس اتفاق سياسي، له أبعاد استراتيجية (على نحو ما ذهب جهاد الزين)، وهذه تتعلق بمدى استعداد إيران للتصالح مع ذاتها، أولاً، أي معرفة حدود إمكاناتها وطموحاتها. والتصالح مع الغرب ثانياً، ولاسيما مراجعة خطاباتها باعتبار الولايات المتحدة الأميركية بمثابة “الشيطان الأكبر”.
هكذا، فإن الأنظار ستتّجه في غضون الأشهر المقبلة نحو طهران لاختبار جديّتها في تطبيق هذا الاتفاق، وتبيّن مدى مراجعتها لسياساتها إزاء الدول الغربية، وفوق ذلك للتأكد مما إذا كان هذا التطور، أو الانقلاب، في الموقف الإيراني سينعكس إيجاباً أيضاً على علاقاتها مع محيطها، أي مع الدول العربية، ولاسيما بما يتعلق بتدخلاتها في العراق ولبنان وسوريا.
وبديهي فإن الأكثر إثارة في هذا الموضوع سيتعلق بجانبين، أولهما، تسهيل إيران للتسوية بشأن سوريا، وفق “جنيف1″، من عدم ذلك. وثانيهما، يتعلق بمدى انخراطها أو انسحابها من الصراع ضد إسرائيل، الذي كان يشكل الغطاء لدورها الإقليمي.
طبعا، من المبالغة بمكان اعتبار إيران بعد هذا الاتفاق هي ذاتها قبله، أو اعتبار انها خرجت رابحة من هذه الصفقة، لاسيما مع موافقتها على الالتزام بمعدل منخفض للتخصيب، وفتحها منشآتها النووية للمراقبة الدولية. ولنلاحظ في هذا وذاك، أن إيران تبدو مثلها مثل النظم السائدة عندنا، فهي مستعدة للمساومة مع الخارج، ولو كان “الشيطان الأكبر”، والتنازل عن بعض سيادتها أمام جبروته، لكنها غير مستعدة للتنازل أمام مطالب قطاعات من شعبها، أو لتعزيز علاقات الثقة مع جيرانها.
أكرّر، ليس مهما الجدال بشأن ماذا ربحت ايران أو ماذا خسرت، المهم أنها في هذه التسوية جنّبت شعبها مزيداً من العقوبات، ومزيداً من ضياع الفرص، وربما الأهم أنها جنّبته ويلات حرب كانت إسرائيل تطلبها بشدة.
كاتب فلسطيني
ما بعد اتفاق «الشيطان الأكبر» مع الولي الفقيه/ فهمي هويدي
تصالح «الشيطان الأكبر» مع الولي الفقيه يعد أحدث انقلاب في الشرق الأوسط، حيث إنه يفرض علينا توازنات جديدة وخريطة سياسية جديدة، لا دور للعرب فيها ونرجو ألا يدفعوا ثمناً لها.
(1)
أتحدث عن الاتفاق الذي وقعه في جنيف ممثلو الدول الخمس الكبرى والاتحاد الأوروبي مع إيران في أعقاب التصالح الذي تم سراً بين واشنطن وطهران بعد مضى 34 سنة على القطيعة والخصام بين الطرفين. ذلك أننا لم نعرف إلا هذا الأسبوع فقط أن التواصل بين الخصمين مستمر منذ ثمانية أشهر تقريباً. وأنه أحيط بستار كثيف من السرية حُجب عن أقرب الأقربين، كما أنه خضع للتمويه وعمليات الخداع، التي جعلت الاجتماعات تعقد في سلطنة عمان، وفى بعضها كانت الوفود تدخل من الأبواب الخلفية للفنادق، وتستخدم المصاعد المخصصة لخدمات الغرف، كي لا تلفت أنظار الصحافيين والنزلاء.
«وكالة أسوشيتدبرس» للأنباء بثت يوم السبت الماضي 23 تشرين الثاني تقريراً مستفيضاً روت فيه قصة الاتصالات بين الولايات المتحدة وإيران، ذكرت فيه أنها بدأت في شهر آذار من العام الحالي، أثناء وجود الرئيس أحمدي نجاد في السلطة وقبل انتخاب الرئيس حسن روحاني في شهر آب.
وقد لعب السلطان قابوس دور الوسيط بين الطرفين. ذكر التقرير أيضا أن المباحثات التي بدأت في شهر آذار نشطت بعد انتخاب الرئيس حسن روحاني في شهر آب. وهو ما مهد الطرفين للاتصال الهاتفي المباشر الذي تم بين الرئيسين الأميركي والإيراني في أواخر شهر أيلول، حين كان روحاني يرأس وفد بلاده لدى اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة.
اخفت الإدارة الأميركية نبأ الاتصالات عن حلفائها. وكان أول الحلفاء الذين احيطوا علماً بالأمر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي اجتمع بالرئيس الأميركي في 30 أيلول الماضي. وهو ما أثار غضبه ودفعه إلى مهاجمة إيران بشدة في كلمته أمام الجمعية العامة في اليوم التالي ووصف روحاني بأنه «ذئب في ثياب حمل»، وقال إن الاتفاق مع طهران بشأن البرنامج النووي يمكن أن يعد صفقة القرن بالنسبة للإيرانيين.
أصداء الاتفاق في إسرائيل كانت الأشد حدة والأكثر صخباً. فقد وصفه نتنياهو في بداية الجلسة الأسبوعية لحكومته صباح يوم الأحد (24/11) بأنه «خطأ تاريخي أصبح العالم في ظله أشد خطراً». وحذر من أن يؤدي رفع العقوبات الجزئي عن إيران إلى تشجيعها على استئناف عمليات تخصيب اليورانيوم في الوقت الذي تراه مناسباً. في الوقت ذاته، كشف وزير الشؤون الاستخبارية يوفال شتاينتس النقاب عن أن إسرائيل نجحت في تعديل مسودة الاتفاق بين الدول الكبرى وإيران قبل ساعات من إنجازه. من ناحيته قال وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان إنه يتوجب على إسرائيل أن تبحث عن حلفاء جدد بناء على مصالح مشتركة، تقوم على «مبدأ خذ وهات». وأشار في هذا الصدد إلى أهمية التعامل مع الدول الغنية في العالم الإسلامي المعنية بالاستفادة من الخبرة الإسرائيلية في مجال التقنيات المتقدمة والزراعة.
أثار الانتباه في هذا الصدد كلام شتاينتس للإذاعة العبرية يوم الأحد الذي قال فيه إن هناك التقاء مصالح واضحاً بين إسرائيل ودول الخليج الراغبة في منع إيران من امتلاك السلاح النووي. وتحدث عن أهمية البحث عن وسائل للتنسيق مع تلك الدول من أجل بناء تحالف واسع لمواجهة الخطر الإيراني.
(2)
منذ قامت الثورة الإسلامية في العام 1979 واعتمدت طهران شعار «الموت لأميركا» ــ (مرك بر أميركا) جرت هندسة منطقة الشرق الأوسط بحيث وقفت غالبية دوله في صف مخاصمة إيران، وكانت مصر والسعودية في مقدمة تلك الدول. وكثفت الولايات المتحدة من وجودها العسكري في منطقة الخليج التي سارعت دولها إلى الاحتماء بالغطاء الأميركي، وانفتح ملف الجزر الثلاث التي اتهمت دولة الإمارات إيران بالاستيلاء عليها. وفى الوقت ذاته ارتفعت بعض الأصوات محذرة من الأطماع الفارسية تارة ومن المد أو «الهلال الشيعي» تارة أخرى. وظلت إيران التي تحدَّت الجميع شوكة في حلق المنظومة الغربية وإسرائيل بوجه أخص. وخلال تلك السنوات التي ناهزت الثلاثين تمت شيطنة إيران في الخطاب السياسي والإعلامي العربي، بحيث اعتبرت خطراً على العالم العربي معادلا للخطر الإسرائيلي. بالتوازي مع ذلك فإن واشنطن اعتبرت إيران من الدول الراعية للإرهاب، وقد ذكر موقع الخارجية الأميركية أنه في يوم توقيع الاتفاق كانت إيران قد أمضت عشرة آلاف و902 يوم (29 سنة وعشرة أشهر وخمسة أيام) وهى مدرجة ضمن تلك القائمة السوداء.
(4)
هذا المعمار كله بصدد التغير، خصوصاً إذا ما تم توقيع الاتفاق النهائي بعد سنة. وهو ما تحاول أطراف عدة عرقلته، وأعني الأطراف الأميركية المتعاطفة مع إسرائيل (الجمهوريين وبعض مراكز الأبحاث) ومعها ضغوط خليجية تمارس في ذات الاتجاه. برغم أن ثمة مصالح اقتصادية كبيرة في الولايات المتحدة حبذت الاتفاق، واعتبرته باباً يمكنها من الدخول إلى إيران للاستثمار فيها بعد طول غياب. وإذا جاز لنا أن نرصد معالم الصورة في أعقاب توقيع الاتفاق، فبوسعنا أن نوجز أهم معالمه في ما يلي:
÷ بدا من ملابسات الاتفاق أن محوراً جديداً تحت التشكل في المنطقة قوامه التحالف الإيراني ـ الروسي الذي برز دوره في الصفقة الأخيرة، وكانت له بوادره في وقف الحملة العسكرية ضد سوريا.
÷ أصبحت الولايات المتحدة تعتمد في ضمان استقرار المنطقة على إيران وتركيا، وبعدما خرجت مصر من دائرة التأثير في العالم العربي منذ عصر مبارك وأدى عدم الاستقرار الذي تشهده حالياً إلى سحب رصيد أهميتها في المنطقة. فإيران موجودة على الأرض في سوريا والعراق ولبنان، وبدرجة أو أخرى في شمال اليمن حيث الحديث متواتر عن دعمها للحوثيين. وتركيا لها دورها في سوريا والعراق وفي منطقة القوقاز في وسط آسيا، فضلا عن حضورها الاقتصادي المهم في العديد من الأقطار العربية.
÷ إسرائيل ستكون مستفيدة أيضاً، لأن الكيميائي السوري والنووي الإيراني ظلا مصدرين لقلقها طوال السنوات الماضية. وقد تم تفكيك وإغلاق ملف الملف السوري بالاتفاق الأخير بين موسكو وواشنطن. وها هو اتفاق جنيف يطمئنها نسبياً لأنه يضع قيوداً على النووي الإيراني، برغم أنها كانت ولا تزال تطمح إلى إيقافه وتفكيكه تماماً كما حدث مع الكيميائي السوري.
÷ أسهم إيران في المنطقة العربية، خصوصاً في الخليج سوف ترتفع. وسوف ينعكس ذلك على سوريا والعراق ولبنان. وسيكون الخليج في موقف أضعف نسبياً في مواجهة طهران، خصوصاً أن بعض دوله دأبت على الاستقواء بالولايات المتحدة في مواجهتها. ينسحب ذلك على السياسة السعودية التي سبق أن خسرت رهانها على الدور الأميركي في قصف سوريا، وعلى تعزيز اصطفاف مجتمعات أهل السنة في مواجهة إيران.
÷ لا تزال هناك أسئلة مثارة حول مصير الحرب الطائفية بين السنة والشيعة في العالم العربي، وموقف إيران من دعم المقاومة الإسلامية في فلسطين ولبنان، ومستقبل العلاقات الراهنة بين القاهرة وطهران.
خلاصة الخلاصة أنه في معادلة موازين القوى الجديدة في العالم العربي فإن إيران تصدرت قائمة الفائزين، لكن العرب لم يرد لهم ذكر.
ما بعد الاتفاق النووي: انطلاقات إيران وطلقات سوريا/ دريد درغام
برغم العقوبات الدولية في السنوات الأخيرة، تمكنت إيران في السنوات الأخيرة من رفع ناتجها المحلي الإجمالي ليصل إلى حوالي 600 مليار دولار (مقارنة مع 400 مليار دولار العام 2010، و100 مليار دولار قبل 10 سنوات). وهذا البلد الذي يقارب عدد سكانه 75 مليوناً تمكنت فيه الحكومة من تخفيض نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي إلى حوالي 10 في المئة بالمقارنة مع 25 في المئة عام 2004.
لقد استطاعت إيران رغم انخفاض قيمة عملتها في السنوات الأخيرة تحقيق منجزات مميزة على مختلف الصعد. ورغم احتلالها مراتب متقدمة بين الدول من حيث احتياطي النفط والغاز، لم تعتمد كثيراً على مبيعات الثروات الباطنية الخام كما في العديد من دول الشرق الأوسط. ورغم العقوبات تمكنت من تغيير تركيبة مساهمة القطاعات في الناتج المحلي الإجمالي حيث انخفضت حصة الخدمات من أكثر من 50 في المئة عام 1990 إلى حوالي 40 في المئة مؤخراً وزادت حصة الصناعة لذات الفترة من 28 في المئة إلى 45 في المئة. ونظراً لاستهلاكها الكبير في مختلف أنواع الوقود (يستهلك المواطن الإيراني أضعاف معدلات استهلاك الطاقة لدى المواطن في الغرب)، اهتمت الحكومة الإيرانية بإنتاج الكهرباء بالطاقة النووية لتوفير التكاليف الضخمة المخصصة لدعم الوقود والغاز والكهرباء (عشرات مليارات الدولارات سنوياً) وتصدير فوائض إضافية من الوقود والكهرباء.
تستطيع إيران حالياً إنتاج حوالي 70 ألف ميغا واط من الكهرباء (في المرتبة 14 عالمياً والأولى شرق أوسطياً). وقد صدّرت عام 2012 حوالي مليار دولار من الكهرباء إلى دول منها العراق وأفغانستان وتركيا وباكستان. ويتم حالياً مد كابلات تحت البحر للتصدير إلى الإمارات العربية المتحدة، كما يتحضر التشبيك مع روسيا. وتحضر إيران ذاتها لبناء عقدة من شبكات الكهرباء باتجاه أوروبا ودول الجوار المباشرة (باكستان وأفغانستان وتركمانستان وأذربيجان وأرمينيا وتركيا والعراق)، وغير المباشرة عبر البحار القريبة مثل قزوين والخليج (روسيا وكازاخستان ودول الخليج..).
ضمنت إيران بالاتفاق الأخير مع الغرب حقها بالتخصيب وإنتاج الكهرباء بالطاقة النووية، وبذلك تكون قد حققت العديد من المكاسب بما فيها تخفيض تكاليف دعم الطاقة وتحقيق المزيد من الصادرات وزيادة القيمة المضافة للصناعة في الناتج المحلي الإجمالي، وتحقيق قفزة اقتصادية غير مسبوقة عبر رفع تدريجي للعقوبات عن اقتصادها وأرصدتها المجمدة (بعضها يعود لأيام الثورة الإيرانية) تمهيداً لتحقيق قفزات تنموية غير مسبوقة لشعب أتقن لعبة الانتظار مع التفاني في العمل والإيمان بروح الجماعة وتراكم المعارف.
إذا كان لدى إيران أوراق اقتصادية وسياسية كثيرة وعلمت كيف يتم التفاوض عليها، ما الذي سيحققه الاتفاق لباقي دول المنطقة بما فيها سوريا؟
نعتقد بأن دول الخليج عموماً، وحسب ظروف كل منها ستتعاون مع إيران عاجلا أو آجلا، وستكتشف أن مكاسبها، بالتوقف عن تحريض البعيد القوي على إضعاف الجار القوي. أما بالنسبة لسوريا فنعتقد أن دول المنطقة المعنية بأطراف الأزمة لن تتخلى عما تفترض أنها ثوابتها، لا بل قد نشهد بعد اتفاق إيران مع الغرب و«حرد» الخليج منه، مزيداً من تصفية الحسابات في الميدان السوري.
وإذا كانت براغماتية الإيرانيين معروفة في المفاوضات التي لا يتخلون فيها بسهولة عن أوراق يملكونها، نأمل أن يكون لدى سوريا أوراق كافية تضمن لها في جميع الميادين عدم إيجاد تسويات قد تستنزفها بشكل مباشر أو غير مباشر. وقد نضطر للانتظار ردحاً من الزمن قبل استعادة سوريا قدرتها السابقة على تصدير سلع صناعية كثيرة بما فيها الادوية والكهرباء والنسيج وغيرها. وإذا كانت الأزمة السورية قديمة لجهة غياب الرؤية الاقتصادية، وتقلص الطبقة المتوسطة، فإنها تفاقمت كثيراً في السنوات الأخيرة عبر تدمير البنية التحتية وسياسة تأجيل الحلول الجذرية. وإذا كانت الصراعات العسكرية الميدانية لا تسمح بحوار العقل، فإن معاناة وتهجير الملايين ستحرف تفكير معظم السوريين عن الهواجس التنموية الحقيقية (تمييز الأولويات بين الثوابت). وأمام مشكلة ندرة موارد الطبيعة وكثرة الرغبات والاحتياجات البشرية يفترض برجالات الاقتصاد السياسي والإدارة إيجاد الحلول.
للأسف ما زال معظم مسؤولينا مقتنعين بأن علاج مؤسساتنا المريضة يكون بشراء أحدث البنى والأنظمة والتقنيات والبرامج. لذا سيستمر هدر الموارد المادية والبشرية ما دمنا نصر على شراء طيارة لتشغيلها كسيارة، والضرر أكبر إذا لم تكن طرق السير قد حضرت مسبقاً لتسير عليها أو تكون محضرة على عجل ولا تفي بالغرض.
بين انطلاقات إيرانية نحو آفاق أرحب وطلقات سورية على مستقبل غامض، نتساءل عن مفاجآت الزمن القادم ونترقب إعادة إحياء برامج ومقترحات قدمت سابقاً إلى أولي أمورٍ قاموا (كالعادة بعد طقوس الإعلام والرقص المقدس في حفلة التهليل لها) بتحنيطها على الرفوف ليضمنوا لها «دفء» غبار قرون الزمان.
احتمالات الهجوم الاسرائيلي على ايران
صحف عبرية
‘تصريحات رئيس الوزراء والوزراء ضد الاتفاق مع ايران في جنيف يمكنها أن تعتبر كبداية حملة في الرأي العام في اسرائيل وفي العالم، هدفها تأهيل امكانية هجوم اسرائيلي على ايران. يبدو الأمر خياليا؟
من المهم أن نفهم بأن الاتفاق في جنيف وإن كان يصفي من ناحية سياسية امكانية أن تهاجم اسرائيل في الاشهر القريبة القادمة، ولكنه في نفس الوقت يبذر بذور التوتر القادم ويزيد بشكل كبير احتمال الهجوم الاسرائيلي في المستقبل. فمنذ الآن يبدو أن امكانية أن تهاجم اسرائيل ستعود لتطرح على الطاولة في نهاية الشتاء. وفضلا عن ذلك: فاحتمال أن تضطر اسرائيل الى الهجوم ازداد مقارنة بالماضي لأنه بات الآن واضحا بأن الولايات المتحدة لن تقوم نيابة عنا بالعمل ولن تهاجم بنفسها. بعيون اسرائيلية بقيت الآن امكانيتان فقط: إما أن تهاجم اسرائيل أو أن تُسلم بقنبلة نووية ايرانية آجلا أم عاجلا. لاأحد في اسرائيل يؤمن بأن الايرانيين سيتنازلون حقا عن حلم القنبلة.
كي نفهم كامل معنى الاتفاق، من المهم أن نعرف بأن تصريحات رئيس الوزراء والوزراء وإن كانت متزامنة ومنسقة، إلا أنها بالتأكيد تعبر عن احباط حقيقي: كيفما فحصنا الوضع، يبدو أن الاستراتيجية الايرانية ناجحة في هذه المرحلة.
في جهاز الامن في اسرائيل قدروا منذ زمن بعيد بأن هدف الايرانيين هو الابقاء على كل منشآتهم النووية وعلى ‘حقهم الطبيعي’ في تخصيب اليورانيوم، وبالتوازي تغيير اتجاه الخطوة التاريخية والشروع في التخفيف التدريجي للعقوبات عنهم، والتي اشتدت فقط حتى الآن (العقوبات التي اشتدت في المرة الاخيرة في تموز 2012 كانت قاسية على نحو خاص وأدت الى تخفيض بمعدل 80 بالمئة في قيمة العملة الايرانية والى ازمة اقتصادية حادة).
الاحساس في اسرائيل هو أن العقوبات كانت قريبة من تحقيق نتائج حقيقية، ولكن زعماء الغرب انكسروا أمام العناد الايراني وكذا أمام محافل اقتصادية غربية لها مصلحة هائلة في تخفيض أسعار النفط في العالم واستئناف التجارة مع ايران. وتتحدث آخر التقديرات في اسرائيل عن أن تخفيف العقوبات الذي تم أمس سيُدخل الى الصندوق الايراني بين 10 20 مليار دولار وليس فقط 7 مليارات دولار كما يُعرض في الاتفاق.
في كل الاحوال، الاتفاق هو فشل ذريع للتكتيك الاسرائيلي: فقد طلبت اسرائيل اشتراط كل تخفيف للعقوبات بتفكيك اجهزة الطرد المركزي وبتراجع البرنامج النووي الى الوراء. هذا لم يحصل.
وهكذا، اذا لم تحصل معجزة غير متوقعة، ولم يهجر الايرانيون حقا برنامجهم النووي، فان اسرائيل ستبذل جهدا هائلا في الاشهر التالية كي تثبت للعالم بأن الايرانيين يخدعونه ويواصلون السعي نحو القنبلة. في الاتفاق تكمن بذرة التوتر التالي، وذلك ايضا بخلاف احساس النشوة في وسائل الاعلام العالمية، السلام’لم يتحقق بعد وهذا ليس سوى اتفاق مرحلي لستة اشهر، لم تُنشر حتى صيغته الكاملة والدقيقة.
التاريخ سيعود
تعرف اجهزة الاستخبارات في الغرب جيدا ما يفضل زعماؤهم نسيانه. فلايران سجل طويل لسنوات في اطارها لا تطيع ميثاق حظر نشر السلاح النووي. ونماذج عن ذلك كانت مشروع التخصيب في نتناز الذي انكشف للعالم في 2002، ومنشأة التخصيب فوردو التي علمت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بوجودها في ايلول 2009 فقط قبل الانتهاء من انشائها. وذلك خلافا لواجب تبليغ الوكالة ستة اشهر على الأقل قبل الشروع في اقامة منشأة نووية ما. وفضلا عن ذلك، ففي العام 2003، عندما انكشف برنامجها النووي العسكري، تعهدت ايران بتعليق النشاطات المرتبطة بانتاج المواد المشعة تخصيب اليورانيوم وانتاج البلوتونيوم. ولكن في 2004 تراجعت من جانب واحد عن اتفاق التعليق.
وحسب معلومات نُشرت حتى الآن، فان اتفاق جنيف يمنح شرعية لمشروع التخصيب الايراني لليورانيوم، رغم أنه ولد في البداية بالخطيئة. وهو يسمح لها بمواصلة تشغيل منشآت التخصيب في نتناز وفوردو، ولكن في ظل تقييد تخصيب اليورانيوم الى معدل منخفض عن 5 بالمئة. وبالنسبة لمخزون اليورانيوم المخصب بمستوى 20 بالمئة، والذي جمعته ايران حتى الآن، يلزمها الاتفاق باستخدامه لانتاج قضبان وقود لمفاعل البحث في طهران، أو كبديل، تخفيفها الى معدل أقل من 5 بالمئة. كما تعهدت ايران بالامتناع عن اقامة أو تشغيل اجهزة طرد مركزي جديدة، بما فيها الاجهزة من طراز متقدم قامت بتطويره. وفي كل الاحوال، لا يمكن أن نفهم من المعلومات القليلة التي نشرت حاليا ما هي المكانة المستقبلية لمنشأة فوردو التي خصبت حتى الآن اليورانيوم الى 20 بالمئة فقط. فهل ستحول للتخصيب الى معدل منخفض؟.
بقدر ما هو معروف، ليس في الاتفاق التزام ايراني بتعطيل المعامل التي تنتج عناصر اجهزة الطرد المركزي. وبالتالي فان ايران كفيلة بأن تزيد في اثناء نصف السنة القريبة القادمة مخزون اجهزة الطرد المركزي التي بحوزتها وتخزينها استعدادا لامكانية نصبها في المستقبل.
وبالنسبة لمفاعل المياه الثقيلة في أراك، فانه يقترب من إنهائه ولكن تشغيله ما كان متوقع قبل نهاية 2014، على ما يبدو لاسباب فنية. وبالتالي، ليس للتعهد الذي أخذته ايران على عاتقها معنى عملي.
وأخيرا، ليس في اتفاق جنيف أي تعهد بالاعمال التي جرت في ايران في مجال ‘مجموعة السلاح’ تطوير عناصر المفجر النووي، الذي نفته ايران حتى الآن.
كلمة أخيرة: ايران ستواصل الطريق نحو القنبلة، وإن كان بشكل ابطأ. العالم سيصحو بعد عدة اشهر. ربما. المؤكد هو أن المجلس الوزاري الاسرائيلي سيكون مطالبا بأن يبحث في الاسابيع القريبة القادمة في مسألة تسريع الاستعدادات الاسرائيلية للهجوم فيما أن شقا في نافذة الفرص السياسية سيُفتح ربما في نهاية الشهر.
عمير ربابورت ود. رفائيل اوفيك
معاريف 25/11/2013
متى ستعيد واشنطن افتتاح سفارتها في طهران؟/ حسين عبد الحسين
عمد الفريق الأميركي المتابع للمفاوضات النووية مع إيران إلى القول للصحافيين في واشنطن، أثناء الجلسات العديدة المغلقة التي عقدها على مدى الأيام الماضية، إن الرئيس باراك أوباما أشرف شخصياً ووافق على النص النهائي للاتفاقية المؤقتة مع طهران.
طبعاً فات مساعدو الرئيس الأميركي القول إن واشنطن كانت وافقت على نص مغاير تماما في جولة 7 تشرين الثاني الماضية، وإنه لولا الإصرار الفرنسي، لما تراجعت إيران وقبلت باتفاقية تحصر تقريباً كل نشاطها النووي بمنشأة نطنز، وبتعليق شبه كامل للعمل في فوردو، وبوقف بناء مفاعل آراك.
التباين في النصين وقبول واشنطن بهما قد يشي بأن أميركا لا تكترث كثيراً للتفاصيل النووية أبعد من الإيحاء علناً بأن برنامج إيران النووي قد تم تجميده. أما سراً، فإن القنوات المتعددة بين واشنطن وطهران هي الضمانة، وهي التي ساهمت في التوصل الى تسوية، بدلاً من ان يؤدي العداء التاريخي بين البلدين الى عرقلتها.
الثقة المفقودة بين اميركا وايران منذ 34 عاماً، والتي يتحدث عنها أوباما دوماً، يبدو أنها لم تعد مفقودة، فالكثير تغير منذ اندلاع الثورة الايرانية وحتى اليوم: انهار الاتحاد السوفياتي، انتهت الحرب الباردة، وتحول النفط الى سلعة دولية من مصلحة الجميع – مصدرين ومستوردين – تدفقها إلى السوق. هذا التغيير، الذي طال أوجهاً عديدة من السياسة الخارجية الاميركية، لم يشمل علاقتها مع ايران طوال سنوات قبل أن يتبدل أخيراً.
لعل حلفاء اميركا الذين ينتابهم الخوف من ايران الاسلامية هم من ساهموا في ابقاء واشنطن متحفزة ومعادية لطهران. وكلما زادت حدة الخطاب الاميركي تجاه ايران، كلما خاف النظام الايراني من امكانية اقدام واشنطن على قلبه، فيما لم تسعف حربا العراق وافغانستان، وفي وقت لاحق ليبيا، في التخفيف من مخاوف حكام ايران من النوايا الاميركية والغربية ضد بعض الانظمة حول العالم.
لكن باراك أوباما وصل الى الرئاسة بتبنيه افكارأ في السياسة الخارجية هي بمثابة النقيض للافكار التي كانت سائدة حتى العام 2008.
قبل انتخاب أوباما رئيساً بأسابيع قليلة، بدأ السيناتور الجمهوري الذي كان أعلن نيته التقاعد وعدم خوضه اي انتخابات مقبلة جولة لتسويق كتاب مذكراته. ذلك السيناتور، تشاك هايغل، كان صديقاً مقرباً للسيناتور أوباما المرشح الرئاسي، ولا سيّما أثناء خدمة الاثنين في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ. هايغل، وهو مقاتل سابق في فيتنام، جمع لنفسه ثروة بتأسيسه شركة اتصالات في الصين الشيوعية التي كانت اميركا انفتحت عليها في النصف الأول من السبعينات.
لم تتحول اميركا والصين الى افضل الاصدقاء دولياً، بل كللت المنافسة خطابيهما، واستمرت الهجمات الكلامية الصينية الشيوعية ضد أميركا ورأسماليتها. لكن ذلك لم يمنع البلدين من التحول إلى أكبر شريكين في التجارة العالمية، وهو ما قلّص من مخاطر الحرب بينهما، وسمح للاقتصاد الاميركي والشركات الاميركية بالاستفادة من الانفتاح، حسب رأي هيغل الذي كان يسوق كتابه حينها.
فكرة هايغل حول ايران هي التي تبناها أوباما، واضافها الى خطته لانهاء حربي العراق وافغانستان. صحيح ان وعد أوباما بإرسال وزيري خارجيته ودفاعه الى طهران لم يتبلور بعد، ولكن الفكرة لم تعد بعيدة، وفي اروقة القرار الاميركي حديث، وإن همساً، عن اختيار الحي الذي ستعيد واشنطن افتتاح سفارتها فيه في طهران وعن التأثير الاقتصادي الايجابي للانفتاح على ايران.
في الجلسات المغلقة، لا شعور أميركياً بالذنب تجاه الحلفاء. أميركا كانت حليفة اسرائيل والسعودية وايران وتركيا في الوقت نفسه حتى العام 1979، على الرغم من أن العلاقة بين هذه القوى تتقلب، منذ عقود، بين العداء والجفاء والصداقة.
حتى ذلك التاريخ، كان في مصلحة اميركا إبقاء الخلافات بين هذه الدول مضبوطة خوفاً من تسلل الشيوعية الى إحدها. اليوم، لا سبب يوجب على واشنطن تنظيم العلاقات بين هذه الدول.
إذاً أميركا لن تتدخل بعد الآن في صراعات الشرق الأوسط أو صداقاته، بل ستحافظ على علاقات ثنائية جيدة مع كل بلدانه بما يخدم مصلحتها المباشرة، وتحمي الأنظمة الصديقة من “أي خطر داهم”.
أما هذا النوع من المخاطر فيتلخص بالأسلحة النووية والكيماوية، فإن تم سحبها، فلا ضرورة لاستخدام القوة العسكرية الاميركية. وما يرسخ من “عقيدة أوباما” هذه، هو التأييد الشعبي الساحق الذي تحوزه من الرأي العام الأميركي، ومن الحزبين.
في العلاقة مع ايران، ربما لم تكن أميركا تنتظر انتخاب حسن روحاني رئيساً، بل كانت تنتظر إعادة انتخاب أوباما، فهو في ولايته الثانية، شبه محصن في قراراته.
كذلك، ستمنح السنوات الثلاثة المتبقية في ولاية الرئيس الأميركي المدة الزمنية الكافية لبناء علاقة وثيقة مع إيران، فالرئيس يملك صلاحيات مطلقة في رفع كل العقوبات عن إيران بمراسيم تنفيذية يجددها سنوياً، حتى لو اعترض الكونغرس أو أقر عقوبات جديدة.
يبدو أن إيران كانت أول من فهم التغيير الاميركي الذي فرضته حربان مكلفتان. نظام إيران لا يخشى بعد الآن على وجوده وبقائه، ما يعني ان حاجته للسلاح النووي تلاشت، وما يعني ان الوقت حان للتفاوض حول هذا البرنامج والخروج بأكبر قدر ممكن من التسويات الاميركية والدولية مقابل التخلي عنه.
اسرائيل ستعترض. فهي تعترض أصلاً على معظم القرارات الأميركية إن كانت مبادرات سلام مع العرب، أو بيع سلاح أميركي نوعي للسعودية، أو حتى الإطاحة بأنظمة عربية صديقة أو عدوة تساهم في تثبيت أمن حدودها مع اسرائيل. ثم إن الاعتراض الاسرائيلي يسهل من تسويق الاتفاقية داخل ايران، حسب بعض المسؤولين الاميركيين.
ومع العلاقة الاميركية – الايرانية، يصبح ممكناً الحديث عن مصالح مشتركة اخرى، مثلاً في سوريا، وهذه فكرة وردت صراحة على لسان أكبر مسؤولي الخارجية في الجلسات المغلقة، على الرغم من أن هؤلاء يرددون في العلن إنه لا يمكنهم التكهن بانعكاس تقاربهم مع إيران على الأزمة السورية.
ختاماً، ستساهم الصداقة الاميركية الايرانية بعودة تدفق النفط الايراني، وتالياً تخفيض سعر النفط عالمياً، وهو ما يقلص من العجز التجاري الاميركي ويساهم في زيادة النمو الاقتصادي. كذلك، تقدم إيران، الثابتة أمنياً بسبب نظامها، فرصاً ممتازة للاستثمارات الخارجية، ومنها الأميركية.
كل هذه الأفكار تدور في أروقة القرار الأميركية منذ صيف العام 2008. اليوم، خريف العام 2013، بدأت بوادرها تلوح، وربما مع حلول الصيف المقبل، تتبلور نتائجها، أو هكذا يعتقد أوباما والمسؤولون في إدارته.
المدن
مصالحة تاريخية/ ساطع نور الدين
ضاعت غزوة السفارة الايرانية سدى. لانها جاءت من خارج اي سياق سياسي، ولم تخدم اي غرض سياسي.. ولن يبقى منها سوى الجرح المذهبي العميق الذي خلفته في الجسد اللبناني المتهالك.
ليست المرة الاولى التي ينفذ فيها تنظيم القاعدة عمليات ارهابية هدفها القتل الجماعي فقط، تعديل ميزان الدم،وتغيير طريقة استخدامه. لكنه هذه المرة بدا انه يمارس هواية، يقدم عرضا للقوة، اكثر مما يحدد وجهة،ويفرض نفسه طرفا في اي معادلة، لبنانية كانت ام سورية، ام ايرانية-سعودية.
هدر التنظيم دم العشرات من اللبنانيين، ومعهم الانتحاريان، من دون ان يتمكن من تعطيل او تأجيل الاتفاق النووي الاميركي الايراني. لم يكن هذا هو هدفه الفعلي، لكنه كان يمكن ان ينتظر ستة اشهر فقط ليتبين ما اذا كان ذلك الاتفاق ذلك سيحد من نفوذ ايران في لبنان وتوسعها في العالم العربي. الارجح ان غزوة السفارة ساهمت في تسريع الاتفاق، وفي توصل الاميركيين والايرانيين الى تصور جديد لمصالحهما وبرامجهما المشتركة، وأهمها مواجهة ذلك النوع من الارهاب الاسلامي السني في المنطقة الممتدة من افغانستان وحتى لبنان، مرورا بالعراق وسوريا.
لكن هذا البعد الامني للاتفاق الاميركي الايراني لا يشكل البند الابرز، فهو مجرد تحصيل حاصل. بعد ساعات على التوقيع في جنيف، كشفت واشنطن ان اللقاءات الثنائية السرية مع الايرانيين بدأت منذ اكثر من عام، ولم يكن الملف النووي جدول اعمالها الوحيد، والمحت الى تفاهمات امنية – وبالتالي سياسية – سبقت المفاوضات في المدينة السويسرية، ولعلها كانت شرطا من شروط نجاحها.
في الجوهر، يمثل الاتفاق النووي الذي جرى توقيعه فجر الاحد تسوية بين دولتين في أزمة داخلية عميقة، معالمها ظاهرة في كل من اميركا وايران، وفي مختلف مناحي الحياة. لم يكن احد في البلدين ينكرها او يزعم ان المخرج منها يمكن ان يكون بالذهاب الى حرب تقليدية اميركية ايرانية، او حتى الى مواجهات امنية او اختبارات سياسية بين البلدين.. اللذين بلغا ذروة “الاستكبار”، وباتا مضطرين لتحقيق المصالحة التاريخية استجابة لرغبات دفينة لدى شعبيهما.
لم يكن البرنامج النووي الايراني خطرا فعليا. كان ولا يزال في مراحله البدائية. استخدم من قبل الايرانيين والاميركيين على حد سواء كورقة ضغط لا اكثر. كانت طهران ولا تزال تود انتزاع الاعتراف بمساهماتها الافغانية والعراقية وحتى الخليجية في خدمة اميركا. وكانت واشنطن ولا تزال حتى اللحظة تضخم الخطر النووي الايراني لكي تتفادى مثل هذا الاعتراف وتتجنب دفع ثمنه الباهظ في افغانستان او في العالم العربي.
الان وبعد اتفاق جنيف، خرجت القنبلة النووية الايرانية المزعومة التي ضربت لها مواعيد وشيكة، من التداول. يمكن ان يرتفع ضجيج الاسرائيليين لبعض الوقت، لكنهم سرعان ما سينضبطون في المسار الاميركي الجديد: اختار الاميركيون والايرانيون التواضع، والالتزام بالواقعية السياسية التي يفرضها الرأي العام في البلدين. البرنامج النووي الايراني السلمي، المعترف به من قبل الرئيس الاميركي الاسبق جورج بوش، يستمر برعاية روسيا في حدوده المدنية الخاصة بانتاج الكهرباء والادوية..ما يفترض ان يعبر ايضا عن انضباط ايران وطموحاتها السياسية، وفق جدول الاعمال الذي رسمه الرئيس الايراني الجديد حسن روحاني والغالبية الشعبية الايرانية الساحقة التي اختارته للقيام بهذا الدور تحديدا.
المصالحة التاريخية الاميركية الايرانية أصبحت أمراً واقعا، طال انتظاره اكثر من 35 عاما من عمر الفراق الناجم عن تراكم الاخطاء المتبادلة وردود الافعال الانفعالية بين البلدين والشعبين. الاشتباكات السابقة بينهما لم تكن تمثل جوهر الازمة التي يواجهها العالمان العربي والاسلامي. كانت اشبه بمناوشات جانبية، استخدم فيها البعض وتورط فيها البعض الاخر، ممن ستجري التضحية بهم من قبل طهران وواشنطن معا.. وستظل غزوة السفارة الايرانية في بيروت خارج هذا السياق.
المدن
الخليج وتداعيات الاتفاق الإيراني الغربي/ أحمد المنصوري
لا ريب أن الاتفاق الأخير الذي توصلت إليه الدول الست الكبرى مع طهران بشأن برنامج إيران النووي يؤذن بدخول منطقة الشرق الأوسط في مرحلة سياسية جديدة، فهو إعلان عن انتهاء عقود من العلاقات القائمة على العداء الظاهري بين إيران والغرب وتحولها إلى تحالفات معلَنة وتسوية الخلافات بما يحقق مصالح الطرفين الإيراني والغربي. فهي دول ترسم خريطة تحالفاتها بقلم الرصاص حتى تتمكن من مسحها وإعادة رسمها بشكل آخر عندما تتغير بوصلة المصالح.
ولم يتم الكشف عن جميع بنود الاتفاق وتفاصيله. فأهم ما تم الإعلان عنه أن الاتفاق يشمل وقف إيران تخصيب اليورانيوم فوق نسبة 5 في المئة والتوقف عن وضع أجهزة إضافية للطرد المركزي أو استخدام المتطور منها، مقابل تخفيف محدود للعقوبات المفروضة على إيران، تشمل الذهب والبتروكيماويات والسيارات.
وكانت الإمارات العربية المتحدة أول دولة خليجية ترحب بالاتفاق التمهيدي حول الملف النووي الإيراني، وفقاً لبيان صدر عن مجلس الوزراء، وأعرب عن الأمل في أن يكون هذا الاتفاق خطوة نحو حل دائم يحفظ استقرار المنطقة ويقيها التوتر وخطر الانتشار النووي. ويعكس الترحيب الإماراتي بالاتفاقية التمهيدية اعتدال وتوازن الموقف السياسي لدولة الإمارات في التعاطي مع هكذا تطورات مهمة في المنطقة، والأمل في أن يساهم ذلك في دعم الاستقرار وتقليل حدة التوترات، وتبديد قلق الدول الخليجية والمجتمع الدولي تجاه طبيعة البرنامج النووي الإيراني.
وعلى الرغم من الترحيب الإماراتي المعلن وتأييد كل من قطر والكويت للاتفاق، لم تخف بعض الدول الخليجية الأخرى قلقها حيال هذا الاتفاق وما ينجم عنه من فرض إيران هيمنتها على المنطقة برمتها.
ومبعث هذا القلق ناجم عن أن بعض المراقبين فيها لا ينظرون إلى الاتفاق على أنه مجرد وقف تخصيب اليورانيوم وتقليص حجم البرنامج النووي في إيران وإخضاعه للمراقبة الدقيقة مقابل ورفع العقوبات الاقتصادية عنها. فالمحللون والاستراتيجيون ينظرون إلى هذا الاتفاق بنظرة شمولية من خلال ربطه بتطورات الأوضاع السياسية في منطقة الشرق الأوسط وتحالفات القوى ومصالحها، والصراعات القائمة حالياً خاصة في سوريا، دون غض الطرف عن البعد الديني، وتحديداً الطائفي كأحد أهم مكونات الصراع الدائر في المنطقة.
وبالنسبة للخليجيين، فإن المشكلة مع إيران لا يمكن حصرها فقط في برنامجها النووي، فالمشكلة أساساً تكمن في أن إيران تتدخل في شؤون الخليج كما هو الحال في البحرين وتحتل أراضي دولة خليجية كما هو الحال مع الجزر الإماراتية الثلاث، كما أنها تؤجج الصراع المذهبي والطائفي في المنطقة كما هو الحال في سوريا واليمن.
كان حرياً بالأطراف التي راهنت كثيراً على العزلة بين إيران والغرب واستمرار حالة العداء بينهما لعقود أن تستعد مبكراً لمثل هذا اليوم، وأن تدخل هي أيضاً في تحالفات تضم قوى نافذة ذات ثقل سياسي في المنطقة تستطيع بها مواجهة أي تداعيات تهدد مصالحها الاستراتيجية. والسؤال الذي يطرح نفسه، هل ستقف دول الخليج متفرجة على «الكبار» وهم يشكلون خارطة جديدة للتحالفات في المنطقة، أم أنهم سيعملون على توحيد مواقفهم فرض حقهم في تقرير مصير الشرق الأوسط الجديد؟
الخليج
إتمام صفقة إيران.. نجاح الدبلوماسية أم إخفاقها؟/ ديفيد إغناتيوس
تُعد صفقة إيران النووية كسباً نادراً لأسلوب الرئيس الاميركي باراك أوباما الذهني السري للحكم. فقد نتجت عن أسلوبه الحذر السري اخفاقات عديدة خلال السنوات الخمس الماضية، ولكن اسلوبه كان في قلب الصفقة التي تفتقت عنها عطلة نهاية الأسبوع مع طهران والتي تعد انفراجا.
إنها من نوع الدبلوماسية السرية التي كان يستحسنها هنري كسينجر. كان أوباما قد بدأ بتفويضه لإجراء اجتماعات سرية حذرة منذ مارس. (آذار) الماضي. وقام أوباما بارسال مبعوثين من الشخصيات غير الظاهرة هما بيل بيرنز نائب وزير الخارجية والمستشار الرئيسي جيك سوليفان. كانت خدعة سحرية كلاسيكية: فبينما تعلقت الأنظار بمحادثات مجموعة (5+1) كانت المهمة الحقيقية تجري في مكان آخر، ثم قُدمت لوزراء خارجية روسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا في جنيف قبل أسبوعين كأمر واقع تقريباً.
لا عجب إذن أن يستاء ويغضب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، فلقد عقدت هذه الصفقة بعيداً عن الأنظار وطُلب منهما مباركتها بعد انتهاء الأمر. ولم تكن مفاجأة أن يصابا بالارتباك والتخبط، فقد أغلق نتنياهو بعدم حكمة نفسه في موقف معارض جامد، بينما أخذ فابيوس يساوم علناً من أجل المزيد من التنازلات. وأشاد المعلقون بأسلوب فابيوس المستقل تماماً، كما أشادت تقارير سابقة بسياسة روسيا بشأن سوريا، لكن تلك الإشادة كانت خيالية إلى حدٍ كبير. إذ ان ايران وسوريا لا تزالان تمثلان الأداة الكبيرة للولايات المتحدة عندما يتعلق الأمر باستخدام الوسائل الدبلوماسية بحكمة وسرية.
إن تعريف الاتفاق الجيد هو ذلك الاتفاق الذي يقوم فيه كل طرف باقناع شعبه، وهذا هو الوضع هنا. ويبدو الإنفاق إيجابياً بصفة عامة بالنسبة للولايات المتحدة مقارنة بما كان يمكن في السابق بالنسبة لتجميد برنامج إيران النووي والسماح بتفتيش يومي لمنع أية مخادعة. يعتبر العالم اليوم أكثر أماناً بالنسبة لخطر التهديد النووي الإيراني مقارنة بما كان عليه قبل أسبوع. وهي صفقة جيدة لإيران أيضاً. فالاتفاق يسعى بوضوح إلى «حلٍ شامل يمكن إيران من التمتع التام بحقها في الطاقة النووية للأغراض السلمية، حسب البنود الحالية لاتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية، ويشمل ذلك برنامجاً يحدد من الجانبين لتخصيب اليورانيوم».
كانت اللغة غامضة بالدرجة التي تسمح للولايات المتحدة القول إنها لم توافق على «الحق في تخصيب اليورانيوم»، لكن الانتقاد الإسرائيلي محقٌ هنا. لقد تم منح الحق في تخصيب اليورانيوم مستقبلاً ولن يجري الغاء ذلك أبداً، ولن يشكل ذلك أبداً أساساً لقرار من مجلس الأمن الدولي لإدانة إيران.
إن القيود على البرنامج النووي الإيراني على المدى القريب تفوق التنازل الكبير الخاص بالتخصيب، وهي أقوى مما يتوقعه المحللون. خلال الستة أشهر المقبلة سيتحفظ الإيرانيون على بعض أجهزة الطرد المركزي ويؤخرون تركيب البعض الآخر، كما سيقومون بفصل الروابط بين أجهزة الطرد المركزي الضرورية للتخصيب لمستوى القنبلة النووية مع السماح بالتفتيش اليومي غير المسبوق لمنشآت موقع ناتانز وفرداو السريين.
هل يمكن أن يضع الإيرانيون مبلغ الـ7 مليارات دولار العائدة من رفع العقوبات في جيوبهم ثم يواصلون خلال ستة أشهر سعيهم لامتلاك المقدرة على صنع قنبلة نووية؟ ذلك ممكن بالتأكيد. لكنهم سيقومون بذلك مع تزايد فرصة توجيه ضربة أميركية ضد إيران أكثر من أي وقتٍ مضى.
وضع كيسنجر الاختبار الصحيح عندما قال لي عام 2006 إن «على إيران أن تقرر ما إذا كانت تريد أن تكون أمة أم قضية». إن هذا الاتفاق الذي جرت مفاوضاته في السر مع «الشيطان الأكبر» يبدو وكأنه بداية لهروب كبير من العزلة الثورية نحو أمة إيرانية تعمل مع الغرب في إطار عمل مشترك في منطقة الشرق الأوسط المشتعلة. قد تعتقد إيران أن بامكانها إمساك العصا من طرفيها – متسببة في زعزعة المنطقة حتى وهي تتفاوض مع الولايات المتحدة. ولكن من غير المحتمل أن تنجح في ذلك. هذه عبارة عن عقبة في الطريق، قد تحاول إيران السير في الاتجاهين في ذات الوقت، ولكن إن ظلت الولايات والمتحدة وإسرائيل يقظتين فلن تنجح في ذلك.
*خدمة «واشنطن بوست
اتفاق جنيف الانتقالي يكبح جماح البرنامج النووي الإيراني/ بروكسيل – نورالدين الفريضي
أنجزت مجموعة خمسة زائداً واحداً وايران اتفاقاً لم يخطر في بال أحد من المراقبين الحاضرين قرب قاعات المفاوضات أو بعيدا منها أن يتم إبرامه في أقل من ثلاثة أسابيع، حول واحدة من أكثر القضايا تعقيداً وخطورة، حيث تتعلق ببرنامج نووي مشتبه باحتوائه بعداً عسكرياً وفق تقديرات الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ويُسِيل الإنجازُ، على رغم كونه اتفاقاً انتقالياً، الكثيرَ من الحبر، ويفتحُ صفحاتِ جدلٍ لن ينتهي قريباً بين الذين يرون في الصفقة اختراقاً سيعزز، بعد تنفيذه، أمن المنطقة ويخلصها من خطر الانتشار النووي وربما يشجع دعوات إخلائها من أسلحة الدمار الشامل، وآخرين يشكُّون في نيات ايران. وتحذر مجموعة ثالثة من الأحكام المسبقة على نيات الطرف الايراني والأجندات الخفية لهذا الطرف الدولي أو ذاك. ويعتقد ديبلوماسي غربي في بروكسيل، وثيق الاطلاع على تفاصيل المفاوضات، بأن «الاتفاق سيغيِّر علاقات ايران بالغرب حيث يبني الثقة مع المجموعة الدولية وفي مقدمها الدول المجاروة لإيران». ويردُ الديبلوماسي الغربي على وصف رئيس الوزراء الاسرائيلي الاتفاق الانتقالي بالخطأ التاريخي، بأن الاجراءت التي تم تدبيرها توقف وتيرة تطور البرنامج النووي الايراني. وتشك بعض الدول العربية في جدوى الاتفاق لأن ممثلي المجموعة الدولية لم يردوا على التدخل الايراني في سورية والعراق والبحرين واليمن.
والاتفاق النووي بين مجموعة خمسة زائداً واحداً وإيران سيمكّن من تخفيف العقوبات ضد ايران، وليس تعليقها، بما يؤمّن استعادة جزء محدود من عائداتها المجــــمدة في البنوك الأميركية. وهي موارد حيويـــة تحتاجها القيادة السياسية الايرانية لتحسين الأوضاع المعيشية للطبقــــات الوسطى والفئات الضعيفة الدخل التي تضررت من وقف الدعم الحكومي. وهنا مربط الفرس وجانب من سر قبول ايران التفــــاوض بشكل جدي لإيجاد حل لمشكلة الملف النووي الإيراني. فالرئيس حسن روحــــاني نال غالبية أصوات الناخبين لأنه وعدهم بتحسين الوضع الاقتصادي وكسر العزلة التي ارتهنت ايران جراء السياسات النووية التي سلكتها حكومة الرئيس السابق احمدي نجاد.
والتقطت مجموعة خمسة زائداً واحداً بقيادة منسقة السياسة الخارجــية الأوروبية كاثرين آشتون الفرصة، غداة إعلان القيادة الجديدة عن الرغبة في حسم خلافات البرنامج النووي في أسابيع، وأكدت استعدادها الدخول مع ايران في مسار يضمن تنازلات متبادلة تبني الثقة وتقود تدريجاً إلى اتفاق شامل.
ويعد الاتفاق إنجازاً ديبلوماسياً كبيراً بالنسبة الى الديبلوماسية الأوروبية والمنسقة آشتون في شكل خاص، حيث تمكنت من تأمين أكبر قدر من الانسجام بين مواقف فرنسية «متشددة» ومقاربات عملية من جانب بريطانيا والولايات المتحدة التي كانت تسلك من ناحيتها قناة سرية للتحاور مع ايران. وسجلت الجولة الثالثة من المفاوضات تغيراً في أسلوب التفاوض، حيث كانت آشتون تفاوض وزير الخارجية جواد ظريف ثم تعود إلى خبراء ومديري الشؤون السياسية ممثلي مجموعة خمسة زائداً واحداً، وهكذا إلى أن بلغت النقاشات مرحلة القرار السياسي الذي استدعى حضور وزراء الخارجية. وشاركت آشتون في كل الاجتماعات بين وزير الخارجية الأميركي ونظيره الايراني، وهي بذلك قامت بدور همزة الوصل بين مختلف الأطراف.
وكان وزير الخارجية الايراني استنتج بعد الجولة الثانية أن التفاوض مع ممثلي المجموعة ككل لم يمكّن من التوصل إلى تفاهمات، ويبدو أنه طلب أن تكون كاثرين آشتون المفاوض باسم المجموعة ككل، وهو ما تم إلى حد كبير حيث تحظى آشتون بثقة الشركاء ومنهم ممثلا روسيا والصين اللذان كانا بدورهما يلتقيان الوفد الإيراني على صعيد ثنائي.
ويقتضي الحكم على الاختراق الذي سُجلَ في جنيف التعرف قبل كل شيء إلى التفاصيل والقيود الملزمة للجانب الايراني. وتعلم الدول الغربية، خلال ماراثون المفاوضات الشاقة، أنها لن تكسب شيئاً إن هي لم تظهرْ مرونة كافية في التعامل مع المفاوضين باسم الرئيس روحاني، بل إن تخييب الوفد الإيراني في ظل الظروف الجارية سيؤدي آلياً إلى تقوية سطوة المحافظين جداً ومواقف الحرس الثوري الذي تنسب اليه إدارة البرنامج النووي. ولم يتأخر الرئيس روحاني عن استثمار فوائد اتفاق جنيف الانتقالي حيث استقبل الايرانيون الوفد المفاوض استقبال الأبطال الذين ثبَّتوا حق ايران في التخصيب وفتحوا أمامها نوافذ تخفيف العقوبات.
ولا يهُم رجل الشارع تفاصيل الاتفاق وقبول ايران وقف تطوير البرنامج النووي وفتح منشآته أمام مراقبي الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتسليمهم المعطيات والمعلومات الضرورية مثلما يتضح لاحقاً في المقابل. وإذا استُثنِيَ عنصر المفاجأة واحتمال الكشف عن مواقع سرية مثلما حدث في حال مفاعل فوردو، فإن الاتفاق قد يمكّن ايران والدول الغربية من بدء مرحلة انفتاح تعود فيها الشركات الأوروبية والأميركية إلى السوق الايرانية وتعيد طهران من ناحيتها فرش السجاد لزوارها من الديبلوماسيين والسياسيين ورجال الأعمال من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
قيود ملزمة لإيران
والناظر في تفاصيل الاتفاق الذي أبرمته مجموعة خمسة زائداً واحداً فجر الأحد 24 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013 في جنيف يجد أن الجانب الدولي قد انتزع من الوفد الايراني الموافقة على ترسانة اجراءات صارمة من شأنها كبح جماح البرنامج النووي والحؤول دون بلوغ ايران نقطة اللاعودة أو مرحلة التفجير النووي. وإذا نُفِذ الاتفاق الانتقالي مثلما يفسره المصدر الغربي، فإن الاتفاق النهائي الذي قد يبرم بعد ستة أشهر أو سنة، سيكون اتفاقا تاريخياً. ويقول المصدر إن الاتفاق الانتقالي «يمثل خطوة أولى مهمة لأن انعدام التوصل إلى ابرامه سيعني استمرار ايران في تطوير البرنامج النووي. وإذا هي فعلت بوتيرة النشاط الذي سجلته في الأشهر الأخيرة، فإنها ستخطو نحو نقطة اللاعودة». وآنذاك قد يستيقظ العالم يوماً على نبأ تفجير نووي في أعماق ايران.
وينص الاتفاق الانتقالي في ورقة من أربع صفحات بعنوان «خطة العمل المشتركة» على أن المفاوضات تهدف إلى التوصل إلى «حل شامل يضمن أن يكون البرنامج النووي الايراني سلمياً صرفاً. وتلتزم ايران بأنها، وتحت أي ظرف، لن تسعى ولن تطور أسلحة نووية». وهي بذلك تقبل ضمناً الكشف عن طبيعة النشاطات النووية في مختلف المنشآت وإجراءات تجميدها، وتقبل أيضاً عمليات التفتيش التي يتولاها خبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وتبدو العبارات واضحة ولا تقبل تفسيراً آخر سوى أن ايران ملزمة بفتح منشآتها النووية لتأكيد ما التزمت بتنفيذه، وذلك بمجرد دخول الاتفاق حيز التنفيذ، أي في غضون أسابيع قليلة.
وتضيف الوثيقة في المقدمة أن «الاتفاق الشامل سيمكّن ايران من التمتع بحقها الكامل في استخدام الطاقة النووية لأغراض سلمية بمقتضى البنود الفاعلة في معاهدة حظر الانتشار النووي». وتثير مشكلة التخصيب عند مستوى 5 في المئة تأويلات متناقضة بين قول وزير الخارجية الايراني ان الاتفاق يضمن حق ايران في التخصيب وقول ممثلي الدول الغربية إن الاتفاق يخلو من أية إشارة إلى زعم ايران ضمان حقها في تخصيب اليورانيوم، وهذه التأويلات تثير شكوك الأطراف الاقليميين الذين لا يشاركون في المفاوضات. وتذكر مقدمة خطة العمل المشتركة أن «الاتفاق الشامل يقــــود إلى وضع برنامج تخصيب يحظى بموافقـــة جميع الأطراف وتحكمه قيود عمليــــة في نطاق اجراءات الشفافية من أجل ضمان طبيعته (البرنامج) السلمية. وتـــمثل بنود الاتفاق خــــــطة متكاملة وفق مبدأ أن لا اتفــــاق على شيء قبل الاتفاق حول كــــل شيء»، أي أن الاتفاق يخضع لمبدأ خطوة خطوة وأن كل خطوة تقابلها خطوة من الطرف الآخر، وأن كل خطوة يتم تنفيذها تكـــون قابلة للتراجع ما لم يتم الاتفاق حول بقية بنود الصفقة وتنفيذها كاملة.
التزامات إيران الأولى
وتقتضي الخطوة الأولى من الاتفاق الانتقالي سلسلة التزامات ستؤدي بعد تنفيذها إلى وقف برامج التخصيب العالية الجودة. وقد قبلت ايران وقف نشاطات تخصيب اليورانيوم عند مستوى 20 في المئة وتحويل نصف المخزون إلى اوكسيد سيجرى تحويله إلى وقود. كما يتم تحويل الكمية المتبقية إلى مادة لا يفوق معدل تخصيبها 5 في المئة. وهو معدل غير عسكري. وتلتزم ايران عدم تجاوزه خلال ستة أشهر، هي أمد الاتفاق الانتقالي. وتلتزم ايران أيضاً بألا تقوم بأي عمل من شأنه تطوير النشاط النووي في مفاعلات نتانز وإراك وفوردو، وفق توصيات الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ولتفادي كل مفاجأة قد تكشف عنها جهات ايرانية في المستقبل من قبيل المفاعلات السرية، تلتزم ايران في الاتفاق الانتقالي «عدم بناء أي موقع جديد للتخصيب».
وفي المقابل «سيكون في وسع ايران مواصلة برامج الأبحاث والتنمية (العلمية)، منها النشاطات الجارية في المجال نفسه والتي لا تصنف ضمن نشاطات انتاج اليورانيوم المخصب». وتعني ترسانة الاجراءات أن ايران قبلت وقف نشاطات التخصيب في مختلف المحطات النووية زيادة عما تسمح به الوكالة الدولية لأغراض بحثية. ويعني الالتزام قبولها وقف نشاطات أجهزة الطرد المركزي ومنها الجزء الحديث جداً. وهناك التزام بأنها لن تنشر أجهزة جديدة سوى ما هو ضروري لتعويض الجهاز المعطب.
الالتزامات الواردة في اتفاق جنيف الانتقالي ليست بيان نيات حسنة. فإيران لم تقبل تصدير مخزونها من اليورانيوم العالي التخصيب إلى الخارج، لكنها قبلت تحويله داخلياً. ورفضت ايضاً تفكيك أجهزة الطرد المركزي المتطورة جداً مثلما طالب بعض الأطراف الاقليميين وبخاصة اسرائيل. لكن طهران قبلت وقف نشاطها في مفاعلات نتانز وإراك وفوردو وعدم زيادتها وتعويض القديم منها فقط، وسيتم كل ذلك تحت نظر مراقبي الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
والتزمت ايران في اتفاق جنيف «تزويد الوكالة الدولية للطاقة الذرية المعلومات في شأن المصانع النووية، ووصف لكل بناية في كل موقع نووي، ووصف حجم كل عملية في كل موقع في شأن كل نشاط نووي، وتزويدها أيضاً المعلومات حول مناجم اليورانيوم ومصادر المواد الخام» ذات الصلة بالنشاطات النووية. وتلتزم ايران بمقتضى الاتفاق توفير هذه المعلومات في غضون ستة أشهر.
ولا يستثني الإجراء أياً من المحطات النووية ومنها مفاعل «اراك» لإنتاج البلتونيوم. وقد قبلت ايران ضمان حرية عمل المراقبة التي يتولاها مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى المحطات النووية ومناجم اليورانيوم من دون استثناء. وسيمكّن الاتفاق الانتقالي من خلال التزامات تنفيذه تدريجاً من الكشف عن طبيعة البرنامج النووي الإيراني، وسيوفر المفتشون الدوليون الأدلة التي تحتاجها المجموعة الدولية للرد على المخاوف من احتمال أن يتضمن البرنامج النووي الايراني أجزاء عسكرية خفية.
حزمة تخفيف العقوبات
وفي مقابل انفتاح ايران بقيادة الرئيس روحاني، فإن مجموعة خمسة زائداً واحداً التزمت من ناحيتها في جنيف بدء مسار تخفيف العقوبات ولكن بوتيرة تدريجية.
ويقتضي الاتفاق تمكين إيران من مواصلة بيع النفط في مستوى صادراتها الحالية واستعادة العائدات المالية المجمدة. وتتراوح التقديرات بين 4.5 و7 بلايين في غضون ستة أشهر. والتزمت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي «تعليق العقوبات المتصلة بالائتمان على النفط الايراني وخدمات النقل ذات الصلة». كما التزم الجانبان الأميركي والأوروبي تعليق العقوبات التي فُرضت على منتجات البتروكيمياء وقطاع الخدمات ذات الصلة وكذلك تعليق العقوبات المسلطة على تجارة الذهب والمعادن الثمينة.
وسترفع الولايات المتحدة القيود التي كانت فرضتها على صناعات السيارات الأميركية وقطاع غيار اسطول النقل الجوي المدني والخدمات التي تحتاجها الناقلات الايرانية في الخارج. والتزمت الولايات المتحدة وأوروبا ايضاً عدم فرض عقوبات إضافية أو اللجوء إلى مجلس الأمن لفرض عقوبات إضافية ضد ايران. وعلى الصعيد المالي، حصلت ايران على مضاعفة تراخيص التحويلات لأغراض استيراد الغذاء والأدوية وتمكين الطلاب الإيرانيين، خصوصاً في الجامعات الأميركية من الحصول على منح الدراسة من ودائع ايران المجمدة.
الاتفاق النهائي
وتأمل مجموعة خمسة زائداً واحداً وإيران بالتوصل إلى حل شامل في ظرف لا يتجاوز تشرين الثاني (نوفمبر) 2014، على أن يضمن «حق الأطراف والتزاماتها في معاهدة حظر الانتشار النووي، رفع العقوبات التي فرضها مجلس الأمن والعقوبات الأحادية الجانب التي فرضتها الولايات المتحدة وأوروبا، والاتفاق حول برنامج تخصيب محدود يتناسب مع الحاجيات الفعلية والقدرات وكميات اليورانيوم التي يتم تخصيبها والأجل الزمني لإنجاره». وسيضمن الاتفاق النهائي حل مشكلة مفاعل اراك بصفة نهائية.
ومع تنفيذ ترسانة الإجراءات، يتبقى أمام ايران المصادقة على البروتوكول الاضافي لمعاهدة حظر الانتشار النووي وتنفيذه، مع التنصيص على دور كل من الرئيس والبرلمان الايراني في القرارات المتعلقة بالبرنامج النووي والتي تنسب إلى المرشد الأعلى علي خامنئي. وآنذاك، ستكون ايران والمجموعة الدولية في وضع يمكّن من بدء التعاون النووي في الكثير من المجالات، ومنها تزويد إيران بمفاعلات بحثية متطورة تعمل بالماء الخفيف وتأمين حصولها على التجهيزات الحديثة والوقود النووي.
خطوة أولى في رحلة سياسية طويلة
تلقت «الحياة» الرأي الآتي بتوقيع «مجموعة الأزمات الدولية» في بروكسيل:
نرحب بالاتفاق الذي تم التوصل إليه في تشرين الثاني(نوفمبر) بين إيران ومجموعة الـ 5+1 (الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن إضافة إلى ألمانيا). يشـــكّل الاتــــفاق – الذي دعت «مجموعة الأزمات» إلى توجهاته الرئيسية منذ بعض الوقت – دليلاً على فعالية الديبلوماسية عندما تجري في مناخ إيجابي.
وعلى رغم أن الاتفاق يشكّل خطوة أولى، إلاّ أنه ينطوي على مضامين مهمة، فهو ينص بشكل خاص على تجميد نواحٍ جوهرية من نشاطات إيران النووية – مخزونها من اليورانيوم المنخفض التخصيب، عدد أجهزة الطرد المركزي العاملة، والعمل في منشأة آراك التي تعمل بالماء الثقيل، وقف عمليات التخصيب في مستويات أعلى من التركيز، ووضع آليات تفتيش صارمة. والنتيجة النهائية هي فعلياً إلغاء أي احتمال لتحول البرنامج إلى برنامج عسكري من دون الكشف عن ذلك. إيران من جهتها حققت مكاسب اقتصادية وإنسانية ملموسة في شكل رفع جزئي للعقوبات، والتزام بعدم تعرضها لإجراءات عقابية إضافية في الوقت الراهن، وقبول ضمني بوجود برنامج تخصيب يورانيوم شفاف ومقيّد على أراضيها.
سيكون التوصل إلى اتفاق شامل عملية أكثر صعوبة وتعقيداً. وسيكون التنفيذ الكامل للإجراءات القصيرة الأجل التي تم الاتفاق عليها؛ والالتزام بالأهداف البعيدة المدى التي اتفق عليها الطرفان؛ وبذل الجهود للمحافظة على المناخ الحالي، كلها ضرورية لتعظيم فرص النجاح في الأشهر القادمة.
ويشير منتقدو الاتفاق إلى أن ثمة أخطاراً بانهيار نظام العقوبات، وأن إيران نجحت في ترسيخ برنامج تخصيب اليورانيوم وأنها ستشعر بدرجة أكبر من الجرأة للتوسع في نشاطاتها الإقليمية، إلاّ أن هؤلاء لا يقدمون بديلاً عملياً؛ ففي غياب مثل هذا الاتفاق، كان من شبه المؤكد أن برنامج إيران النووي سيتسارع، وفي هذه الحال سيكون الخيار إما القبول بتوسّعه أو الاندفاع إلى مواجهة عسكرية سيكون لها تبعات خطيرة يصعب التنبؤ بها.
إلاّ أن هذا لا يبرر الانخراط في الأوهام. فعلى رغم التركيز الشديد على البرنامج النووي، لا يبدو جوهر المسألة تقنياً، أو مسألة سيطرة على التسلّح بقدر ما أن القضية جيوسياسية واستراتيجية، أي دور إيران ومكانتها في المنطقة. وهنا يكمن أكبر التحديات البعيدة المدى، وتكثر الأطراف التي يمكن أن تفسد الاتفاق خارج ايران وداخلها أيضاً.
وفي المحصلة، فإن اتفاقاً نووياً شاملاً بين إيران والغرب سيكون مستداماً، فقط إذا كان مصحوباً بتقدّم يتم تحقيقه على الجبهة الاستراتيجية الأوسع، خصوصاً تسوية مختلف الصراعات التي تهدّد الشرق الأوسط. ولا يبدو هذا أكثر أهمية أو إلحاحاً مما هو في سورية، حيث عمّقت إيران من انخراطها العسكري. في النهاية، فإن صفقة يتم التوصل إليها في الشأن النووي لن تفضي بحد ذاتها إلى وضع حد للتوترات الإقليمية؛ بل ينبغي أن يتم التخفيف من حدة هذه التوترات بالتوازي مع التقدم الحاصل في المفاوضات حول البرنامج النووي. هذه مهمة بالغة الصعوبة، لكنها ضرورية إذا كان لهذه الخطوة الجديرة بالثناء أن تمهّد الطريق نحو تقدّم أكثر ديمومة.
الحياة
أميركا وإيران والإقليم/ عبدالله إسكندر
ثمة إجماع بين الخبراء أن من المبكر جداً تقويم الاتفاق بين طهران ومجموعة «5+1» في شأن الملف النووي الإيراني، سواء ما تعلق مباشرة بالبرنامج العسكري الإيراني أو بالمصالح الإقليمية الإيرانية.
لكن الاتفاق في ذاته ينطوي على معطيات جديدة، ربما من الصعب العودة عنها، في العلاقات الغربية – الإيرانية ومعالجة الموضوع الإيراني عموماً. فرغم الطابع المرحلي للاتفاق، لمدة ستة شهور، لم يعد مطروحاً على الطاولة سوى خيار الديبلوماسية، وذلك بعد سنوات من التهديد الأميركي، والغربي عموماً، بأن كل الخيارات مطروحة لمنع تطوير سلاح نووي إيراني.
المرحلة الانتقالية فيها الكثير من اختبار النيات، خصوصاً أنها ستشهد البحث التفصيلي في الملف، وسيحرص المعنيون مباشرة بهذه المفاوضات على ترسيخ مناخ التسوية الديبلوماسية، بما ينزع من يدي إسرائيل احتمال توجيه ضربات عسكرية مباشرة لمنشآت إيرانية. ورغم أن الدولة العبرية أعلنت أنها غير معنية بالاتفاق، لا يمكنها بعده أن تقف في مواجهة الإدارة الأميركية الحالية راعية الاتفاق، وتقدم على مغامرة عسكرية ضد ايران.
هكذا ارتاحت طهران، بفعل الاتفاق، من أي تهديد عسكري مباشر كانت الولايات المتحدة وإسرائيل لا تتوقفان عن إشهاره في شأن البرنامج النووي الإيراني. ما يؤكد موقفها من أن اعداد القوة العسكرية التقليدية له قيمة ردعية، ويجبر الخصم على ألف حساب قبل الهجوم، وصولاً إلى التخلي عن الخيار العسكري.
في الوقت نفسه، يشكل الاتفاق في طبيعته انتصاراً لمنهجية ديبلوماسية روسية تم الترويج لها منذ جلسات التفاوض الأولى في إطار «5+1»، أي منذ انتقال الملف الإيراني من وكالة الطاقة الذرية إلى مجلس الأمن. تقوم هذه المنهجية على ديبلوماسية «الخطوة خطوة»، أي التبادل المتوازي للتنازلات. وتكتسب هذه المنهجية أهمية مضاعفة ليس فقط لأنها أدت إلى حلحلة في الملف الإيراني، وإنما أيضاً لإمكان تطبيقها في ملفات دولية أخرى، قد يكون بينها الملف السوري، بعد التراجع الملموس للقوة العسكرية والديبلوماسية الأميركية في العالم.
بكلام آخر، باتت روسيا، بفعل هجوميتها الديبلوماسية والتحالفات الواسعة مع دول ناشئة، تشكل قطباً دولياً لا يوازي القطب الأميركي فحسب، وإنما بات يؤثر فيه، إن لم يكن قادراً على إرغامه على قبول ما كان يرفضه في الماضي. وهذا ما اظهره الاتفاق النووي مع ايران، سواء لجهة كيفية التوصل إليه أو مضمونه.
على الصعيد الإقليمي، استطاعت طهران أن تستفيد من السياسة الأميركية في ذروة هجوميتها في أفغانستان والعراق. إذ إن تدمير نظام «طالبان» في أفغانستان ونظام صدام حسين في العراق أتاح للنفوذ الإيراني أن يتمدد في البلدين الجارين من الشرق والغرب من جهة، مستنداً إلى علاقات مع الجماعات الشيعية، وأن يجد شكلاً من أشكال التعاون على الأرض مع القوات الغازية من جهة أخرى. ولعب اللوبي الإيراني الشيعي في ظل المحافظين الجدد، وولايتي بوش الابن، دوراً تحريضياً على المسلمين السُنة، بذريعة انهم البيئة الحاضنة لـ «القاعدة» والتي ولدت إرهابيي 11 أيلول.
تعتمد المنهجية الديبلوماسية لإدارة الرئيس باراك أوباما على استبعاد أي تدخل عسكري في الخارج، خصوصاً في منطقة الخليج، بعد الانسحاب الكامل من العراق وتقنين الوجود في أفغانستان. ومع الصيغة الجديدة للعلاقات الإيرانية – الأميركية، يتجدد التساؤل عن كيفية معالجة التمدد الإيراني وكيفية حماية المصالح المشتركة مع الأصدقاء في المنطقة، ورد التهديدات الإيرانية عن الحلفاء.
الاتفاق الحالي بين ايران و «5+1» لا يتناول القضايا الإقليمية، وحتى لو بقيت المفاوضات اللاحقة في إطار التفاصيل النووية، فإن مضاعفاته ستلقي بظلها على العلاقات الإقليمية. وستكون هذه المضاعفات لمصلحة ايران ما دامت الأطراف الإقليمية الأخرى غير قادرة على الوقوف في وجهها ووجه تدخلاتها.
الحياة
أوبك» والاتفاق الإيراني/ رندة تقي الدين
عندما تم الإعلان عن الاتفاق المرحلي بين إيران والدول الست حول تجميد إيران برنامجها النووي العسكري لمدة ستة أشهر، شهد سعر النفط في الأسواق العالمية انخفاضاً بحوالى دولارين للبرميل. ولكن هذا الاتفاق لا يعني في هذه المرحلة أن السوق النفطية العالمية ستشهد في الستة الأشهر المقبلة كميات نفط إيرانية إضافية في الأسواق. فيقول مسؤول رفيع من الصناعة النفطية العالمية، إن مع هذا الاتفاق لن يكون هناك المزيد من العقوبات على بيع النفط الإيراني، وإن خلال الستة أشهر لن يكون هناك تغيير أساسي في حجم مبيعات النفط الإيراني للعالم. فإيران ما زالت تبيع النفط لكوريا والهند والصين بسماح خاص من الولايات المتحدة waiver لهذه الدول، ولكن أوروبا كانت بسبب العقوبات أوقفت مشترياتها من النفط الإيراني. ورفع العقوبات عن النقل والتأمين على مبيعات النفط الإيراني الحالية قد يزيد من مبيعات إيران إلى كوريا أو الهند بكميات ضئيلة جداً، حوالى مئتي ألف برميل في اليوم من النفط بسبب السماح للناقلات بنقلها ولكن العقوبات المالية والمصرفية الباقية ما زالت تخيف تجار النفط بالتعامل بشراء النفط الإيراني. ولكن هذه الكميات الضئيلة لن تأتي قبل بضعة أشهر. فإيران تصدر حالياً حوالى ٩٠٠ الف برميل في اليوم من النفط وإنتاج البلد هو بمستوى ٢.٤ مليون برميل في اليوم بعد أن كان إنتاجه قبل العقوبات ٣.٤ مليون برميل في اليوم، أي أنهم خسروا مليون برميل في اليوم بسبب سياسة النظام الإيراني. وكانت هناك عقوبات نفطية إضافية مبرمجة تم تعليقها بطلب من الرئيس الأميركي إلى الكونغرس قبل الإعلان عن الاتفاق مع إيران، ما جعل عدداً من المراقبين يقولون إن إيران تنازلت بالكثير بسبب ضغط العقوبات الحالية والتخوف من الآتية مقابل لا تنازلات من الدول الست على ما يهم الإيرانيين بشكل أساسي رفع العقوبات عن مبيعات النفط الإيراني عموما وإزالة تجميد نظام التحويلات المصرفية لإيران في الولايات المتحدة ما يسمى swift.
وتقول مصادر الصناعة النفطية إنه طالما لم يحصلوا على ذلك لمدة ستة اشهر لن يكون التغيير أساسياً على الصعيد النفطي والعائدات الإيرانية. وكانت الأسواق العالمية استوعبت منذ فترة وبشكل واسع احتمال التوصل الى اتفاق مرحلي مع إيران على النووي. ويرى مسؤول رفيع في شركة نفطية عالمية أن ما يمكنه التأثير بشكل أساسي هو بعد ستة أشهر وإذا التزمت إيران بالتفتيش الفعلي على منشآتها النووية وإذا عادت الثقة بين الأسرة الدولية وإيران عندئذ تتأكد احتمالات رفع العقوبات تدريجياً على إيران وتبدأ أسعار النفط بالتراجع قليلاً. ولكن دول «أوبك» وفي طليعتها السعودية تبرمج إنتاجها حسب الطلب العالمي وهي فلسفة السياسة النفطية السعودية الحالية أن تبيع نفطها حسب كميات طلب زبائنها وهي حاليا تنتج ٩.٨ مليون برميل في اليوم من النفط، فـ»أوبك» تعقد اجتماعاً وزارياً الأسبوع القادم في فيينا وكما جرت العادة ستدرس الدول الأعضاء وضع العرض والطلب للسنة المقبلة لتكييف إنتاج المنظمة. إن الإنتاج الإيراني لن يلعب في هذه المرحلة دوراً أساسياً طالما بقيت العقوبات النفطية.
وإيران روحاني تبحث الآن عن تغيير نوعية العقود مع الشركات النفطية لتطور قطاعها النفطي، فوزير النفط الإيراني بيجان زانغنه شكل لجنة يديرها مهدي حسيني الذي لديه مهمة ان يدرس جذب وتنافسية العقود النفطية الإيرانية التي هي الآن عقود على أساس دفع أجور خدمات للشركات العالمية ما يسمى buy back ومهمة حسيني أن يدرس ما هو موجود من عقود جذابة لاستقطاب الشركات ولكنها مناقضة للدستور الإيراني. فيدرس مهدي حسيني ما قامت به دول نفطية عدة وأيضاً يستشير بشكل غير رسمي الشركات النفطية العالمية. فهم يقولون إنهم يريدون تحسين عقودهم التي تعود إلى التسعينات لاستقطاب الشركات لتطوير قطاعهم النفطي الذي تدهور بشكل كبير بسبب العقوبات. فمنذ عشر سنوات منعت العقوبات إيران من الحصول على تقنيات وخدمات مستخدمة في الغرب واستبدلت بتقنيات وخدمات من دول الشرق الأقصى مثل الصين، وهي أقل فعالية ونوعيتها ليست بالمستوى المطلوب، فالصناعة النفطية الإيرانية تراجعت، ولكن في الوقت ذاته خفضت العقوبات التدريجية إنتاج إيران النفطي، أي أن إيران حافظت على موارد نفط بقدر مهم ولكن لا يمكن البلد أن يرفع إنتاجه إلى أكثر من ثلاثة ملايين برميل في اليوم، لأن ذلك سيأخذ بعض الوقت بعد إغلاق الآبار. ولكن بعد سنة بإمكان إيران أن تعود إلى إنتاج ٣.٥ مليون برميل في اليوم. والأسواق النفطية مدركة لذلك وتعرف أنها لا يمكن أن تملأ فجاة بفائض من النفط الإيراني.
فهذا يشير إلى أن وزراء أوبيك سيجتمعون في فيينا في ٤ الشهر المقبل على ضوء اتفاق جديد بين إيران والأسرة الدولية مع وزير إيراني جديد قديم هو بيجان زنغنة، فهو معروف لدى المنظمة، إذ أنه سبق وشغل منصب وزير النفط سابقاً في عهد الرئيس محمد خاتمي ومع ممثل إيراني جديد قديم في مجلس محافظي إيران هو كاظم بور أردابيلي الذي سبق لإيران أن رشحته ليكون أمين عام «اوبك» لينافس مرشح الخليج آنذاك الدكتور عدنان شهاب الدين مما عطل انتخاب الإثنين إلى أن تم انتخاب الليبي الحالي عبدالله البدري الذي يتم التجديد له باستمرار، علماً بأنه أنهى مهمته القانونية ولكن التجديد له يحل مشكلة عدم تمكن «أوبك» من تعيين بديل له، علماً بأن المرشح السعودي الدكتور ماجد المنيف لديه كفاءات كبرى لشغل هذا المنصب. ولكن على صعيد أسعار النفط، لن يؤثر الاتفاق بين إيران والدول الست على الملف النووي بشكل أساسي على أسعار النفط العالمية.
الحياة
لا يقل خطراً عن النووي/ موناليزا فريحة
بقدر ما يكتنف الالتباس صيغة الاتفاق بين ايران والدول الكبرى، يسود الغموض الارتدادات المحتملة لـ”الزلزال” النووي على التوازنات في المنطقة ودور ايران المثير للجدل من لبنان الى افغانستان. وبقدر ما يؤذن الاتفاق بحقبة جديدة ونظام اقليمي جديد في المنطقة، يخفي في طياته صواعق موقوتة تفتح المنطقة على مرحلة من أقصى درجات التوتر.
من السابق لأوانه تحديد الرابحين والخاسرين في الاتفاق. الطريق لا يزال طويلا قبل إعلان النتيجة النهائية. عوائق عدة لا تزال تعترض الاتفاق الشامل. الجدل في شأن “الحق” في التخصيب لم يتوقف حتى بعد اعلان الاتفاق المرحلي، ولعل الغموض المتعمد الذي اكتنف نص الاتفاق، لا يحل المشكلة بقدر ما يرجئها الى مرحلة لاحقة.
ومع ذلك، لم يحجب الجدل حول التخصيب، ولا غضب اسرائيل ولا التحفظ الخليجي، ترحيب العالم بالاتفاق، وإن يكن بعضه مجرد تمنيات. فما من دولة، كانة ما كانت مصالحها، لا يمكنها إلا أن ترحب بتقليص الخطر النووي وإبعاد هذه الكأس المرة عن البشرية. ولكن كان ممكناً توسيع شبكة الامان هذه، لو لم تسع واشنطن الى النظر الى اتفاقها مع ايران من زاوية سعيها الى تقليص الطموحات النووية للجمهورية الاسلامية وتجنب حرب جديدة في المنطقة.
وفي مقاربة ضيقة كهذه، يكمن الوجه الاخر للاتفاق. فلا شك في ان ايران، بتحررها التدريجي المرتقب من العقوبات، وتحولها بالمعايير الاميركية من دولة راعية للارهاب تتزعم “محور الشر” الى “حليف طبيعي”، ستصير أغنى وأقوى مما كانت. وفي منطقة تشهد صراعا مذهبيا على النفوذ، قد تجد الجمهورية الاسلامية نفسها أكثر قدرة على دعم حلفائها في لبنان والعراق وسوريا، وتاليا على تأجيج الاتون المذهبي الذي يلهب المنطقة، وزيادة ساحات المواجهات الجهادية وبرك الدم.
ليس واضحا بعد كيف ستستثمر طهران قوتها و”صداقاتها” الجديدة. سوريا مقبلة على سنة قد تكون الاكثر دموية في نزاعها. المعارك تنذر بأنواع جديدة من العنف وسط بروز تحالفات جديدة من القوات الاسلامية التي ترص صفوفها لمحاربة قوات النظام التي تحظى بدعم أساسي من ايران وحلفائها.
لا شك في أن طهران قادرة على مواصلة دعمها النظام السوري، وربما زيادة الدعم ايضا بعد التحرر التدريجي لاموالها. لكنها ايضا قادرة على وضع حد للاقتتال ونتائجه الكارثية على المنطقة. فاذا وافقت على رحيل الاسد من السلطة وتأليف حكومة انتقالية، تصير فرص الحل الديبلوماسي حقيقية، ويصيرعقد مؤتمر “جنيف – 2” ذا جدوى حقيقية.
بعد الاتفاق المرحلي، تقع على الغرب، راعي الاتفاق، مسؤولية كبيرة في بناء الثقة بين طهران وخصومها في المنطقة. أما اذا اكتفى بانتزاع وقف ملتبس لنشاطات التخصيب من ايران، ومضى في تجاهل طموحاتها الاخرى في المنطقة، بما فيها نشاطاتها في سوريا، فيخشى أن تفرّخ في المنطقة “محاور شر” لا تقل دمارا عن النووي.
النهار
ما بعد “النصر الإلهي” النووي/ عبد الوهاب بدرخان
ها هو “الاتفاق النووي” وما يستتبعه اقليمياً يضاف الى الجدل بين مَن يزايد ومَن يناقص في “تأمرك” ايران أو “أرينة” اميركا. كان في المنطقة مشروع حرب، ضد النظام السوري أو ضد النظام الايراني، وانطوى، موقتاً على الأقل. اشترى بشار الاسد أياماً زائدة لنظامه بالسلاح الكيميائي، وباع ملالي ايران قنبلتهم النووية لقاء رفع العقوبات.
نقل ايران حرباً كانت لتستهدف أرضها الى أرض سوريا، كما فعل الاسد دائماً في لبنان، وارتضى الجميع حرباً بالوكالة جُعل شعب سوريا بكل فئاته وقوداً لها. فتحيّدت ايران، وتحيّدت اسرائيل، وأمكن استبدال “حزب الله” قاتل السوريين بـ “حزب الله” مقاوم العدو الاسرائيلي، ودُمّرت سوريا نظاماً وشعباً واقتصاداً وعمراناً. وهكذا حصل العدو مجاناً على أكثر بكثير مما حلم بتحقيقه في سوريا أو ضدّها. وخرجت ايران محافظة على كل قوتها العسكرية، وعلى انجازها العلمي (النووي) ولو من دون “القنبلة”، فكان من تحصيل الحاصل أن تُكافأ بتخفيف ثم رفع للعقوبات لكن لقاء تنازلات نووية محسوبة، اذ كان الاستمرار في البرنامج يعني المزيد من العقوبات وتدهور الاقتصاد من دون “قنبلة” في المدى القريب.
لا شك أن اليوم التالي لـ “الاتفاق النووي” كان يوماً آخر لا يشبه ما سبقه في ايران، ذاك أن تواطؤ الـ 5+1 معها لتصوير تنازلها انتصاراً وترشيحها لتعود دولة “طبيعية” في المجتمع الدولي يضعانها أمام موجبات وقواعد سلوك لا بدّ أن يبتّ الولي الفقيه اسلوب التعامل معها، وما تستطيع (ولا تستطيع) ايران مواصلته من سياساتها السابقة لـ “الانتصار”. و
من ذلك خصوصاً اعادة “المسألة الاسرائيلية” الى حيّز المصالح الحقيقي – الواقعي واخراجها من توظيف دعائي – ايديولوجي في “المشروع الايراني”. ثم إن هذا “المشروع” نفسه سيخضع للمراجعة، فما كان مفهوماً في السابق لم يعد مبرراً، إلا اذا اعتقدت طهران أن بإمكانها الاستمرار في نهج “تصدير الثورة” أو أن “النفوذ” الذي تدّعيه لا يُصان إلا بتخريب المجتمعات المجاورة وإضاع خياراتها لإملاءات الشحن المذهبي المسلّح.
ايران “الاصلاحية” هي ايران البراغماتية. وعندما أبدى حسن روحاني (بدعم من المرشد) تصميماً على انهاء الأزمة النووية كان يعني أن طهران مستعدّة للتنازل لكن تجب مساعدتها في عملية “الاخراج” الديبلوماسي، وقد حصل. وعندما يكرر روحاني مع وزير خارجيته أن أولويتهما لدول الجوار الخليجي ففي ذلك بُعد نظر لم يشاركهما المرشد فيه حتى الآن، إما لأنه معبّأ بالضغائن الشاهنشاهية أو لأنه يتوقع تكليفاً اميركياً يعيد لايران دور “الشرطي” للخليج، وللشرق الاوسط أيضاً. هذه أحلام كانت لها ظروفها في القرن الماضي ولم تعد.
النهار
بعض حقائق ‘جنيف’ التي تجاهلتها تل ابيب
كتب الكثير عن الاتفاق الذي وقع مؤخرا بين القوى العظمى وايران. لقد أذهلتني اجواء الكآبة التي تسود في البلاد في اعقاب الاتفاق (كما ينعكس في الصحف وفي وسائل الاعلام الاخرى في البلاد).
‘ فالاجواء تمليها في معظمها الحكومة والناطقون بلسانها، وأنا مذهول حقا. هل قرأوا ذات الاتفاق الذي قرأته أنا؟ ألا يعرفون الشروط التي يمليها الاتفاق؟ هل حكومتي لا تعرف العناصر اللازمة لوجود دولة/قوة عظمى نووية؟ هل هذه ردود فعل عاطفية دون التعاطي مع الحقائق؟ هل كل العالم مخطيء، ونحن فقط نعرف المستقبل؟ ‘
إذن ها هي بعض الحقائق التي يعرفها كل الناطقين بلسان الحكومة ويزورونها بنية مبيتة: ‘
1 ـ التهديد النووي الاخطر ينبع من نية ايران تطوير سلاح نووي استنادا الى البلوتونيوم الذي ينتج من المفاعل قيد الانشاء في اراك قرب اصفهان. ويفترض بإنشاء المفاعل أن ينتهي في 2014 وهو سينتج البلوتونيوم بكمية قنبلتين في السنة. فلماذا يعد هذا هو التهديد الاخطر؟ لان القنابل النووية التي تقوم على اساس البلوتونيوم صغيرة بما يكفي لتركيبها على صواريخ شهاب الايرانية التي يمكنها الوصول الى اسرائيل. في الاتفاق المرحلي الموقع تعهدت ايران بوقف كل اعمال البناء في هذا المفاعل. وفي نظري، كان هذا الاختبار الاهم لنوايا ايران، واذا ما نفذ الاتفاق (تحت الرقابة) فعندها يكون تهديد جسيم ازيل عنا. وبالمناسبة، تجدر الاشارة الى أن هذا المفاعل ذكرني بالمبنى والمكان الصحراوي للمفاعل القديم الذي بنيناه في ديمونا قبل نحو خمسين سنة (لمن نسي بان لدينا ايضا يوجد مفاعل). وقد شعرت براحة شديدة حين قرأت هذا البند في الاتفاق.’
2 ـ وماذا عن اليورانيوم المخص. فمنه يمكن بناء قنبلة، أليس كذلك؟ القنابل التي القيت على هيروشيما كانت من هذا النوع. ولكن بتذكيركم هذه القنبلة كانت تزن ستة اطنان، وبعد عشرات السنين من التطوير في الولايات المتحدة، في الاتحاد السوفييتي، في الصين وحتى في الباكستان جرت إذ لم يعد ممكنا التقليص الشديد لحجمها ووزنها، وهي غير قابلة للاطلاق بالصواريخ الموجودة في ايران.
‘عمليا لا توجد اليوم اي قوة عظمى نووية تستند الى سلاح يقوم على اساس اليورانيوم المخصب، وتوجد لذلك عدة اسباب فنية ليس حجم القنبلة فقط بل وايضا مصداقيتها. فأحد لا يريد أن يستخدم سلاحا نوويا غير موثوق لاسباب واضحة. ولهذ فما كنت لاقلق وجوديا من أعمال التخصيب في ايران، التي ورثت التكنولوجيا التي سبق تطويرها واهملت من الباكستان.
’3 ـ ولكن لعل الايرانيون اعتقدوا بانه سيكون بوسعهم الوصول الينا مع قنبلة من اليورانيوم بطائرة قصف وليس بصاروخ؟ لهذا ايضا يوجد جواب في الاتفاق الموقع. فقد تعهد الايرانيون بعدم تخصيب اليورانيوم الى درجة عالية يمكن منها انتاج قنبلة. وحتى التخصيب على درجة منخفضة قيد جدا. ولما كانت احد لا يعتمد فقط على الوعود الايرانية، فقد اتفق على نظام رقابة متشدد من اللجنة الدولية للطاقة الذرية، رقابة على درجة من الشدة والخطورة لم توافق اي دولة اخرى في العالم على مثل هذا الترتيب.
’4 ـ إذن قولوا لي: هل وضعنا تحسن في اعقاب هذا الاتفاق أم لا؟ صحيح، لا يدور الحديث الا عن اتفاق لستة اشهر (سيمدد على ما يبدو أكثر فأكثر) ولكني اشعر أقل تهديدا اليوم. فلماذا حكومتي إذن تواصل الادعاء بانه ارتكب هنا خطأ فظيع؟ أم لعله من المجدي للايرانيين ان يقتنعوا بان الاتفاق جيد وسيقبلونه؟ أم لعله من المجدي صياغة اتفاق دائم بالمستقبل مع شروط افضل؟ أم لعله من المجدي منع ايران من التراجع عن الاتفاق في اللحظة التي يكون مريحا لها ذلك؟ ولكن اذا ما فعلوا ذلك، يكونوا قد عرفوا الثمن الذي سيضطرون الى دفعه. أم أن هذا كان هو السبب للانفجار المفاجيء للطرف الايراني. فمن يعتقد أن الايرانيين أغبياء؟ أنا لا أعتقد.
البروفيسور عوزي ايفن
‘ خبير نووي، بروفيسور كيمياء، نائب عن ميرتس في الكنيست 15
معاريف ’26/11/2013
القدس العربي
الصفقة الايرانية الاميركية: رغبات وكوابيس/ سعد محيو
“يقوم أحدهم بسرقة سترتك، فتصرخ مطالباً باستعادتها، لكن اللص يسرق حينها قبعتك، فتواصل القتال من أجل استعادة السترة لكنك لاتحصل سوى على القبعة. وحينها ستنسى سترتك ولماذا كنت تقاتل في المقام الأول”.
هكذا أطلَّ حسين شريعتمداري، رئيس تحرير صحيفة كايهان الإيرانية المحافظة، على الصفقة النووية الإيرانية- الغربية: الغرب يسرق حقوق إيران النووية، ثم يتفاوض على بعض هذه السرقات. وهذا ما جعل إيران، برأيه، تفقد زمام المبادرة في المفاوضات.
بالطبع، هذا الموقف، الذي ربما يعبّر عن رأي المعسكر المحافظ الإيراني، وفي مقدمه قطاعات واسعة من الحرس الثوري الإيراني التي كانت تثرى من العقوبات الدولية على إيران، يتناقض حرفاً بحرف مع أناشيد النصر التي تغنى بها الرئيس روحاني ورحب بها المرشد خامنئي، اللذان اعتبرا أن إيران حققت نصراً باهراً في هذه الصفقة لأن الغرب اعترف فيها بالدولة الإيرانية كقوة نووية، ولأنها (الصفقة) “كسرت ظهر العقوبات عليها”.
الحقيقة تبدو في منزلة بين منزلين في هذين الموقفين. فإيران قدّمت بالفعل في هذا الاتفاق المؤقت الذي سيدوم ستة أشهر(هذا إذا لم يتحوّل المؤقت إلى دائم)، تنازلات جمة ليس فقط على صعيد وقف تخصيب اليورانيوم بأكثر من 5 في المئة، و”تحييد” مخزونها من اليورانيوم المخصب بمعدل 20 في المئة، والحد من أجهزة الطرد المركزي، ووقف العمل في مفاعل أراك للمياه الثقيلة، بل أولاً وأساساً في قبول أجراءات التفتيش الدولي بشكل يومي في كل منشآتها النووية. وهذا في مقابل رفع “مؤقت وجزئي وقابل للإلغاء” للعقوبات الدولية.
وهذا مايعزز وجهة نظر المحافظين الإيرانيين بأن الغرب يبيع إيران ما يسرق منها.
لكن في المقابل، خامنئي وروحاني على حق أيضا. فالصفقة تترك بالفعل كل البنى التحتية النووية الإيرانية كما هي وبلا خدوش، الأمر الذي لن يعيق اندفاعة إيران لحيازة السلاح النووي بأكثر من شهر أو أقل إذا ما قررت ذلك، في الوقت الذي تبدأ فيه هي بتقويض كل نظام العقوبات الدقيق الذي انفقت الولايات المتحدة سنوات طوال في إشادته لبنة لبنة.
وفوق هذا وذاك، وحتى لو توصلت إيران والدول الخمس زائد واحد إلى اتفاق نهائي في نهاية الأشهر الستة يقفل نهائياً ملفها النووي، فإن كماً هائلاً من المصادر الغربية والشرقية تؤكد أنها امتلكت بالفعل المعرفة النووية (Know- how ) وباتت قادرة في أي وقت على صناعة القنبلة خلال أسابيع.
الآن، طالما الصورة على هذا النحو، وطالما أن الصفقة، الآنية المؤقتة واللاحقة “الدائمة”، مهددة في أي وقت بالأنهيار إما بفعل مقاومة الداخل الإيراني (الحرس الثوري) والاميركي(الكونغرس)، أو ممانعة الخارج الإسرائيلي والسعودي والتركي والمصري، فلماذا كل هذا الحماسة الغربية والإيرانية لوصف هذه الصفقة بأنها “إنجاز تاريخي”، وليس “خطأ تاريخيا” حسب وصف بنيامين نتنياهو؟
ببساطة لأنها تحمل في طياتها فرص إبرام “تفاهم تاريخي” بين واشنطن وطهران، لا يكون فيه الاتفاق النووي سوى جزء من كلٍ أكثر تعقيدا.
بكلمات أوضح: الصفقة النووية، في حال سار كل شيء على مايرام ولم تنسفها الألغام الكثيرة المزروعة على طريقها، ستعطي أميركا فرصة إعادة دمج إيران في النظام الدولي كدولة طبيعة لامارقة وفق شروطها، وستعطي إيران ليس فقط طوق النجاة من الانهيار الاقتصادي- الاجتماعي وحسب بل أيضاً دوراً إقليمياً معترفاً به دوليا.
إذا ماتوصل الطرفان إلى مثل هذه “الصفقة الكبرى”، سيكون الشرق الأوسط على موعد بالفعل مع نظام إقليمي جديد وتحالفات دولية- إقليمية قد لاتخطر الآن على بال.
لكن، دون هذه المحصلة التاريخية عقبات تاريخية كبرى، تبدأ بقبول إيران بأن تغيّر نظامها بنفسها، وأن ترحب بها إسرائيل وباقي دول المنطقة كطرف رئيس في نظام إقليمي عتيد.
وهذا ما يبدو الآن تفكيراً رغائبياً في بعض طهران وبعض واشنطن، وأحلاماً كابوسية في تل أبيب والرياض والقاهرة.
المدن
الصفقة الأميركية ـ الإيرانية.. أسئلة الفزع!/ يوسف الديني
سيل عرم من التعليقات على نتائج المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة، أغلبها جاء في سياق الحذر والخوف من تحولات ضخمة في المنطقة تمس دول الخليج الحليف الأبرز، إلا أن هذه المخاوف هي قراءات تبدو «رغبوية» من قبل «تجار شنط» السياسة الذين يحاولون تضخيم ما حصل بعده تحولا ناجزا بينما هو مرتبط بتحسن السلوك الإيراني، وهو الأمر الذي تفسره القراءة الرسمية للحدث، من خلال ما صدر عن مجلس الوزراء الذي تمحور حول «قد» تعطي السعودية الفرصة وتبدي القلق في الوقت ذاته.
أعتقد أن الزاوية المهمة التي يمكن قراءة ما حدث من خلالها، هي زاوية «الاقتصاد السياسي» من كلا الطرفين مع أفضلية للجانب الإيراني الذي يحاول تحديد هدفه برفع العقوبات الاقتصادية عن كاهله، التي إن استمرت – رغم تماسك الدولة في سياستها الخارجية وتصلبها – ستؤدي حتما إلى تصدعات داخلية عميقة في بنية المجتمع الذي يمر منذ ربيعه غير المنجز بسلسلة من التحولات البنيوية.
التحسن الاقتصادي، المبني على رفع العقوبات، مبني على ركيزة أساسية وهي التراجع في الاندفاع نحو امتلاك السلاح النووي، وهو ما يعني أن إيران اشترت الاستقرار الداخلي بتسويف برنامجها النووي إلى أجل؛ وهو ما ينعكس سريعا على الاقتصاد الإيراني في حال ارتفعت العملة الوطنية ورفع الحظر عن التعامل مع البنك الإيراني المركزي؛ وهي أهداف كان الناخبون يعلمون أن اختيار شخص روحاني هو بهدف رفع العقوبات وتحسين الاقتصاد وأولوية الداخل، وذلك كله عبر بوابة السياسة الناعمة التي تفضي إلى إعادة انتعاش الاقتصاد، المعتمد بصورة أساسية على تصدير النفط الذي يشكل 90 في المائة، ومن ثم فإن رفع العقوبات سيساهم في تحسين الصناعة النفطية في إيران بشكل عام.
ما يزيد على ثلاثة مليارات دولار أصولا إيرانية مجمدة سيجري الإفراج عنها. ويتوقع المحللون الاقتصاديون أن تصدر إيران ما قيمته سبعة مليارات دولار خلال الفترة الاختبارية للسلوك الإيراني، وهو بلا شك رقم سينعكس على الداخل في حال استطاع الرئيس الإيراني حسن روحاني إسكات أجنحة الصقور التي لا ترى فيما حدث إلا انتصارا رمزيا على «الشيطان الأكبر».
الأكيد، أن الصفقة ليست ناجزة، وأوباما وإدارته يسيران معزولين عن ثلاثة سياقات مهمة: سياق داخلي متمثل في تجاوز الكونغرس، وسياق أوروبي رأيناه في إفشال محاولات وزير الخارجية الفرنسي إعاقة الاندفاع الأميركي تجاه طهران.
السياق الثالث، وهو الأهم، أن خطوة الولايات المتحدة المنفردة أسست لرؤية جديدة في الخليج، بدأت تتبلور، حول طبيعة التحالفات التاريخية التي تشكلت منذ الحرب الباردة، وأن ما يحدث الآن، وهو سياق جديد، بحاجة إلى رؤية تستلهم طبيعة المستجدات على الأرض، لا سيما أن العلاقة الأميركية – الإيرانية لا يمكن أن تكون ثنائية في ظل ارتباط كل طرف بحزمة هائلة من التدخلات في قضايا سياسية متشابكة؛ التحالف الإقليمي، ملف سوريا، التمدد الإيراني، وأيضا الخروج الكبير الأميركي من قواعده في العراق وأفغانستان.. إلخ، وهو ما يؤكد أن صفقة اقتصادية ذات بعد سياسي يجب أن تقلقنا جدا، لكنها لا تستدعي كل هذا الفزع!
الشرق الأوسط
الأسد بعد اتفاق إيران/ طارق الحميد
من الطبيعي أن تنصب الأسئلة الآن على مصير الأزمة السورية، وتحديدا مصير نظام بشار الأسد بعد اتفاق الستة أشهر بين إيران والغرب حول الملف النووي، فهل يشكل هذا الاتفاق خطورة على الأسد ويسرع بحل الأزمة السورية، أم أنه يضمن سلامة الأسد لفترة مقبلة؟
هناك رؤى مختلفة، وتباين في القراءات حول هذا الموضوع، وبالطبع كان من اللافت الإعلان عن موعد «جنيف 2» بعد اتفاق إيران مع الغرب بقرابة 24 ساعة. سألت دبلوماسيا أوروبيا عن رأيه في ذلك، فقال إن الأسد الآن تحت ثلاث مظلات تشكل له حماية للاستمرار لفترة أطول مما ينبغي.
يقول الدبلوماسي إن أول مظلة هي اتفاق التخلص من الكيماوي الذي جرى برعاية روسية – أميركية، وهذا يتطلب وقتا على الأقل إلى منتصف 2014. والمظلة الثانية هي مؤتمر «جنيف 2»، إذا عقد في موعده فعليا، وما قد ينتج عنه من قرارات، وبالطبع الجدول الزمني المطلوب لتنفيذها، وما الدور الإيراني فيها. والمظلة الثالثة هي الاتفاق الإيراني – الغربي حول ملف طهران النووي، حيث يقول الدبلوماسي إنه يتطلب وقتا، ولا أحد يعرف تماما ما جرى الاتفاق عليه بين واشنطن وطهران ليس في جنيف، وإنما في الاجتماعات الخمسة السرية التي جرت بين البلدين في مسقط!
وهنا يقول الدبلوماسي، إن الاتفاق الإيراني – الغربي هو أساسا، حسب المعلن، اتفاق حسن نيات، فهل يقدم الأميركيون على القيام بأمر يفسد الاتفاق مع إيران للتخلص من الأسد؟ ويجيب الدبلوماسي بأنه لا يوجد مؤشر أساسا على حرص الأميركيين على ذلك! وبالتالي من الصعب تخيل أن تقدم الإدارة الأميركية على عمل يعرقل مفاوضاتها مع إيران، خصوصا أن اتفاق الستة أشهر مع إيران يعني أن هناك مشوارا تفاوضيا طويلا أمام طهران وواشنطن.
عربيا يقول لي مسؤول عربي كبير على دراية بطبيعة علاقات إيران بالأسد: «سيكون نظام الأسد بمثابة الأحمق لو اطمأن لحظة لأي تقارب إيراني – أميركي»! ويقول المسؤول، إن إيران تدخل مفاوضات مهمة، بينما حليفها الأساسي بالمنطقة الأسد ضعيف جدا. وبالطبع هناك من يرى أن أفضل فرص إيران، وحتى الروس، هي الحفاظ على ما تبقى من النظام في سوريا، ومن دون الأسد، وخصوصا أن الأسد غير قابل للاستمرار، ولأسباب كثيرة. وعليه فنحن الآن أمام عامل الوقت، وهو دائما لعبة الأسد، فنحن الآن أمام ثلاث اتفاقات تتطلب مزيدا من الوقت، وهي إزالة الكيماوي بسوريا، واتفاق إيران والغرب، وهناك مؤتمر «جنيف 2» المقبل، وكل ذلك يدفع بحلول الأزمة السورية إلى منتصف 2014، وهو موعد الانتخابات الرئاسية هناك، والذي قد يمثل حلا للجميع، إيران والروس، وحتى الأميركيين، لخروج الأسد بأقل الأضرار، حيث لا مخاطرة أميركية، ولا خسارة كاملة للإيرانيين والروس، ولا انتصار واضحا لـ«الثورة» والثوار السوريين.
وكل ذلك يقول إننا أمام لعبة الوقت ما لم يحدث أمر ما على الأرض في سوريا يغير سير الوقائع والأحداث هناك.
الشرق الأوسط
“الشيطان الأكبر” يقابل “محور الشر” ويتفق معه
(رويترز)
امتد السهر ليل السبت إلى صباح الأحد وقد جاوزت المحادثات المستمرة منذ أربعة أيام بخصوص برنامج إيران النووي المواعيد المقررة بالفعل وطغت على الوقت الذي كان فندق إنتركونتننتال جنيف قد خصصه لحدث آخر. كان حفل أقيم لجمع المال لأنشطة خيرية يسدل ستاره في مشرب فوق بهو الفندق والفرقة الموسيقية تؤدي في ختام الحفل أغنية جوني كاش “سقطت في حفرة من نار متأججة” والديبلوماسيون المنهكون ما زالوا يحاولون في قاعات المؤتمرات المجاورة وضع اللمسات الأخيرة على اتفاق.
خرج المفاوضون من قاعاتهم يشكون من أن بهو الفندق تفوح منه رائحة الجعة. وقرابة الثانية صباحا استدعي وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظراؤه البريطاني والصيني والفرنسي والألماني والروسي إلى قاعة للمؤتمرات لإقرار النص النهائي للاتفاق الذي يخفف العقوبات عن إيران بعض الشيء، مقابل فرض قيود على برنامجها النووي.
وفي اللحظة الأخيرة بعد أن تجمع الوزراء في القاعة، اتصل مسؤول إيراني طالبا إجراء تعديلات. ورفض مفاوضو القوى العالمية. وأخيرا أبلغ الوزراء بانتهاء الخلاف وأصبح الاتفاق الذي استغرق الوصول إليه عشر سنوات جاهزا للتوقيع بعد طول عناء. لكن المفاوضات لم تنته بتوقيع هذا الاتفاق المؤقت إذ ما زال على الطرفين التوصل إلى اتفاق نهائي يبدد تماما الشكوك في برنامج إيران النووي.
وقال كيري للصحافيين “الآن تبدأ المرحلة الصعبة حقا. نحن نعرف هذا. تحسن يمثل الاتفاق أهم تحسن في العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران فيما يزيد على 30 سنة منذ احتجز الطلبة الثوريون الإيرانيون 52 أميركيا رهائن في السفارة الأميركية في طهران. لكنه كاد ألا يكتمل. فحتى اليوم الأخير كان لا يزال هناك كثير من العمل ينبغي إنجازه عندما وصل وزير الخارجية الأميركي جون كيري لينضم إلى وزراء خارجية بريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا وروسيا. وكان المسؤولون من عدد من هذه الدول يشكون في التوصل إلى اتفاق. وقال ديبلوماسيون أوروبيون بنبرة تنم عن استياء إن وزارء خارجيتهم لم يشأوا القدوم إلا في وجود نص نهائي جاهز، لكنهم اضطروا للحضور على أي حال عندما وصل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يوم الجمعة. وعندما وصل وزراء الخارجية تم اجلاء بعض كبار الديبلوماسيين والصحافيين من غرفهم في الفندق لإفساح المكان لهم.
بعد وصول كيري يوم السبت التقى الوزير الأميركي نظيره الإيراني محمد جواد ظريف ومسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون التي قادت وفد القوى الكبرى التفاوضي. وأفاد مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأميركية ان كيري أبلغ ظريف أن لا مجال للمزيد من التأخير فستدعو إدارة الرئيس باراك أوباما لفرض مزيد من العقوبات المشددة على إيران ما لم يتم التوصل إلى اتفاق الآن. ويطالب بعض أعضاء الكونغرس بتشديد العقوبات وقد ينضم البيت الأبيض إليهم. وقال مسؤول وزارة الخارجية إن كيري أوضح أن “لا سبيل لمنع العقوبات الجديدة لإفساح المجال لجولة جديدة من المحادثات وسنقود الحملة لفرض مزيد من العقوبات ما لم نتوصل إلى اتفاق”.
وبحلول مساء السبت، كان النص النهائي حظي بموافقة أوباما شخصيا في واشنطن. وفي علامة على حجم المجازفة التي تقدم عليها الإدارة الأميركية استنكرت إسرائيل حليفة الولايات المتحدة الأساسية في الشرق الأوسط الاتفاق الذي وصفته بأنه “خطأ تاريخي” قائلة إنه يخفف العقوبات دون تفكيك برنامج إيران النووي. لكن أوباما قال إن الاتفاق يضع حدودا لبرنامج إيران النووي يصعب عليها معها أن تصنع سلاحا ويسهل على العالم أن يعرف إن حاولت. أضاف متحدثا أمام الإعلام في وقت متأخر في البيت الأبيض بعد التوصل إلى الاتفاق “إنه ببساطة يقطع الطرق التي يرجح أن تسلكها إيران للوصول إلى القنبلة”. ولم يكن أوباما وحده من يجازف. فقد وعد الرئيس الإيراني الجديد المعتدل نسبيا حسن روحاني مواطنيه عندما انتخب في حزيران ونصب في آب بتخفيف العقوبات التي تكبل اقتصاد بلدهم. لكن إيران استثمرت مليارات الدولارات في البرنامج النووي الذي تعتقد مؤسستها الدينية والعسكرية أنه أساس راسخ للكبرياء الوطنية.
وقبل إيفاد ظريف إلى جنيف عقد هو وروحاني اجتماعا مع الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي الذي لا بد من الحصول على موافقته على أي اتفاق. وقال مسؤول إيراني سابق يمت بقرابة عائلية لخامنئي “الشغل الشاغل للزعيم هو كتلة أنصاره الأساسيين الذين يعتقدون جازمين أنه ينبغي عدم عقد أي اتفاق مع أميركا ويراقبون التطورات عن كثب بحثا عن نقطة ضعف أو فشل ينسبونه إلى المفاوضين لخيانتهم القيادة”.
محادثات سرية
كان من بين العوامل التي أفضت إلى الاتفاق محادثات سرية أجريت مع إيران على مدى شهور في أماكن غير متوقعة مثل سلطنة عمان واستخدم خلالها المسؤولون الأميركيون الطائرات العسكرية والمداخل الجانبية ومصاعد الخدمة للحفاظ على السرية. وقد أكد مسؤولون أميركيون ومسؤول إيراني سابق إجراء هذه المحادثات التي كانت أهم اتصال في ما يزيد على 30 عاما وصفت إيران الولايات المتحدة خلالها بأنها “الشيطان الأكبر” ووصفت الولايات المتحدة إيران بأنها جزء من “محور الشر” مع العراق وكوريا الشمالية. وهي تكشف عن رغبة أميركية ترجع إلى بداية إدارة أوباما في كانون الثاني 2009 لاستكشاف السبل التي قد تفضي إلى مصالحة بين البلدين اللذين يتناصبان العداء منذ في النهاية ما كان ممكنا إجراء مفاوضات دون موافقة الزعيم الأعلى خامنئي1979 وكانا قبلها حليفين.
وأفاد المسؤول الأميركي الذي تحدث شرطة عدم الإفصاح عن اسمه أن من بين المسؤولين الذين شاركوا في هذه الجهود وليام بيرنز نائب وزير الخارجية وجيك سوليفان مستشار الأمن القومي لنائب الرئيس الأميركي جو بايندن.
وقال المسؤول إن الرجلين اجتمعا يرافقهما في بعض الأحيان مسؤولون آخرون مثل بونيت تالوار عضو مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض مع المسؤولين الإيرانيين خمس مرات على الأقل هذا العام. وأضاف أن بيرنز وسوليفان وخبراء فنيين وصلوا إلى العاصمة العمانية مسقط في مارس/ آذار بطائرة عسكرية حفاظا على السرية لمقابلة الإيرانيين. وكان هذا قبل انتخاب روحاني بشهور وهو ما يمثل علامة على أن المسؤولين الإيرانيين كانوا قد بدأوا يتقبلون فكرة المحادثات بالفعل قبل توليه السلطة. وكان من بين أسباب فوز روحاني على مرشحين أكثر تشددا الأمل في أن يتمكن من تخفيف العقوبات التي يتزايد تأثيرها الخانق على الاقتصاد الإيراني منذ أن شددتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في 2011 لتشمل صادرات النفط ذات الأهمية الحاسمة للاقتصاد. وحل روحاني الذي كان في وقت من الأوقات رئيسا لوفد إيران في المفاوضات النووية محل الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد الذي كان أميل لأسلوب الصدام. لكن في النهاية ما كان ممكنا إجراء مفاوضات دون موافقة الزعيم الأعلى خامنئي.
الضوء الأخضر
وقال مسؤول إيراني سابق شارك في إحدى جولات المحادثات السرية “منحهم الزعيم الضوء الأخضر لكنه لم يكن متفائلا بخصوص النتيجة”. وأضاف أن أصعب اجتماع كان الاجتماع الأول بسبب تشكك خامنئي. وكانت قناة عمان نفسها مفتوحة برعاية كيري الذي زار السلطنة سرا لمقابلة مسؤولين عمانيين بصفته رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي قبل أن يتولى وزارة الخارجية. وبعد أن حل كيري في أول شباط محل هيلاري كلينتون في وزارة الخارجية تقرر استمرار قناة عمان كعامل مساعد للمحادثات المتعددة الأطراف التي تقودها مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي أشتون نيابة عن الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي وألمانيا وهي المجموعة المعروفة باسم خمسة زائد واحد.
وزار كيري سلطنة عمان بنفسه في أيار لإجراء محادثات مع المسؤولين العمانيين. وقرابة الوقت الذي تولى فيه كيري وزارة الخارجية بعث علي أكبر صالحي وزير الخارجية الإيراني آنذاك في عهد أحمدي نجاد رسالة غير عادية من ثلاث صفحات بخط اليد إلى خامنئي يدعو فيها إلى إجراء “مناقشات موسعة مع الولايات المتحدة”.
وقالت مصادر إن الزعيم الأعلى بعث برغم شكه في إمكان نجاح مثل هذا المسار ردا إلى صالحي وبقية أعضاء مجلس الوزراء يفيد بأنه غير متفائل لكنه لن يعترض سبيلهم إذا عملوا بهذه المبادرة. وقال مصدر يعرف صالحي ورأى الرسالة “خاطر صالحي بمستقبله السياسي بل وبأمنه الشخصي. لكنه قال إن هذه الرسالة ستسجل في التاريخ”.
وفي آب عين روحاني صالحي رئيسا لهيئة الطاقة الذرية الإيرانية. وقال المسؤول الأميركي الكبير إن أربعة من الاجتماعات الأميركية الإيرانية السرية عقدت بعد تولي روحاني منصبه في آب وهو ما يمثل علامة على أن الولايات المتحدة كانت تحاول أن تستغل الفرصة التي أتاحها تولي الرئيس الجديد.
والتقى كيري مع وزير الخارجية الإيراني في الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول وبعدها بقليل تحادث أوباما وروحاني هاتفيا في أرفع اتصال بين الولايات المتحدة وإيران منذ ثورة 1979 الإسلامية. وتحدث كيري مع وزير الخارجية الإيراني هاتفيا كذلك في 25 تشرين الأول والثاني من تشرين الثاني ولم تكشف وزارة الخارجية الأميركية آنذاك عن فحوى محادثاتهما.
وشهدت الشهور الأخيرة كذلك تغيرا ملحوظا في لغة الجسد عند وجود ديبلوماسيين من الولايات المتحدة وإيران في الغرفة نفسها. فأيا تكن العلاقات بين البلدين يسلك المسؤولون من الجانبين الآن سلوكا عاديا. وخلال محادثات أجريت في جنيف في وقت سابق هذا الشهر رصدت رويترز وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية وندي شيرمان يتبادل الحديث منفردا في بهو فندق مع نائب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي. ولم تكن مثل هذه اللقاءات الودية العرضية في العلن أمرا يمكن تصوره قبل أشهر قليلة. ومع ذلك كانت الولايات المتحدة حريصة على استمرار إحاطة دور بيرنز وسوليفان بالسرية إلى حد أنها أوفدتهما إلى جنيف مرتين هذا الشهر للمشاركة في محادثات موسعة بين إيران والقوى الكبرى دون أن تدرج اسميهما في قائمة الوفد الرسمي وجعلتهما يستخدمان مداخل جانبية للفندق ومصاعد الخدمة حفاظا على السرية.
الدفعة الأخيرة، عندما آن أوان الدفعة الأخيرة في جنيف توقع الديبلوماسيون ألا يحضر رؤساؤهم وزراء الخارجية إلى أن يكتمل النص النهائي تقريبا.
وانتظر الصحافيون انتظارا مكلفا يثقل على جيوبهم بأسعار المشروبات في الفندق. وحتى بعد وصول وزراء الخارجية لم يبد المسؤولون تفاؤلا بخصوص إمكان التوصل إلى اتفاق في اليوم الأخير. وقال وزير الخارجية الألماني غيدو فسترفيله ان “الاتفاق ليس مضمونا. ثمة فرصة واقعية لكن ما زال يتعين إنجاز كثير من العمل”.
ومن بين أسباب الخلاف الأخيرة مفاعل الماء الثقيل الإيراني في اراك الذي تشتبه الدول الغربية في أن إيران قد تننج فيه يوما البلوتونيوم اللازم لصنع قنبلة. وقال وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ “تبين أن تعيين الحدود لذلك وتحديد ما ينبغي أن يحدث هناك في فترة الأشهر الستة مهمة صعبة. لكن ذلك اتفق عليه الآن. وكان حل هذه المشكلة، مما ساهم في فتح السبيل أمام الاتفاق”.
وكان المسؤولون الفرنسيون يطالبون في العلن باتخاذ موقف متشدد من إيران، لكن ديبلوماسيين غربيين عدة قالوا إن الفرنسيين كانوا أكثر مرونة وراء الأبواب المغلقة. وكانت أراك مشكلة صعبة لكنها لم تكن أصعب المشاكل. فقد كانت إيران والقوى الكبرى ما زالت في حاجة إلى إيجاد صيغة مقبولة للجانبين بخصوص ما تعتبره إيران حقها الأساسي في تخصيب اليورانيوم. وقال عضو كبير في الوفد الإيراني إن ظريف عقد قبل توجهه إلى جنيف اجتماعا حاسما مع خامنئي في حضور روحاني. أضاف “أكد الزعيم أهمية احترام حق إيران في تخصيب اليورانيوم وأنه يساند الوفد ما دام يحترم هذا الخط الأحمر”.
وأفاد مصدر آخر في إيران أن ظريف وروحاني وكبار حلفائهما عقدوا في وقت لاحق اجتماعا استمر ثلاث ساعات وناقشوا “حلول إنقاذ ماء الوجه” المختلفة في ما يخص الصياغات التي يتوخون أن تكون مقبولة للجانبين. وجاء في اتفاق الأحد أن إيران والقوى الكبرى تهدف إلى الوصول إلى اتفاق نهائي “يشمل برنامجا للتخصيب معرفا بطريقة مشتركة ويتفق الجانبان على قيمه المتغيرة بحيث تتفق مع الحاجات العملية كما يتفقان على حدود نطاق أنشطة التخصيب ومستواها وقدرتها ومكان تنفيذها ومخزونات اليورانيوم المخصب لفترة محددة يتفق عليها”. ويمكن المسؤولين الإيرانيين أن يشيروا إلى ذكر برنامج التخصيب على أنه نصر لهم يبين أنه سيسمح لهم بالاحتفاظ به. ويقول المسؤولون الغربيون إن الاتفاق لا يعني شيئا من ذلك ويؤكدون أن كل الحدود معينة في النص. وتبرز خلافات التفسير مدى صعوبة التقدم نحو اتفاق نهائي يحل الخلافات حلا نهائيا. وقد يتعثر التقدم بسهولة. ومع ذلك يمثل الاتفاق بالنسبة إلى من يلتزمون به من الجانبين نصرا تاريخيا.
وقال المسؤول الإيراني السابق الذي شارك في المحادثات السرية مع الولايات المتحدة “جازفنا لكننا فزنا”.
حسابات الربح والخسارة في الاتفاق النووي/ محمد السعيد إدريس
الاتفاق الذي تم التوصل إليه فجر يوم الأحد (24 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري) في جنيف بين مجموعة “5+1″ وإيران حول البرنامج النووي الإيراني، ترك اصداء قوية إقليمياً ودولياً، وعلى الأخص بالنسبة لكل من إبران و”إسرائيل” . وإذا كان الإيرانيون قد استقبلوا هذا الاتفاق بترحيب حذر، فإن “الهلع” كان رد فعل “إسرائيل”، ونستطيع من خلال تحليل مضمون هذا الاتفاق الخروج بنتيجة مهمة مفادها أن إيران استطاعت أن تحصل من خلال هذا الاتفاق، الذي يعد مجرد اتفاق مرحلي لستة أشهر، على ما يمكن وصفه ب “اعتراف ضمني” بحقها في تخصيب اليورانيوم، وهو الحق الذي أكد المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية على خامنئي بأنه “خط أحمر” .
فقد نص الاتفاق الذي تم الوصل إليه على وقف إيران عمليات تخصيب اليورانيوم فوق نسبة 5% مقابل تخفيف محدود للعقوبات المفروضة على إيران . والقول بوقف عمليات تخصيب اليورانيوم فوق نسبة 5% يعني استمرار تخصيب اليورانيوم إلى مستوى ال 5%، وهذا ما عدّه الإيرانيون اعترافاً بحقها في التخصيب . ومن هنا جاء حديث وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أن بلاده ستعلق تخصيب اليورانيوم إلى مستوى ال 20% لمدة ستة أشهر، مع الاستمرار في أجزاء أخرى من برنامج التخصيب . ما يفهم من هذا التصريح أن إيران ترى أن الاتفاق اعترف بحقها في التخصيب عند حدود ال 5%، وأن وقف التخصيب عند حدود ال 20% ليس وقفاً نهائياً، ولكنه وقف مؤقت لمدة الستة أشهر المحددة في الاتفاق، ما يعني أنه بعد انقضاء هذه المدة لن تكون إيران ملزمة بوقف عمليات التخصيب إلى مستوى ال 20% وإذا حدث ذلك فإنه سيكون ضمن شروط جديدة ومكاسب جديدة لإيران .
إيران دعمت هذا المكسب بمكسب آخر يتعلق بعدم التعرض لمخزونها من اليورانيوم المخصب عند مستوى 20% . ومن ثم فإن هذا المخزون سيكون ورقة مساومة قوية، بعد انقضاء مدة الستة أشهر الاختبارية والعودة مجدداً إلى مائدة المفاوضات . أما المكسب الثالث فهو مكسب تخفيف العقوبات المفروضة عليها بما قيمته سبعة مليارات دولار في شكل تبادل تجاري .
هذه المكاسب الإيرانية حاول الطرف الآخر التقليل من شأنها من ناحية، والتعامل مع الاتفاق باعتباره خطوة أولية مهمة نحو “عالم أكثر أمناً” على نحو ما جاء على لسان الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي رأى الاتفاق “خطوة أولى مهمة في اتجاه التوصل إلى حل شامل للبرنامج النووي الإيراني” . ورأى أن الاتفاق سيمنع إيران من تصنيع قنبلة نووية، وجدد الدعوة للكونغرس بعدم التصويت على عقوبات جديدة على إيران . أما جون كيري وزير الخارجية الأمريكي فقد توافق مع رئيسه على أن الاتفاق سيجعل من الصعب على إيران الاندفاع نحو صنع سلاح نووي، لكنه زاد على ذلك توضيحه لعلاقة الاتفاق بالاعتراف بحق إيران في تخصيب اليورانيوم . فعلى العكس من الفهم الإيراني، رأى كيري أن هذا الاتفاق “لا يضمن أي اعتراف بحق إيران في التخصيب” ومن هنا جاء توضيح مسؤول أمريكي رفيع ضمن وفد التفاوض الأمريكي بأن الاتفاق “لا يعترف بحق إيران في التخصيب وإنما يعترف ببرنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني” .
هذا الاختلاف على هذه المسألة الجوهرية الخاصة بحق إيران في التخصيب يعكس مدى مركزية هذا الموضوع، ولكنه من ناحية أخرى وإن كان يتضمن ما يمكن عدّه إقراراً أو اعترافاً ضمنياً بحق إيران في التخصيب، إلا أنه يكشف أيضاً أن الاتفاق ليس إلا مجرد اتفاق اختباري مرحلي لإيران، وأنه لا يخرج عن كونه اختباراً لحسن نيّات الطرفين . فعلى سبيل المثال سيبقى الاتفاق مهدداً بتجاهل الكونغرس لمطالب الرئيس الأمريكي بالتوقف عن فرض عقوبات جديدة على إيران، فإذا اتخذ الكونغرس قراراً بعقوبات جديدة فستكون إيران غير ملتزمة بما تم الاتفاق عليه، وخصوصاً وقف التخصيب إلى ما فوق ال 5%، لكن الأهم هو وقف التطوير في مفاعل آراك للأبحاث الطبية الذي يعمل بالماء الثقيل والذي ينظر إليه على أنه قادر على إنتاج قنبلة نووية .
الاتفاق على هذا النحو يمكن اعتباره “حلاً وسطاً” بين الرؤية الفرنسية الأقرب إلى الموقف “الإسرائيلي” ومواقف دول عربية، وبين الرؤية الأمريكية – البريطانية . فمتابعة الموقف الفرنسي خاصة جولة المفاوضات التي سبقت جولة فجر الأحد الماضي (24/11/2013)، وتصريحات الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، خلال زيارته للكيان الصهيوني قبل عشرة أيام تقريباً، تكشف أن فرنسا لم تكن تبحث عن تسوية حل وسط مع الإيرانيين، وإنما عن محاولة تفكيك البرنامج النووي الإيراني إن أمكن، مع الإبقاء على الحصار والعقوبات .
أما الرؤية الأمريكية – البريطانية المدعومة من روسيا والصين وألمانيا، فهي رؤية البحث عن حل وسط من خلال اختبار النيّات الإيرانية وبالتحديد ما يتعلق بنية إيران في تصنيع أو عدم تصنيع قنبلة نووية . هذه الرؤية مضمونها احتواء البرنامج النووي الإيراني مع ميل لفهم يمكن وصفه ب “الايجابي” لنص المادة الرابعة من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، باتجاه يعطي للدولة الموقعة على هذه المعاهدة الحق في تخصيب اليورانيوم عند الحدود التي تضمن وتؤمن “سلمية” البرنامج النووي .
هذا الاتفاق تراه “إسرائيل” شديد السوء، لأنه لم يأخذ بالمنظور “الإسرائيلي” القائم على تفكيك كامل للبرنامج النووي الإيراني، وتسليم إيران كل ما لديها من مخزون اليورانيوم المخصب أياً كانت نسبته، ومنعها من التخصيب بشكل مطلق، كما أن هذا الاتفاق رسخ قاعدة الحل السلمي أو السياسي للبرنامج النووي الإيراني، واستبعد أي فرصة للحل العسكري الذي ظل كبار قادة الكيان يروجون له، وآخرهم الجنرال يعقوب عميدور الذي أنهى منصبه مستشاراً للأمن القومي قبل نحو عشرة أيام، وهدد بأن “إسرائيل” تملك القدرة على مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية وحدها، وشل قدراتها على إنتاج أسلحة نووية لمدة طويلة، مشيراً إلى أن سلاح الجو “الإسرائيلي” نفذ في السنوات الأخيرة عمليات تحليق بعيدة المدى في كل أنحاء العالم في إطار الاستعدادات لمهاجمة إيران .
كل من تابعوا ضجيج الدعاية “الإسرائيلية” المكثفة ضد الولايات المتحدة وتقاربها مع إيران، وضد أي تفاهم على برنامجها النووي يخرج عن الشروط واللاءات “الإسرائيلية”، في مقدوره أن يقول إن “إسرائيل” هي الخاسر الأكبر في الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين مجموعة “دول 5+1” مع إيران، ففي الأسابيع الأخيرة تجاوزت “إسرائيل” كل مطالبها الخاصة بتفكيك البرنامج النووي الإيراني، ومنع إيران من أن تصبح دولة نووية “سلمية” خشية أن تتحول إلى دولة نووية عسكرية .
ففي اللقاء الذي جمع شمعون بيريز رئيس الكيان الصهيوني مع الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، طالب بيريز نظيره الفرنسي بقيادة مبادرة لتفكيك ترسانة إيران من الصواريخ البالستية البعيدة المدى . أما بينامين نتنياهو رئيس الحكومة “الإسرائيلية” فقد طالب في زيارته الأخيرة لروسيا ولقائه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بحل أو تسوية القضية النووية الإيرانية على نحو حل قضية السلاح الكيماوي السوري، أي التفكيك الشامل لكل المنشآت النووية الإيرانية .
الاتفاق الذي تم التوصل إليه أبعد ما يكون عن هذه الرؤية، لذلك سيتصاعد الضجيج “الإسرائيلي” لإفشال الاتفاق، وليس هناك من رهان أمام تل أبيب إلا بدخول الكونغرس طرفاً رافضاً للاتفاق والسعي لتفجيره بإصدار عقوبات جديدة على إيران، أو العودة إلى التعقل وإعادة التفكير مع واشنطن في ما يجب القيام به بعد انقضاء مدة الأشهر الستة المقبلة، وتقييم مدى الالتزام الإيراني بالاتفاق .
الخليج
“سمّ” الصفقة بعد جنيف/ زهير قصيباتي
لا تنفع تطمينات الرئيس حسن روحاني للإيرانيين بأنه لم يتنازل عن التخصيب و «الخط الأحمر»، لتهدئة حملة على اتفاق جنيف دشّنها المتشددون المتوجسون من جرعة سمّ أولى «ابتلعتها» طهران… لن تنفع كذلك سخرية رفسنجاني من «السمكة الصغيرة» إسرائيل التي تدّعي الغضب مما تمخّضت عنه المفاوضات السرية الإيرانية- الأميركية.
وإن بدا مرشد الجمهورية الإسلامية في إيران علي خامنئي على خطى الخميني الذي تجرّع «كأس السم» لدى قبوله وقف النار مع عراق صدام حسين، فذاك لسان حال المحافظين المتشددين في الداخل الذين سيفقدون «عدوّاً» لا بد منه لضمان هيمنتهم على مفاصل النظام. وبافتراض قطفت حكومة الرئيس روحاني ثمار اتفاق شامل على البرنامج النووي، تريده في أسرع وقت لإنقاذ الدولة من أنياب العقوبات، أو نجح المتشددون في عرقلته وتعطيله في المرحلة الانتقالية الأولى، فإسرائيل كذلك ستفقد «عدوّاً» لطالما تاجرت بأسنانه النووية لابتزاز المساعدات العسكرية الأميركية.
وعلى رغم فوارق كبيرة بين مساريْ المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية السرية التي قادت إلى اتفاق أوسلو، والمفاوضات الإيرانية- الأميركية السرية في سلطنة عُمان والتي عبّدت الطريق أمام اتفاق جنيف «النووي»، واضح أن المتشددين في طهران الذين بدأوا الهجوم على «بروباغندا» النظام، يخشون مصير منظمة التحرير، ولا يصدّقون الذعر الإسرائيلي المفتعل بعد جنيف.
الأكيد في كل الأحوال أن لا سمكة رفسنجاني الضخمة (إيران) ولا الخط الأحمر لروحاني ولا حديث الوزير محمد ظريف عن مسار «نووي» بحت، تحسم سقفاً لنيات طهران وطموحها، وأهداف الغرب ومشاريعه للمنطقة. وحده التقاء مصالح «الشيطان الأكبر» و «محور الشر»، يجعل حكومة روحاني مندفعة في الأيام المئة الأولى من عهده إلى ما تسميه تفكيك نظام العقوبات، ويحمل المشككين القلقين، على التخوف من تفويض الغرب طهران دوراً إقليمياً يتجاوز دورها في عهد الشاه.
وبين مشككين و «مذعورين» ومهلّلين لـ «انتصار» استعجلوا استثماره في ساحات إقليمية- حتى بافتراض جهلهم بالمسار السرّي- سيبقى الحبل السرّي بين واشنطن وطهران، حلفاً صاعداً صامتاً، يغيظ إسرائيل التي احتكرت لعقود شراكة خاصة مع كل الإدارات الأميركية.
هكذا، يمكن واشنطن تفويض إيران ضبط إيقاع صراعات المنطقة، وخلق وقائع جديدة تحت ستار محاصرة نار «الربيع العربي»… وتفويضها تأهيل حلفائها لتولي حراسة التفاهمات، فيما مسار الثورات العربية يتعثر والصراعات المذهبية تهدد بإطاحة كيانات.
ومثل خامنئي الذي إن اجتاز اختبار تجميد البرنامج النووي بنجاح، سيدّعي انتصاراً على العقوبات، سيجيّر الرئيس باراك أوباما الحزب الديموقراطي الأميركي «إنجازاً» لاستثماره في الانتخابات المقبلة، والأهم لضمان خوض الآخرين حروب الولايات المتحدة بالوكالة. وهو إنجاز بالفعل إذا قيس بمعيار رسم خرائط نفوذ جديدة على امتداد المنطقة، قطباها إسرائيل وإيران، وبينهما تخبط ما يسمى الإسلام السياسي، ومطاردات لـ «التكفيريين» و «الإرهابيين» قد تستغرق سنوات طويلة… وإرباكٌ لما بقي من أنظمة معتدلة، وترهيب لما بقي من كيانات متماسكة.
ولكن، هل يكون كل ذلك بفعل تحالف المصالح الأميركية- الإيرانية فقط؟! هل بيد طهران ان تشطب كيانات وتنصّب قوى سياسية أو أحزاباً لتدير بلداناً متهالكة بالجوع والإرهاب والترهيب والتكفير؟
أليسَ باكراً التشاؤم، والتلطّي بروح «المؤامرة» استسهالاً للتنصل من مسؤولية دور المنطقة في صنع مصيرها؟ ولكن، هل ما زالت قادرة على صنعه بعدما خطفتها حروب التكفير ولهيب المذهبية، والعزف على أوتار تأجيجها تحت ستار النفير ليل نهار، لمواجهة «الفتنة»؟… وبعدما التَهَمَ أشباه الثورة أبناءها وضاعت ذكرى أبطالها، وتحوّل نعيم الحرية سجناً يحرسه معارضو الاستبداد البائد!
بين استبداد يتناسل و «تكفير» عميم، تنقضّ إيران لاقتناص «السلام» مع أميركا، وإدارة أوباما التي تدّعي صنع سلام في سورية بتفاديها حرباً وهي تتجاهل المجازر، لن يضنيها تأهيل «محور الشر» على حساب العرب. فالعرّاب سئم تخصيب اليورانيوم وتشديد حزام العقوبات، ولا بد من وكلاء حراسة لتخصيب الخرائط… وأن يكونوا «أبطالاً» في محاربة «الإرهاب».
الحياة
القلق السعودي من الاتفاق الأميركي – الإيراني/ خالد الدخيل *
هل ينبغي للاتفاق النووي الموقت بين إيران والدول الكبرى أن يكون مثار قلق للسعودية؟ كان هذا ولا يزال إحدى المسائل المركزية التي كانت في صلب أغلب ما كتب ويكتب عن الموضوع، خصوصاً في الصحافة الأميركية. يجب أن يكون الاتفاق مثار قلق، لكن بالتأكيد ليس فزعاً، وليس للسعودية وحدها، بل لمصر ولكل دول المشرق العربي، ومن حيث إن الاتفاق مبدئي وموقت، وينتظر اتفاقاً نهائياً، فإنه قد يمثل بداية لاختراق في العلاقات بين أميركا والغرب، وإيران من ناحية أخرى، وهذا احتمال يجب أن يؤخذ في الاعتبار، خصوصاً لجهة تأثيره في مستقبل الأوضاع السياسية العربية في ظل الظروف السائدة حالياً وفي علاقات التحالف التي تربط السعودية بالولايات المتحدة الأميركية.
الاتفاق النووي في حد ذاته ليس مصدراً للقلق، وإنما ما قد يتمخض عنه من نتائج سياسية وأمنية على مستوى المنطقة. الأسئلة التي يطرحها الاتفاق في هذه المرحلة وغياب أجوبة واضحة عنها هما اللذان يبعثان على القلق، السؤال المركزي: هل يقتصر الهدف الأميركي من وراء الاتفاق على منع إيران من امتلاك السلاح النووي؟ أم أنه مقدمة لما هو أوسع من ذلك؟ يوحي الاتفاق بأن واشنطن باتت مقتنعة بأن اعتمادها في سياستها تجاه المنطقة على تحالفاتها العربية لم يعد كافياً، وأن الوقت حان للانفتاح على إيران. هل يشمل التفاهم المتوقع محاربة الإرهاب؟ إيران وفق وزارة الخارجية الأميركية أهم رعاة الإرهاب في المنطقة، وعلى صلة بذلك، هي أهم رعاة الميليشيات في المنطقة. ثم هل تفكر واشنطن حقاً في إعادة تأهيل إيران للعب دور مشابه لما كانت تلعبه أيام الشاه؟ وفي هذه الحال كيف سيؤثر ذلك في خريطة تحالفاتها في المنطقة، خصوصاً في الخليج العربي؟ سيكون على إيران تقديم تنازلات كبيرة. يؤكد الاتفاق أن إيران ستتنازل في الموضوع النووي، ماذا عن سورية؟ هنا سيكون محك الاتفاق النهائي، وما قد يتأسس عليه من تفاهمات.
قد يتساءل البعض عن مصير ما يُسمى «المقاومة والممانعة»، وليست هناك حاجة لمثل هذا التساؤل لأن «المقاومة والممانعة» لم تكن في يوم ما سياسة، وإنما هي شعار للتغطية على الدور والسياسة، لكن يبقى نجاح إيران في تغيير القناعة الأميركية، وهو نجاح جاء نتيجة لنجاح إيران في تجميع أوراق سياسية في العراق وسورية ولبنان، بالتالي يعكس فشلاً عربياً واضحاً، والدول العربية، وأولها العراق وسورية، هي المسؤول الأول عن ذلك.
هناك مصدر آخر للقلق يتمثل في أن إدارة أوباما تتجه ليس إلى التخلي عن تحالفاتها الإقليمية، وإنما إلى تغيير صيغة هذه التحالفات، والمعني بذلك الدول العربية، وليس إسرائيل أو تركيا مثلاً، ولهذا السبب ربما تفصل إدارة أوباما البرنامج النووي الإيراني وأخطاره عن الدور الإيراني في المنطقة. هي لا يعنيها كما يبدو أن هذا الدور يرتكز إلى مبدأ تحالف الأقليات، بالتالي تفعيل الطائفية كآلية سياسية في الصراع. ترى الإدارة أخطار السلاح النووي وأكلافه، ولا ترى أخطار الدور، لأن أكلافه تقع على دول المنطقة، بما في ذلك حلفاؤها. وهذا فصل غريب يجب أن يبعث على القلق. والاتفاق مصدر قلق آخر لأنه جاء نتيجة لمفاوضات سرية بين الأميركيين والإيرانيين تمت غالبيتها، وفق وكالة الـ «أسوشييتد برس» في سلطنة عمان. لجوء إدارة أوباما إلى مفاوضات سرية بالتوازي مع المفاوضات العلنية يعكس قناعتها بضرورة التوصل إلى اتفاق مع إيران. ووفق الـ «أسوشييتد برس» لم يطلع الأميركيون حلفاءهم في المنطقة على هذه المفاوضات، ما يعني عدم التشاور والتنسيق مع السعودية ودول مجلس التعاون، الطرف الآخر في المعادلة الإقليمية. هل أطلع العمانيون السعودية وبقية دول مجلس التعاون الخليجي على الموضوع؟ الأرجح أن مقتضيات السرية لم تسمح لهم بذلك، ما يطرح سؤالاً عن معنى المجلس، وحدود التزامات أعضائه تجاه بعضها الآخر.
هنا تتجه الأسئلة للأطراف العربية، خصوصاً السعودية ومصر. لماذا هاتان الدولتان؟ لأنهما الأكبر والأهم عربياً. لكن السعودية بحجمها ومركزيتها واستقرارها تتحمل العبء الأكبر في هذه المرحلة. العراق سقط بعد الاجتياح الأميركي والنفوذ الإيراني. وسورية تحولت مرة أخرى على يد النظام الحالي إلى ساحة لصراعات الآخرين، وتحول النظام نفسه إلى ورقة في يد الإيرانيين. لم يبق من المربع الذهبي العربي إلا السعودية ومصر. الأخيرة متعثرة بفعل حال ثورية مضطربة، وصراع «الإخوان» والعسكر. السعودية هي الطرف العربي الأكثر قدرة على حرية الحركة، لكنها لا تستطيع مواجهة الموقف من دون تفعيل، وإعادة تصويب سياستها الخارجية، والبدء في تعزيز قدراتها العسكرية، والانطلاق في ذلك من ضرورة إصلاح بيتها من الداخل. لا يعني ذلك أن ينتظر تفعيل السياسة الخارجية وتعزيز قدرات الإصلاح ومتطلباته. هذا لا بد أن يأخذ وقته، لكن لا بد من البدء في ذلك والانطلاق منه، والسعودية من أقدر الدول العربية على تحقيق هذا الهدف، فإمكاناتها كبيرة، ودورها مركزي، واستقرارها مكين، وقيادتها تملك الخبرة، وتتمتع بشرعية راسخة.
هنا يأتي المصدر الداخلي للقلق، وهو مصدر عربي يتمثل في عدم قدرة، أو عدم استعداد الدول العربية للاستجابة لتحدي الأحداث والتطورات، بما تتطلبه من تغيير في السياسات والمؤسسات، وإصلاحات في الأداء والإمكانات.
في أقل من ثلاثة عقود، مر العرب بثلاثة منعطفات مفصلية: الغزو العراقي للكويت، والغزو الأميركي للعراق، والربيع العربي. قبل تلك المنعطفات كانت الطائفية في حال كمون، والحواجز السياسية والأمنية تحيط بأطراف الجزيرة العربية، وكانت أميركا في ذروة تحالفها مع السعودية ودول الخليج ومصر. كانت سورية لاعباً رئيساً، وكانت حليفاً للسعودية وإيران ومصر. بعد تلك المنعطفات تغيرت الصورة الإقليمية في شكل كامل تقريباً. تحولت الطائفية على يد إيران إلى ميليشيات وإلى قوة سياسية فاعلة نشاهد أداءها في لبنان والعراق وسورية واليمن.
سقطت أنظمة، وأخرى في طريقها للسقوط. أصبحت إيران لاعباً في المعادلة العراقية، وأصبح النظام السوري «الممانع»، كما أشرت، ورقة إيرانية، ومع ذلك بقي الأداء السياسي العربي في الداخل والخارج كما هو تقريباً.
ما الذي تفتقده الدول العربية في هذه المرحلة؟ تفتقد الإرادة السياسية المبادرة في اتخاذ القرار في اللحظة المناسبة. وتفتقد العمل المؤسسي. كما تفتقد القدرة على مواجهة حقيقة أن الدولة في حاجة إلى تغيير وإلى إصلاح بعد عقود طويلة من الجمود. المذهل أن إيران حققت نجاحاتها وهي دولة دينية ترتكز على فكرة دينية اسمها «ولاية الفقيه»، لكنها تمتلك بنية مؤسسية فاعلة ورثتها من عهد الشاه، هي دولة الطبقة الدينية، وما يتحالف معها من طبقات، مثل طبقة البازار. تعتاش هذه الدولة على تأجيج الصراعات الإقليمية لشد عصب الداخل. والأرجح أنها ستواجه انفجار تناقضاتها في حال تدهور ظروفها الاقتصادية، أو انقضت تلك الصراعات، أو كليهما معاً. ولمواجهة الظرف الاقتصادي اضطرت إيران للإسراع إلى التفاهم مع الأميركيين لرفع العقوبات الاقتصادية التي قد تفجر الداخل. انقضاء الصراعات الإقليمية أمامه كما تتصور القيادة الإيرانية زمن طويل.
في المقابل الدول العربية هي دول أفراد أو عائلات تفتقد التحالف الطبقي الحقيقي، وليس النفعي الموقت، والأكثر من ذلك افتقادها البناء المؤسسي منذ زمن بعيد. بإمكان الدول العربية، خصوصاً السعودية سحب ورقة الطائفية من يد إيران، وذلك بفتح خطوط تواصل مع كل مكونات دول مثل العراق والبحرين ولبنان وسورية، بما في ذلك الشيعة. وهذا ممكن ولا يتطلب زمناً طويلاً. غالبية الشيعة مناهضة للسياسة الإيرانية، بالتالي ليس مفهوماً لماذا ترك هذه الورقة في يد إيران توظفها للتوتير في الداخل، ثم استخدامها للاختراق، والضغط في الداخل والخارج، ماذا يعني كل ما سبق؟ يعني أنه من الممكن الاستفادة من مصادر القلق وتحويلها إلى حوافز للعمل، وتحقيق النجاحات، فالإمكانات متوافرة والوقت متوافر وكذلك الظروف. بقي أن تتوافر الإرادة والرؤية والتصميم على العمل.
* كاتب وأكاديمي سعودي
الحياة
أميركا لم تعد طرفاً في الخليج/ حسان حيدر
منذ سنوات طويلة لم يعد للنزاع الفلسطيني – الإسرائيلي أهمية كبيرة بالنسبة إلى الولايات المتحدة، ولم يعد ينذر بنشوب حرب جديدة في المنطقة. اختارت القيادة الفلسطينية التفاوض وسيلة لمحاولة استعادة الحقوق، بينما واشنطن تلعب دور الوسيط الذي لا يضغط على أي من الطرفين، بل يحاول فقط تقريب وجهات النظر وإقناع كل منهما بأهمية التسوية في تعزيز الاستقرار الضروري لهما. لم يعد الأميركيون منذ مدة طويلة أعداء للفلسطينيين ولا للعرب المدافعين عن قضيتهم أو الذين يدعون ذلك. بقي هناك فقط «حماس» التي تعتقد واشنطن أن الوقت كفيل بترويضها طالما هي محاصرة ومنزوعة الأظافر، وطالما أن القوة الإسرائيلية كافية لردعها عن أي مغامرة جديدة. انتهت عملياً «قضية» الشرق الأوسط.
كانت هناك جبهة ثانية متوترة في المنطقة تحمل بذور مواجهة محتملة هي «جبهة الخليج» التي كان يمكن أن يتورط الأميركيون في حرب فيها بسبب السلوك الإيراني الاستفزازي على مدى أكثر من ثلاثة عقود. اليوم تنسحب واشنطن من هذه المنطقة أيضاً وتعلن أنها لم تعد طرفاً. فأمن صادرات النفط لم يعد مهدداً بالنسبة إليها بعد التفاهم المستجد مع طهران، وإسرائيل أصبحت أكثر أمناً بعد اتفاق لجم البرنامج النووي الإيراني.
المشكلات «الجانبية» الباقية لم تعد من اختصاص الأميركيين. تماماً مثل المسألة السورية التي قررت الولايات المتحدة إشراك الروس والأطراف الإقليميين في إيجاد حل لها برعاية معنوية منها. الجبهة السورية أيضاً لم يعد فيها ما يهدد أمن إسرائيل بعدما أزيل الخطر الكيماوي ليس مخافة من نظام دمشق، بل من أن تقع أسلحة القتل الشامل هذه في أيدي متطرفين. وعلى أي حال لم يكن النظام السوري يمثل في أي وقت تهديداً جدياً للدولة العبرية.
أما بالنسبة إلى «حزب الله» فلا خشية فعلية منه على إسرائيل في السابق، ولا خشية فعلية بعد اليوم، مع تعهد طهران بتولي الدور الذي خسرته دمشق في ضبطه. المبالغة في تضخيم خطره على إسرائيل كانت تخدم هدفاً إسرائيلياً لزيادة الضغوط الأميركية على طهران. اليوم انتهت هذه اللعبة، وصار الحزب عملياً مثل الفصائل الفلسطينية التي انتشرت يوماً في جنوب لبنان وناوشت إسرائيل حتى اجتياح عام 1982.
وهكذا بات الأطراف الإقليميون المشاركون مباشرة أو مداورة في الحرب السورية أو الجبهات الداخلية الساخنة الأخرى من اليمن إلى البحرين إلى العراق فلبنان، في مواجهة بعضهم، فيما إسرائيل تتفرج. صارت هذه الجبهات «محلية». الأميركيون مستعدون للتوسط إذا طلب منهم ذلك، لكن ليس للتدخل. انتهى «العهد الأميركي» في الشرق الأوسط، ولن يعود بسهولة حتى لو تغيرت الإدارة الحالية.
إذا اختارت إيران الفصل بين الحل الدولي لملفها النووي وبين السياسات التي تتبعها في المنطقة منذ بدايات نظامها «الثوري» وقررت أن تقديمها تنازلات للغرب لا ينسحب على التهدئة في الشرق الأوسط، فليس أمام الدول العربية المتضررة من تدخلاتها سوى مواصلة مواجهتها مباشرة، مثلما فعلت دول الخليج عندما أرسلت قوات «درع الجزيرة» إلى البحرين. أما إذا اقتنعت طهران بأنها لن تستطيع فرض نفسها في المنطقة بالقوة أو عبر الازدواجية في السياسة الخارجية، فلا أحد يعتقد بأن العرب سيرفضون يدها الممدودة.
ولا شك في أن قيام حوار بين إيران وجيرانها الخليجيين سيوفر لطهران تطمينات أكثر مما يقدم لها الأميركيون المنسحبون، وسيوفر لدول الخليج ضمانات لا تقدمها واشنطن، أو ربما تفعل ثم تتراجع عنها.
الحياة
في انتظار غودو الإيراني…/الياس الديري
من البديهي أن تتريّث بعض الدول العربيّة في إبداء رأي نهائي ومتكامل في اتفاق جنيف، ما لم تتضح معالم الاتجاه الجديد، أو المفترض، للسياسة الإيرانيّة، وطريقة تعامُل طهران مع الأزمات والاضطرابات التي تجتاح المنطقة… والتي لها ضلع، أو أضلاع، في ابرزها وأهمّها وأخطرها.
لقد اعطى الاتفاق إيران أكثر بكثير مما أخذ منها. هذا إذا كان قد أخذ غير وعدٍ بتخفيف وخفض نسبة الإنتاج النووي ووِجهة استعماله. بينما أعطاها فور “إعلان البشرى”، وقبل تلاوة مضمون النص النهائي ثمانية مليارات دولار، نقداً وعدّاً… وإن يكُن المال مالَها، لكنه “مُعتقل” بأوامر من البيت الأبيض.
صحيح أن السعودية ودول الخليج رحّبت بالاتفاق، إلا أنها لا تزال في انتظار ما ستؤول إليه التطورات والتصرّفات والاتجاهات الإيرانيّة بعد هذا الإنجاز.
كذلك الأمر، والموقف، بالنسبة إلى الدول الست التي لعبت دوراً مباشراً في تعبيد الطريق أمام الاتفاق الذي قد يصبح “تاريخيّاً” في حال نجاحه، وإذا ما غيّرت طهران أسلوبها القديم المستند دائماً إلى التهديد والوعيد، وتوزيع الفوضى.
حتماً، ليست القضية “كُوني فكانت”. ولا الاتفاق يشبه المصباح السحري. ولا الدول الست قادرة على أن تلعب دور علاء الدين. بحيث يتم كل شيء، وكل التفاهمات والمصالحات، ويحصل الانتقال من المواجهة إلى العناق، ما بين طُرفة عين والتفاتتها.
فلا بدّ لدول الاتفاق، صانعة هذا الإنجاز المُرحَّب به عالمياً، من أن تُكمل معروفها، وتُكمل مهمّتها. فتنتقل إلى الضفة العربيّة، حيث يكمن مفتاح النجاح أو الفشل، وتبنّي اقتراح “المؤتمر المكمّل” الذي يُعطي الضمانات الواضحة، ويحاول جمع الشمل، أو تعبيد الطريق أمام خطوة أساسيّة إذا صدقت النيّات لدى الطرف الإيراني.
ولا أعتقد أن هذا الاقتراح يُصنَّف في خانة المستحيلات. بل من شأنه المساهمة في إقناع المتردّدين الذين من حقّهم أن ينتظروا ما تقوله الأفعال، لا ما تكتبه البيانات.
فالمطلوب، إذاً، إظهار إيران استعدادا ًغير مشروط للدخول في حوارات مع دول الجوار، تُعيد الثقة، وتبثّ روح التعاون في العلاقات التي فاق توتّرها قوة خطوط التوتّر العالي…
أما الكلام على المحادثات السرّية التي سبقت المحادثات العلنيّة بأشهر، وفي ضيافة سلطنة عُمان، فإن ثمّة قناة حوار سرّيّة مباشرة بين الأميركيين وإيران لا تزال “مُثابرة على مرافقة ما توصّل إليه الاتفاق”.
تقول “الواشنطن بوست”: “إن تعريف الاتفاق الجيّد هو الذي يستطيع كل فريق تسويقه لدى جمهوره”.
فهل يتمتّع اتفاق جنيف بهذا الشرط الأساسي؟
النهار
أي وجه لإيران؟/ هشام ملحم
ردود الفعل على الاتفاق النووي “الموقت” بين ايران ومجموعة الخمس زائد واحد اتسمت بالمبالغات وحتى التمنيات. مؤيّدو الاتفاق بالغوا في انجازاته وبعضهم اعتبره اختراق تاريخي. ومعارضو الاتفاق بالغوا بشوائبه ورأوا ان التسليم الضمني بحق ايران في التخصيب ولو على مستوى متدن جدا هو تنازل عن مواقف أميركية وقرارات دولية رفضت في السابق اعطاء ايران مثل هذا “الحق”. بعض هؤلاء الغلاة اعتبره “استسلاما” لإيران.
الاتفاق مهم فعلا ويمكن ان يتحول اختراقا تاريخيا لاحقا، وهو – في حال تطبيقه – سيؤخر ويعلق جزءا كبيرا من البرنامج النووي الايراني، إذ سيجمد العمل في منشأة أراك، ويحيّد كميات الأورانيوم المخصب بنسبة 20% الى أقل من خمسة في المئة مما يعني انه سيكون صالحا فقط للاغراض غير العسكرية. كما يفرض الاتفاق رقابة متشددة وشاملة على منشآت ايران.
لكن معظم المحللين بمن فيهم مؤيدو الاتفاق يؤكدون ان الانتقال من اتفاق موقت الى اتفاق نهائي لن يكون امرا سهلا او مضمونا لان الخمس زائد واحد سترفض السماح لايران بالتخصيب بنسب اعلى من خمسة في المئة ربما لأكثر من 25 سنة قبل إلغاء العقوبات. وقطعا لن يلغي الكونغرس الاميركي عقوباته بسهولة او في مقابل تنازلات لا يعتبرها كافية.
كان هناك استهجان في واشنطن لان دول المنطقة قلقة أو حتى خائفة من الاتفاق. ولكن بغض النظر عن مضمون الاتفاق، هذه المخاوف مشروعة لان الاتفاق غير مشروط او مربوط بتغيير سلوك ايران الاقليمي وتدخلها السافر في العراق وسوريا ولبنان. وثمة شعور في المنطقة بان الرئيس باراك أوباما الذي سيبذل كل جهده لمنع ايران من تصنيع السلاح النووي من دون اللجوء الى الخيار العسكري، قد يقبل بتسوية مع طهران تبعد عنه الكأس المرّة لاستخدام القوة حتى نهاية ولايته. وهذا ينسجم مع رغبة اوباما في خفض “أعباء” واشنطن في المنطقة والانسحاب الجزئي منها والتركيز على شرق آسيا، مع تحول اميركا أكبر دولة منتجة للطاقة في العالم. وهذا يعني فتح المجال امام ايران مرة اخرى لتصير الدولة المهيمنة في المنطقة.
حقيقة كون الاتفاق جاء بعد مفاوضات سرية بدأت خلال ولاية محمود أحمدي نجاد، وبعدما أبقت واشنطن حلفاءها – وخصوصا العرب – في الظلمة، عمّقت هذه المخاوف. واحتمال دعوة ايران الى مؤتمر جنيف – 2 المتعلق بالحرب السورية سوف يرسخ أكثر الشكوك العربية في نيات واشنطن. والاتفاق سيجمد ايضا أي خيار عسكري – اسرائيلي او اميركي – على الاقل ستة اشهر. ولكن خلال هذه الفترة أي وجه سنراه في العراق وسوريا ولبنان؟ وجه الديبلوماسي محمد جواد ظريف، أم وجه قاسم سليماني قائد فيلق القدس؟
النهار
استنتاجات إسرائيلية بشأن الاتفاق النووي/ انطـوان شلحـت – عكا
بعد أن تلاشت “الصدمة” في إسرائيل من اتفاق جنيف بين مجموعة الدول 5+1 وإيران والتي أجّج أوارها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزراؤه وأبواقه، جاء دور الاستنتاج الذي يسعف في مواجهة الآتي.
وبالإمكان ملاحظة عدد من الاستنتاجات التي تم استخلاصها وتبدو لافتة:
أولاً، أنه بعد أن أسقط في يد إسرائيل في كل ما يتعلق بمنع التوصل إلى اتفاق مع إيران يقصي احتمال اللجوء إلى الخيار العسكري لكبح مشروعها النووي، فإن المهمة الآن هي الحرص على أن يتطوّر الاتفاق المرحلي لاحقاً إلى اتفاق شامل يمنع تحوّل إيران قوة عظمى إقليمية وربما قوة عالمية ذات قدرة نووية.
ثانياً، أن الواقع المستجدّ في العالم الذي يشي بتبلور نظام عالمي جديد متعدّد القطب أقوى كثيراً من نتنياهو، بما يلزمه أن يعيد النظر في سياسته في حلبات أخرى غير الحلبة الإيرانية، في مقدمها الحلبة الفلسطينية التي يتعرّض فيها أيضاً إلى ضغوط خارجية.
ثالثاً، لا بديل لإسرائيل كسند خارجي من الولايات المتحدة التي من دون دعمها “لا تغدو الحياة في إسرائيل حياة” كقول أحد المعلقين.
وفي نطاق هذا الاستنتاج كتبت تحليلات كثيرة تدعو إسرائيل إلى أن تعود لحجمها الحقيقي وتكف عن التمسك بوهم أن “واشنطن تلعب في مسرح دمى إسرائيلي”، وهو وهم معشش أيضاً في بعض الرؤوس العربية.
كما أنه في نطاقه بدأت تعلو أصوات لا تكتفي بنقد انكفاء الدور الذي تقوم به منظمات اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة كما أشرنا في مقام سابق، بل تحذّر من وجود “لوبي أميركي” في إسرائيل يفضل المصالح الأميركية على المصالح الإسرائيلية القومية، ولا بُدّ من محاولة تفكيكه عبر كشفه وشجبه.
أخيراً، كان هناك استنتاج فحواه أن التلويح بالخطر الإيراني كان أشبه بفزّاعة استمرأها نتنياهو وساعدته في أن يصرف أنظار الرأي العام في إسرائيل عن مجموعة كبيرة من المشكلات الداخلية التي يعانيها وأخفقت حكومته الحالية في تقديم حلول لها.
وينشغل بعض أصحاب هذا الاستنتاج بالتحذير من مغبة مشكلة واحدة منها هي تصاعد العنف داخل المجتمع الإسرائيلي، إلى درجة أن أحد كبار علماء الاجتماع الإسرائيليين جزم بأن إرهاب هذا العنف ليس أقل خطورة من “الإرهاب الإسلامي”.
ورأى أديب إسرائيلي أن انصراف نتنياهو إلى مكافحة “الخطر الإيراني” وغض الطرف عن مخاطر مشكلات إسرائيل الداخلية يجعله خطراً على إسرائيل لا يقل عن خطورة النووي الإيراني.
السفير
مفاوضات حزب الله السرية مع الشيطان الأكبر!
رأي القدس
تأكدت، من مصادر عديدة، حكاية المفاوضات السرية التي جرت بين ايران وامريكا (او الشيطان الأكبر حسب تسمية آية الله الخميني الشهيرة للولايات المتحدة) منذ انتخاب الرئيس حسن روحاني والتي أوصلت الطرفين (مع الجوقة الاوروبية والمقاولة الروسية) الى الاتفاق التاريخي بالغاء مشروع القنبلة النووية الايرانية مقابل التخفيض التدريجي للعقوبات الاقتصادية والسياسية ضد طهران.
وتبعها، ما نشر مؤخرا في صحيفة (الوورلد تريبيون)، عن حوار سري بين الأمريكيين وحزب الله نشر في مقالة بالصحيفة تحت عنوان ‘أصدقاء شيعة أكثر: الولايات المتحدة في حوار سري مع حزب الله’. مضمون الحوار حسب المصادر البرلمانية اللبنانية التي نقلت الخبر هو ‘استقرار لبنان’ و’تشكيل الحكومة اللبنانية’.
يبدو الخبر الأخير مجرد خيط في مجموعة خيوط متشابكة ستظلل شبكتها المنطقة بعد الاتفاق الايراني الامريكي، وسنشهد فصولها في سورية أولاً، حيث يحتدم القتال بالوكالة بين ايران وأعدائها الاقليميين، وفي لبنان ثانياً، الذي يشكّل حزب الله ورقة طهران الأعلى صوتاً ووزناً سياسة وعسكراً واعلاماً، وستنداح موجاتها في العراق مروراً بالخليج العربي ووصولاً الى اليمن.
يستدعي الخبر تداعيات علاقة العداء الطويلة بين الايرانيين وحزب الله من جهة والأمريكيين وحلفائهم من جهة أخرى، بدءاً من احتلال السفارة الامريكية في طهران عام 1979، ثم تفجير حزب الله للسفارة الامريكية في بيروت في نيسان (ابريل) 1983، الذي أدى لمقتل 58 امريكياً، ثم تنفيذ عملية التفجير الانتحاري لثكنات المارينز في بيروت في تشرين الأول (اكتوبر) من العام نفسه والذي ادى لمقتل 241 امريكيا و58 فرنسياً.
يمكن اعتبار الاتفاق الامريكي الايراني أساساً لمراجعة تاريخية لمبادئ راسخة في نظريات الحرب والسياسة العالميتين، فمغامرة جورج بوش الصغير الأشبه باندفاعة الاسكندر المقدوني، قادته الى حتفه السياسي جارّة معه الولايات المتحدة الأمريكية (معطوفة على أزمة اقتصادية شاملة) الى مراجعة اضطرارية لتاريخها الذي استوحى رموز روما القديمة (الكابيتول والكونغرس) واستلهم مرات لا تحصى قرار روما المشؤوم (قرطاجة يجب ان تدمر) الذي أنهى حرباً طويلة بين ضفتي المتوسط بدمار كامل لحضارة وسكانها.
تبدو سياسة اوباما الامريكية وكأنها مراجعة اعتذارية كبرى لهذا الخطّ السياسي الذي طالما اتبعته امريكا، أولاً مع سكّان القارة الأصليين، ثم طبقته في اليابان والمانيا خلال الحرب العالمية الثانية، ثم كررته مجدداً في العراق وافغانستان.
لكن السؤال الكبير هو هل قررت الجمهورية الاسلامية الايرانية بعد 34 عاماً على تأسيسها أن تتحوّل من ثورة الى دولة، وأن تنتظم حقاً في المنظومة الدولية، فتتفاوض أيضا مع جيرانها الأقربين وتطبّع علاقاتها معهم وليس فقط مع القوى الكبرى أم أن اغلاقها الملفّ النووي كان خطوة اضطرارية دفعتها اليها العقوبات الاقتصادية والسياسية الشديدة ضدها؟
لا يمكن أن تكون مفاوضات امريكا السرّية مع ايران وحزب الله قد تجاهلت ملفّات المنطقة وتبويبها، في حالة حزب الله، ضمن التعاون على ‘استقرار لبنان’ لا يمكن أن يتجاهل علاقة تصدّع هذا ‘الاستقرار’ بتدخل حزب الله العسكري المباشر لصالح النظام في دمشق وقتاله ضد المعارضة السورية.
تتقاطع امريكا موضوعياً مع حزب الله في نقطتين رئيستين: أمن اسرائيل ومواجهة ‘القاعدة’ وأخواتها.
هدوء الجبهة الاسرائيلية اللبنانية منذ عام 2006 وانخراط الحزب في مواجهة ‘القاعدة’ في سورية يجعلانه أقرب بكثير للسكّة الامريكية مما تزعمه دعايته الاعلامية، وهو أمر لم يفت وسائل الاعلام الموالية للحزب الاشارة اليه ومحاولة استثماره للحصول على تغطية غربية لحربه مع ‘التكفيريين’، كما يسمّيهم.
قضية ‘الاستقرار’ في لبنان تعني بالتأكيد قضية ‘الحرب’ في سورية، وعندها على كثيرين أن يقلقوا حقاً من ‘سرّية’ المفاوضات.
القدس العربي
ايران:رغبات وكوابيس/ سعد محيو
“يقوم أحدهم بسرقة سترتك، فتصرخ مطالباً باستعادتها، لكن اللص يسرق حينها قبعتك، فتواصل القتال من أجل استعادة السترة لكنك لاتحصل سوى على القبعة. وحينها ستنسى سترتك ولماذا كنت تقاتل في المقام الأول”.
هكذا أطلَّ حسين شريعتمداري، رئيس تحرير صحيفة كايهان الإيرانية المحافظة، على الصفقة النووية الإيرانية- الغربية: الغرب يسرق حقوق إيران النووية، ثم يتفاوض على بعض هذه السرقات. وهذا ما جعل إيران، برأيه، تفقد زمام المبادرة في المفاوضات.
بالطبع، هذا الموقف، الذي ربما يعبّر عن رأي المعسكر المحافظ الإيراني، وفي مقدمه قطاعات واسعة من الحرس الثوري الإيراني التي كانت تثرى من العقوبات الدولية على إيران، يتناقض حرفاً بحرف مع أناشيد النصر التي تغنى بها الرئيس روحاني ورحب بها المرشد خامنئي، اللذان اعتبرا أن إيران حققت نصراً باهراً في هذه الصفقة لأن الغرب اعترف فيها بالدولة الإيرانية كقوة نووية، ولأنها (الصفقة) “كسرت ظهر العقوبات عليها”.
الحقيقة تبدو في منزلة بين منزلين في هذين الموقفين. فإيران قدّمت بالفعل في هذا الاتفاق المؤقت الذي سيدوم ستة أشهر(هذا إذا لم يتحوّل المؤقت إلى دائم)، تنازلات جمة ليس فقط على صعيد وقف تخصيب اليورانيوم بأكثر من 5 في المئة، و”تحييد” مخزونها من اليورانيوم المخصب بمعدل 20 في المئة، والحد من أجهزة الطرد المركزي، ووقف العمل في مفاعل أراك للمياه الثقيلة، بل أولاً وأساساً في قبول أجراءات التفتيش الدولي بشكل يومي في كل منشآتها النووية. وهذا في مقابل رفع “مؤقت وجزئي وقابل للإلغاء” للعقوبات الدولية.
وهذا مايعزز وجهة نظر المحافظين الإيرانيين بأن الغرب يبيع إيران ما يسرق منها.
لكن في المقابل، خامنئي وروحاني على حق أيضا. فالصفقة تترك بالفعل كل البنى التحتية النووية الإيرانية كما هي وبلا خدوش، الأمر الذي لن يعيق اندفاعة إيران لحيازة السلاح النووي بأكثر من شهر أو أقل إذا ما قررت ذلك، في الوقت الذي تبدأ فيه هي بتقويض كل نظام العقوبات الدقيق الذي انفقت الولايات المتحدة سنوات طوال في إشادته لبنة لبنة.
وفوق هذا وذاك، وحتى لو توصلت إيران والدول الخمس زائد واحد إلى اتفاق نهائي في نهاية الأشهر الستة يقفل نهائياً ملفها النووي، فإن كماً هائلاً من المصادر الغربية والشرقية تؤكد أنها امتلكت بالفعل المعرفة النووية (Know- how ) وباتت قادرة في أي وقت على صناعة القنبلة خلال أسابيع.
الآن، طالما الصورة على هذا النحو، وطالما أن الصفقة، الآنية المؤقتة واللاحقة “الدائمة”، مهددة في أي وقت بالأنهيار إما بفعل مقاومة الداخل الإيراني (الحرس الثوري) والاميركي(الكونغرس)، أو ممانعة الخارج الإسرائيلي والسعودي والتركي والمصري، فلماذا كل هذا الحماسة الغربية والإيرانية لوصف هذه الصفقة بأنها “إنجاز تاريخي”، وليس “خطأ تاريخيا” حسب وصف بنيامين نتنياهو؟
ببساطة لأنها تحمل في طياتها فرص إبرام “تفاهم تاريخي” بين واشنطن وطهران، لا يكون فيه الاتفاق النووي سوى جزء من كلٍ أكثر تعقيدا.
بكلمات أوضح: الصفقة النووية، في حال سار كل شيء على مايرام ولم تنسفها الألغام الكثيرة المزروعة على طريقها، ستعطي أميركا فرصة إعادة دمج إيران في النظام الدولي كدولة طبيعة لامارقة وفق شروطها، وستعطي إيران ليس فقط طوق النجاة من الانهيار الاقتصادي- الاجتماعي وحسب بل أيضاً دوراً إقليمياً معترفاً به دوليا.
إذا ماتوصل الطرفان إلى مثل هذه “الصفقة الكبرى”، سيكون الشرق الأوسط على موعد بالفعل مع نظام إقليمي جديد وتحالفات دولية- إقليمية قد لاتخطر الآن على بال.
لكن، دون هذه المحصلة التاريخية عقبات تاريخية كبرى، تبدأ بقبول إيران بأن تغيّر نظامها بنفسها، وأن ترحب بها إسرائيل وباقي دول المنطقة كطرف رئيس في نظام إقليمي عتيد.
وهذا ما يبدو الآن تفكيراً رغائبياً في بعض طهران وبعض واشنطن، وأحلاماً كابوسية في تل أبيب والرياض والقاهرة.
المدن
بعد الاتفاق: عن إيران وجوارها/ حسام عيتاني
الاتفاق النووي الإيراني – الغربي سيغير شكل المنطقة. ما في ذلك شك. وسيغير أيضاً توازنات القوى داخل إيران، وأجنحة نظامها وتياراتها ومواقع حلفائها الإقليميين.
وبعد شهور من المفاوضات السرية والعلنية، جاء الاتفاق ليطلق دينامية سياسية جديدة في الشرق الأوسط تحتمل الكثير من الاجتهادات وتفتح عدداً من المسارات يقود كل منها إلى وجهة مختلفة. صيغت بنود “الاتفاق-الاطار” بدقة في مسائل الواجبات والحقوق الإيرانية، لكن الدقة ذاتها تقول إن المصرح عنه في البنود ينطوي على إدراك عميق لتشابك وتداخل مسائل الشرق والأوسط وقضاياه ما يعزز الانطباع عن وجود تفاهمات غير معلنة، حتى اللحظة على الأقل.
ذلك أنه مما يجافي المنطق ألا تسعى إيران إلى الاستفادة القصوى من موازين القوى الراهنة وبتمدد نفوذها من بغداد إلى الحدود اللبنانية- الإسرائيلية مروراً بسوريا، للحصول على ضمانات تتعلق بمستقبل نظامها واستقراره والتخلص من قيود العقوبات. ما تم الاتفاق عليه سيبقى طي التكهنات إلى أن تكشفه وقائع الشهور والسنوات المقبلة.
رغم ذلك، في الوسع القول إنه في حال استكمال الاتفاق وانتقاله من طوره الأولى الحالي إلى طور أرقى يشمل فتح القنوات الاقتصادية والدبلوماسية والسياسية بين الغرب وإيران، سيؤدي ذلك إلى تغيير كامل المعطى الاستراتيجي ومنظومة العلاقات والمصالح الايرانية. ولنا في حاجة الغرب إلى التعاون مع إيران مبررات عدة، منها الرغبة في تكريس الانسحاب من المنطقة التي راحت تفقد قيمتها الاقتصادية (خصوصاً بعد اتجاه الولايات المتحدة إلى الاعتماد على مواردها الخاصة من الطاقة والبدء باستثمارات واسعة في تحويل الغاز والنفط الصخريين) وتطاول المدى الزمني للأزمة الاقتصادية في أوروبا واتخاذ الأزمة طابعاً عضالاً غير قابل للعلاج في المدى المنظور، والاطمئنان –أخيراً- إلى قدرة إسرائيل على الدفاع عن نفسها في وجه أي أخطار قائمة او مستقبلية.
السمات المذكورة للمرحلة المقبلة، تغري الكثير من القوى الغربية بإعادة تكليف أمن الخليج والمنطقة عموماً إلى قوة منضبطة ومنظمة، وتملك حداً أدنى من الاستقرار الداخلي والامكانات المادية والعسكرية، للحفاظ على انتظام الاوضاع في المنطقة.
من المفيد إعادة قراءة الحدث السوري وخصوصاً فصل القصف الكيمياوي والتهديد بالضربة العسكرية الاميركية والاعتراض الواسع في الرأي العام الغربي على الضربة، من زاوية جديدة، تتلخص في تغليب المصلحة الذاتية على الادعاءات الديموقراطية في الغرب.
السؤال الذي يظهر بقوة هنا يتعلق بما يبقى من النظام الإيراني بعد تخفيف شحنته الأيديولوجية وتقليص تدخله الإمبراطوري في الخارج وتحويل التدخل هذا لمصلحة “المجتمع الدولي” الراضي عن خدمات القوة الإيرانية.
وإذا كان الاسترسال في تخيل سيناريوهات بعيدة المدى لا يتصف بالحصافة الكافية في منطقة وزمن تكثر فيهما المفاجآت، فإن الأسئلة لا تني تتكاثر حول ما ستحمله الايام المقبلة. سؤال آخر يتعلق بحلفاء ايران في العراق ولبنان وأدوارهم. الأرجح أن الانتخابات العراقية القريبة ستحمل مواجهات قاسية بين أطراف عدة ينتمي أكثرها إلى ما يصطلح على تسميته “البيت الشيعي”. التناقضات بين رئيس الوزراء نوري المالكي وفريقه والتيار الصدري لا يستهان بها وقد لا تنجح إيران في إقناع أنصار الصدر في الانضواء تحت تحالف حكومي يقوده المالكي على غرار ما فعلت في 2009.
بالنسبة إلى حليف إيران الآخر، “حزب الله” في لبنان، يبدو مستقبله أكثر غموضاً لخوضه مجموعة من المواجهات الداخلية والخارجية المعقدة. وفي الوقت الذي قد لا تؤدي التغييرات في السياسة الإيرانية إلى تبدلات كبيرة في موقعه ضمن النظام اللبناني، إلا أن مهمته في إطار الاستراتيجية الإيرانية ستصبح موضع استفهام.
ومنذ الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان، باتت المهمة الرئيسة للحزب حراسة المشروع النووي الايراني وأداء دور الرادع لأي ضربة اسرائيلية محتملة على المنشآت الايرانية. ومع تضاؤل خطر توجيه اسرائيل هذه الضربة وسط الضغط الأمريكي على بنيامين نتانياهو لعدم تقويض الاتفاق، يمكن الاعتقاد أن دور الحزب سيتغير من حراسة المشروع الى حراسة الاتفاق النووي.
لا يعني ذلك أي تراجع قريب عن انخراط الحزب في الصراع في سوريا، حيث يبدو أنه تورط إلى حد لم يعد يستطيع العودة عنه قبل نهاية الحرب هناك. لكن حجم الاتفاق واتساع رقعته وتعدد الملفات التي يشملها لا بد أن يؤثر في شكل أو في آخر على “حزب الله” وأن يفتح العديد من النقاشات داخل إيران ولبنان وغيرهما حول دوره ومهماته والأعباء التي يشكلها على الطائفة الشيعية اللبنانية ومدى تطابق سياساته مع مصالحها.
وهذه نقاشات قد لا تبدأ قبل وقت طويل.
موقع 24
“الموت لأميركا”/ ربيع بركات
أفاق الرئيس الأميركي جيمي كارتر من نومه في منتجع كامب ديفيد بعدما تلقى اتصالاً عاجلاً عند الرابعة والنصف فجراً. كان أكثر من ثلاثة آلاف من الطلبة الإيرانيين قد اقتحموا السفارة الأميركية في طهران في الرابع من تشرين الثاني 1979، وقاموا باحتجاز ستة وستين أميركياً بعدما انتزعوا أسلحة عناصر «المارينز» الموكلين بحراسة مبنى السفارة. حادَث كارتر كلاً من مستشار الأمن القومي زبيغنيو بريجينسكي العائد لتوه من الجزائر ووزير الدفاع سايروس فانس. لكن أياً منهما لم يظهر قلقاً غير عادي، بل أعربا عن اعتقادهما بأن الموضوع قابل للحل سريعاً، فعاد الرئيس الأميركي إلى سريره. قيل إن كارتر لم ينم منذ تلك الليلة ملء جفنيه، حتى نهاية ولايته في العشرين من كانون الثاني/يناير 1981.
خارج أسوار السفارة الأميركية في طهران، كانت الحشود هائجة. تحول شعار «الموت لأميركا» إلى أحد عناوين الثورة ضد الشاه محمد رضا بهلوي وراعيته واشنطن. أصدر الطلبة في السفارة بياناً أعلنوا فيه أنهم من أنصار الإمام الخميني وقالوا إنهم «احتلوا وكر التجسس احتجاجاً على دعم أميركا للشاه»، واستخدموا في بيانهم عبارات تتصل بأبعاد الإقليم والعالم، فأجملوا فيه عداءهم لكل من «الإمبرياليين» و«الصهاينة»، موضحين علاقة الاثنين بأجهزة «السافاك» التي سفكت دماء آلاف الناشطين السياسيين والنقابيين على مدى سنوات.
ولم يكن تاريخ البلاد غائباً عن أذهان هؤلاء لدى صياغتهم موقفاً من «الغرب» بأي حال من الأحوال، بل إن دور وكالة المخابرات المركزية الأميركية (السي آي إيه) وجهاز (الإم آي 6) البريطاني، في المساعدة على قلب حكومة محمد مصدق «الوطنية» العام 1953، كان حاضراً في وعي قسم كبير منهم. كما أن مأثرة السطو الغربي على نفط إيران على مدار العقود الماضية لم تفارق خطابهم التالي للثورة.
وقد خيضت مفاوضات إطلاق الرهائن الأميركيين على مدى شهور طويلة، وتخللتها تعقيدات ومنعطفات ارتبطت بالعمل على مقايضة واشنطن بتقديم مساعدات لإيران في حربها ضد العراق. كما وظفت المفاوضات للتأثير على مسار الانتخابات الرئاسية الأميركية من أجل تسهيل صفقة في هذا الإطار. إذ لم تمر ساعات على تبوء رونالد ريغان منصب الرئاسة خلفاً لكارتر الذي أثرت الأزمة على شعبيته، حتى أطلق سراح اثنين وخمسين رهينة بعد أربعمئة وأربعة وأربعين يوماً من الاحتجاز (كان قد أفرج عن أربعة عشر من العدد الأصلي مطلع الأزمة، وهم النساء والأميركيون من أصول أفريقية وأحد المرضى).
برغم ذلك، فإن طي الصفحة لم يكن قد حان بعد.
بعد أيام من الذكرى الرابعة والثلاثين لاحتلال السفارة، توصلت طهران إلى أول اتفاق من نوعه مع «الغرب» قضى برفع جزئي للعقوبات التي أطلق مسلسلها الحدث المذكور. أرّخت «مفاوضات جنيف» لمرحلة جديدة من العلاقات بين اللاعب الإقليمي العنيد برغم الاستنزاف، ودول تراوح خطابها حيال هذا اللاعب بين مرونة وتشدد، منذ إعلانه امتلاك أجهزة طرد مركزي تسمح له باستيلاد طاقة نووية.
تحول شعار «الموت لأميركا» إلى مادة جدل داخل إيران نفسها، وطال الجدل معنى الشعار ومدى اتساقه مع الظرف الراهن. وعاشت البلاد إثر ذلك، وما زالت، فصلاً «شيزوفرينياً» غريباً يشبه التحولات الكبرى. وقد ظهر الأمر جلياً في خطاب المرشد الأعلى علي خامنئي أمام عشرات الآلاف من عناصر ميليشيا «الباسيج» قبيل «مفاوضات جنيف»، والذي أشار فيه إلى الرغبة ببناء «علاقات ودية مع كل أمم العالم بما فيها الولايات المتحدة»، في الوقت الذي كانت فيه حناجر الآلاف تصدح بـ«الموت لأميركا».
وحصل هذا بعدما أثار كلامُ كبير براغماتيي السياسة الإيرانية هاشمي رفسنجاني زوبعة في الصدد عينه، إثر قوله في مذكراته التي نشرت على موقعه الخاص إن الخميني نفسه أراد التخلي عن الشعار في الثمانينيات، فما كان من رموز المحافظين إلا أن ردوا عليه بتغليطه وتأكيد تمسكهم بترداد العبارة تزامناً مع المحادثات النووية.
ووصل «التضارب» إلى حد إصدار «الحرس الثوري» بياناً يؤكد فيه أن «الشعار يعكس مقاومة الأمة الإيرانية ضد الهيمنة الأميركية»، في الوقت الذي كانت فيه الحكومة تزيل لوحات تحمل عبارات عدائية تجاه الولايات المتحدة من شوارع طهران. كما ظهر مع تسويق المرجع الأعلى «مفاوضات جنيف» واحتوائه معارضيها المحليين، توازياً مع رعايته تظاهرة أحيت ذكرى اقتحام السفارة وفاضت في الحجم عما سبقها على مدى أعوام.
وعلى الأرجح أن الثنائيات المذكورة تتراوح بين سجال طبيعي و«تضارب» مقصود. فلناحية السجال، ثمة تحول يستدعيه على اعتبار أنه يطال مفردات قامت عليها رؤى ومؤسسات حاكمة منذ عقود. ولجهة «التضارب»، فهو يعبر عن سياسة متقنة يقصد منها الإبقاء على التعبئة أثناء سلوك مفاوضات غير مضمونة.
غير أن للازدواجيات هذه دلالة أعمق من أن تشرحها الظروف الراهنة بمفردها. ولا بد لهذه الدلالة أن تظهر مع توضيح علاقة طهران بالغرب. ومع توضيح هذه العلاقة، يصبح شعار «الموت لأميركا» مطواعاً لإعادة تعريف ضرورية، قد يليها تعديل في الاستخدام أو تقليص فيه أو سحب متدرج من القاموس، على غرار ما حصل مع الاتحاد السوفياتي الذي ناله الشعار نفسه لمرحلة معتبرة من الثورة (رغم الاختلاف الكبير بين الحالتين).
بيد أن توضيح الشعار أو إعادة تعريفه (تمهيداً لسحبه) يقومان على مسألتين متوازيتين. أولاهما الحاجة إلى فصل السياسي فيه عن الثقافي، بحيث يزول الالتباس حيال المقصود بـ«الموت»: أهي سياسة خارجية عدائية للإدارات الأميركية المتعاقبة أم بلاد (وثقافة) بأسرها؟ ثم ينسحب الأمر بعد ذلك على سائر «الغرب»، تحديداً اللصيق منه بواشنطن. ولا صعوبة هنا في فك الالتباس، فالرئيس الإيراني نفسه خريج جامعة «غربية». وهو، كغيره من النافذين، يدركون أن الانفتاح لا يعني ذوباناً ثقافياً حتى يخشى من تبعاته. أما ثانية المسألتين، فتلك الخاصة بتحديد عناصر الربح والخسارة في التسوية المفترضة. فإذا ما ثبّتت التسوية مصالح إيران وحلفائها في المنطقة من دون أن تفرض عليهم تنازلاً مكلفاً، عُدَّ الأمر مكسباً بعمومه. ولا يكون حينها الحفاظ على استقلالية القرار الوطني في مقابل تخفيف لهجة استفزاز الخصوم خسارة. وفي هذا سوء فهم لكثير من العرب المتابعين لمسار المفاوضات والمعلقين عليها برطانة ديماغوجية. لكن هذا يحتاج إلى بحث آخر.
السفير
إسرائيل تتشدّد لرفع سقف “ضماناتها” والدول الإقليمية لموقعها على طاولة التفاوض/ روزانا بومنصف
احد ابرز المبررات التي قدمت دفاعا عن الاتفاق الغربي مع ايران حول ملفها النووي هو وجوب اعطاء دفع للتيار الجديد في طهران الذي تمثل في انتخاب حسن روحاني الذي اتى بفريق منفتح يشكل وزير الخارجية محمد جواد ظريف احد اهم اركانه على رغم اقرار الغرب بأن القرار الايراني كان ولا يزال في يد مرشد الجمهورية آية الله خامنئي. فالمقاربة التي اضطرت ايران الى اعتمادها تنطوي على مراجعة ضمنية وتغيير جوهري يحمل في طياته اقرارا بان الاسلوب السابق الذي اعتمد لم يأت بنتائج مجدية. ومع ان الاسباب تعزى الى العقوبات الاقتصادية التي انهكت الوضع الايراني فان مطلعين وزوارا لايران يقولون ان الاسباب تكمن ايضا في التغييرات الداخلية التي اضطرت القيادة الايرانية الى الالتفاف عليها واستيعابها بعد الثورة الخضراء احتجاجا على التزوير في ايصال احمدي نجاد العام 2009 وفي ظل ثورات عربية أكانت ربيعا أم سواه والتي تخشى ايران ان تعود فتدق ابوابها مجددا.
ومع المخاوف من محاولات او احتمالات سعي ايران الى تسويات لمصلحتها في المنطقة تعزز نفوذها ودورها الاقليميين لقاء تنازلات في الملف النووي باعتبار ان الملف مفتوح على استكمال المفاوضات وصولا الى حل نهائي وشامل خلال سنة، فان مقاربة هذه المسألة تتجاهل جملة عوامل واعتبارات من بينها:
– ان الاتفاقات الدولية التي حصلت خلال الاشهر الاخيرة وخصوصا ما يتصل بنزع الاسلحة الكيميائية لدى النظام السوري واخيرا السعي الى ضبط السعي النووي الايراني غير السلمي هما من ابرز ما يمكن ان يصب في مصلحة اسرائيل باعتبارها معنية مباشرة بما كانت تعتبره تهديدين يطاولانها تحديدا اكثر من سواها. وعلى رغم الاحتجاجات التي ابداها رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو للاتفاق الغربي مع ايران حول ملفها النووي، فان هذه المصادر لا تستبعد اهدافا او ضمانات قد تسعى اليها اسرائيل في المرحلة المقبلة في المفاوضات اللاحقة بعد ستة اشهر استكمالا للمفاوضات حول النووي من خلال رفع سقفها في هذه الضمانات. فاذا كانت تعتبر ان “حزب الله” يمثل تهديدا لها عبر الحدود وهو آخر تهديد من جملة التهديدات التي كانت تحددها، فان ذلك قد يكون هدفا تسعى الى تخفيف مخاطره عليها. ومع ان اركان الحزب وقياداته رفعوا الصوت اخيرا باستبعاد امكان “بيعه” من ايران في خضم الكلام على اتفاق مرتقب والمخاوف التي اثيرت على هامشه باعتبار ان انفتاح ايران على الغرب وانهاء عقود من العداء سيؤدي الى انعكاسات لا بد منها، فان ذلك بدا ردا استباقيا على مرحلة مفتوحة على احتمالات مختلفة.
– ان الدول الاقليمية التي غابت عن الاتفاقين الدوليين حول الكيميائي السوري والنووي الايراني باعتبار ان الاول كان ثمرة توافق اميركي روسي والاخر كان نتاج تفاوض ايران والدول الخمس الكبرى زائد المانيا ولم يكن لهذه الدول مكان على طاولة التفاوض على نحو اثر سلبا عليها تسعى من خلال اعتراضها على كليهما، وان على نحو مختلف، من اجل ان يحسب لها حساب في كل الشأن الاقليمي الاخر وان تكون معنية لا بل مقررة فيها. وهذا يتصل الى حد كبير بمدى قدرتها على ايصال اعتراضها والتأثير من حيث موقعها وقدراتها على مجرى الامور لا ان تترك الدول الكبرى تصنع مع بعض الدول الحلول وتقررها للمنطقة من خلال اتفاقات جانبية او هامشية. وهذا جزء كبير من الاعتراض اكبر بكثير من الاعتراض على اي مضمون فضلا عن الخوف من اتفاقات هامشية تتجاوز موقع هذه الدول. اذ ان ايران تبدي ارتياحا وثقة الى وضعها وتتعاطى مع دول الخليج من موقع قوة لجهة رغبتها في “طمأنة” هذه الدول الى نياتها في حين لا يجوز الاستهانة بالاوضاع الصعبة التي تواجهها ايران في المنطقة. ففي العراق الذي بات يدور في فلكها من حيث المبدأ لا يمكن الاستكانة الى واقع ان منطقة الاكراد وحدها التي تحظى بالهدوء فيما كل مناطق العراق الاخرى تواجه ما تواجهه في اقرار ان السلطة التي تدعمها مع الاميركيين لا يمكنها احلال السلام وحدها من دون تنازلات كبيرة يتعين عليها القيام بها. في حين ان تورطها المباشر عديدا وعدة وخبرة في سوريا من اجل ابقاء بشار الاسد في موقعه مع ادراكها بانه يستحيل ان تتمكن من ابقائه او حسم الامور لمصلحته مهما طالت الحرب.
ولا تخفي هذه المصادر ان ايران تحسن لعب اوراقها جيدا سياسيا واعلاميا كما جرى في توظيف الاتفاق في الاطار الايجابي البحت فيما ان للاتفاق جانبين احدهما في مصلحة ايران والاخر في مصلحة الموقعين معها ومن يمثلون ايضا.
النهار
النووي الإيراني: أرباح اتفاق جنيف وتكاليفه
مركز الجزيرة للدراسات
ملخص
حققت القوى الغربية من الإتفاق على برنامج إيران النووي مكاسب كبيرة، وحققت إيران أمنًا مؤقتًا من التهديد بالحرب واستعادة محدودة لبعض أموالها المجمدة، وانفراجًا في علاقاتها السياسية مع الغرب والعالم. ولكن، في الطريق إلى الاتفاق النهائي سيضغط الإسرائيليون والدوائر المؤيدة لهم في واشنطن، وبعض العرب، من أجل تجريد إيران كلية من مقدرات التخصيب، وسيرد إيرانيون بأن تخلي القذافي عن مشروعه النووي لم يوفر له الحماية من السقوط والموت. وقد لا تستطيع الأطراف بالتالي التوصل إلى اتفاق نهائي، ويتحول المؤقت إلى مؤقت دائم. وفي حال تم التوصل إلى اتفاق نهائي، حتى على الأسس التي استند إليها الاتفاق المؤقت، فإن ذلك يعني الحؤول دون إقتراب إيران من القدرة على إنتاج سلاح نووي إذا أرادت.
وقّعت إيران ودول 5+1 بمدينة جنيف، في ساعة متأخرة من مساء السبت 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2013، اتفاقًا مؤقتًا، يستمر لمدة ستة شهور، حول الملف النووي الإيراني. اعتُبر الاتفاق، الذي راوغ المفاوضين طوال سنوات من المباحثات، أحد أهم نجاحات الدبلوماسية الدولية منذ بداية القرن. وقد وُصف الاتفاق في واشنطن بأنه أبرز إنجاز لإدارة الرئيس باراك أوباما في حقل السياسية الخارجية، بينما وصف من قبل أنصار الرئيس الإيراني حسن روحاني وحلفاء إيران الإقليميين بأنه أبلغ أثرًا من القنبلة النووية ذاتها.
هذه قراءة للأسباب التي جعلت الاتفاق ممكنًا هذه المرة، ولبنوده الرئيسية وتأثيره على مستقبل المشروع النووي الإيراني، وللجدل حول الدلالات السياسية والاستراتيجية للاتفاق فيما يتعلق بدور إيران وموقعها الإقليمي.
الطريق نحو الإتفاق
بدأت هذه الجولة من المفاوضات الجدية، والمباشرة، بين إيران والولايات المتحدة منذ ربيع هذا العام، بصورة سرية؛ وقد جرت في معظمها في عُمان. بمعنى، أن رغبة الطرفين في التوصل لحل تفاوضي للملف النووي سبقت انتخاب د. حسن روحاني رئيسًا بعدة شهور، عندما كان محمود أحمدي نجاد لم يزل في مقعد الرئاسة. ولم يكن ممكنًا لهذا التفاوض، سواء في مرحلته السرية، أو بعد زيارة روحاني لنيويورك في سبتمبر/أيلول وتحوله إلى تفاوض علني، أن يبدأ بدون موافقة المرشد الأعلى علي خامنئي وتوافق دوائر القيادة الرئيسة في البلاد.
يعود تفضيل واشنطن للحل التفاوضي واستعدادها هذه المرة للتوصل إلى اتفاق إلى عدد من الأسباب، أهمها أن الشرق الأوسط تراجع نسبيًا في سلم أولويات إدارة أوباما لصالح حوض الباسيفيك، وأن الولايات المتحدة لم تعد على استعداد لاستثمار مقدرات مالية وعسكرية في منطقة تستعد بالفعل لتقليص وجودها العسكري في دولها. فالولايات المتحدة وإن كانت قوة عظمى إلا أن قدراتها محدودة، ولم يعد باستطاعتها تكريس مقدرات مالية وعسكرية وجهد سياسي في حوض الباسيفيك والشرق الأوسط، في وقت واحد. من جهة أخرى، تعرف إدارة أوباما أن معالجة الملف النووي الإيراني عسكريًا هو مسألة محفوفة بالمخاطر، ليس فقط لأن إيران ليست هدفًا سهلاً، وأن بإمكانها الرد في الخليج وفي مناطق أخرى، بل لأن محاولة تدمير مشروع نووي، موزع على عشرات المواقع في أنحاء بلد مترامي الأطراف، لم يكن أمرًا مضمون النتائج. إضافة إلى ذلك، يسود إدارة أوباما الاعتقاد بأن حروب بوش الابن في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي كانت بالغة الضرر بالمصالح الأميركية والأمن العالمي.
على الجانب الآخر، أصبح واضحًا أن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي على إيران أوقعت ضررًا كبيرًا بالاقتصاد الإيراني، ليس فقط لأنها تتعلق بالسوق والشركات الغربية وحسب، ولكنها في حزمتها الأخيرة، على وجه الخصوص، حرمت إيران من التعامل مع شركات وبنوك ومؤسسات غير غربية كذلك، باتت تخشى من أن تعاقب هي الأخرى بصورة ثانوية. صمدت إيران أمام العقوبات الاقتصادية لفترة طويلة، وكانت تجد طريقة أو أخرى للالتفاف عليها من خلال شبكة علاقات اقتصادية أدارها الحرس الثوري، داخل وخارج إيران، لكن ذلك لم يعد ممكنًا مع شمول العقوبات قطاعي النفط والبنوك. وجاءت النتائج لتُسكت أو تُخفض وتيرة الأصوات المدافعة عن نهج التشدد مع الخارج، مع بروز أصوات تجاهر بأن العقوبات فعلت فعلها في الاقتصاد الإيراني وأثّرت على البلاد بصورة لا يمكن معها إدامة نهج التشدد.
تسببت العقوبات في ارتفاع معدل التضخم ليصل إلى 30 في المائة، وفقًا لأرقام البنك المركزي الإيراني، و35 في المائة وفقًا لخبراء وأساتذة اقتصاد إيرانيين، و42 في المائة وفقًا لتصريحات صدرت عن الرئيس الإيراني. ورافق ذلك ارتفاع نسبة البطالة إلى 13 في المائة وفقًا لبعض الإحصاءات التي تعكس وجهة النظر الرسمية، بفعل تراجع الاستثمارات الحكومية والخاصة بصورة أساسية. وإن كان متوسط معدل البطالة في العالم يصل إلى 9.7 في المائة وفي المنطقة 6.9 في المئة، فإن خبراء اقتصاديين إيرانيين يتحدثون عن معدل يتجاوز 25 في المائة في وقت يجب فيه أن ينخفض إلى 7 في المائة.
ولم يكن لاقتصاد يعتمد بصورة أساسية على عائدات النفط أن يفلت من التأثر بعقوبات ذات صبغة دولية؛ حيث انخفض تصدير النفط من 2.5 مليون برميل يوميًا عام 2011 إلى 1.1 مليون برميل في عام 2013، بنسبة تتجاوز 60 في المائة. وقاد ذلك إلى انخفاض عوائد إيران من النفط من 100 مليار دولار عام 2011 إلى 35 مليار دولار في 2013. كما تراجع الانتاج الإجمالي من النفط من 4 مليون برميل إلى 2.7 مليون برميل يوميًا؛ وصاحب ذلك تراجع كبير في قيمة العملة الإيرانية أمام الدولار والعملات الأجنبية الأخرى. وبينما تشير مصادر إيرانية إلى أن نسب النمو الاقتصادي لم تتجاوز صفر بالمائة خلال العامين الماضيين، تقول مصادر غربية: إن الاقتصاد الإيراني انكمش بما يزيد عن 5 بالمئة خلال العام الأخير.
كانت إيران، باختصار، من الناحية الاقتصادية، بحاجة إلى اتفاق يجد حلاً لمعضلة العقوبات، سيما أن العامل الاقتصادي كان يمكن أن يصبح أحد أبرز عوامل تصاعد المعارضة السياسية في البلاد، ومن ثم تهديد استقرار الجمهورية الإسلامية. إضافة إلى ذلك، واجهت إيران عقبات في العمل من أجل تنمية قدراتها النووية إلى مستويات تجعلها قادرة إن أرادت إنتاج سلاح نووي، ولم تعد قادرة على تحمل تكلفة هذه العقبات.
الاتفاق: الأرباح والتكاليف
كان الهدف الرئيس للولايات المتحدة والقوى الغربية من البداية إجبار إيران على التوقف عن تخصيب اليورانيوم والتخلص من اليورانيوم الذي تم تخصيبه فعلاً، سيما ذلك الذي خُصب بدرجة 20 بالمئة، وإخضاع المنشآت الإيرانية لرقابة دولية صارمة. أما هدف إيران من المفاوضات فكان الحصول على إقرار غربي بحقها، الذي تكفله المعاهدات الدولية، في التخصيب للاستخدام السلمي، ورفع العقوبات الاقتصادية، وتطبيع علاقاتها السياسية مع العالم واعتراف القوى الغربية بها كقوة إقليمية رئيسة، ذات مصالح في الجوار.
نص الاتفاق على تعهد إيران، خلال الشهور الستة المقبلة، بإيقاف العمل في منشأة آراك؛ حيث كان من المتوقع أن تنجح إيران في إنتاج الماء الثقيل خلال عام، وإنتاج البلوتونيوم خلال عامين؛ وعلى التوقف عن تخصيب اليورانيوم فوق 5 بالمئة؛ وعلى عدم نصب أية أجهزة طرد مركزي جديدة (أي استخدام الـ 800 جهاز العاملة الآن وحسب، وتجميد العمل في الـ 800 جهاز آخر، التي تم نصبها ولم تُغذّ باليورانيوم بعد)؛ وعلى عدم زيادة كمية اليورانيوم المخصب بدرجة 3-5 بالمئة؛ وعلى التخلص من زهاء 200 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب لدرجة 20 بالمئة التي تملكها الآن، سواء بخلطها بالخام أو تحويلها إلى أكسيد؛ والسماح ببرنامج رقابي دولي صارم من قبل الوكالة الدولية للطاقة النووية.
فما الذي تعنيه هذه الالتزامات؟ المعروف أن تخصيب اليورانيوم للمستوى المنخفض، 3-5 بالمئة، ليس صعبًا، ولا يمثل خطوة ملموسة نحو السلاح النووي. ولكن رفع مستوى التخصيب إلى 20 بالمئة هو إنجاز ملموس؛ وإن توفرت كميات كافية من هذا اليورانيوم المخصب، فإن إيصاله إلى اليورانيوم المخصب بدرجة 90 بالمئة أو أعلى، الضروري للسلاح النووي، لا يعتبر مسألة معقدة تقنيًا. بهذا المعنى، يمكن الاستنتاج بأن التزام إيران باتفاق جنيف يعيقها عن الإقتراب من عتبة السلاح النووي، على الأقل خلال الأشهر الستة المقبلة، التي يتوقع أن تشهد استئناف المفاوضات للتوصل إلى اتفاق نهائي.
في المقابل، ستسمح الولايات المتحدة والدول الغربية خلال الأشهر الستة باسترداد إيران لزهاء 7 مليارات دولار من أموالها المحتجزة في أميركا وعدد من الدول الغربية والآسيوية، وتخفيف القيود على تصدير النفط الإيراني. ولكن هيكل العقوبات المتعلقة بالاستثمارات الخارجية في حقلي إنتاج النفط والغاز والنشاطات المالية الإيرانية عبر العالم سيبقى على حاله.
تحدث الرئيس حسن روحاني في كلمته للشعب الإيراني عن اعتراف رسمي غربي بحق إيران في التخصيب، إلا أن نص الاتفاق لا يتضمن ذلك صراحة. ما يتضمنه الاتفاق هو إقرار واقعي بوجود نشاطات تخصيب عند مستوى أقل من 3-5 بالمئة (على أساس أن من الصعب التحكم بالمنتج بين هذين المستويين). وقد جادلت الدول الغربية في المفاوضات بأن المعاهدات الدولية لا تنص على حق التخصيب، بل تحدده، إن وجد، بشروط منع انتشار السلاح النووي.
أحدث الاتفاق جدلاً داخل إيران، تضمن النقاط التالية:
لم يرد في الاتفاق أية جملة تنص على الاعتراف رسميًا بحق إيران في تخصيب اليورانيوم على أراضيها، طبقًا للمادة الرابعة من معاهدة وكالة الطاقة الذرية. وتظل عبارة “استمرار التخصيب” ليست “الاعتراف الرسمي” الذي لا جدال فيه.
عند الحديث عن الخطوات النهائية في الحل، وضعت مجموعة 5+1 ثلاثة شروط ليكون التخصيب جزءًا من البرنامج النووي الإيراني، وهذه الشروط هي:
أن يكون محدودًا من حيث المستوى والقدرة وحجم المخزون المخصب، ونطاقه وموقعه.
أن يخضع لرقابة مشددة.
إثبات الحاجة العملية له (Consistent with practical-needs)، وهذا الشرط تحديدًا يعطي الجانب الغربي فرصة القول بأن الحاجة العملية لا تتطلب قيام إيران بالتخصيب داخل أراضيها. وهذه الشروط تعكس في حقيقتها سعيًا لتفكيك البنية التحتية لتخصيب اليورانيوم.
نص اتفاق جنيف صراحة على ضرورة التزام إيران بقرارات مجلس الأمن الدولي. وهذا يعطي للقوى الغربية الحق بأن تطلب تعليق التخصيب حتى بالنسبة لما دون 5 في المئة الذي تم القبول به؛ وهو ما ينص عليه قرار مجلس الأمن.
ما ستحصل عليه إيران فيما يتعلق بالعقوبات قليل لا يذكر مقارنة بما هو مطلوب من إيران الالتزام به.
أما القوى الإيرانية المؤيدة للإتفاق، فتؤكد أن التنازلات المقدمة لا تمس جوهر المشروع النووي ويمكن التراجع عنها إذا اقتضت الحاجة؛ علاوة على أن الاتفاق يجعل إيران تركز جهودها على ملفات ملحة، كالملف الإقتصادي، ويفتح أمامها مجالا لتكون شريكا معترفا به في قضايا المنطقة كما يبدو في الملف السوري، وكما يتضح في التشاور التركي الإيراني على موضوع جنيف2.
من جهة أخرى، واجه الاتفاق عاصفة هوجاء من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي وصف الاتفاق بالخطر؛ وهو الأمر النابع من أن الإسرائيليين يريدون تخلي إيران الكلي عن مقدرات التخصيب ومجمل مخزون اليورانيوم المخصب الذي تمتلكه. ولكن الحقيقة أن الاتفاق، فوق أنه مؤقت ومحدد بستة شهور، يمثل كابحا كبيرا يمنع المشروع النووي الإيراني من إمكانية إنتاج سلاح نووي.
الدلالات السياسية والاستراتيجية
أثار الاتفاق جملة من التخمينات المتعلقة بعلاقات إيران بالولايات المتحدة والقوى الغربية، وبدور إيران وموقعها الإقليمي. أوحى بعض هذه التخمينات بوجود صفقة سرية موازية للاتفاق النووي حول تحالف أميركي-إيراني جديد، ووصف البعض الآخر الاتفاق بأنه يمثل انعطافة في سياسة الجمهورية الإسلامية الخارجية شبيهة بالتحول الذي شهدته مصر السادات في تحالفاتها الدولية بعد معاهدة كامب ديفيد.
هذه في مجملها لا يجب أن تعتبر أكثر من تخمينات. مصادر قريبة لدوائر المفاوضات، إضافة إلى التقارير التي تسربت من أوساط الوفود المفاوضة، أفادت بأن لا الولايات المتحدة ولا الدول الغربية الأخرى وافقت على أن يشمل التفاوض القضايا الإقليمية، بالرغم من أن الإيرانيين سعوا إلى ذلك في بداية المرحلة السرية من المفاوضات. أراد الأميركيون أن تقتصر هذه المرحلة من المفاوضات على الملف النووي، وأن تُترك القضايا الإقليمية الأخرى للمستقبل، بعد الانتهاء من المفاوضات النووية. ولكن هذا لا يعني أن الاتفاق لن يترك أثرًا على ما هو سياسي واستراتيجي، أو أنه لن يمهد لما هو سياسي واستراتيجي.
من وجهة النظر الأميركية، ستساعد علاقات تحالفية، أو حتى ودية، مع إيران على استمرار حاجة المنطقة لدور أميركي، بعد توجه الاهتمام الأميركي إلى حوض الباسيفيك، نظرًا لتدافع قوى الشرق الأوسط الإقليمية الرئيسة: إسرائيل، وإيران، وتركيا، والسعودية (على أساس أن العراق وسورية ومصر خارج حسابات التوازنات الإقليمية لأمد غير محدد). كما ستساعد إيران على توفير خيارات أخرى للولايات المتحدة في أفغانستان، وتحرر واشنطن من ضغوط باكستان ودول وسط آسيا ذات الولاء الروسي؛ وتوفر إيران من جهة أخرى منفذًا لدول مثل أرمينيا وأذربيجان، بدلاً من أن تبقى الأخيرة أسيرة لضغوط روسيا وتركيا. هذا، إضافة إلى أن إيران ستصبح ممرًا لأنابيب النفط والغاز لدول البلقان ووسط آسيا، إلى جانب الممرين الروسي والتركي. وستعمل إيران الصديقة على تعزيز السلم في الشرق الأوسط، سيما فيما يتعل بالصراع العربي-الإسرائيلي ومكافحة الإرهاب.
في الجانب الآخر، تأمل طهران أن يساعد الانفتاح السياسي على الولايات المتحدة والغرب على تأمين مكاسب إيران الجيوسياسية في العراق ولبنان وسورية، وعلى أن تصبح إيران شريكًا اقتصاديًا، على الأقل، في منطقة الخليج، وعلى الاعتراف بإيران طرفًا أصيلاً في تقرير مسائل الجوار الإقليمي.
بيد أن الطريق إلى ولادة مناخ يؤسس لتوافق بين أهداف الجانبين الاستراتيجية لم يزل بعيدًا؛ فما أُنجز في جنيف ليس سوى اتفاق مرحلي، سيكون خلال الشهور الستة القادمة عرضة لضغوط مختلفة، داخل إيران وأميركا، ومن القوى الإقليمية الأخرى في الشرق الأوسط، وقد لا يؤدي إلى اتفاق دائم ونهائي. للتوصل إلى علاقات تحالف بين أميركا وإيران، ينبغي أن تتطور الروابط بينهما، تعليميًا واقتصاديًا وثقافيًا وسياسيًا، بصورة شبيهة لما شهدته العلاقات المصرية-الأميركية في نهاية السبعينيات والثمانينيات. وفي حين لم يجد السادات معارضة لتوجهه الأميركي من داخل جسم الدولة المصرية، فإن تطور العلاقات الإيرانية-الأميركية بصورة تهدد الأسس الإسلامية للجمهورية الإيرانية يجد معارضة صلبة في مختلف دوائر الدولة في إيران وعلى أعلى المستويات. ولا يقل أهمية أن الملف الإقليمي للعلاقات الإيرانية-الأميركية يضم قضايا شائكة ليس من السهل التوصل إلى تفاهم حولها.
يفتح اتفاق جنيف المرحلي الباب لتطبيع العلاقات السياسية الإيرانية مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية الغربية، الحليفة لواشنطن، فيحرر إيران من التهديد باستخدام القوة ضدها في المدى المنظور، ويجعل المناخ السياسي للجمهورية الإسلامية أفضل بصورة ملموسة. ولكن العلاقات الإيرانية-الأميركية لم يزل أمامها الكثير قبل أن تتحول إلى علاقات ودية أو تحالفية، وقد لا تصل إلى مثل هذا المستوى.
احتمالات الغد
أظهر الاتفاق القوة الهائلة التي تتمتع بها الولايات المتحدة وحليفاتها الأطلسيات، وتحكمها في النظام الاقتصادي-المالي العالمي، وقدرتها على فرض إرادتها حتى على دولة متوسطة المقدرات وذات حدود برية متعددة وطويلة مثل إيران. ولكن الاتفاق أظهر أيضًا حدود القوة الأميركية وتصميم إدارة أوباما على تجنب أي تورط باهظ التكاليف في المشرق العربي-الإسلامي، بعد فترة التورط الباهظ لإدارة بوش الابن. كما أظهر الاتفاق أنه ما لم تكن الدولة العبرية ذات صلة مباشرة في قضية ما، فإن تأثيرها على القرار الأميركي، عندما يتعلق الأمر بمصلحة استراتيجية أميركية، يظل محدودًا.
ما ينبغي تذكره دائمًا أن هذا اتفاق مرحلي، لا أكثر. حققت القوى الغربية في هذا الاتفاق مكاسب كبيرة، وحققت إيران أمنًا مؤقتًا من التهديد بالحرب واستعادة محدودة لبعض أموالها المجمدة، وانفراجًا في علاقاتها السياسية مع الغرب والعالم. ولكن، في الطريق إلى الاتفاق النهائي سيضغط الإسرائيليون والدوائر المؤيدة لهم في واشنطن، وبعض العرب، من أجل تجريد إيران كلية من مقدرات التخصيب، وسيرد إيرانيون بأن تخلي القذافي عن مشروعه النووي لم يوفر له الحماية من السقوط والموت. وقد لا تستطيع الأطراف بالتالي التوصل إلى اتفاق نهائي، ويتحول المؤقت إلى مؤقت دائم. وفي حال تم التوصل إلى اتفاق نهائي، حتى على الأسس التي استند إليها الاتفاق المؤقت، فإن ذلك يعني الحؤول دون إقتراب إيران من القدرة على إنتاج سلاح نووي إذا أرادت.
على المستوى السياسي والاستراتيجي، من المبكر توقع تبلور تحالف إيراني-أميركي؛ ولكن الاتفاق يفتح الطريق الطويل نحو تطبيع سياسي بين الدولتين، وسيكون، ربما، من المهم مراقبة الموقف الأميركي من نظام الأسد، ومن التجديد للمالكي لدورة ثالثة، لمعرفة ما إن كان الاتفاق سيترك أثرًا إيجابيًا سريعًا على العلاقات بين الدولتين.
محاور جديدة بالمنطقة.. على اساس طائفي
رأي القدس
التطورات السياسية والامنية المتسارعة التي تشهدها منطقة الشرق الاوسط، تنذر بتكريس محاور جديدة، وللاسف قد تكون على اساس طائفي.
فالى جانب المواجهة الاقليمية حول سورية، حيث تدعم دول خليجية، ابرزها السعودية، المعارضة السورية، ويشن الاعلام السعودي حملة عنيفة على ايران بسبب تدخلها بالنزاع السوري، تتبنى طهران خطاب النظام السوري واتهامه لدول بينها السعودية وقطر وتركيا بتمويل ‘الارهاب’ في سورية.
اليوم يترافق ذلك مع تطور جديد، وهو التقارب بين ايران وامريكا بعد 33 عاما من الصراع، وهو ما يبدو انه سيساهم بتغيير التحالفات والعلاقات بالمنطقة، خاصة مع شعور دول الخليج بالتهميش بعد الاتفاق والكشف عن شهور من المفاوضات السرية بين واشنطن وطهران.
ايران، وبعد تخليها اليوم عن البرنامج النووي العسكري، تركز جهودها على تكريس نفوذها بالمنطقة، لتكون قوة اقليمية على حساب السعودية منافستها الرئيسية.
فتخفيف العقوبات، سيكون من شأنه زيادة ثراء وقوة ايران، مما سينعكس على وضع حلفائها بالمنطقة، بالمقابل تشهد دول الخليج تقاربا اكثر فيما بينها ودعما اكبر لحلفائها بمواجهة تصاعد قوة ايران الاقليمية.
يتزامن ذلك مع التفجيرين الانتحاريين اللذين استهدفا الثلاثاء الماضي السفارة الايرانية في بيروت، ما ادى لمقتل وجرح العشرات، بينهم الملحق الثقافي بالسفارة، واللذين اعلنت كتائب عبد الله عزام المرتبطة بالقاعدة مسؤوليتها عنهما، مهددة بانها ستواصل عملياتها الى ان يسحب ‘حزب الله’ عناصره من سورية.
وكان لافتا رد الامين العام لحزب الله حسن نصر الله من ان هذه العملية ‘تعويض عن الانتكاسات التي مني بها المحور المعادي في اكثر من ملف، وخصوصا سورية’، وذلك في تلميح واضح للسعودية وربط للتفجير بملف سورية.
هذا التفجير، وما تلاه من قصف على الحدود السعودية واعلان مجموعة تسمى جيش المختار المعروفة بارتباطها بايران تبنيها للعملية سينذر بمشهد جديد من الشحن الطائفي.
ورغم ان الثورة في سورية والحرب ضد الاسد لم تبدأ لانه ليس رئيسا سنيا، لكن استحواذه من جهة على دعم قوى شيعية، مقابل مشاركة مسلحين متشددين مرتبطين بتنظيم القاعدة اعطى المشهد صورة طائفية، وهذا ما يتعزز اليوم بشكل متسارع، من استقطاب وتكريس طائفي.
فالمعركة في سورية والاتفاق النووي يحددان النظام الاقليمي بين محور (شيعي) تقوده ايران ويضم سورية وحزب الله والعراق، مقابل محور دول ذات غالبية سنية تقودها السعودية.
وهذا ينذر اولا بصراع طويل في سورية قد لا يتمكن اي طرف من حسمه عسكريا ليتمكن من حسمه سياسيا ايضا. كما ينذر ثانيا بما توقعه الكثيرون خلال العامين الماضيين، وهو احتمال انتقال التوتر والاضطراب الى دول الخليج، في ضوء التوتر الذي تعيشه البحرين، والاختراقات الايرانية و’القاعدية’ التي حالت وتحول دون تطبيع الاوضاع في اليمن وانتهاء الحوار الوطني اليمني بصيغة تحقق توافقا بين الاطراف كافة.
رغم ان الاتفاق النووي واضح في هدفه النهائي، اي منع ايران من الحصول على سلاح نووي، الا ان التقارب الامريكي ـ الايراني هو الذي يثير المخاوف في كثير من العواصم العربية، لا سيما في الخليج، اذ ان الوجهة المحتملة لهذا التقارب وكيفية توظيفه من جانب امريكا وايران، كل من جانبها، تبقى مجهولة. فايران ترشح نفسها للقيام بدور اقليمي يتماشى مع رغبة امريكية في التخفيف من الاعباء المباشرة لاستراتيجيتها في المنطقة العربية للاعتماد على اطراف اقليمية مؤهلة. يحدث ذلك فيما يمر العالم العربي بمرحلة تحول وعدم يقين، لكن الظروف التي هيأت لايران الشاه في السابق ان تكون ‘شرطي الخليج’ لم تعد قائمة لمنح ايران ‘ولاية الفقيه’ مثل هذا الدور. ومع ذلك لا بد للعرب وبالاخص عرب الخليج ان يتعاملوا مع المتغيرات الراهنة بسياسات اكثر حنكة ومرونة وتماسكا، اقله للحد من الخسائر.
القدس العربي
“الممانعة” بالمقلوب/ امين قمورية
خفض مستوى العلاقات الديبلوماسية بين مصر وتركيا، خسارة جديدة لانقرة تحرمها نقاطا ثمينة كانت تحتاج اليها لمنافسة ايران والسعودية على السباق المحموم الى زعامة المنطقة والعالم الاسلامي.
لم يستفد اردوغان من اللحظة الحاسمة التي فسحت لتركيا مجال الاضطلاع بدور اقليمي محوري في المنطقة بعد سقوط بغداد عام ٢٠٠٣، فدخل في تنافس سياسي مع إيران لملء الفراغ السياسي الذي نجم عن خروج العراق من معادلات القوة والنفوذ الاقليمي، لكنه لم يحصد هناك الا الخيبة. ثم جاءته الفرصة الثانية مع “الربيع العربي”، لكنه بتفضيله اقتناعاته الايديولوجية على المصالح العليا للدولة التركية، اصيبت سياسته بعدوى “الاخوان”. وهكذا عوض أن يؤثر في الجماعة ويدفعها الى الانفتاح على العصر وقيمه الإنسانية والمدنية تأثر هو بمقولاتها ورؤاها. وأفضت تحالفاته ورهاناته إلى تقويض صورته في العالم العربي على نحو يصعب ترميمه لا الآن ولا في المستقبل.
خسر “بابا طيب” رهانه الاول على اسقاط نظام بشار الاسد لاحلال اصدقائه في الحزب الاسلامي محله، ثم كان صدامه مع مصر على الخلفية نفسها، وهو صدام مع قلب المنطقة. كان يعتقد ان مكانته في قلب اميركا لا تتزحزح، مثله في ذلك مثل السعودية. ولكن خلف غبار الحرب في سوريا وتعاظم دور الجهاديين السنة والاحساس الدولي بخطرهم من افغانستان الى لبنان، تقدمت طهران الى الواجهة وصارت قبلة واشنطن المفضلة إلى أن انتزعت اتفاقا مبدئيا نوويا من شأنه ان يمهد لريادة ايرانية في المنطقة.
تحت وطأة الخسائر المتلاحقة، والانقلاب الكبير الحاصل في المنطقة بعد التقارب الاميركي – الايراني، لم تجد انقرة سوى جارتها اللدود بغداد التي تجلس في الوسط بين طهران وواشنطن ممرا للحفاظ على دور ما لتركيا مع رسم خريطة سياسية جديدة في المنطقة. وهكذا كان انفتاحها السريع والمفاجىء على بغداد علّ البوابة العراقية تكون مدخل انقرة الى “قلب” طهران. فهل تشهد المنطقة تحالفا تركيا ايرانيا اضطراريا في غمرة الانقلابات الكبرى الحاصلة حاليا؟
وفي المقابل، ان من شأن الغضب المشترك على “الاخوان” وحليفتهم الرئيسية تركيا، والقلق من الدور المتعاظم لايران وامتداداته البشرية والامنية والسياسية في العراق وسوريا ولبنان وشمال اليمن والسودان وعودته الى قطاع غزة عبر تجديد العلاقة مع “حماس” المنبوذة و”الجهاد”، وحاجة الاقتصاد المصري المريض الى “الاوكسيجين” السعودي، وحاجة الرياض الى حليف طبيعي بعد خسارة الحلفاء “الاجانب”، ان تدفع القاهرة الجديدة الى تكريس التقارب مع الرياض.
وهكذا تحت شعار “الممانعة” و”المقاومة” لأي مس “اعجمي” بالامن القومي العربي، قد يشتد عود التحالف المصري – السعودي في مواجهة التحالف المحتمل بين ايران وتركيا اللتين اخترقتا الحدود العربية بالشعارين نفسهما بعدما رفعتهما الثورة الاسلامية باكرا ثم اتخذهما اردوغان مظلة بعد دافوس و”مرمرة”.
النهار
ثورة سوريا أقوى من اتفاق أميركا ـ إيران/ عبد الرحمن الراشد
ما تحدث به مسؤولون في الثورة السورية من أنه يمكن أن يدفع السوريون ثمن الاتفاق النووي الأميركي مع إيران في جنيف – ليس صحيحا. ففي رأيي، سوريا هي آخر المتضررين من الاتفاق، إن كان هناك حقا متضررون. فهذا اتفاق أولي مؤقت عمره ستة أشهر، بناء عليه تخفف الولايات المتحدة جزءا من عقوباتها الاقتصادية مقابل أن تتوقف طهران عن جزء من أنشطتها النووية. وخلال الأشهر الستة المقبلة، يتفاوض الطرفان على حل، أو حلول، دائمة إن استطاعا، وينهيان النزاع. خلال المرحلة القصيرة، لن تكون هناك أثمان تدفع، لأنه اتفاق مؤقت، وقد لا ينجب في نهاية الشهر السادس، إما لعدم جدية الطرف الإيراني، أو بسبب الضغوط الرافضة له في الكونغرس الأميركي. وحتى لو أنجب المؤقت اتفاقا دائما، فإن سوريا والسوريين وثورتهم هم آخر من سيتأثر سلبا بالاتفاق. السبب في حصانة الحدث السوري، أنه نشاط داخلي وليس عملا مصطنعا أجنبيا، لا يمكن أن نقارنه مثلا بأفغانستان، حيث إن إسقاط حركة طالبان وإقامة نظام بديل في كابل، عمل جاء بالكامل من الخارج، وقد لا يصمد بعد مغادرة القوات الأميركية. في سوريا، الوضع مختلف تماما، فالقتال نتاج لرفض شعبي واسع لنظام بشار الأسد، يستمد جزءا من الدعم من الخارج مثل السعودية وغيرها، وهذا الدعم الخارجي لو توقف غدا، وهو لن يتوقف، لا يعني أبدا نهاية الثورة ونجاة النظام.
وإيماني بحتمية سقوط نظام بشار الأسد ليس عن تمنيات، أو مبني على تخلي الحليف الإيراني عنه، أو ارتفاع الدعم الخليجي للثوار، لا أبدا. السبب الرئيس، أن النظام لم يعد يملك مقومات البقاء التي مكنته من الحكم أربعين عاما. المنظومة العسكرية الأمنية السياسية تهاوت، وهو يقف اليوم على قدمين خشبيتين إيرانيتين، وهذه لا تدوم. والسبب الآخر المهم، أن الأسد الأب، ومن بعده ابنه، كانا يطرحان في الماضي نفسيهما كوطنيين سوريين، اليوم غالبية الشعب السوري ترى في الرئيس بشار الأسد شخصا طائفيا من طائفة صغيرة. وهذه تجعل من المستحيل القبول بنظام مرفوض من قبل الغالبية الساحقة من الطائفة السنية التي تشكل أكثر من 70% من السكان. السبب الثالث وراء نظرية حتمية السقوط، الكم الهائل من الدماء التي سالت. ولا يمكن أن نقارنها بما سال في أحداث مدينة حماه قبل ثلاثين عاما لأنها نسبيا كانت محدودة، وعاش بعدها النظام قويا. هذه أسباب راسخة يستحيل معها أن يدوم نظام الأسد الذي غاب ظله اليوم عن معظم سوريا، يحكم فقط في بعض المناطق. وعندما نقول باستحالة نجاة نظام الأسد لا يعني أن هناك بديلا وطنيا جيدا سيحل محله، أو أن هناك بديلا. فهذا موضوع آخر، لأن الاحتمالات البديلة غير مضمونة.
وسواء اتفق الإيرانيون والأميركيون أم لا، فإن سوريا ستكون آخر المتأثرين. بل إن العكس هو الصحيح، فإسقاط الثورة السورية لنظام الأسد يمثل خسارة فادحة لنظام إيران ويضعفه تفاوضيا، وسيدفعه نحو الاتفاق والتنازل أكثر. فقد كانت إيران تعتمد في الماضي على جملة وكلاء لتنفيذ أجندتها، أبرزهم نظام الأسد، للضغط على الغرب، من خلال التهديد والابتزاز وإحداث الفوضى. والوكيل الثاني، حزب الله الذي سيحاصر ويضعف عسكريا إن سقط نظام الأسد.
إنما، يفترض ألا نخلط بين ثوار سوريا ومفاوضي جنيف الإيرانيين والأميركيين، لأنه لا علاقة حقيقية بين المناسبتين، رغم أهمية سوريا وخطورة أحداثها على المنطقة. بالنسبة لإيران، رضخت وطلبت تفاوضا لأنها أصبحت تختنق بسبب العقوبات، وتريد تخفيفها. قد تكون وعودها مجرد حيلة إيرانية أخرى أو ربما صادقة، الحقيقة نحن لا نعرف، لكن نعتقد أن الإدارة الأميركية تسرعت في تصديق وعود الرئيس روحاني. فإيران أصبحت تعاني نقص قطع غيار طائراتها المدنية، ورادارات مطاراتها، وكومبيوتراتها، وفشلت في بيع نفطها، وتحويل ريالاتها إلى دولارات، وغيره، وبالتالي تريد كسر الحصار الغربي من خلال مفاوضات تمنحها فرصة للاستنشاق ثم ستقوم بجرجرة أقدامها دون أن تتوقف عن مشروعها النووي. مجرد ربما.
الشرق الاوسط
الاتفاق المعجزة!/ مكرم محمد أحمد
نجحت مفاوضات جنيف في فتح ثغرة واسعة في جدار مصمت من الكراهية وانعدام الثقة, حرص الغرب والإيرانيون علي تشييده علي امتداد ثلاثين عاما من الصراع والحرب حول الملف النووي الإيراني.
ووقعت طهران والدول الخمس الكبري أخيرا اتفاقية مرحلية تنزع فتيل الحرب من الملف النووي الإيراني, وبمقتضاه تجمد إيران اجزاء مهمة من برنامجها النووي, وتتوقف تماما عن تخصيب اليورانيوم فوق5% درجة, وتلتزم ببحث مصيركميات اليورانيوم المخصبة فوق20% درجة, بما ينهي فاعليتها في صنع سلاح نووي, وتمتنع عن توسعة معاملها وتركيب اي أجهزة طرد مركزية جديدة.
كما تلتزم بوقف العمل في مفاعل أراك لإنتاج الماء الثقيل,مقابل تخفيف جزئي يفتح الطريق أمام طهران كي تستخدم سبعة مليارات دولار من أرصدتها المجمدة في الخارج, مع تخفيف محدود لاثارالعقوبات الاقتصادية التي فرضها مجلس الأمن, ومنعت طهران من تصدير50% من انتاجها البترولي, وإدت إلي زيادة التضخم وإرتفاع الاسعار وانخفاض قيمة العملة الإيرانية, وهبوطا دخل الخزانة, وزيادة مصاعب الحياة أمام المواطن الايراني.
والمشكلة في الاتفاق المعجزة ان كل طرف يستطيع أن يقرأه علي نهج مختلف,ابتداء من الرئيس الإيراني حسن روحاني الذي يفخر بأنه انجز إتفاقا كسر شوكة العقوبات الاقتصادية قبل ان تنتهي المائة يوم الاولي من بداية حكمه,خاصة أن الاتفاق يعطي لإيران دون اي لبس الحق في الاستمرار في عمليات تخصيب اليورانيوم دون5%.
بينما يري الامريكيون ان الاتفاق لا يعطي طهران كارتا علي بياض في قضية تخصيب اليورانيوم,لكنه يجعل إستمرار إيران في صنع سلاح نووي عملا مستحيلا, لانه يعزز مراقبة المفتشين الدوليين لكل المواقع النووية في إيران علي مدي الساعة, بينما تري الدول الاوروبية أن الاتفاق مجرد خطوة اولي مهمة علي طريق انجاز اتفاقية شاملة, تقف امامها مصاعب ضخمة.., وحده بنيامين نتانياهو رئيس وزراء إسرائيل هو الذي يري في الاتفاق خطأ استراتيجيا ضخما من جانب واشنطن,جعل العالم اقل امنا واشد خطورة مما كان عليه الوضع قبل الاتفاق.
نقلاً عن “صحيفة الأهرام”.
أوباما لبّى رغبة إيران وروسيا في الانتصار/ راغدة درغام
بدأت تتضح معالم «التسوية الكبرى» Grand Bargain بين الولايات المتحدة وروسيا وعادت الدولتان لاتخاذ مقاعد متساوية في انضاج الصفقة. بات واضحاً وجليّاً أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية أصبحت حجر أساس في «التسوية الكبرى» الممتدة من الشرق الأوسط إلى أفغانستان والقوقاز وآسيا الوسطى وإلى أوروبا الوسطى أيضاً. روسيا استعادت الوزن والمقام الذي احتلته في العهد السوفياتي وزمن القطبين بسبب تصميم الرئيس فلاديمير بوتين، كما بسبب تقبّل الرئيس الأميركي باراك أوباما لفكرة إحياء موازين العملاقين بدلاً من استفراد الولايات المتحدة بمكانة الدولة العظمى في زمن القطب الواحد. رئيس «اللاحرب» أخرج العمل العسكري من معادلة التعاطي مع برنامج إيران النووي بعدما كان أخرجه من التعاطي مع الاستخدام الكيماوي في الحرب السورية. والقرار الأميركي في عهد باراك أوباما هو التفاهم مع روسيا – والصين معها – ليس فقط على خريطة جديدة في طياتها المصالح الاستراتيجية والنفطية والغاز، وإنما التفاهم أيضاً على كيفية التعرّض للتطرف السنّي الممتد من سورية والعراق إلى أفغانستان وباكستان والجمهوريات الإسلامية الخمس في آسيا الوسطى. إنها نقلة نوعية في علاقات الولايات المتحدة الأميركية مع دول الشرق الأوسط والخليج. نقلة تتطلب من الحلفاء القدماء استيعاب معنى ما طرأ على العلاقة الأميركية – الإيرانية ودراسة التعامل معه بلا هلع. فلربما في طيّات التطورات التاريخية الأسبوع الماضي في العلاقة الأميركية – الإيرانية نوافذ على إصلاح ضروري للعلاقات التقليدية، الأميركية – العربية منها وكذلك الأميركية – الإسرائيلية. وبالتأكيد، هناك حاجة ماسة لإعادة النظر في الاستراتيجيات القديمة للحروب بالنيابة كما للمنافسة أو المواجهة السنّية – الشيعية.
الاتفاق بين إيران والدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن – الولايات المتحدة، الصين، روسيا، بريطانيا، وفرنسا – زائد ألمانيا حول البرنامج النووي الإيراني يتصدّر الأولوية القاطعة للدول الست. هذه الدول تضع كل مسألة أخرى في مرتبة ثانية أو ثالثة. المسألة السورية سقطت من سلم الأولويات. الدول المجاورة لسورية لم تعد تهم الدول الست. الأردن تضمنه الولايات المتحدة. لبنان لا يلاقي أي اكتراث. العراق شبه مفروغٍ منه لصالح ايران.
النقلة النوعية الأهم حدثت في العلاقة الأميركية – الإيرانية وفي الاستراتيجية الأميركية نحو الشرق الأوسط بشقي العلاقة مع إسرائيل والعلاقة مع الدول النفطية العربية. فقلد تم التوصل إلى الأولوية الإيرانية وهي: علاقة ثنائية مباشرة ومستمرة مع الولايات المتحدة قوامها تشريع ثورة الملالي في طهران التي انطلقت عام 1979، والتعهد بعدم دعم أية معارضة أو أية جهود للإطاحة بنظام طهران القائم على الحكم الديني – أي الثيوقراطية. هكذا تعهد الرئيس باراك أوباما.
أما العملية التفاوضية النووية فإنها ستكون معقدة ذات محطات متقلبة تارة إيجاباً وتارة سلباً. إنما في نهاية المطاف، كما أثناء العملية التفاوضية، أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية متمسكة بالبقاء على طاولة المفاوضات مهما حدث ذلك أن تلك الطاولة هي الأداة لتخفيف ورفع العقوبات. وهذا تماماً ما يشكل أساس الاستراتيجية الإيرانية. الطاولة هي وسيلة إنقاذ الاقتصاد في إيران. والطاولة هي السجّادة التي يحسن الإيرانيون حياكتها بصبر وفن المفاوضات، وهذا واقع جديد مستمر لزمن طويل آتٍ مهما حدث من تصدّع هنا أو تراجع هناك. فطهران تدرك أن طاولة المفاوضات هي أيضاً سجن الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية.
إدارة أوباما لبّت إيران وروسيا وقدمت لهما الانتصار في الشرق الأوسط. فهي تراجعت عن الهدف المعلن لإسقاط النظام في دمشق. وهي تعهدت بحجب أي دعم لتغيير النظام في طهران. استيعاب معنى هذا التحوّل الجذري في السياسة الأميركية ليس سهلاً، لكنه فائق الضرورة.
فالرئيس الأميركي رضخ عملياً لأيديولوجية فرض الدين على الدولة، كما فعل الملالي في طهران. والرئيس الأميركي طرف في تحالف الأمر الواقع مع إيران وروسيا ضد التطرف السنّي أينما كان. هكذا فتحت إدارة أوباما الباب على تصدير أيديولوجية الثيوقراطية الإيرانية إلى الجوار. وهكذا قررت إدارة أوباما تبني ما بدأته إدارة جورج دبليو بوش، وهو، اعتماد الشراكة مع إيران في الحرب على «القاعدة» وأمثالها بالتفاهم مع روسيا والصين، هذه المرة.
التعاضد بين أميركا وروسيا والصين وإيران في منع إحياء التطرف السنّي في أفغانستان ومنع إنمائه في باكستان جزء مهم في الخريطة الجديدة. المنافسة السعودية – الإيرانية على النفوذ في تلك البلاد إنما لها معالم مختلفة الآن على ضوء التوافق الأميركي – الإيراني الجديد.
إيران متواجدة في كل المعادلات بما فيها المعركة على النفوذ في أوروبا الوسطى بين الولايات المتحدة وروسيا. وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أسرع إلى الإعلان في أعقاب الاتفاق النووي مع إيران أن ذلك الاتفاق يلغي حاجة حلف شمال الأطلسي (ناتو) لمشاريع الصواريخ الباليستية في أوروبا. قال إن المنطق الذي تذرعت به الولايات المتحدة لإقامة تلك الدرع الصاروخية هو مواجهة تحدي الصواريخ الإيرانية. قال إن تلك الذريعة زال منطقها بعد الاتفاق مع إيران. وهكذا، أصبحت إيران بوابة لمعالجة الخلاف الأميركي – الروسي حول مشاريع الصواريخ الباليستية في أوروبا الشرقية.
مع صعود نجم ونفوذ إيران في العلاقة مع الغرب عامة وفي إطار العلاقة الأميركية – الروسية، اختضّت موازين القوى التقليدية واختّض معها الحلفاء التقليديون للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. فالقفزة النوعية في العلاقة الأميركية – الإيرانية، بعد انقطاع رسمي دام لأكثر من ثلاثين سنة، أحدثت الصدمة بعد الدهشة.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو تصرّف بهستيريا البعض يراها مصطنعة والبعض الآخر يجد لها المبررات. فلقد وصف نتانياهو الاتفاق النووي مع إيران بأنه ليس إنجازاًَ تاريخياً وإنما هو «غلطة تاريخية». الرد العلني السعودي رحب بالاتفاق النووي بحذر. دول مجلس التعاون الخليجي أصدرت بياناً عبر عن «ارتياحها» إزاء الاتفاق وطالبت إيران بالتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وحسناً فعلت. حسناً فعلت أيضاً بالإعراب عن أملها بنجاح مؤتمر جنيف – 2 المعني بسورية المزمع عقده في 22 كانون الثاني (يناير) لإنهاء النزاع في سورية عبر هيئة انتقالية بصلاحيات كاملة. هكذا، أتى رد الفعل الخليجي بهدوء بدل الهستيريا وأعطى الانطباع أن الرد الخليجي بات عاقلاً بدلاً من اعتباطية الغضب والحرد إزاء السياسة الأميركية الجديدة.
المهم في رد الفعل الخليجي هو إرسال رسالة الحضور والمشاركة لتحل مكان رسالة الامتناع والتغيب التي سبقتها، وهذا بالغ الأهمية. فهناك ليس فقط نقلة نوعية في العلاقة الأميركية – الإيرانية، إنما هناك تقارب اليوم بين إيران وتركيا. فأي غياب أو امتناع عربي يؤذي فقط المصلحة العربية.
البعض في الإدارة الأميركية حريص على طمأنة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات بأن الولايات المتحدة لم تتخلّ عنها وإنما هي مجرد توسّع حلقة تحالفاتها في الشرق الأوسط. الرسالة بعناوينها العامة هي أن المصلحة الأميركية لم تعد تعتمد حصراً النفط العربي وإسرائيل أساساً لتحالفاتها في الشرق الأوسط. في صلبها، أن الرسالة الأميركية لكل مَن يعنيه الأمر هي أن أميركا لن تحارب نيابة عن أي كان. فكل يخوض حربه بجنوده وقواته، وليس عبر القوات الأميركية. الرسالة هي أن استيراد الأمن لم يعد صالحاً وأن الوقت حان لجاهزية محلية وليس لعلبة جاهزة وهذا مفيد. مفيد للدول العربية لجهة نضوج خروجها من الاعتماد على الولايات المتحدة.
من ناحية العلاقة الأميركية – الإسرائيلية أن الرسالة الأميركية هي أن العلاقة العضوية باقية إذا تعلق الأمر بالأمن الإسرائيلي، لكن علاقة «الابن المدلل» يجب أن تنتهي. وهذا جديد نوعياً.
ما يراهن عليه الرئيس أوباما هو الدعم الصامت للرأي العام الأميركي لرسائله الموجهة إلى العواصم الخليجية كما إلى إسرائيل، إنه رئيس اللاحرب تلبية للرغبات الأميركية. فهو غامر بالانخراط السياسي مع إيران مدركاً تماماً أن الشعب الأميركي لا يريد الحرب مع أي كان، نيابة عن أي كان. فالشعب الأميركي لا يكترث بما يحدث في الشرق الأوسط لا سيما وأنه بات جاهزاً للاستقلال نفطياً، وهو لا يبالي بمن يدفع كلفة مكافحة الإرهاب والتطرف طالما هي بعيدة عن الأراضي الأميركية، لذلك أن الحرب السورية لا تهم الرأي العام الأميركي حتى وإن كان «حزب الله» طرفاً في النزاع في سورية نيابة عن إيران دعماً للنظام ولبقاء الرئيس بشار الأسد في السلطة.
الحرب السورية ستطول لترافق «عملية» المفاوضات المفترض بدؤها في مؤتمر جنيف – 2 الذي قد يكون مدخلاً للحديث عن الدور الإيراني الإقليمي وطموحات طهران في العراق وسورية ولبنان. لكن الرهان على جنيف – 2 هو الرهان على إفشاله. روسيا تريد إلغاء شرعية المعارضة عبر تحميلها مسؤولية إفشال جنيف – 2 بعدما كانت استرجعت للنظام في دمشق شرعيته عبر الاتفاق معه على تدمير ترسانة الأسلحة الكيماوية السورية. الولايات المتحدة تريد الاستمرار في «العملية» السياسية بعدما ألغت تماماً الخيار العسكري. إيران ليست مهتمة بجنيف – 2 وهي تريد أن تتجنب التحدث عن دورها في سورية ودعمها لـ «حزب الله» وتفضّل إشغال الغرب حصراً بالمفاوضات النووية لغض النظر عما تفعله في سورية.
هناك كلام عن موقع «حزب الله» في تلك «الصفقة الكبرى» عندما تنضج أكثر لاحقاً. إيران لن تتخلى عن «حزب الله» كما لن تتخلى عن بشار الأسد. ما قد تريده – لاحقاً وبعدما تتحول الموازين العسكرية في سورية قطعاً لصالح النظام – هو إقناع الرئيس الأميركي بالاعتراف بـ «حزب الله» كقوة إقليمية ولاعب سياسي بدلاً من إبقائه مصنّفاً في خانة الإرهاب. هكذا تخطط السياسة الإيرانية على المدى البعيد، وتصبر، وتثابر، ثم تنتصر – تماماً كما فعلت بعد ثلاثين سنة وتوّجته في الاتفاق النووي مع الدول الكبرى وإقرار هذه الدول بشرعية النظام في طهران.
التعامل العربي مع الاختراق الذي حدث يتطلب التمعن في الخيارات الواقعية والعقلانية. لقد دخلت منطقة الشرق الأوسط حلقة التسوية الكبرى. وهذا يتطلب رؤية عربية غير تلك المعتادة وأدوات غير التي تم استخدامها بما انقلب على المصلحة العربية.
الحياة
الاتفاق الإيراني الدولي/ مروان اسكندر
أردنا وصف الاتفاق بين ايران وممثلي الدول الخمس المتمتعة بالفيتو في هيئة الامم اضافة الى ألمانيا بانه اتفاق دولي يقع ضمن شبكة المنظمة الدولية للطاقة الذرية التابعة للامم المتحدة وهي الهيئة الناظمة لمعاهدة حظر انتشار الاسلحة النووية.
بداية، الاتفاق يؤكد تمتع ايران بحرية تخصيب الاورانيوم للاستعمالات السلمية واهمها انتاج الطاقة الكهربائية. وللتذكير فقط، نشير الى ان مفاعل ابو شهر، الذي بدأت بناءه عام 1975 شركة المانية وتوقفت بعد بداية الحرب العراقية – الايرانية، أنجزه الروس اخيرا وهو يعمل حاليا بطاقة تفوق الـ1000 ميغاوات.
مناقشة الدول الغربية ايران في حقها في التخصيب للاستعمالات السلمية امر غير اخلاقي. فالولايات المتحدة وفرت لايران الشاه مفاعلا صغيرا للاستعمالات الصحية منذ عام 1975، ووفرت التدريب على التخصيب الى حدود خمسة في المئة ضمانا لاستمرار عمل المفاعل. والفرنسيون والالمان تعاقدوا عام 1974 على بناء مفاعلين نوويين لانتاج الكهرباء، وعلى تدريب طواقم ادارة هذين المفاعلين، وتاليا فان الادعاء حالياً ان التخصيب لنسبة خمسة في المئة يشكل مؤشراً لخطر مقبل، امر مثير للاستغراب، خصوصاً ان تفاعل ايران مع الاستعمالات النووية الصحية – لمعالجة امراض السرطان – والاقتصادية ـ لانتاج الكهرباء ـ كان نتيجة المبادرات الغربية وقت ارتفعت اسعار النفط وساد جو من الحذر حيال توافر صادرات النفط وامكانات كفاية حاجات الدول الصناعية.
إضافة الى كل الوقائع المشار اليها، يبدو من وجهة نظرنا ان ايران، حينما تخلت عن التخصيب للأغراض العسكرية، قدمت تضحية كبيرة لان اسرائيل تملك عشرات القنابل النووية وقد خاضت حروباً عدة خلال السنوات الستين المنصرمة مع الاردن، وسوريا، ومصر، ولبنان، والفلسطينيين، في حين ان ايران اتخذت خطوات عسكرية في السيطرة على جزر في الخليج، ثمة نزاع على ملكيتها، وواجهت حرباً ضروساً شنها عليها صدام حسين وتسببت بخسارة المليارات وأكثر من مليون ايراني وعراقي.
الحديث الديبلوماسي يدور حول تنفيذ بنود الاتفاق الاولي لمدة ستة اشهر وبرنامج خفض العقوبات على ايران وسنتحدث عن هذه قليلاً في ما بعد.
في رأينا ان الاتفاق نهائي لأسباب عدة اهمها الآتي:
– الاحتقان السني – الشيعي في المنطقة وأبعد منها والدور الاساسي لإيران في تهدئة الامور.
– تعتبر ايران، دونما نظر الى المواقف السياسية منها، من الدول الخمس التي تحدد مستقبل المنطقة، وهي، اضافة اليها، تركيا، ومصر، والسعودية، واسرائيل.
– تحتوي ايران على ثالث اكبر احتياط من النفط في منطقة الشرق الاوسط بعد العراق، والسعودية، وهي تحتوي على ثاني اكبر احتياط من الغاز في العالم.
– ايران والعراق هما البلدان اللذان يعتمد على مصادرهما النفطية وحاجاتهما الانشائية بعد سنة 2015 لإنعاش الاقتصاد العالمي، ولا حاجة الى التذكير بان عدد سكان البلدين يفوق الـ110 ملايين نسمة وان حاجاتهما الاعمارية سنوياً تتجاوز الـ250 مليار دولار، وهذه اسواق لا يستهان بها للغرب، كما للصين وكوريا واليابان.
– الخوف من ان تدفع زيادة انتاج النفط في ايران اسعاره الى التراجع بقوة، أمر غير حقيقي للاسباب الآتية:
إن زيادة الانتاج لن تتحقق بسرعة لان التجهيزات الاساسية للانتاج والنقل واجهت تآكلاً من دون توافر القدرة على استيراد المعدات الخاصة بصناعة النفط بسبب العقوبات التي فرضت بداية بعد احتجاز عدد من الاميركيين في سفارتهم عام 1979، كما حظر على ايران استيراد قطع الغيار لطائراتها التجارية فلم تتوصل الى تعزيز اسطولها التجاري، واجهت من بعد عقوبات لمنع استيراد الطائرات الحربية وعقوبات لحصر صادرات النفط، لكن الاخيرة خالفها الصينيون، والروس، والهنود ولم يقف في وجوههم احد.
وستحتاج ايران الى سنتين او اكثر لزيادة انتاجها الى مستوى خمسة ملايين برميل من النفط، اما انتاج الغاز وضخه في الاسواق الخارجية او تسييله لشحنه بالناقلات المبردة فتحتاج الى ثلاث الى اربع سنوات.
لقد كان انتاج ايران عام 2013 على مستوى اربعة ملايين برميل يومياً، في مقابل 3,6 ملايين برميل يومياً عام 1996، لكن استهلاك ايران عام 1996 كان على مستوى 1,1 مليون برميل يومياً حين كان عدد سكانها 60 مليوناً، وقد اصبح استهلاك ايران حالياً 2,4 مليوني برميل يومياً وعدد سكانها 75 مليوناً.
والنفط الايراني لن يتدفق بسرعة، خصوصا وان الحاجات المحلية سواء للسيارات، او للطائرات، او للشاحنات، او للتدفئة ستزداد بسرعة مع اطلاق عمليات انجاز الانشاءات واعادة تنشيط الاقتصاد.
وسوف تكون ايران دولة اساسية للدول الصناعية المصدرة وللشركات النفطية الكبرى. وجدير بالذكر ان الروس والصينيين لديهم عقود ملحوظة لتطوير مصادر النفط والغاز في ايران وكانوا سابقاً يتمهلون كي يتفحصوا امكانات الاستقرار مستقبلاً.
تحتاج ايران الى الوئام نفسه مع المجتمع الدولي وهذا التوجه تجلى في تاريخ انتخاب الرئيس روحاني بغالبية مريحة من الدورة الاولى وكثافة المقترعين عبّرت عن رغبتهم في تعديل منهاج التعاون الدولي.
والرغبة الايرانية في بناء ايران على اسس الانفتاح والتعاون الدولي واضحة، وحاجة العالم الغربي والشرقي، ويجب ان نتذكر ان حجم اقتصاد الصين والهند، وكوريا واليابان وروسيا، وجميع هذه الدول يمكن تصنيفها بانها من العالم الشرقي، بات يتجاوز حجم الاقتصاد الاوروبي، كما حجم الاقتصاد الاميركي.
وتستطيع ايران على الغالب خلال سنتين زيادة صادراتها من النفط والغاز الى ما يوازي مليوني برميل يوميا، أي ما يزيد عن الوضع الحالي بمليون برميل، وهذه الكمية لن تتسبب بانهيار اسعار النفط، والدخل الذي يتوافر لايران من هذه الصادرات يوازي 200 مليون دولار يومياً او 72 مليار دولار سنوياً. وجدير بالذكر ان لايران اموالا مجمدة، اعتباطا تفوق الـ100 مليار دولار، كما لديها احتياطي يتجاوز الـ150 مليار دولار. بكلام آخر، القيادة الايرانية تستطيع تحقيق خطوات مطمئنة للإيرانيين على صعيد الانتاج والدخل والاستهلاك خلال ستة اشهر من تاريخه وما بعد.
الاتفاق المنجز بداية اعادة التفاهم دولياً مع ايران ولن يُنقض خلال الاشهر الستة المقبلة، فمصالح الدول الغربية والصناعية الشرقية مرتبطة بإيران وطاقاتها ارتباطا وثيقا.
النهار
التغيير آتٍ… ولكن ليس غداً!/ الياس الديري
ثمة تأكيدات لا يرقى إليها الشك، تشير بكل وضوح إلى أن “الصفقة الكبرى” قد تمّت. وقد تشمل المنطقة بأسرها، بلوغاً الوضع المأسوي والكارثي في سوريا، وربما مروراً بلبنان.
ولكن، هل سيؤدي ذلك إلى جلاء الغيوم “الإيرانية” المعهودة عن سماء المنطقة، وعودة العلاقات الطبيعية بينها وبين الدول العربية؟
وهل ستكون لها سياسة جديدة منسجمة مع التصريحات والبيانات والتمنيات التي ملأت الأجواء السياسية في معظم العواصم العربية والأورويبة؟
الاتصالات الأخيرة بين طهران والرياض تُعلن بصراحة أن في الأفق رغبة ما لإعادة النظر في السياسة الإيرانية القديمة، وفتح صفحة جديدة مع الدول التي كانت على شبه عداء، بل على خصومة مُعلنة وتسبّبت بكثير من الخسائر والأضرار.
الآن هناك حديث عن خريطة طريق جديدة، لحلّ معظم الأزمات وفي مقدّمها الحرب السورية، وربما ما نجم عنها.
غير أن الذين يوافقون على هذا الاستنتاج، وهذه التوجّهات، يلفتون إلى أن “الصفقة” التي طال الحديث عنها قد تستغرق وقتاً طويلاً، يمتد أشهراً.
صحيح أن الخبر اليقين، بتفاصيله الدقيقة، وما حوله من أسرار، وحقائق، ووقائع، يتطلّب المزيد من الانتظار، والمزيد من المتابعة.
وكثيرون هنا في بيروت، يتوقعون أن يسمعوا من الرئيس نبيه بري، الذي كثّف لقاءاته ومشاوراته ومحادثاته مع كبار المسؤولين في إيران، الخبر اليقين. بل أن يضع اللبنانيين بصورة خاصة في الأجواء السياسية الحقيقية لكل هذا الفيض من الاستنتاجات والتحليلات التي تميل بمعظمها إلى التبشير بأجواء جديدة. ومنطقة عربيّة جديدة. وشرق أوسط جديد.
ثم إن الروسيا العائدة إلى ساحات الشرق الأوسط بقضّها وقضيضها، باتت لها حساباتها وكلمتها في كل قضايا المنطقة. وبإشراف مباشر من القيصر الجديد الذي يُحسب له حسابٌ خاص في المجتمع الدولي، لم تصدر عنه أية إسشارة في هذا الصدد.
إنما، لا يعني ذلك أن العالم العربي بعد اتفاق جنيف سيبقى كما كان قبل هذا الاتفاق. تفاءلوا. فالتغيير آتٍ.
لن يكون في الإمكان في هذه الساعات المصيرية، ربما، إصدار أحكام نهائية. سواءً مع أو ضد. فالوقت مفتوح على ستة أشهر كفترة تجربة. أو كمجال لإنجاز ما ينصُّ عليه الاتفاق. وقد تتمدَّد على أشهر أخرى في حال بروز مزيد من العراقيل، أو ما لم يكن في الحسبان.
في كل حال، ومن الزاوية اللبنانية على الأقل، يجب الإسراع في اغتنام هذه الفرصة، ومحاولة إخراج البلد من قبضة الفراغ.
النهار
الموقف الإسرائيلي الملتبس من اتفاق جنيف/ رندة حيدر
لم يسبق لاتفاق دولي أن أثار تأويلات وتقويمات متعارضة كتلك التي أثارها اتفاق الدول الست الكبرى مع إيران في شأن ملفها النووي. فقد اعتبرته الأوساط المؤيدة لإيران انتصاراً لطهران، واعترافاً دولياً بإيران النووية، وهذا لا يجافي الحقيقة تماماً لانها المرة الاولى يعترف المجتمع الدولي بحق إيران في تخصيب الأورانيوم لأغراض غير عسكرية.
لكن الانجاز الاساسي لرئيس الجمهورية حسن روحاني ووزير خارجيته انتزاعهما موافقة الدول العظمى على تخفيف العقوبات الاقتصادية في مقابل تجميد موقت للنشاطات النووية الإيرانية مدة نصف سنة. وهذا التجميد تحديداً يمكن اعتباره أيضاً انجازاً بالنسبة الى إسرائيل اذا تقيدت إيران ببنود الاتفاق، لأنه يصب في صلب المساعي الإسرائيلية لمنع إيران من امتلاك القنبلة النووية ولو موقتاً.
وهكذا يتضح أن كل ما يعتبره طرف من الأطراف انجازاً له يمكن أيضاً أن يسجل كانجاز للطرف الآخر، وربما هذا ما يميز الاتفاق الناجح. لكن يبقى السؤال الاساسي الى اي حد، كما يقول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الاتفاق “سيئ” وخطر؟ وما حقيقة الكلام الإسرائيلي عن ان الاتفاق تسبب بتوتر العلاقات بين إسرائيل وحليفتها الأساسية والوحيدة الولايات المتحدة؟
يبدو ان نتنياهو كان يأمل في ان تتضمن بنود الاتفاق الشروط التعجيزية التي وضعها مثل تفكيك البرنامج النووي الإيراني برمته، والتخلص من مخزون الأورانيوم المخصب بنسبة 20%، الامر الذي لم يحصل. اولاً لان الدول الكبرى لا تعمل لدى نتنياهو، ولان ما يطالب به تعجيزي ومن شأنه ان ينسف المفاوضات. ومن شبه المرجح ان نتنياهو كان على علم بقناة الاتصال السرية التي قامت بين الأميركيين والإيرانيين في موازاة المحادثات العلنية. وتالياً فان الحملة على الاتفاق قبل توقيعه كان هدفها املاء الشروط الإسرائيلية على بنوده، وبعد توقيعه اعطاء إسرائيل دوراً اكبر في مراقبة تطبيقه، وجعلها شريكة غير مباشرة مع الدول الكبرى.
أما في ما يتعلق بحقيقة الخلاف بين الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأميركية، فعلى رغم مشاعر الغضب والاستياء الإسرائيليين، فان نتنياهو يدرك اليوم مدى حاجة بلاده الى التنسيق والتعاون مع الأميركيين لا التشاجر معهم في هذا الوقت الحساس.
وبغض النظر عن كل التهويل الإسرائيلي بان إيران لن تتقيد بالاتفاق وانها تخدع المجتمع الدولي وان الاتفاق الموقت مصيره الفشل، فان الراهن اليوم ان اتفاق جنيف ادخل من الباب الخلفي إسرائيل كي تصير رقيباً غير مرئي على المشروع النووي. اما استمرار إسرائيل في التهويل بالخيار العسكري فليس هدفه تدمير المنشآت النووية، بقدر ما صار وسيلة لردع إيران عن التملص من تطبيق الاتفاق.
النهار
ما مدى جدية الخلاف الإسرائيلي ـ الأميركي حول “الاتفاق النووي”؟/ ماجد الشّيخ
منذ فترة والاعلام الإسرائيلي يحاول مواكبة الموقف الإسرائيلي الرسمي من مباحثات التقارب الغربي الإيراني في شأن البرنامج النووي، بما في ذلك نشر العديد من أساليب الرعب والتهويل والتشويش على ما يجري، وصولا إلى زيارة نتانياهو لموسكو ومحاولته تشجيع الروس على لعب دور في إفشال تلك المباحثات، وعدم توقيع اتفاق مؤقت، هو الاتفاق الذي جرى التوصل إليه يوم الأحد الماضي. هذا ما حدا بالإعلام الإسرائيلي لبذل المزيد من محاولات تهدئة روع الإسرائيليين؛ ذلك أنّ أكثر ما يخشاه قادة إسرائيل والصهيونية عموما، أنْ يُلقي هذا الاتفاق بظلاله على أجندة الإسرائيليين العاديين وهواجسهم وخشيتهم من عملية نزوح ورحيل جماعيّ وهجرة معاكسة من فلسطين، إلى البلدان التي قدموا منها، وذلك خشية ممّا تُروّج لها إسرائيل من أنها “القنبلة النوويّة الإسلاميّة”.
مثل هذه الهواجس والخشية والحيرة، عبرت عنها مجموعة تساؤلات لمحلل صحيفة “هآرتس”، المتواجد في واشنطن، حيمي شاليف، حيث قال إنّه من الصعب جدًا على سكّان إسرائيل اليوم تحديد الأمر الذي يُقلقهم، هل من الاتفاق الذي وقّعته الدول العظمى صباح الأحد الماضي مع إيران، أمْ من أنّ رئيس الوزراء، بنيامين نتانياهو وصف الاتفاق بأنّه سيئ كثيرًا وخطير جدًا، أوْ من أنّ إسرائيل أوصلت نفسها إلى عزلةٍ دوليّة صعبة للغاية. على أنّ السؤال المطروح اليوم على الأجندة ليس في ما إذا كانت إسرائيل على حقٍّ في غضبها، إنّما هل هي حكيمة، وبالتالي هل الصراخ، وتوجيه الانتقادات اللاذعة، والتعبير عن الشكوك وتوجيه الاتهامات يخدم مصالح إسرائيل، أمْ أنّه يُضعفها، وهل التباكي بات يُعتبر أيضًا مجالاً في السياسة، وهذا النهج، الذي سار وما زال نتانياهو يسير عليه، هو الذي أوصل إسرائيل إلى الحالة التي آلت إليها. وبرغم ذلك فإنّه لا يقترح على أحد بأنْ يعيش في الأوهام، فالاتفاق الذي تمّ التوقيع عليه في جنيف سيحظى بتأييد عارم في الولايات المتحدّة الأميركيّة، بما في ذلك سكّانها اليهود.
وعلى العموم ليست ساحات “معركة الاتفاق” والجدل حوله اليوم، يتمركز في إسرائيل فقط، بل إنّ المعركة الآن انتقلت إلى الداخل الأميركيّ، ذلك أنّه بحسب الاتفاق، فإنّه خلال الفترة المرحليّة، تمتنع الدول (خمسة+واحد) عن فرض عقوبات جديدة على إيران، في حال قيام الأخيرة بتنفيذ تعهداتها، ولكن العديد من نواب الحزبين أعلنوا أنّ هذا بالضبط هو ما سيقومون بفعله، أيْ محاولة تمرير قوانين لفرض عقوبات جديدة على طهران، كما أنّ منظمة (إيباك) أعلنت عن تأييدها لهذه الخطوة، وفُهم ضمنًا أنّ إسرائيل تقف إلى جانب هذه المبادرات، أيْ فرض عقوبات جديدة على إيران.
اتفاق على سوءات الاتفاق
لكن أبرز التوصيفات التي قيلت عن الاتفاق المؤقت، تمحورت حول سيئاته، حيث تدحرجت تلك التوصيفات بدءا من مصادر في ديوان رئيس الوزراء الإسرائيليّ، التي قالت أنّ الاتفاق المذكور سيء، ولا يمكن الترحيب به، لأنه لا يفكك المشروع الذري الإيراني، بل يبقي على قدرات إيران الذرية، وعلى نشاطها في تخصيب اليورانيوم. ويعطي إيران تسهيلات في العقوبات الاقتصادية عليها من دون إلزامها بوقف نشاطها الذري، حتى بعد التعديلات التي أدخلت عليه.
أما الجنرال في الاحتياط، عاموس يدلين، رئيس شعبة الاستخبارات العسكريّة السابق (أمان) ومدير مركز أبحاث الأمن القوميّ التابع لجامعة تل أبيب، فقد دعا للتريث، لأنّ الحديث يدور عن اتفاق مرحليّ، وبعد ذلك يمكن أن نستكشف ما إذا كان هذا الاتفاق بمثابة اتفاق (كامب ديفيد) الذي قاد إلى السلام مع مصر، أمْ أنّه بمثابة معاهدة ميونخ، وهي اتفاقية تمّت في ميونخ في 30 (أيلول) سبتمبر 1938 بين ألمانيا النازية، وبريطانيا، وفرنسا وإيطاليا، وافقت فيها القوى العظمى على إشباع أطماع أدولف هتلر التوسعية في أوروبا. وكانت نتيجة هذه المعاهدة تقسيم تشيكوسلوفاكيا بين كل من ألمانيا، بولندا والمجر، ومن ثمّ أدّت إلى اندلاع الحرب العالمية الثانيّة. ومع ذلك، فقد اضطر الجنرال يدلين إلى وصف الاتفاق بالتاريخيّ، ولكنّه أكّد على أنّ الخيار العسكريّ لتدمير البرنامج النوويّ الإيرانيّ، ما زال مطروحًا على الأجندة الإسرائيليّة.
وكان يدلين صرّح قبل عدّة أيام أنّ إسرائيل قادرة لوحدها على شنّ هجوم عسكريّ ضدّ إيران، وهي ليست بحاجة إلى مساعدة من الولايات المتحدّة الأميركيّة، كما أنّ الجنرال في الاحتياط، يعقوف عميدرور، الذي انتهت ولايته أخيرا، انضّم ليدلين وقال في تصريحات صحافيّة، إنّ إسرائيل قادرة على توجيه ضربةٍ عسكريّةٍ لطهران بمفردها.
من جهته، قال وزير الطاقة، عوزي لانداو، إنّ الاتفاق سيء بالنسبة لإسرائيل، لافتًا إلى أنّ الدول الغربيّة أرادت بكلّ ثمنٍ التوقيع على اتفاق مع إيران، وأضاف أنّ الاتفاق يشمل بنودًا لصالح طهران، مشدّدًا على أنّ الاتفاق منح الشرعيّة الدوليّة لإيران. لذلك يتحتّم على تل أبيب أنْ ترفع سقف ما أسماه “النضال الدبلوماسيّ” ضدّ إيران في الحلبة الدوليّة، وتحديداً في أمريكا. كما عبّر عن اعتقاده بأنّ الاتفاق، الذي سمح لإيران بإبقاء أجهزة الطرد المركزيّة لديها، يمنحها الفرصة لمعاودة العمل على إنتاج القنبلة النوويّة، ووصف الاتفاق بأنّه أسوأ من السيئ، لأنّه أبقى بيد الإيرانيين هذه الأدوات الخطيرة.
وكان الوزير الإسرائيلي لشؤون الاستخبارات، يوفال شطاينيتس، وقبل توقيع الاتفاق، قد أكد على وجود خلاف حقيقي بين إسرائيل والولايات المتحدة، حول إيران والاتفاق المؤقت بينها وبين الدول العظمى الذي من شأنه تخفيف العقوبات الدولية؛ لكنه أضاف أن العلاقات بين الدولتين “جيدة جدا على الرغم من الجدل الحاد”، وأن لديه ثقة كاملة بنوايا الرئيس الأميركي، باراك أوباما وإدارته. وأضاف أنه لا يوجد فرق كبير بين تقديرات إسرائيل وتقديرات الولايات المتحدة بشأن التأثير الاقتصادي لتخفيف العقوبات على إيران “لأن تقديرات واشنطن هي لنصف سنة مقبلة وتقديرات إسرائيل لسنة مقبلة”. وقال شطاينيتس للإذاعة الإسرائيلية إن الاتفاق المتوقع مع إيران هو “اتفاق سيء ولا يحل المشكلة” حول البرنامج النووي الإيراني، معتبرا أن اتفاقا كهذا “قد يقود في نهاية الأمر إلى استخدام وسائل أخرى” في تلميح إلى هجوم عسكري ضد إيران.
شخصنة وعزلة دولية
وفي ظل انحدار الخلاف الحالي بين الولايات المتحدّة الأميركيّة وإسرائيل إلى شخصنة الأمور، فقد بات واضحًا أنّ أزمة الثقة بين الرئيس الأميركيّ، باراك أوباما، وبين رئيس الوزراء الإسرائيليّ، بنيامين نتنياهو، وصلت إلى مستوى عالٍ جدًا، بعد الهجوم العلنيّ الكاسح الذي شنّه هذا الأخير ضدّ أوباما وكيري، الذي وُصف بأنّه بات منفصلاً تمامًا عن الواقع.
ومن المعروف أنّ أوباما يرفض سياسات رئيس الوزراء الإسرائيليّ، جملةً وتفصيلاً، وما زال يكّن له العداء منذ الانتخابات الرئاسيّة الأخيرة، حيث عمل نتانياهو بدون كللٍ أوْ مللٍ لصالح المرشح الجمهوريّ، ميث رومني ضدّ أوباما.
وقد وصل الأمر بمحلل الشؤون العسكريّة في صحيفة “يديعوت أحرونوت” إلى القول إنّ الإدارة الأميركيّة غير مهتمة بالمرّة بما يفعله نتانياهو، لعلمها الكامل بأنّ إسرائيل ستعود زحفًا إلى واشنطن لعقد راية الصلح، لأنّ العلاقات بين الدولتين بمثابة زواج كاثوليكيّ، مشدّدًا على أنّ الطرف الضعيف في المعادلة هو إسرائيل، لأنّها من دون أميركا ستصل إلى العزلة الدوليّة التي تخشى منها، ومن دون واشنطن لن تجد من يستخدم حقّ النقض (الفيتو) لمنع اتخاذ قرارات في مجلس الأمن الدوليّ لإدانتها، كما أنّه أشار إلى أنّه لا توجد دولة عظمى في العالم على استعداد لتزويد إسرائيل بالمعونات الاقتصاديّة والعسكريّة، وفي مقدّمتها الأسلحة المتطورّة جدًا مثل طائرات إف 35 (الشبح)، والتي من المقرر أنْ يحصل عليها سلاح الجو الإسرائيليّ في السنة المقبلة، علمًا بأنّ هذه الطائرة، الأكثر تطورًا، يستعملها سلاح الجو الأميركيّ فقط.
فشل إسرائيلي
وبعد إقرار إسرائيل رسميًا بأنّها فشلت في منع الاتفاق المزمع توقيعه بين مجموعة دول (خمسة زائد واحد) مع إيران، باتت وحيدة في الحلبة الدوليّة، خصوصًا وأن زيارة نتانياهو إلى روسيا، كما قال المحلل نداف إيال من القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيليّ فشلت قبل أنْ تبدأ.
علاوة على ذلك، يُجمع المحللون السياسيون في تل أبيب على أنّ تصرّفات نتانياهو زادت من عزلته الدوليّة، بالإضافة إلى ذلك، أكّدوا أنّ قيامه باتخاذ قرار بتوجيه ضربة عسكريّة للبرنامج النوويّ الإيرانيّ لن يحظى بتأييد من الدول الصديقة، قبل الدول التي تُعتبر في مصاف الأعداء، بالإضافة إلى أنّ العديد في إسرائيل يُشككون بقدرة إسرائيل على القيام بهذه المهمة لوحدها، بسبب بُعد إيران الجغرافيّ عن إسرائيل، وافتقاد إسرائيل للأسلحة الملائمة، وخسارتها لعنصر المفاجأة الذي كان بإمكانه، بحسب البروفيسور يحزقيئيل درور، أنْ يُحقق نصرًا إستراتيجيّا، لافتًا إلى أنّه كان يتحتّم على إسرائيل توجيه الضربة لإيران قبل عدّة سنوات، وعدم الانتظار حتى هذه اللحظة أوْ ما بعدها، ولكنّه استدرك قائلاً إنّ القرار بتوجيه ضربةٍ عسكريّةٍ لإيران هو أخطر قرار تاريخيّ سيُتخذ في إسرائيل منذ إقامتها على الأرض الفلسطينية في العام 1948.
قبل يومين من توقيع الاتفاق المؤقت، اضطرت إسرائيل إلى التراجع عن مواقفها المتصلبّة من واشنطن، وحاولت تقليل الأضرار التي لحقت بها جرّاء الحملة الإعلاميّة المكثّفة ضدّ الرئيس أوباما ووزير خارجيته كيري، وتعهدت بالإخلاص لعلاقتها الخاصة مع الولايات المتحدة، خصوصًا، كما أفاد موقع صحيفة “يديعوت أحرونوت” على الإنترنت، بعد أنْ شكك وزير الخارجية ليبرمان فيما يبدو في متانة تلك العلاقة التي وضعتها موضع الاختبار مساعي التوصل إلى اتفاق مع إيران حول برنامجها النوويّ.
هكذا في خضم سياسات المصالح الخاصة، قد تتخالف سياسات وحسابات ومعايير كثيرة، لا سيما حين نكون في إزاء علاقات حميمية بين راع وحام لدولة وظيفية، تقوم بأدوارها ليس بعيدا عن رعاية وإشراف الرعاة، إلا إذا صار لضعف الولايات المتحدة كامبراطورية تداعيات ليس أقلها افتراق في السياسات الأميركية الإسرائيلية، التكتيكية منها عوضا عن الاستراتيجية، وما يجري اليوم في صفحة العلاقات البينية، شخصية أو عامة، يختزل تصادما في السياسة، ليس بالضرورة أن يكون لها تداعيات مباشرة، نظرا لقوة الارتباطات النفعية والوظيفية والكولونيالية القائمة بينهما.
وعلى الرغم من ذلك، يمكن القول أن العديد من السياسات الإسرائيلية اليمينية المتطرفة صارت عبئا وعبئا ثقيلا على الإدارة الأميركية الحالية، وهي تحاول قدر الإمكان الابتعاد عن سياسات الحرب أو التهديد والتلويح بها، والاتجاه عوضا عن ذلك إلى انتهاج سياسات دبلوماسية تفاوضية وصولا إلى تسويات مقبولة، تأخذ بعين الاعتبار المصالح الأميركية والغربية تحديدا، بمعزل عما يعتقده نتانياهو أو أعضاء في حكومته يرعبهم القبول بإيران نووية أو شبه نووية، عوضا عن دور إيراني في المنطقة يسحب من الرصيد الإسرائيلي، ويضعف دوره الوظيفي الذي طالما اعتمدته دول الغرب لخدمة مصالحها الاستراتيجية.
الحياة
اتفاق جنيف ـ ليس ‘اتفاقا تاريخيا’ ولا ‘فشلا تاريخيا
صحف عبرية
‘ليس ‘اتفاقا تاريخيا’ وليس ‘اخفاقا تاريخيا’. هذه المعركة بعيدة عن النهاية.
من الردود الأولية للمسؤولين في اسرائيل كان يمكن الظن بأن الايرانيين تلقوا في جنيف الاذن بتطوير سلاح نووي، وأننا في بداية العد التنازلي لـ ‘خراب البيت الثالث’. ولكن من المهم أن نفهم بأن الاتفاق الذي تحقق هو مجرد اتفاق أولي وجزئي، يسري مفعوله لستة اشهر في اثنائها ستحاول القوى العظمى وايران الوصول الى اتفاق نهائي وشامل.
‘رئيس الوزراء يمكنه أن يعزو لنفسه تحسينا كبيرا في معايير الاتفاق مقارنة مع ما عُرض على الايرانيين قبل اسبوعين. فقد حول اتفاقا ‘سيئا جدا’ الى اتفاق يمكن التعايش معه لستة اشهر. وفي الجانب الايجابي يمكن أن نشير الى أن هذه هي المرة الاولى منذ 2003 التي يتوقف فيها البرنامج النووي الايراني بل ويتدحرج قليلا الى الوراء. وحتى لو كان الحديث يدور عن تراجع طفيف، فان تغيير الاتجاه هام. فوقف التخصيب الى 20 بالمئة، استبدال المادة المخصبة الى 20 بالمئة الى وقود لا يمكن استخدامها لانتاج قنبلة، تعليق المسار البلوتوني في أراك، وبالأساس تعزيز وتعميق الرقابة كل هذه هي انجازات هامة في الاتفاق الأولي. وهي بالطبع غير مقبولة للاتفاق النهائي.
في أعقاب الاتفاق أمس أُطلقت تصريحات هامة، والتزام متجدد من الرئيس اوباما ووزير الخارجية كيري بوقف البرنامج النووي الايراني وتراجعه بقدر كبير في الاتفاق النهائي. سمعنا ايضا ايضاحات بأن الاتفاق الأولي لن يصبح اتفاقا نهائيا، وسيسري مفعوله لستة اشهر فقط الفترة التي بعدها، اذا لم يتحقق اتفاق نهائي، فان الخيار العسكري ايضا سيعود الى الطاولة.
أحد نواقص الاتفاق الأولي هو تحرير ايران من مطالب مجلس الامن بالتفكيك التام لبنيتها التحتية النووية. كما أن القوى العظمى لا تطلب في الاتفاق الأولي من ايران أجوبة على مسائل مفتوحة بالنسبة للحجوم العسكرية في برنامجها النووي، رغم أن هذا مطلب للوكالة الدولية للطاقة الذرية. اضافة الى ذلك يمكن أن نحصي الاعتراف بـحكم الامر الواقع ‘دي فاكتو’ (وإن لم يكن بالقانون ‘دي يوره’) بالتخصيب الذي يوجد منذ الآن في ايران، وعدم التناول لمسألة الانشغال بتطوير منظومة السلاح. ومع ذلك ليس صحيحا مقارنة هذا الاتفاق بـ ‘اتفاق الأحلام’ بروح قرار مجلس الامن 1737، أو الوصف المثالي الذي يقول أنه لو لم يوقع الاتفاق في جنيف لكانت ايران انهارت اقتصاديا ولكانت مستعدة لأن تتحلل من قدراتها النووية.
” بتقديري، في سيناريو فشل المحادثات، ايران كانت بالتأكيد ستواصل تخصيب اليورانيوم الى مستوى 20 بالمئة، تشغل اجهزة الطرد المركزي المتطورة وتتقدم في بناء مفاعل المياه الثقيلة في أراك. فشل المحادثات، الذي كانت ستتهم به اسرائيل، كان من شأنه ايضا أن ينهي التعاون بين القوى العظمى حيال ايران، وكنتيجة لذلك كان سيتشقق نظام العقوبات.
عندما يكون هذا هو البديل المعقول، فان الاتفاق الأولي الذي وقع في جنيف هو بديل مفضل للستة اشهر التالية. لقد وصلت ايران الى مكانة ‘دولة حافة’ حتى قبل هذا الاتفاق وليس في أعقابه. وهي توجد هناك منذ عدة سنوات، وتقلص بشكل متواصل ومستمر زمن اختراقها نحو القنبلة!.
التوصيات للسياسة الاسرائيلية للتأثير الناجع على الاتفاق النهائي والاستعداد لعدم الوصول الى اتفاق:
1 ـ ‘ليس صحيحا أن اسرائيل ‘ستخرب’ على الاتفاق في الاشهر الستة التالية لا بهجوم عسكري ولا باستخدام اصدقائها في الكونغرس. ينبغي استنفاد المحاولة للوصول الى اتفاق جيد. واذا كان حكم التجربة أن تفشل، من المهم أن يكون واضحا بأن الذنب هو ‘في الملعب’ الايراني وليس الاسرائيلي.
2 ـ ينبغي السماح للقوى العظمى بوقف البرنامج النووي الايراني وإبعاده عن القنبلة من خلال الوصول الى اتفاق نهائي، يعطي جوابا على كل المسائل التي لم تعالج كما ينبغي في الاتفاق الأولي. للغرب رافعة ناجعة للتقدم في هذه الخطوة فالايرانيون يحتاجون الى مزيد من التسهيلات في العقوبات التي لا تزال تثقل عليهم جدا.
3 ـ’ينبغي التشديد على مسؤولية والتزام الاعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الامن والمانيا بمنع القدرة النووية العسكرية عن ايران المسؤولية التي تتعزز في ضوء الاتفاق الأولي المتحقق.
4 ـ’ينبغي التأكد’ من أن الرافعتين اللتين جلبتا ايران الى طاولة المفاوضات والتنازلات والتي لم تكن مستعدة لتقديمها في الماضي، تبقيتان ساريتي المفعول رافعة العقوبات ورافعة التهديد المصداق بهجوم عسكري.
5 ـ’ رافعة العقوبات ينبغي الحفاظ عليها من خلال منع صفقات جديدة من شركات دولية مع ايران، وتشريع واسع في الكونغرس بالنسبة لمزيد من العقوبات تفرض في حالة خرق الاتفاق أو نفاد مفعوله، ومحاولة ايرانية لكسب الوقت حتى عقد اتفاق نهائي.’
6 ـ’ رافعة الهجوم العسكري يجب تأكيدها من خلال تطوير خيار الهجوم الموضعي والمركز ضد البرنامج النووي الايراني فقط وايضاح امريكي تام بشأن قوة وحجم رد واشنطن على خرق الاتفاق أو اكتشاف شبكات نووية أخفاها الايرانيون أو لحالة توسيع الايرانيين المواجهة بعد الهجوم المركز.
7 ـ’ ‘ينبغي العودة الى الحوار الحميم والمكثف مع الامريكيين على مباديء الاتفاق النهائي. من المهم أن تكون تل أبيب وواشنطن منسقتين في المسائل السبعة الأساس للاتفاق النهائي: مستوى التخصيب في البرنامج الايراني. عدد اجهزة الطرد المركزي، مخزون المادة التي تخرج من ايران. مستقبل موقع فوردو. عدم تشغيل المفاعل البلوتوني في أراك، عمق الرقابة المستقبلية على البرنامج واغلاق الملفات المفتوحة في مسائل السلاح.
’8 ـ ‘كجزء من تعميق التعاون، على اجهزة الاستخبارات في اسرائيل أن تبلور مع نظيراتها الامريكية ردا على ‘الثقوب’ في الاتفاق الأولي من اجل اكتشاف الخروقات الايرانية للاتفاق، الجهود الايرانية في المجال العسكري أو النشاط في مواقع سرية.
‘من المهم وضع ايران في اختبار الاتفاق النهائي، الذي يعيد الى الوراء برنامجها ويمدد جدا فترة الاختراق في حالة خرقها للاتفاق، مثلما فعل الكوريون الشماليون. ومع ذلك، ليس واضحا هل يمكن تحقيق اتفاق نهائي كهذا مع الايرانيين ولا سيما اذا لم يتم الابقاء على الرافعتين الاقتصادية والعسكرية. وبالتالي فان على اسرائيل أن تستعد للخطة الثانية في حالة الفشل في الوصول الى ‘اتفاق جيد’ من ناحيتها:
التأكد مع الامريكيين بأنه لا يوجد تمديد للاتفاق الأولي، وأنه لا يتثبت كوضع نهائي.
‘الاتفاق المسبق على اعادة العقوبات التي خُففت، وحث تشريع منذ اليوم بعقوبات اخرى، تُتبع على الفور في ختام الاشهر الستة.
‘اعداد خطة عمل اسرائيلية مستقلة لحالة عدم تحقق اتفاق أو تحول الاتفاق المرحلي الى اتفاق نهائي ‘سيء’ يترك ايران على مسافة عدة اشهر من القنبلة.
‘بعد ستة اشهر فقط سنعرف حقا كيف نقف على جودة الاتفاق الذي وقع أمس. اذا كان يشبه اتفاق ميونيخ الذي في غضون سنة ظهر بكامل عيوبه حين بدأت الحرب العالمية الثانية، أم اتفاق كامب ديفيد الذي أدى في غضون سنة الى سلام بين مصر واسرائيل.
عاموس يادلين
‘نظرة عليا 28/11/2013
القدس العربي
النووي الايراني: صفقة اقتصادية هائلة/ رشا أبو زكي
برغم توصيفه كحدث سياسي بارز، يعتبر الاتفاق النووي الذي عقد الأسبوع الماضي بين إيران ومجموعة 5+1 ( الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، روسيا، الصين وألمانيا)، مغمساً بمصالح اقتصادية وتجارية. إذ أن فك العقوبات الإقتصادية عن إيران (تدريجياً) في ظل الأزمة الإقتصادية التي تعصف بالإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية، لا يرتبط حصراً بتسويات سياسية، فبين طيّات الإتفاق صفقة إقتصادية عالمية سنشهد تأثيراتها خلال السنوات المقبلة. فالجمهورية الإسلامية تئن اقتصادياً، وتالياً اجتماعياً، بفعل العقوبات المشددة التي فرضت عليها. في المقابل، تعاني الأطراف الفارضة للحصار المأساة نفسها. تبرز في عملية تفكيك الإتفاق اقتصادياً الكثير من الوقائع. إذ أن الثروة الإيرانية الضخمة المجمدة في دول العالم تقاس بمليارات الدولارات. وهي لا تنحصر بأرصدة مصرفية مجمدة، بل تتعداها الى منشآت وعوائد نفطية باهظة. لم يخرج حتى اليوم أي تقرير يشير الى حجم هذه الثروة، ولا إلى كيفية توزعها على دول العالم، سوى بعض التصريحات التي تعطي بعض الأرقام وتغفل عن أخرى. بالإضافة الى الكثير من التقارير الصحافية التي لم تستطع الوصول الى رقم واحد أو موحد عن حجم الثروة الايرانية المجمدة منذ تاريخ الثورة الإيرانية إلى اليوم.
قد يسأل البعض: لمَ قد توقع الولايات المتحدة المأزومة إقتصادياً الى جانبها دول أوروبية تغوص في إفلاسات متتالية، عقداً مع دولة تريد أن تستعيد ثروتها المجمدة في هذه الدول؟ وكيف يمكن قراءة تصريح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بعيد الاتفاق: “ليس هناك من خاسر، الكل رابحون”؟
في البدء، لا بد من الإشارة إلى نوع الإتفاق من الزاوية الإقتصادية الذي تم توقيعه بين دول تتباعد بالسياسة وتتواءم في الأزمة الإقتصادية. إذ تعهدت الدول الست الموقعة على الاتفاق عدم فرض أي عقوبات جديدة على إيران لمدة ستة أشهر إذا راعت إيران التزاماتها بموجب الاتفاق. وقف عقوبات محددة على الذهب والمعادن النفيسة وقطاع السيارات الإيراني وصادرات إيران البتروكيميائية بما يتيح لإيران إيرادات تقترب من 1.5 مليار دولار. الترخيص بإصلاحات في ما يتعلق بالسلامة وعمليات تفتيش داخل إيران لبعض شركات الطيران الإيرانية. السماح ببقاء مشتريات النفط الإيراني عند مستوياتها الحالية المنخفضة بشدة لمستويات تقل بنسبة 60% عما كانت عليه قبل عامين، وسيتم السماح بنقل 4.2 مليارات دولار من حصيلة هذه المبيعات على دفعات إذا وفت إيران بالتزاماتها. السماح بنقل 400 مليون دولار من مساعدات التعليم الحكومية من الأموال الإيرانية المقيدة مباشرة إلى مؤسسات تعليمية معترف بها في دول ثالثة لتغطية المصروفات التعليمية للطلبة الإيرانيين.
من هنا يمكن توقع الكثير من الأجوبة عن السؤالين أعلاه. إذ أن احتمال نشوب حرب مع إيران قد تكون نتائجها كارثية على اقتصادات الدول الاوروبية والأميركية التي تعاني أصلاً من اهتزازات واسعة النطاق. وقد أظهرت “وول ستريت جورنال” في العام 2012 وبالأرقام، أن الخسائر التي ستلحق بهذه الإقتصادات قد تكون بالفعل تدميرية وغير محصورة، بحيث يمكن أن تكلف هذه الحرب الإقتصاد الأميركي وحده أكثر من 90 مليار دولار.
من جهة أخرى، يمكن قراءة التعنت الفرنسي في ما يتعلق بالاتفاق النووي، في إطار المخاوف من تأثيرات اعادة الأصول الإيرانية وما لذلك من تأثيرات على الاقتصاد الفرنسي، وتالياً الإتحاد الأوروبي برمته، وما لذلك من تبعات على وعود الرئيس الفرنسي بخفض العجز وعصر النفقات. فالتشاؤم الفرنسي الذي صاحب عملية التفاوض مع إيران، يمكن قراءته ضغطاً تفاوضياً أوروبياً على الأرصدة الإيرانية المجمدة منذ سنوات طويلة. أرصدة لا يفترض بالمنطق الإقتصادي الخالص، أن تعود إلى ايران كما كانت، وإنما بفوائد تغطي كل سنوات التجميد، كما أن وزارة الخزانة الأميركية تشير إلى أن العوائد الفائتة على إيران من جراء فرض العقوبات تصل إلى 120 مليار دولار. لكن الإتفاق النووي لم يشر إلى هذه النقطة ولا إلى الفوائد التي لا يمكن أن تكون قد سقطت عن طاولة المفاوضات صدفة.
ويعلّق الخبير بالشأن الايراني ابراهيم حرشي على هذا الموضوع لـ “المدن” بأن ما حررته الولايات المتحدة (8 مليار دولار) هو جزء من الـ 11 مليار دولار التي تم احتجازها إبان الثورة الإيرانية وسيتم سدادها على دفعات، في حين أن المليارات الأربعة تعود إلى العائدات النفطية المجمدة. ويلفت إلى أن اجمالي هذه الاموال 75 مليار دولار. أما عن الفوائد التي من المفترض أن تدفع على الأموال المحجوزة “فقد بقيت خارج البحث، اذ أن ايران تحاول اعادة الثقة بينها وبين المجتمع الدولي ولذلك لا يتم الحديث عن هذا الموضوع، فإيران كسبت الكثير خاصة أنها عادت الى الخريطة الدولية سياسياً واقتصادياً”.
من هنا، لا يعتبر الالتزام الإيراني بنسب التخصيب التي اشترطتها فرنسا على وجه الخصوص، السبب الوحيد للّيونة الفرنسية التي أدت إلى متابعة المفاوضات ووصولها الى خواتيم أولية، لتستكمل بعد 6 أشهر في حال أثبتت إيران أنها دولة طيّعة. ومن هنا، يمكن أيضاً اعتبار المسارعة الفرنسية لعقد صفقات اقتصادية مع ايران صفارة البدء بترميم المواقف.
من جهة أخرى، تمتلك إيران رابع أكبر احتياطي من النفط في العالم، في حين أن نفوذها يخرج عن أراضي الجمهورية الإسلامية ليطال سوريا ولبنان الواعدين نفطياً، طبعاً الى جانب نفوذها المستحكم بالعراق. وبالتالي، فإن الاتفاق الاقتصادي مع إيران يمكن أن يفتح أبواب الجنة أمام دول الغرب التي تعيش في جهنم اقتصادي مستفحل منذ العام 2008، ويعيد في المقابل، حركة الإستثمارات النفطية إلى إيران. علماً أن التقديرات تشير إلى خسارة إيران أكثر من 60 مليار دولار من الاستثمارات النفطية الفائتة.
إلى ذلك، يمكن ضمان استمرارية التحالف الاقتصادي مع إيران لسنوات طويلة، في حال استطاعت الأخيرة الإلتزام بشروط الاتفاق النووي حتى 6 أشهر، لتوقيع اتفاق أكثر شمولية. إذ أن إيران، غير الخاضعة لقياصرة الإقتصاد العالمي أي البنك الدولي وصندوق النقد منذ العام 2005، ستكون بثروتها المجمدة في دول الغرب، خاضعة لقيصر آخر، وهو قيصر تقسيط هذه الثروة وكأنها قروض فعلية برهونات سياسية هذه المرة لا عينية. كذلك، فإن تنعم الشعب الإيراني بمواطنيه وهيئاته الاقتصادية ببحبوحة افتقدوها منذ اعلان العقوبات على جمهوريتهم، سيصعّب من عملية عودة النظام الإيراني إلى المشاغبة الدولية، لأن البديل سيكون انقلاباً شعبياً جديداً على السلطة الإيرانية. وبذلك، يمكن ضمان الصداقة المستجدة بين محورين متخاصمين لسنوات، تكون فيها إيران قد أدمنت عسل النمو وارتفاع نسبة ايرادتها وانحصار خسائرها المدمرة، وتكون شبكة المصالح الاقتصادية قد أصبحت متشابكة وغير قابلة للفكاك. وذلك في مقابل استيعاب مشروع نووي تحول في السنوات الأخيرة إلى ورقة سياسية كبيرة تحرك الشرق الأوسط والعالم.
هنا، لا بد من ذكر عدد من الوثائق التي تشير إلى حجم الأرصدة الإيرانية المجمدة. إذ بعد الثورة الإيرانية عام 1979، أنهت الولايات المتحدة علاقاتها الاقتصادية والدبلوماسية بإيران، وتم حظر استيراد النفط الإيراني وتجميد ما يقارب الـ11 مليار دولار من أصوله. وفي السنوات الأخيرة، تم ضبط مليارات الدولارات من الأصول الايرانية، بما في ذلك مبنى في مدينة نيويورك، وحسابات مصرفية في بريطانيا، لوكسمبورغ، اليابان و كندا. وفي العام 2012، ذكرت إيران أن أصول شركات مرتبطة بالحرس الثوري قد تم تجميدها في العديد من البلدان ولكن في بعض الحالات تم استرجاع بعض الأصول.
إلى ذلك، جمدت محكمة أميركية سرا في 2008 أكثر من ملياري دولار إيرانية في حسابات “سيتي بنك”، وتم تبرير الحجز هذا على أنه يدخل من ضمن التعويضات لعائلات عناصر من مشاة البحرية الأميركية الذين أصيبوا أو قتلوا في تفجير العام 1983 في بيروت. ففي العام 2007 ، أمر قاض أميركي طهران بدفع تعويضات لأسر الضحايا بقيمة 2 مليار و700 مليون دولار. في المحصلة، تبين أن مجموع الأصول الإيرانية المجمدة في أميركا وصلت الى حوالي 45 مليار دولار وفق وزير الخارجية الأميركية جون كيري، الذي أعلن عن اتفاق مع إيران لسداد هذه الأصول على دفعات.
وقد أصدر قاضي أونتاريو أمراً تقييدياً ضد ممتلكات إيران في كندا، بما في ذلك سفارتها في أوتاوا و المركز الثقافي السابق في تورونتو. كذلك، تم تجميد ثلاثة عقارات، وضمان أنها لا تباع أو تنقل على أن تتم مصادرتها للتعويض على عائلة أميركية فقدت إحدى بناتها في العام 2002 في هجوم بقنبلة في حرم جامعة في القدس.
وفي بريطانيا، تم تجميد ما يقرب من مليار و640 مليون دولار من الأصول الايرانية في ظل العقوبات الدولية المفروضة على البلاد بسبب برنامجها النووي. وإلى جانب هذه الأرصدة، تشير تقارير إلى أن الأرصدة الإيرانية المجمدة أيضاً في كل من روسيا والصين وصلت الى حوالي 14 مليار دولار، في حين تشير تصريحات أخرى إلى أن حجم العوائد النفطية الايرانية في الصين وصل الى حوالي 22 مليار دولار. كذلك، أعلنت الهند أن عوائد النفط الإيراني التي تم تجميدها في البنوك الهندية بسبب العقوبات الدولية وصلت إلى مليارات الدولارات. وتشير تقارير صحافية إلى أنها قد تصل إلى حوالي 5 مليارات دولار. إلى كوريا الجنوبية، حيث تم تجميد حوالي 5 مليارات و500 مليون دولار من الأرصدة الإيرانية فيها، وتم تجميد أرصدة بقيمة 2.6 مليار دولار في اليابان.
بذلك، يمكن القول أن الأرصدة الإيرانية الموزعة على إقتصادات العالم أصبحت سيفاً ذا حدين بكل ما للكلمة من معنى. الحد الأول مسلط على رقاب الدول التي جمدت الأرصدة، والثاني على رقبة الجمهورية الإسلامية، وأي خلل في توازن السيف سيكون جارحاً بلا أدنى شك. في حين أن الأموال التي أفرجت عنها الولايات المتحدة أخيراً، قليلة جداً نسبة الى حجم الأموال المنقولة وغير المنقولة الموضوعة في ثلاجة المفاوضات، والتي إن أفرج عنها، ستحدد شكلاً جديداً لم نعهده في السابق بالعلاقات الإقتصادية الإيرانية-الأوروبية-الأميركية.
المدن
إيران بعد الاتفاق.. جار منضبط أم خصم متهور؟/ راجح الخوري
ليس من الواضح إذا كان الاتفاق بين إيران والدول الغربية سيشكل فعلا «بداية النهاية» كما قيل في جنيف، لكن من المؤكد أن البداية الحقيقية للنهاية لن تكون بالضرورة مقتصرة على المسألة النووية، إلا إذا كان المطلوب إعطاء المزيد من الاطمئنان لإسرائيل بوقف النووي الإيراني بعد تدمير الكيماوي السوري، رغم الشكوك العميقة والمزمنة بإمكانية استعمال السلاحين ضدها!
إن «النهاية الحقيقية»، أو بالأحرى الانتهاء من المشكلة الإيرانية، لا يتوقف على الملف النووي باعتبار أنه حتى ولو توصلت طهران إلى امتلاك القنبلة النووية، فهي لن تستعملها أكثر من فزاعة لزيادة تدخلاتها في الإقليم وتوسيع عملياتها السلبية في دول الخليج في سياق سعيها لفرض نفسها قوة إقليمية محورية مسيطرة، ولهذا تبقى التساؤلات التي تزداد إلحاحا:
هل سيؤدي رفع العقوبات عن طهران إلى زيادة اندفاعاتها وتدخلاتها الممتدة من الخليج إلى غزة، مرورا بالعراق وسوريا ولبنان، وحتى دول المغرب العربي، ثم هل نكون أمام صفقة بيع وشراء أكثر مما نكون أمام اتفاق، بمعنى أن «تقبض» إيران لقاء حل ملفها النووي، مزيدا من التغاضي الأميركي والغربي عن سياساتها وتدخلاتها، ومحاولات فرض نفسها وتحريك أصابعها داخل دول المنطقة، وآخر الفصول في هذا السياق تدخلها العسكري السافر إلى جانب النظام السوري، وهو ما أدى إلى استمرار الأزمة الدامية كل هذا الوقت، وما أسفر أيضا عما هو أخطر بكثير، أي تأجيج الكراهيات المذهبية في الإقليم، وهذا أمر بغيض طبعا، لكنه يريح أميركا المنصرفة إلى همومها الآسيوية في مواجهة الصين، ويسعد إسرائيل وهي تستلقي مرتاحة إلى تردي الأحوال العربية وإلى طي الملف النووي الإيراني وتحول سوريا ساحة للرمال الدموية المتحركة يمكن أن تغرق المنطقة في الصراعات المذهبية!
طبعا من المبكر الرد على هذه الأسئلة المحقة والملحة، وخصوصا في ظل التصريحات المتناقضة الإيرانية التي أعلنت أنها احتفظت بحقها في التخصيب «سواء بنسبة 5% أو 100%»، كما قال علي أكبر صالحي، والتصريحات الأميركية والفرنسية، وتحديدا قول جون كيري إن نسبة التخصيب الإيراني ستكون صفرا بعد ستة أشهر، وهذا الكلام ليس دقيقا في حين يكرر باراك أوباما أن لإيران حقا في التخصيب السلمي!
الواقع أن كل هذا يتوقف على قبول إيران بمراقبة جادة ومستمرة وعلى طول نفس المراقبين في متابعة يومية للأوضاع في منشآت «آراك» و«ناتنز» و«فردو»، وخصوصا أن الاتفاق لم يدعُ إلى تفكيك المفاعلات كما يطالب أعضاء في الكونغرس أعلنوا رفضهم الاتفاق وعدّوه استسلاما أميركيا للشروط الإيرانية.
وبغض النظر عن عمليات التخصيب، ثمة حاجة ملحة فعلا إلى إيجاد ترجمة مفهومة لكل التلميحات التي وردت على لسان كيري، من أن «الاتفاق سيضمن أمن حلفاء أميركا في المنطقة»، فإذا كان الاتفاق يربط الأمن في المنطقة بالنوويات فقط دون السياسات والتدخلات فهو واهم، وخصوصا إذا تبين أن الصفقة لن تؤدي في النهاية إلى إعادة تأهيل إيران وإدماجها في الإقليم، ولن توقف اندفاعاتها العدائية ضد جيرانها، وخصوصا بعدما تبين أن الاتصالات الأميركية مع إيران بدأت قبل نجاح حسن روحاني وكل ما قيل عن الرغبة في الانفتاح.
منذ أيام أحمدي نجاد كانت الاتصالات السرية قد انطلقت بين «محور الشر» الإيراني، و«الشيطان الأكبر» الأميركي، والمثير أنها نشطت منذ مارس (آذار) الماضي في عمان، أي داخل «بيت الحلفاء الخليجيين»، ولم يكلف البيت الأبيض نفسه عناء إطلاع هؤلاء الحلفاء على ما يجري رغم أنه تحول خطير، وفي وقت تندفع فيه طهران في سياستها المدمرة في سوريا وفي تدخلاتها التخريبية في أكثر من بلد عربي، وفي حين يصل الأمر ببعض أذرعها في لبنان والعراق إلى توجيه الإنذارات السافرة إلى العواصم الخليجية، وعلى هذا الأساس يتعمق عتب الحلفاء الخليجيين المحق على أميركا، التي تحالف «الإخوان المسلمين» وتتغاضى عن المذبحة السورية وتتناسى ضحايا الكيماوي، ثم يتبين أنها قطعت شوطا بعيدا في مفاوضة النظام الإيراني رغم سياساته الإقليمية السلبية!
لقد أيدت السعودية ودولة الإمارات ودول الخليج الاتفاق وعدّته خطوة أولى نحو حل شامل، داعية إلى إزالة أسلحة الدمار الشامل من المنطقة كلها بما يشمل إسرائيل، لكن المهم إيجاد ترجمة عملية لكلام كيري عن «ضرورة تغيير سلوك إيران السياسي»، فليس سرا أن هذا السلوك يؤذي الدول الإقليمية أكثر من قنبلة نووية لا يمكن استعمالها عسكريا، بل يمكن توظيفها كعامل قوة ولمزيد من سياسات الأذى الإقليمي!
ويبقى السؤال الأساسي: هل سيجعل الاتفاق من إيران جارا منضبطا ومندمجا أم سيدفعها إلى عرض العضلات والاندفاع في مزيد من التدخلات المؤذية؟
الشرق الأوسط
من أجل فهم تقارب إيران وواشنطن/ حسن المصطفى
ردود فعل كثيرة ومتباينة، على الاتفاق الذي تم في جنيف بين مجموعة الدول العظمي (5 + 1) وإيران، فيما يتعلق ببرنامجها النووي، وضمان سلامة استخدامه في التقنيات غير العسكرية. وهو الاتفاق المرحلي، الذي يأتي كفترة اختبار لحسن نوايا الأطراف المعنية، ومدى التزامها بالبنود محل التفاهم، ليتم تاليا الانتقال إلى المرحلة الثانية، بغية التوصل لاتفاق نهائي شامل، يحل تعقيدات الملف النووي الإيراني.
كثرٌ من الكتّاب العرب والخليجيين تحديداً، أتت تعليقاتهم على تفاهم جنيف “عنيفة ناقدة”. مصورة هذا الاتفاق وكأنه “خيانة” أمريكية لحلفائها في الشرق الأوسط، متهمين الرئيس باراك أوباما بالرضوخ لمنطق طهران “السلطوي”، وقبوله بها لاعباً إقليميا ذا نفوذ متسع، قلقين من عودة “الأخ الأكبر” كما سمى إيران “توماس فريدمان”، والذي هو أيضا بدوره اعتبر تقارب واشنطن وطهران بمثابة “الزلزال” الذي ضرب حلفاء الولايات المتحدة الإقليميين.
فريدمان حاول في مقالة “نيويوك تايمز” توصيف ما حدث، والتركيز على انعكاساته على العلاقة بين واشنطن من جهة ودول الخليج العربية من جهة أخرى. في معالجة أقرب ل”النقدانية”، مبرزاً عنصر “الدهشة” التي أصابت أصدقاء أمريكا. وهو رغم تعداده لسلبيات تفاهم جنيف في بدايات مقالته، إلا أنه أوضح أن الغاية التي دفعت الرئيس أوباما إلى القيام بخطوته هذه تجاه طهران، هي: “إطلاق العمل السياسي داخل إيران بأقصى ما يمكن بينما نقيد البرنامج النووي بأضيق ما يمكن، مع مواصلة حماية حلفائنا العرب وإسرائيل”. معتقداً أنه من المفيد أن يكون هنالك”إضافة لوزير الخارجية جون كيري إلى «وزير خارجية للشرق الأوسط فقط» لأن إعادة العلاقات الأميركية – الإيرانية بعد 34 من السنوات الباردة، صدمة موجعة لنظام الشرق الأوسط وأمر يتطلب التشاور اليومي والتعاضد مع أصدقائنا”.
وفق ما سبق، فإن إدارة أوباما تحركت على أساس ما تعتقده مصالح سياسية واقتصادية وعسكرية من الممكن الحصول عليها، مقابل تعهدات تكبل بها طهران، وتجعلها تحت عين الأسرة الدولية، فارضة شروطاً صارمة على برنامجها النووي. وأوباما وفق ذلك، يعتقد أن ما سيقدمه لطهران من رفع محدود للعقوبات – إلى حين التوصل إلى اتفاق نهائي – والإفراج عن جزء من الأرصدة المالية المجمدة، هي أثمان مقبولة وليست بالكبيرة جداً، مقارنة بما ستكسبه واشنطن، من تحييد لمنطقة الشرق الأوسط عن الحروب، وإعادة إيران للانتظام في بيت “الطاعة”، وتوفير أمن إسرائيل، من خلال سلب طهران تدريجياً العناصر التي تؤهلها لصناعة قنبلة نووية، وهي القنبلة التي لن تقبل إدارة أوباما بوجودها، مهما قيل عن تسامح الرئيس الليبرالي، وعدم ميله للمواجهة!.
هذا النوع من التفسير، ليس ببعيد عن وجهة نظر الكاتب “ديفيد إغناتيوس”، الذي يرى أن “هذا الاتفاق الذي جرت مفاوضاته في السر مع «الشيطان الأكبر» يبدو وكأنه بداية لهروب كبير من العزلة الثورية نحو أمة إيرانية تعمل مع الغرب في إطار عمل مشترك في منطقة الشرق الأوسط المشتعلة”. وهو تحول قد لا يلوح في الأفق اليوم أو غدا، إلا أن طبيعة الشعب الإيراني، تجعل من هذا التحول ممكنا، وقد تسرع منه، خصوصاً أنه يشبه “التغيرات الجذرية”، التي تقود لما يشبه القطيعة بين المراحل، وهي قطيعة ليست بالمستحيلة، خصوصا أن عوامل عدة تقود لها، ليس الاقتصاد وحده محركها، بل التغيرات الاجتماعية، والتبدل الفكري والسياسي لمفهوم الدولة لدى النخب والجيل الجديد من الشباب في إيران.
الرياض
الاتفاق النووي بين إيران والغرب
التوافق الإيراني الغربي…أول خطوة تاريخية لكبح جماح البرنامج النووي الإيراني
يشيد الباحث الألماني المتخصص في الشؤون الإيرانية أولريش فون شفيرين بجلوس طهران والغرب على طاولة المفاوضات النووية، رغم اعتباره أن إيران قدمت تنازلات كبيرة في اتفاقها المبدئي مع الغرب مقابل رفع محدود للعقوبات. لكنه يرى أن الخطر الأكبر على استكمال المفاوضات مصدره إسرائيل. ويحذر من موت المفاوضات لسنوات مقبلة في حال فشل استمرارها هذه المرة. ويعتبر في تحليله التالي لموقع قنطرة أن الصرامة، في تقليص نسبة تخصيب اليورانيوم وعدد أجهزة الطرد المركزي وزيادة الرقابة على منشآت إيران النووية، تعني فوزاً كبيراً لإسرائيل أيضاً.
بعد خمسة أيام من المحادثات المضنية حول البرنامج النووي الإيراني، أعلن وزراء خارجية إيران والدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا يوم الأحد (24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2013) في جنيف عن التوصل إلى اتفاق مبدئي يقضي بتجميد جزئي للبرنامج النووي الإيراني مقابل تخفيف نسبي للعقوبات الاقتصادية المفروضة على الجمهورية الإسلامية.
حول ذلك، قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما: “لأول مرة منذ عقد تقريباً، تمكنا من وضع حد لتطور البرنامج النووي الإيراني”. فضلاً عن تقليص أجزاء هامة من البرنامج أيضاً.
لقد تكللت الجهود بالنجاح. فبعد أن بدأت المفاوضات منتصف شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2013 وسط تفاؤل حذر واقتربت في الجولة الثانية مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني من الوصول إلى اتفاق، بدا وكأن المحادثات قد وصلت الأسبوع الماضي إلى طريق مسدود. وبينما أكد طرفا المحادثات على مواقفهما مرة تلو الأخرى، حذر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أكثر من مناسبة من أن “صفقة سيئة للغاية” تلوح في الأفق بجنيف.
تحذير من تجاوز خطوط حمراء
وما زاد الطين بلة تصريحات مرشد الثورة الإيرانية، آية الله علي خامنئي، قبل انطلاق الجولة الجديدة من المحادثات يوم الأربعاء الماضي (20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2013)، التي وصف فيها إسرائيل بـ”الكلب المسعور في المنطقة” و”الخطر الحقيقي على العالم”.
ورغم تشديد خامنئي على دعمه للمحادثات، إلا أنه أكد على “الخطوط الحمراء” التي يجب أن يلتزم بها المفاوضون الإيرانيون. وعندما بدأت المحادثات في جنيف، بدا وكأن الديناميكية التي جاء بها الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني قد تبخرت تماماً.
لكن الاتفاق الذي تم التوصل إليه أمر يثير البهجة، فهو يقضي بأن تلتزم إيران على مدى الشهور الستة المقبلة بوقف تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المئة وتقليل مخزونها من اليورانيوم العالي التخصيب أو تحويله إلى الأكسيد الأقل خطراً. كما يتوجب على إيران التعهد بالسماح للمفتشين بدخول منشآتها النووية يومياً وعدم تركيب المزيد من أجهزة الطرد المركزي أو تشغيلها. كما ستوقف إيران بناء المفاعل، الذي يعمل بالماء الثقيل في منطقة آراك، المزود بمنشأة لمعالجة البلوتونيوم على المدى الطويل بهدف تصنيع أسلحة نووية.
صدى إيجابي في إيران: أعلن الرئيس حسن روحاني في طهران بعد التوصل إلى اتفاق أن: “الاتفاق ينفع كل الدول في المنطقة ويخدم السلام العالمي”.
ورغم أن نص الاتفاق لا يحوي صراحة الاعتراف بحق إيران في تخصيب اليورانيوم، إلا أن حق تخصيب اليورانيوم بنسبة 3.5 في المئة مضمون لها، وذلك لإنتاج قضبان الوقود النووي اللازمة لتشغيل مفاعلها في بوشهر.
كما لا يتوجب على إيران التخلي عن منشآت التخصيب في ناتانز وفوردو. وبالإضافة إلى رفع القيود المفروضة على استيراد الذهب والبتروكيماويات وقطع غيار السيارات والطائرات، ستحصل طهران على نحو أربعة مليارات دولار من عائداتها النفطية المجمدة في الخارج.
خطوة أولى هامة
وتحدث أوباما عن “خطوة أولى” تم تحقيق الكثير فيها. وفي الحقيقة، يعتبر جلوس الولايات المتحدة وإيران إلى طاولة مفاوضات وموافقة الأخيرة على مهمات تفتيش أكثر صرامة والتخلي عن أجزاء مثيرة للجدل في برنامجها النووي تطوراً هائلاً. فقبل نحو نصف عام، بدا وكأن هذه المحادثات والاتفاق الذي تمخض عنها من ضروب المستحيل. لذلك، وصف خبراء مؤسسة مراقبة الأسلحة الاتفاق بالـ”السبق التاريخي” و”النجاح الهام”.
في المقابل، وجه نتنياهو انتقادات لاذعة لإيران، معتبراً أنها قدمت “تنازلات شكلية” وأنها خطت خطوة هامة على طريق امتلاك “أخطر سلاح في العالم”.
كما حذر رئيس الوزراء الإسرائيلي، من خلال تهديد سافر بتوجيه ضربة عسكرية، بأن بلاده لن تشعر بأي التزام تجاه هذا الاتفاق. ومنذ أسابيع، يطالب نتنياهو بزيادة الضغط على طهران من أجل انتزاع تنازلات أكبر منها. وحسب وجهة نظره، فإن الهدف يجب أن يكون إجبار إيران على التخلي عن تخصيب اليورانيوم بالكامل.
لكن هذا المطلب غير واقعي على الإطلاق، فمنع إيران من تخصيب اليورانيوم ليش إشكالياً من الناحية القانونية وحسب، ذلك أن إيران وكثيراً من الدول ترى حق تخصيب اليورانيوم جزءاً من الحقوق الممنوحة لها بموجب اتفاقية الحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل. علاوة على ذلك، فإن إيران رفضت بشكل قاطع التخلي عن تخصيب اليورانيوم بشكل تام. لهذا، فإن من يظن بأن إيران ستكون مستعدة للتخلي عن منشأتي تخصيب اليورانيوم و19 ألف جهاز طرد مركزي تم تركيبهما هناك، حتى لو تم تشديد العقوبات عليها، سيكون جاهلاً بالوضع.
لا خطورة على النظام الحاكم
لا يمكن، من جهة، تشديد العقوبات المفروضة على إيران أكثر من ذلك. ومن جهة أخرى، فإن لهذه العقوبات عواقب وخيمة على الاقتصاد والشعب، إلا أنها لا تشكل تهديداً للنظام. ورغم انتشار الفقر في إيران بسبب التضخم المالي الكبير وتدهور سعر صرف العملة المحلية، إلا أن استطلاعات الرأي تشير إلى تحميل الشعب الغرب بالدرجة الأولى مسؤولية ذلك كله. وحتى بالنسبة للمعتدلين والإصلاحيين، فإن البرنامج النووي مسألة تتعلق بشرف البلاد. ولذلك، فهم مستعدون لقبول تنازلات في هذا البرنامج، ولكن ليس استسلاماً كاملاً للغرب.
نقد إسرائيلي لاذع: وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني بأنه “خطأ تاريخي”، مضيفاً أنه “سيجعل العالم مكاناً أكثر خطورة”.
على الجميع أخذ ذلك في عين الاعتبار أثناء إعداد اتفاق نهائي وشامل، ذلك أن من يطالب بما هو أكثر من اللازم قد لا يحصل على أي شيء. ولهذا، فإن الاتفاق النهائي لن يكون أمراً يسهل تحقيقه.
ففي إيران، ينظر المحافظون المحيطون بخامنئي إلى المباحثات نظرة شك ولا يثقون بالغرب. كما أنهم ينظرون إلى الصراع حول البرنامج النووي على أنه حجة لإخضاع بلادهم. أما الحرس الثوري، فهو ينتفع من العقوبات ويخشى فقدان نفوذه في حال تخفيفها.
رفع محدود للعقوبات
إن دعم هؤلاء للاتفاق المبدئي ولاستمرار المحادثات سيكون مرتبطاً بالفائدة التي ستعود عليهم وعلى إيران منها. وعلى الرغم من أن تخفيف العقوبات محدود للغاية، إلا أن حظر تصدير النفط المؤلم والعقوبات المفروضة على القطاع المالي التي كانت لها عواقب وخيمة على التجارة لا تزال سارية المفعول.
أما بالنسبة لحصول إيران على جزء بسيط فقط من عائداتها النفطية المجمدة في الخارج، ففي هذا الصدد يجب أن يحصل الكثير، ويمكن أن يحصل الكثير دون تخفيف الضغط المفروض على طهران.
لكن الخطر الأكبر على استكمال مفاوضات طهران مع الغرب سيكون مصدره إسرائيل، ذلك أن نتنياهو، الذي يعيش منذ فترة طويلة شعوراً دائماً بالتهديد، يقاوم بكل ما أوتي من قوة أي اتفاق ويحاول أن يقنع العالم بأنه لا جدوى من اتفاق لا يجبر إيران على التخلي عن برنامجها النووي بأكمله. كما تسعى إسرائيل حالياً لإقناع بعض أعضاء الكونغرس الأمريكي، الذين يشكون في أي تقارب بين دولتهم وإيران، بتشديد العقوبات على إيران.
إن فرض عقوبات أشد على إيران أثناء تقليصها لبرنامجها النووي سيعني خرقاً للاتفاق. لذلك، يجب أن يكون واضحاً أنه في حال فشل المفاوضات لن تكون هناك أية دفعة لإحيائها لسنوات قادمة.
ولهذا، يبقى طريق المفاوضات مليئاً بالعقبات. لكن إذا نجحت تلك المفاوضات في فرض مزيد من التقليصات على تخصيب اليورانيوم وخفض عدد أجهزة الطرد المركزي ووضع المنشآت النووية الإيرانية تحت رقابة دائمة، فإن ذلك سيعني فوزاً كبيراً لإسرائيل أيضاً.
أولريش فون شفيرين
ترجمة: ياسر أبو معيلق
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: قنطرة 2013
“النووي الإيراني”…اتفاق الضرورة/ غازي العريضي
أخيراً تم توقيع الاتفاق الأولي بين إيران ودول الـ 5+1، لقد كان اتفاق الضرورة للجميع، ولذلك جاء ربحاً للجميع، كما كان قد أعلن عن ذلك الرئيس الإيراني قبل التوقيع، ثم استخدم التوصيف ذاته وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بعد التوقيع. فلو عدنا إلى الوراء سنتين على الأقل، لرأينا أن سلة الحوافز التي كانت معروضة على طهران أكبر بكثير مما أخذته الآن. وأن التشدّد الأميركي الذي بلغ حدود التهديد بالعمل العسكري، إضافة إلى العقوبات الكبيرة التي فرضتها الإدارات الأميركية والغربية ضد إيران، لم يكن هذه المرة بالمستوى ذاته.
لقد تغيرت إيران وهي تريد الاتفاق. الأزمة الاقتصادية المالية الداخلية كبيرة، التحولات الداخلية كبيرة هي الأخرى، تم استيعاب احتمالات انعكاسها سلباً على بنية النظام، بانتخاب روحاني رئيساً، وبتعديل في الخطاب واستعدادات سابقة ولاحقة لعلاقات مختلفة مع أميركا. كانت لقاءات أميركية – إيرانية أو مفاوضات منذ أكثر من سنة. لقاءات في عواصم عربية وغربية، ثم اتصالات مباشرة على مستوى الرئيسين ثم حوار مباشر وإعلانات متكررة من الطرفين بالرغبة بالوصول إلى اتفاق وانفتاح في العلاقات. المرشد خامئني استبق إمكانية الوصول إلى اتفاق ليعلن التأكيد أن إيران لا تريد امتلاك سلاح نووي، وتم تسريب معلومات عن أن فتاوى صدرت في هذا الاتجاه، لأن مثل هذا السلاح محرم امتلاكه. روحاني أكد المواقف ذاتها. فذهب الجميع إلى طريق الاتفاق. وإيران في الخارج تواجه متاعب ومصاعب كثيرة. لا استقرار في العراق. صحيح أن السيطرة شبه كاملة على القرار السياسي في بلاد ما بين النهرين. لكن الأزمة الداخلية خطيرة واللعبة المذهبية وعمليات التفجير والقتل والخطف والنسف المعبّرة عنها خطيرة، وتترك انعكاساتها على الداخل الإيراني والدور الإيراني والمصالح الإيرانية في الخارج وتحديداً مع المحيط أولا.
وسوريا لم تعد سوريا المتماسكة القوية وصاحبة القرار في المنطقة، اضطرت إيران للتدخل مباشرة ومن خلال “حزب الله” وكتائب “أبو الفضل العباس” العراقية لحماية النظام ومنع سقوطه، والحرب لا تزال مفتوحة، وفي سياقها اضطر النظام إلى تسليم سلاحه الكيماوي! هذا إضافة إلى تكلفة الحرب المالية التي تولت إيران جزءاً أساسياً منها رغم ظروفها الصعبة. العالم العربي تغير. كانوا يتوقعون صحوة إسلامية تغييرية تماشي العناوين والثوابت والمبادئ والمصالح الإيرانية، لكن الأمور ذهبت في اتجاه آخر. وثمة خوف كبير من الفتن المذهبية ومن التطرف، وهذا يترك انعكاسات على الداخل الإيراني، أي تقسيم أو فرز في الدول المحيطة يؤدي إلى قيام تكتلات أو دويلات أو مناطق حكم ذاتي عرقية أو مذهبية يشكل على المدى البعيد خطراً على إيران، وفلسطين لم تعد ورقتها كما كانت.
“حماس” لم تعد “حماس” المرتبطة بإيران، التحولات في العالم العربي، حولّتها إلى موقع آخر فتباعدت المواقع والمواقف بينها وبين طهران. وتغيّرت الأولويات، ودولياً لعبت إيران ورقتها كما يجب، ولكن واجهت متاعب ومصاعب كثيرة. ليس مع أميركا والغرب عموماً فقط، بل أيضاً مع روسيا، التي تأخرت لفترة طويلة في تسليم موقع “بوشهر”، وكانت أزمات بينها وبين طهران، روسيا أصبحت اللاعب الدولي الأساسي والشريك الفعلي في مواجهة الولايات المتحدة. روسيا حاجة أساسية لإيران، ودور روسيا السوري والأفغاني والأفريقي والعربي والسياسي والأمني والنفطي والدبلوماسي يكبر ويشكّل ضماناً وحماية في اللحظات الصعبة والحرجة. وروسيا في الوقت ذاته لا ترتاح لإيران دولة قوية نووية استراتيجية على حدودها، هذا هو منطق الدول ومصالحها، إضافة إلى التجارب التاريخية بين الدولتين. ولروسيا مصلحة بأن تبقى ممسكة بمفاتيح ومفاصل اللعبة وهذا ما جرى. وأميركا المتضررة وصاحبة القرار الأول والأوحد، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، لم تعد كما توهم قادتها.
أميركا تراجع دورها ونفوذها. أثبتت التجربة أنها لا تستطيع التحكم بمجلس الأمن ومراكز القرار الدولي. خسرت في أفغانستان وفي العراق وتورطت وتسببت لنفسها وللعالم بأزمات كثيرة داخلياً وخارجياً، وفقدت صدقيتها وإدارة أوباما المدركة لذلك كانت من الأساس تريد حلولاً دبلوماسية سياسية للأزمات. لا يزال العراق يسيطر عليها وعلى كل مراكز القرار. حرب العراق التجربة التي تفرض نفسها في كل حساب، ولا يريد أوباما تكرارها، ولا يريد الحروب والمواجهات، هو بحاجة إلى الحلول، يهدّد، يتوعّد، يستخدم كل الوسائل والأدوات لكنه في النهاية لا يريد الحرب. هذا ما حصل في سوريا، هدّد ولم يضرب. وأخذ الكيماوي دون ضرب، وكان يريد الوصول إلى التفاهم حول النووي الإيراني، هو بحاجة إلى إيران في أفغانستان، بحاجة إلى روسيا في أكثر من مكان. ظهر بوضوح التناغم، بل تقاطع المصالح والشراكة بين أميركا وروسيا. وإيران أدركت ذلك عندما قال مسؤولوها: قمة أوباما- بوتين (التي عقدت منذ أشهر) ستؤسس لعالم جديد ينبغي أن نواكبه، وأن نعرف كيف نتعاطى معه لكي نكون مؤثرين. أمن النفط والتجارة العالمية والملاحة البحرية ومواجهة الإرهاب أمور تحتاج فيها أميركا دوراً إيرانياً، وكانت تجارب بين واشنطن وطهران في أكثر من محطة في مجالات كثيرة، وتحتاج فيها روسيا. كان القرار بالذهاب مباشرة إلى الحوار ثم إلى الاتفاق دون استشارة أو إبلاغ الحلفاء في المنطقة وتحديداً العرب. الأمر الذي أغاظ بعضهم، إذ ليس ثمة حد أدنى من التفاهم العربي.
فالعرب المنغمسون في مشاكلهم بعيدون عن هذه العملية، وبعضهم في دائرة القرار والحماية الروسية الإيرانية، والبعض الآخر يبحث عن دور. بقي بعض الخليج في حالة من الغضب.
أما الحليف الأساسي الثابت لأميركا فهو إسرائيل، التي كانت تعرف كل شيء، آخر تدخلها توقيع الاتفاق. تحسنت بعض الشروط في نظرها لكنها ستبقى تضغط، وتحتفظ لنفسها بمزيد من اللعب والابتزاز للحصول على المزيد من الأثمان، فهي المنشار الذي لا يهدأ.
الغرب يريد اتفاقاً، يريد الخروج من أزماته المالية، لا يريد حروباً، ولا يريد “إرهاباً” على أراضيه. أي اتفاق هو أفضل من العمل بالتهريب أو سراً وأفضل من المشاكل وما دام “القاضي راضياً”، كما يقولون، أي الأميركي والإيراني فلماذا المشاكسة. يمكن الدخول على الخط لتحسين بعض الشروط، هذا من طبيعة اللعبة هكذا فعلت فرنسا لإرضاء إسرائيل وحفظ المصالح المالية مع السعودية، وضمان حصص للمستقبل.
والكل قال في النهاية إنه اتفاق الخطوة الأولى، إذاً نحن في البداية ولابدّ من مراقبة ومتابعة كيفية التطبيق، ماذا سيرافقه؟ كيف ستدار العملية؟ كيف سيكون الاستثمار؟ مّن سيكون الأشطر؟
فجأة تراجعت إيران واضطرت إلى القبول، وهي تقول إنها ربحت حق التخصيب. أميركا اكتشفت فجأة أيضاً أن ثمة بنداً في معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، استندت إليه إيران يتيح لها امتلاك الطاقة النووية، ويمكن البناء عليه للاتفاق وهذا ما حصل. وكأنها لم تكن تعرف الاتفاقية!
والخائفون من الاتفاق يشيرون إلى أنهم سيلجؤون إلى السلاح النووي وسيستندون في النهاية إلى تلك الاتفاقية أيضاً.
لا شك أن للاتفاق انعكاسات ونتائج ستظهر تباعاً على مستوى كل الأوضاع في المنطقة خلال الأشهر المقبلة، وعمر الاتفاق 6 أشهر، وهي بطبيعة الحال ستكون حافلة بالأحداث والتطورات في المنطقة من سوريا إلى مصر والعراق والبحرين وأفغانستان ولبنان وباكستان وليبيا وتونس وأفريقيا وفلسطين، حيث سنكون أمام انتخابات رئاسية في سوريا ولبنان، وتطبيق خريطة الطريق في مصر، والاتفاق الإيراني الغربي. المهم الخروج من دائرة انتقاد الأميركي وغيره – وموقفي من أميركا وسياستها معروف- والذهاب إلى تعاطٍ ذكي وعقلاني مع ما جرى لمواكبة المرحلة المقبلة!
إنه اتفاق الضرورة، ربح كل أطرافه ما يمكن ربحه، لكنهم ربحوا، والعرب كانوا خارجه. مجدداً أقول: شاطر من يعرف كيف يربح، أياً يكن الربح. وأشطر من يعرف كيف يخسر فيحدد خسائره. الكارثة هي في من لا يعرف كيف يربح أو كيف يخسّر!
الاتحاد
فيلم سياسي أم تحوّل إيراني؟/ راجح الخوري
الحديث عن فتح صفحة جديدة في العلاقات التركية – الايرانية أمر مفهوم بين بلدين جارين ولو كانا ينخرطان تاريخياً في التقاتل على “الملعب العربي”، باعتبار ان انقرة تنام على احلام بعث الامبراطورية العثمانية بلباس معاصر، وان طهران تستيقظ على طموحات احياء قورش من مشهد الى بلاد الشام.
لكن قياساً بموقفي البلدين المتصادمين في سوريا ليس مفهوماً على الاطلاق ان يقف احمد داود اوغلو في العاصمة الايرانية الى جانب محمد جواد ظريف، ليعلنا انهما اجريا محادثات ايجابية حول الازمة السورية وتوصلا الى “توافق تام على حل الازمة ووقف شلال الدم”!
ليس من الواضح ما هو هذا التوافق ولا ما هي خريطة الطريق لتنفيذ هذا الاعلان، الذي بدا لافتاً لسبب وجيه هو انه يصدر عشية الذهاب الى “جنيف – ٢ “، وإن كان من غير المؤكد ان هذا المؤتمر سيعقد فعلاً . لكن الامور لا تحتاج الى خرائط إذ يكفي ان توقف ايران دعمها العسكري للنظام ودفع اذرعها اللبنانية والعراقية الى الانسحاب من سوريا، لكي تنتهي الازمة التي حوّلت سوريا ساحة لصراع مفتوح اشتبك فيه الاتراك والايرانيون ومرّغ فيه الروسي الاميركيين بالوحول!
ليس واضحاً ايضاً ما معنى كلام انقرة عن ان ايران هي التي اقتربت من الموقف التركي وليست تركيا هي التي تذهب الى الموقف الايراني، فمن المعروف ان تركيا تدعم المعارضة ضد الاسد، وإن كانت تنزعج الآن من نشاط تنظيمات اسلامية متطرفة على حدودها، بينما تقاتل ايران صراحة في المتاريس الى جانب النظام، في ظل اعلانات ايرانية وصلت الى حد تصنيف سوريا المقاطعة الايرانية الرقم ٣٥.
مثير ان تصدر الدعوة الى وقف للنار في سوريا من المنبر الايراني، في حين تستطيع طهران ان تقرن هذا القول بالفعل، أما الحديث عن “التزام البلدين التعاون التام لحل الازمة” فانه يحتاج فعلاً الى ترجمة مفهومة، وخصوصاً في ظل حرص اوغلو على التوضيح ان تركيا لا تجري مقايضة مع ايران حول الملف السوري، فهل هذا يعني ضمناً ان ايران اجرت مقايضة نووية مع اميركا ودول الغرب حول الملف السوري، وانها اختارت البوابة التركية للبدء بالكشف عن جوانب هذه المقايضة، وبما يساعد في “جنيف – ٢” عن طريق ممارسات ايرانية منتظرة تجاه النظام وتركية تجاه المعارضة ؟
على رغم مراهنة انقرة على دور ايران في فتح الابواب العراقية امامها، كان غاية في الاثارة اعلان اوغلو ان “ايران ضمان لاستقرار المنطقة”، وهو ما يتناقض كلياً مع سياسات التدخل الايرانية ومحاولات اثارة الفوضى والقلاقل التي تشكو منها الدول الخليجية والعربية… لكنه زمن الامبراطوريات الغاربة وإن استيقظت الاوهام عند خصوم الأمس واليوم!
النهار
انقضاء العصر الامريكي بعد اتفاق جنيف
في 12 ايلول 1946 وقع شيء في تاريخ الولايات المتحدة السياسي. ففي ذلك اليوم في خطبة مهمة خطبها هنري والاس وزير التجارة في ادارة الرئيس هاري ترومان في قصر الرياضة الاسطوري في نيويورك (ميديسون سكواير غاردن) فصل نفسه عن التيار المركزي في التفكير الامريكي المعاصر له. وهو التيار الذي تشكل على أثر الهجوم الياباني على بيرل هاربر الذي فاجأ الأمة الامريكية الوادعة في 7 كانون الاول 1941، وافتتح عصرا جديدا من التدخل العسكري والسياسي المتزايد من قبل القوة العظمى في كل أجزاء ومناطق المنظومة الدولية، وذلك لضمان عدم الاخلال بتوازن القوى الدولي ولتنجح الولايات المتحدة في مهمتها لاحباط كل محاولة لضعضعة أسس النظام العالمي الذي نشأ وتم تشكيله بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.
في خطبة والاس اعترض بقوة على فرض أن العم سام يفترض أن يحمل على كاهله عبء مواجهة تحديات وأخطار في كل مكان، وأن يمنح في الوقت نفسه الحلفاء مساعدة ودعما وإلهاما. وكان القصد خصوصا الى دول صغيرة وجدت نفسها مُعرضة لتهديدات مباشرة أو غير مباشرة.
وحل محل مبدأ الصد لكل محاولة لضعضعة الاستقرار ولا سيما في مناطق عُرفت بأنها حيوية من جهة عسكرية أو سياسية لأمن الولايات المتحدة وشريكاتها وراء البحر ورفاهها، حل محل ذلك في خطبة ‘ميديسون سكواير غاردن’ توجه الحد الأدنى المتمايز. وضاءل هذا التوجه مضاءلة شديدة المقدار المشروع من التدخل الامريكي وراء البحار في الفترة التي تلت انقضاء الحرب.
رأى والاس أنه يجب على الادارة أن تحصر العناية في حماية الوطن وتعزيز مكانة الولايات المتحدة في ساحتها الخلفية بهدي من ‘مبدأ مونرو’ في 1823 لا غير وذلك مع الامتناع عن خطوات صد أو عقاب ما بازاء جهود الاتحاد السوفييتي والدول التابعة له لتغيير الوضع الراهن على الارض. ومع ذلك تحفظ والاس على كلامه وقرر أن هذا التوجه سيتغير اذا وجد تهديد ملموس لأمن الولايات المتحدة ومصالح امريكية حيوية.
برغم فصاحة الخطبة وبرغم أنها أرسلت رسالة عبرت في ظاهر الامر عن شعور بالتعب والاستنفاد لدى الجمهور الامريكي بعد سنوات من الحرب والتضحية، تبين في غضون ايام قليلة أن دعوة والاس لم تحظ بصدى ودعم حقيقي في الساحة السياسية الداخلية، فان فكرة الانطواء في داخل الفضاء الامريكي والعودة في آلة الزمن الى عصر التمايز في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي لم تكن آسرة.
وليس ذلك فقط. فقد بقي الرئيس ترومان مصمما على منع انهيار نظامي الحكم المواليين للغرب في اليونان وتركيا (بواسطة ‘مبدأ ترومان’ في آذار 1947، الذي منح هاتين الدولتين مساعدة عسكرية)، بل إنه عمل في موازاة ذلك على صوغ ‘خطة مارشال’ الطموحة، لاعادة البناء الاقتصادي لغرب اوروبا.
وفيما يتعلق بوالاس نفسه لم يكد يمر ثمانية ايام فقط منذ علا منبر الخطباء في ميديسون سكواير غاردن حتى اضطر وزير التجارة الذائع الصيت الى استقالته من منصبه وترك سريعا صفوف الحزب الديمقراطي. وانتهت محاولته تحدي ترومان في انتخابات الرئاسة في 1948 من جهة اليسار مرشحا عن ‘الحزب التقدمي’، انتهت الى فشل ذريع حينما فاز بـ 2.4 بالمئة فقط من مجموع اصوات الناخبين.
بعد هذا المشهد بـ 67 سنة، يبدو أن جهود وزير التجارة والاس لاقناع الرأي العام والادارة بالتخلي عن المسؤولية عن مصير الحلفاء والسير في سبيل الانسحاب والانطواء في داخل امريكا، تحظى الآن بالتجديد وبأذن صاغية في البيت الابيض.
فسلوك الرئيس الحالي باراك اوباما في الشهرين الاخيرين في السياقين السوري والايراني يشهد على أنه يتجه الى تحقيق حلم والاس التمايزي، في واقع الامر.
إن امبراطورية ستالين الشمولية (التي أصبحت في 1949 قوة ذرية كبرى) تحل محلها طهران الثورية التي تحظى باليد الممدودة لتصالح تاريخي، هي يد اوباما. وبقيت ايران دولة على الحافة الذرية حتى بعد ‘اتفاق جنيف’ مع تمتعها بضعف نظام العقوبات الاقتصادية الشاملة التي صيغت ونُفذت بجهد كبير.
إن رغبة والاس التي لم تترجم الى اجراءات سياسية ما في عصر الحرب الباردة، أصبحت تتشكل في هذه الايام. وتستطيع أن تغير من الأساس بنية النظام الدولي المعاصر وتوزيع القوة بين أجزائه المركزية.
ويصح ذلك خصوصا على الطائفة الاخيرة من القرارات الرئاسية التي تشهد على تعب المادة وعلى عدم استعداد الولايات المتحدة للاستمرار في تشكيل المحيط العالمي باعتبارها القوة العظمى المهيمنة.
إن خيط ارتباط يربط الحرب الأهلية في ليبيا (التي ‘قادت’ الولايات المتحدة فيها المعركة من الخلف) مرورا بالضربة التي لم توجه الى نظام بشار الاسد بعد أن قتل أبناء شعبه بسلاح كيميائي (وتجاوز بذلك جميع الخطوط الحمراء التي حددها اوباما قبل ذلك) وانتهاءا الى الطموح المتقد الى التوصل الى الاتفاق المرحلي مع ايران ولتكن شروطه وعناصره ما كانت. وكل هذه الاجراءات ومثلها طائفة كاملة من القرارات والاعمال التي سبقتها، اشتُقت من مجموعة اعتقادات والاس تلك في 1946 وفي مركزها الخشية من مواجهة التحديات. وإن الشوق اليائس الى ملجأ واستراحة من تعب الحياة والالتزامات الدولية بالهرب المذعور الى داخل البيت، واضح لا ضابط له.
إن اوباما الذي منح التفضيل والتقديم من البدء لقضايا في مجال الاقتصاد والرفاه والاجتماع، والذي أراد قبل كل شيء أن يفصل نفسه عن تراث سلفه جورج بوش القتالي، بلغ الآن الى المرحلة الاخيرة في السباق لتحقيق مجموعة اعتقاداته، لأنه سيصبح في غضون سنة بطة عرجاء غير فعالة (قُبيل بدء الحملة الانتخابية للرئاسة في 2016 حينما سيُنتخب خلف له).
إن حقيقة أن الولايات المتحدة تقترب اليوم بخطوات واسعة الى استقلال طاقة دون أن تكون خاضعة بعد الآن لفضل ملوك وأمراء الخليج، هي باعث آخر لاوباما على تعجيل مسار انفصال الولايات المتحدة من طرف واحد عن منطقة الشرق الاوسط. وهو هاديء ويعلم أن هذا العمل سيتم دون أن يضر ذلك ضررا شديدا بمصالح اقتصادية حيوية.
‘ تمايز وتدخل
اذا كانت تقصيرات واشنطن في الازمة السورية الاخيرة قد أعادت رئيس روسيا فلادمير بوتين الى مركز مسرح الشرق الاوسط، وأسهمت بذلك في جعله وسيطا أعلى عظيم التأثير، فان النتائج المباشرة للازمة الذرية قد تكون تحسين منزلة ايران وتأثيرها. واذا حدث ذلك وحينما يحدث فسيكون على حساب المحور الموالي للغرب في المنطقة ولا سيما في منطقة الخليج.
توجد مفارقة ساخرة غير قليلة كامنة في حقيقة أن اوباما في بدء طريقه في البيت الابيض هو الذي أراد أن يُنشيء حلفا سنيا واسعا مُشكلا يضمن استقرار المنطقة في مواجهة التهديد الايراني، على أثر إتمام الانسحاب الامريكي الذي كان متوقعا من الجبهة العراقية. واليوم بعد بدء تلك المبادرة بخمس سنوات اختفت وصمتت وحل محلها المراودة المصيرية للرئيس حسن روحاني التي أثمرت ‘اتفاق جنيف’ الذي أفضى الى امتعاض الملك السعودي وشركائه وخيبة أملهم في جبهة الخليج وفي القاهرة ايضا.
لا ينبغي بالطبع أن نستنتج من كل ما قيل آنفا أن كل عمليات الولايات المتحدة الاستراتيجية والعسكرية منذ نشأ الواقع ذو القطبين، كانت ناجحة وفعالة. فقد اخطأت ادارة ترومان مثلا خطأ شديدا حينما استقر رأيها على توسيع الحرب في كوريا وأدت باخفاقاتها الى تدخل كارثي للصين الشيوعية في المعركة. وتحولت الحرب المتصاعدة في فيتنام ايضا الى مأساة امريكية أحدثت انقساما اجتماعيا عميقا وانشأت صدمة لم تزل الى الآن زوالا كاملا من الذاكرة الجماعية.
ويُقال الشيء نفسه ايضا فيما يتعلق بحرب العراق الثانية التي نشبت في 2003 وأدت بادارة بوش الابن الى طريق بلا مخرج. ومع ذلك وبرغم الاخفاقات غير القليلة التي صاحبت مسيرة التدخل والمشاركة الامريكية كالظل القاتم، ينبغي ألا نتجاهل النتائج المباركة الكثيرة التي نشأت على أثر تحولها الى قوة عظمى فعالة.
في حين فضلت امريكا المتمايزة في فترة العقدين اللذين فصلا الحربين العالميتين بعضهما عن بعض، أن تجلس على الجدار وتراقب تزايد قوة المانيا النازية، اختلف الامر بعد أن بلغ كابوس ‘الرايخ الذي عمره ألف سنة’ الى نهايته.
منذ أن صمتت المدافع في 1945 الى فترة ولاية اوباما الثانية، أدى غوليفر الامريكي دورا حيويا حاسما لا في اعادة بناء اوروبا المحطمة الاقتصادية (خطة مارشال في حزيران 1947 كما قلنا آنفا) بل في استقرار النظام الدولي في مواجهة جملة التحديات التي اعترضته.
فعلى سبيل المثال نجح القطار الجوي الذي نظمه ترومان في صيف 1948 (ورئيس الوزراء البريطاني كليمنت آتلي)، في أن ينقل الى غرب برلين المحاصر مددا ضروريا مدة سنة، وفي الايحاء بصورة التصميم والالتزام للدفاع عن الجيب الغربي في داخل المنطقة المحتلة السوفييتية.
وبعد ذلك بـ 13 سنة عمل الرئيس جون كنيدي هو ايضا بصرامة وبلا هوادة ليضمن عدم تعريض مكانة الغرب في برلين للخطر وذلك بعد انشاء السور في المنطقة المحتلة الشرقية. وقد أرسل كنيدي لتلك الغاية قوة مقاتلة من المانيا الغربية الى برلين الغربية.
والى ذلك، استعملت ادارات الولايات المتحدة الى جانب الوقوف مع شريكات في ازمة وفي اوقات ازمة، طائفة واسعة من الوسائل الاقتصادية والتقنية المتنوعة كانت ترمي الى التأثير في النسيج الاجتماعي وتشجيع مسارات النمو والتحديث والانتقال الى اقتصاد السوق، في أجزاء واسعة من العالم الثالث. وهكذا حملوا معهم بشرى التكنولوجيا الامريكية الى مناطق آسيا والشرق الاوسط وافريقيا وامريكا اللاتينية. ففي مطلع ستينيات القرن الماضي مثلا زاد الرئيس كنيدي جدا ما أُرسل من الفوائض الزراعية في اطار خطة ‘غذاء لأجل السلام’. وانشأ سلاح السلام الذي أُرسل في اطاره متطوعون الى مراكز فقر وعُسر في أنحاء العالم الثالث لمنح خدمات تربية ومساعدة تقنية.
حتى لو كان بعض هذه المبادرات قد رمى الى الدفع قدما بأهداف سياسية واستراتيجية واضحة، فانه ينبغي عدم التقليل من أهميتها وقيمتها الاقتصادية والاجتماعية. ويبدو اليوم في مقابل ذلك بسبب روح التمايز التي تهب من البيت الابيض أنه يمكن القضاء على العصر الذي أدت فيه ادارات الولايات المتحدة دورا مركزيا جدا في اعادة البناء الاقتصادي للمحيط الدولي.
””” يُخلون المكان
قلنا من قبل إن حلم وزير التجارة والاس المنسي أخذ يتحقق أمام أعيننا وإن لم يكن ذلك في سياقه الأصلي. فقد حلت الآن محل الولايات المتحدة بصفتها القوة العظمى ورأس الهرم العالمي، ولايات متحدة مختلفة. فهي كيان جديد أصبح منذ 2009 أكثر إنكارا لواجب قيادته ورسمه بوضوح للخطوط الحمراء التي يفترض أن تفصل بين ما يحل وما لا يحل.
وهكذا نشهد ايضا الحرص على اسلوب عمل متعدد الأطراف في سياسة اوباما الخارجية والامنية مع امتناع عن اجراءات من طرف واحد كانت تميز سلوك الولايات المتحدة في اثناء ولايات أكثر رؤسائها. وحل محلها اسلوب عُبر عنه فيما يتعلق بالحرب الأهلية في ليبيا وبالازمة الذرية الايرانية.
إن هذا الحرص الزائد على العمل في داخل اطار متعدد الأطراف (فيه ما يضائل مجال الحيلة الامريكي)، والمصحوب بخوف عميق من ‘تورط’ آخر كما كان في فيتنام أو العراق أو افغانستان، جعل العملاق الامريكي نمرا من ورق، ولم يكن ذلك لضرورة وإنما لتعب ولضعف الرأي.
وهكذا فُتح الباب لقوى ولاعبات اخرى كروسيا التي فقدت قبل عقدين فقط أكثر ممتلكاتها وهي تستطيع الآن أن تعود لتدخل ميدان القوى العظمى مطالبة بالتاج. وصيغ من جديد في الوقت نفسه التفكير المبدئي الرسمي الذي يحصر العناية الآن بصورة حصرية تقريبا في التحدي الصيني باعتباره مصدر تهديد في المستقبل لأمن الولايات المتحدة (ويوجب إظهار قوة ميدانية). وفي مقابل ذلك تضائل الولايات المتحدة من قيمة مراكز خطر محتملة اخرى.
والنتيجة المجتمعة من هذه الأمزجة العامة وخطوط السياسة المشتقة منها تشير اذا الى نهاية العصر الامريكي والى تحقق حلم هنري والاس في الواقع الحالي. والحديث بالطبع عن مسار مقلق يثير الخوف. إن الفراغ الذي نشأ قد يفضي الى زيادة قوة قوى لا تهديها قيم الديمقراطية والاستقرار. وقد تضعف ايضا قوانين اللعبة الدولية التي صيغت وشُكلت بوحي من الهيمنة الامريكية حينما كانت في ذروة قوتها. ويحتمل لذلك أن تتسع هوامش الغموض وعدم اليقين التي هي غير واضحة أصلا وتغلف المنظومة كلها.
قبل نحو من مئة سنة جرى على الولايات المتحدة تحول مصيري من قطب التدخل العسكري في الحرب العالمية الاولى (وهي التي رفعت راية انشاء نظام جديد وديمقراطي في اوروبا) الى قطب الانطواء والتمايز الذي عبر عن خيبة أمل الأمة واحباطها بسبب تحطم الحلم على ارض الواقع العصي.
‘ ويُسأل الآن هل سينشأ عن الحركة الحالية للرقاص من قطب التدخل حيث كان يقف منذ تحولت الولايات المتحدة الى القوة العظمى الى قطب التمايز، نتيجة مدمرة هذه المرة؟ وهل ستسترجع ذكرى الماضي وبخاصة حقيقة أنها أنكرت ضرورة الوقوف الى جانب شريكاتها الاوروبيات في مواجهة العاصفة التي هددت باسقاط النظام القائم؟ وهل ستستجيب للتحدي حينما تتعرض لتهديد ملموس فقط؟.
البروفيسور ابراهام بن تسفي
اسرائيل اليوم 29/11/2013
القدس العربي
الشرق الأوسط بعد اتفاق جنيف/وليد أبي مرشد
طرف يقدم في مفاوضات جنيف 21 تنازلا محددا وموصوفا مقابل 11 وعدا مشروطا من الطرف الآخر.. هل يجوز له الخروج من قاعة المفاوضات مدعيا أنه حقق أعظم نصر للإسلام في القرن الحادي والعشرين؟
هذا تماما ما حدث في مفاوضات جنيف حول برنامج إيران النووي، فلا تبريك حكومة طهران لاتفاق جنيف حول برنامجها النووي، ولا تهليل أجهزة الإعلام المرتبطة به في لبنان وسوريا، قادر على حجب الحقيقة المرة: إيران خرجت من جنيف مهيضة الجناح ومقلمة الأظافر.
عمليا، ما تم التوصل إليه في جنيف مجرد تفاهم مرحلي يحقق أهدافا محدودة ولفترة محدودة. ووزير الخارجية الأميركي، جون كيري، كان واضحا في تأكيده، بعد التفاهم، أن اتفاق الأشهر الستة مرحلي، ولا يستبعد القوة كخيار في حال عدم التزام إيران به.
إلا أن اللافت على هذا الصعيد أن تكون تعليقات نواب الجناح المتشدد في البرلمان الإيراني، التي ذهبت إلى حد وصفه بـ«جرعة سم أعطيت للإيرانيين»، جاءت أقرب إلى الواقع مما تروجه مصادر إيران الرسمية أو ينظره الإعلام المرتبط بها في سوريا ولبنان، فالغرب لم يقابل تنازلات إيران النووية بأكثر من وعود يرتبط تحقيقها بالتزام إيران بتنازلاتها.
إذا كان ثمة نصر يحق للدول الست – خصوصا الدول الغربية – ادعاءه فقد يكون نجاحها في تأكيد فعالية «دبلوماسية العصا الاقتصادية» التي توسلتها لجلب إيران إلى طاولة التفاوض وانتزاع تنازلات منها.. لقاء وعود كانت كافية لأن تضع سقفا مؤقتا لطموحات إيران النووية وإن لم تشترط تجميدها أو إلغاءها بالكامل.
يصعب التقليل من ظاهرة «عولمة» النظام الرأسمالي في تجربة إخضاع الاقتصاد الإيراني لمشيئة الغرب السياسية، فنحو أربع سنوات من حظر منسق على تغطية شركات التأمين الغربية لشحنات النفط الإيرانية كانت كافية لخفض صادرات سلعة إيران الحيوية بنحو الخمسين في المائة عما كانت عليه عام 2011.. والأهم من ذلك كافية لإشعارها بعبثية التصدي للعولمة الاقتصادية والتجارية في القرن الحادي والعشرين.
أما المقاربة الجديرة بالتنويه في هذه التجربة فهي اتجاه الولايات المتحدة إلى توسل العقوبات الاقتصادية بديلا لأسلوب التدخل المباشر في أزمات الشرق الأوسط، وبالتالي تجنب التهور العسكري في التعامل معها كما حصل عام 1998 مع أزمة «أسلحة الدمار الشامل» في العراق – والمفتعلة كما تبين لاحقا.
في الحالة الإيرانية، أثبتت الولايات المتحدة أنها قادرة، بالصبر والأناة والمقاطعة الاقتصادية، أن تحقق بأبخس الأثمان ما كانت تتكبده بحروبها من تكاليف باهظة، بشريا وماديا، وهي تجربة ناجحة قد تتحول إلى سابقة في تعامل الغرب مع الأزمات الدولية.
ولكن في وقت يعيش فيه الشرق الأوسط مخاضا سياسيا عسيرا قد يحدد هوية أنظمته السياسية إلى عقود مقبلة، يجوز التساؤل عما إذا كان تفاهم جنيف يسهم فعلا في ضمان استقرار المنطقة، أم أنه يعيد ترتيب موازين القوى لصالح إسرائيل نفسها – إسرائيل التي تصر على اعتبار الاتفاق «خطأ تاريخيا» وليس «إنجازا»، كما تصفه الولايات المتحدة وحلفاؤها.
بعد اتفاق جنيف بات استقرار الشرق الأوسط بحاجة إلى إعادة تقويم استراتيجي تأخذ في الاعتبار تطورين مستجدين لا يصبان في خانة أمن المنطقة؛ أولهما «تكريس» الدول الست الكبرى لواقع إسرائيل كدولة نووية «معترف بها» على اعتبار أن تغاضيها عن أي إشارة إلى ترسانة إسرائيل النووية لا يمكن إلا أن يفسر بأنه اعتراف «ضمني» بعضوية إسرائيل للنادي النووي الدولي. وثانيهما «تحرير» إيران، وإن جزئيا، من القيود المالية التي فرضتها العقوبات الاقتصادية عليها، فإذا كانت إيران خرجت من اتفاق جنيف مقلمة الأظافر النووية فإن رفع المقاطعة الغربية عنها وقرار تسليمها سبعة مليارات دولار من حصيلة عائداتها النفطية سيتيحان لها العودة إلى تمويل أذرعها الميليشياوية الناشطة حاليا في معظم دول المنطقة، وبالتالي المساهمة في إطالة أمد النزاع السوري كونها الداعم المالي الأساسي لنظام الرئيس بشار الأسد.
الشرق الأوسط
ما الذي حققته إيران من الاتفاق الأخير؟/ عبدالله بن بخيت
من الواضح أن ملالي إيران قرروا سحب لقب الشيطان الأكبر عن أمريكا ولم يعلن بعد اللقب الجديد ولكنه بالتأكيد لن يكون له علاقة بالشيطان أو بأبنائه. الصورة الديموقراطية التي تظهر بها إيران أمام العالم لا تخدمها في الداخل فحسب. فهي أداة مفيدة عندما تحين الحاجة لتغيير المواقف الدولية. لا يمكن لنجاد (الرئيس الإيراني الأسبق) أن يعلن ما أعلنه لاحقه وإلا تحول هو وبلاده إلى مضحكة. لا يمكن أن ينقلب من متشدد متزمت إلى متسامح محب للسلام. تلاحظون أن التقارب الأمريكي الإيراني بدأ في اللحظة التي وصل فيها الرئيس الجديد كرسي الرئاسة. اتضح بعد ذلك أن أمريكا كانت في انتظاره. حتى قبل أن يكمل الرئيس الإيراني الجديد بدأت عملية التهاني وتبادل الهدايا والمدائح وكأن المشكلة برمتها قد حلت.
السؤال الذي أريد أن أطرحه ما الذي حققته إيران من الاتفاق الأخير؟
أتذكر في ليالي السمر مع بعض الأصدقاء المهتمين بالسياسة ان يندلع جدل حول علاقة الغرب وإسرائيل بإيران. كان بعضهم على يقين مطلق أن الضربة الأمريكية الموجهة ضد إيران على وشك خلال شهور فقط. بل إن بعضهم على قناعة (رغبوية) أن إسرائيل قادرة على ضرب إيران متى شاءت. كان هؤلاء الأصدقاء ضحية تصريحات بعض العسكر المتقاعدين الفاضين في إسرائيل أو المنتسبين لأجهزة المخابرات الغربية. كنت على قناعة أن الصراع بين الدول ليس كالصراع بين القبائل وأن قرار العمل العسكري معقد ويمكن القول أيضا أن الفشل الأمريكي في العراق رغم سهولة العملية العسكرية كان درساً لأمريكا أن الشرق الأوسط ليس أمريكا الجنوبية. كان هذا بالنسبة لي مؤشراً يؤكد أن العمل العسكري ضد إيران غير وارد. كنت أكرر رأيي هذا سابحاً ضد التيارات الرغبوية كلها. وكنت أؤكد من جهة أخرى أن إسرائيل لا تملك أي قدرة على ضرب إيران. ضرب إيران عسكريا عملية واسعة وممتدة وليست حربا خاطفة مما تجيده إسرائيل.
يبقى السؤال ما الذي استفاده الإيرانيون من الاتفاق الأخير؟
لم يكن الغرب في حاجة للعمل العسكري. كان يتابع تطور البرنامج النووي الإيراني عن كثب ويعرف حجمه وحدوده. ويعرف أن المخاطر المترتبة على امتلاك إيران قنبلة نووية أقل من المخاطر التي قد تنتج عن الحرب. الضربة الموجعة تكمن في الاقتصاد.
الصراع بين الغرب وبين الملالي كان على الشعب الإيراني. أي ضربة عسكرية لإيران سوف تعيد الملالي إلى توهجهم وشعبيتهم التي كانوا يملكونها أيام الخميني بخلاف الحرب الاقتصادية فآلامها وتأثيرها ينمو ببطء وقد بلغت في عهد نجاد المرحلة النهائية التي يستطيع الاقتصاد الإيراني تحمله. لو استمر حكام إيران في عنادهم لانهارت دولتهم وثار الشعب على الملالي وخرجت إيران من ظلمات رجال الدين إلى نور الحضارة، ولكن مع الأسف كان رجال الدين في إيران اكثر حصافة مما توقعت. أثبت رجال الدين في إيران أنهم لا يعرفون حدودهم فحسب ولكن يعرفون أقصى حدودهم فذهبوا إليها وتوقفوا عندها تماما.
في رأيي المتواضع أن هذا الاتفاق أراح إسرائيل القلقة على مصيرها دائما وأنقذ حكم الملالي من الانهيار الوشيك. هذا هو المكسب الوحيد الذي حققته إيران ولا شيء آخر.
الرياض
لن يهنأ أي شخص في المنطقة بالنوم/ سايمون هندرسون
إذاً، ما هو رد فعل السعوديين؟ هذا هو السؤال الذي يتردد على لسان العديد من الناس الآن بعد أن توصلت القوى العالمية إلى اتفاق نووي مع إيران. إن الإجابة البسيطة هي أنهم على الأرجح مرتبكون كحالنا جميعاً بينما يدرسون ما وافقت عليه الأطراف وما تنازلت عنه. لكن عندما تجلس في الناحية المقابلة للخليج العربي من إيران – وهو فاصل يعكس الانقسام بين الإسلام السني والشيعي في المنطقة – تجد الأشياء مختلفة عما عليه الحال عند مناقشة المحادثات وأنت جالس حول آلة القهوة في الولايات المتحدة. ويرى السعوديون أن المفاوضات مع القوى العظمى تمخضت عن مباراة صفرية. فالانتصار المتصور لإيران، حتى حصولها على مهلة من اتخاذ إجراءات أكثر صرامة، لا يصب في صالح المملكة.
ويُرجح أن العاهل السعودي الملك عبد الله يشعر بغضب بالغ جراء الاتفاق واحتفاء إدارة أوباما به. كيف لي أن أعرف ذلك؟ لأن الملك غادر الرياض يوم الاثنين متوجهاً إلى الواحة الصحراوية روضة خريم. وهو المكان الذي يذهب إليه عندما يحتاج إلى الاسترخاء. فإذا نظرنا إلى عمر الملك الذي يناهز 90 عاماً، سنعرف أنه يشعر بالتعب والإجهاد بسهولة لكنه أمضى الأسبوعين الماضيين لكي يستميل كل شخص يزوره – من بينهم الرئيس المؤقت لمصر وأمراء الكويت وقطر – حول المخاطر التي تمثلها إيران، وهو الأمر الذي، حسب رأيه، لن يكون مقبولاً إذا حققت تصور كونها قوة نووية، حيث إن ذلك التمييز سوف يمنح طهران هيمنة ليس فقط في الخليج بل في جميع أنحاء الشرق الأوسط أيضاً. وفي مطلع هذا الشهر، وبعد انهيار الجولة الأولى من محادثات جنيف مع إيران، وجه الملك شكاوى لوزير الخارجية جون كيري استمرت حسب بعض الروايات لمدة ساعتين.
لقد اتضح النهج السعودي الرسمي حول الاتفاق النووي يوم الاثنين عندما عقد مجلس الوزراء السعودي اجتماعه الأسبوعي. فقد تمت كتابة تقرير حول الأحداث، نشرته “وكالة الأنباء السعودية”، بالصيغة النثرية المهدئة المعتادة لذلك المنفذ الإعلامي، “استعرض مجلس الوزراء عدداً من التقارير حول تطور الأوضاع على الساحتين الإقليمية والدولية”، وأضافت نقلاً عن [وزير الثقافة والإعلام عبدالعزيز بن محيي الدين خوجة، قوله]: “حكومة المملكة ترى بأنه إذا توفرت حسن النوايا، فمن الممكن أن يشكل هذا الاتفاق خطوة أولية في اتجاه التوصل لحل شامل للبرنامج النووي الإيراني، وخصوصاً إذا أدى إلى إزالة كافة أسلحة الدمار الشامل، من منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي”. وأعربت المملكة عن أملها “أن يستتبع الاتفاق النووي الإيراني مع القوى الكبرى المزيد من الخطوات المهمة والمؤدية في النهاية إلى ضمان حق كافة دول المنطقة في الاستخدام السلمي للطاقة النووية”.
إن الجملة المؤثرة هي “إذا توفرت حسن النوايا”. المشكلة لدى الملك عبد الله وغيره من أفراد آل سعود، فضلاً عن معظم السعوديين، أنهم لا يثقون بإيران من الناحية الدبلوماسية ولا يثقون بالشيعة من الناحية الدينية.
إن السعوديين لديهم حساسية كافية لحسن الخلق الغربي بما يتيح لهم تحاشي ذكر ملاحظات مناهضة للشيعة باللغة الإنجليزية (وإن في الملأ على الأقل). لكن نظراً لخوف المسؤولين السعوديين من وقوع الأسوأ في محادثات جنيف، فإنهم أمضوا الأيام القليلة الماضية يثيرون القلق في نيويورك وواشنطن ولندن.
وفي “مقابلة نهاية الأسبوع” المستفيضة مع شخصية بارزة في صحيفة “وول ستريت جورنال” بتاريخ 23 تشرين الثاني/نوفمبر، قال الأمير الوليد بن طلال بن عبدالعزيز إن دولته “تضغط بكل قوة الآن على الولايات المتحدة لئلا ترضخ للكلام الناعم من جانب الرئيس الإيراني”. وحاجج رجل الأعمال الملياردير، الذي لا يحصل عادة على رخصة من الرياض للحديث في المسائل السياسية، قائلاً “يجب أن تكون للولايات المتحدة سياسة خارجية. واضحة المعالم والهيكل. وتلك السياسة غائبة الآن للأسف. إن الأمر يتسم بالفوضى والارتباك الكاملين. فلا ثمة سياسة. أقصد إننا نشعر بذلك. لدينا إحساس بذلك، كما تعلمون”.
ويصور الأمراء والمسؤولون السعوديون إسرائيل في كثير من الأحيان على أنها شيطان الشرق الأوسط، حيث يلمحون بل غالباً ما يقولون ذلك صراحة إنه لولا الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، لكان كل شيء في المنطقة على ما يرام. وقد تجاهل الأمير وليد بن طلال هذه الحجة تماماً وقال بدلاً منها “للمرة الأولى، تكاد مصالح المملكة العربية السعودية وإسرائيل أن تكون متوازية. إنه أمر لا يُصدق”.
إن التشكك هو أيضاً كلمة جيدة لتلخيص المشاعر التي سيطرت في اجتماع المائدة المستديرة في واشنطن العاصمة حضرْتُه قبل أيام قليلة، عندما طرح المسؤولون وضباط الجيش والمفكرون الأمريكيون أسئلة على شخصية سعودية بارزة أخرى. فعند توجيه سؤال حول ما ستفعله المملكة في حال تحليق طائرات إسرائيلية فوق المملكة العربية السعودية في طريقها لتفجير المنشآت النووية الإيرانية، رد السعودي، الذي كانت ملاحظاته غير رسمية، قائلاً: “لا شيء. لماذا سنفعل أي شيء؟ إنهم سوف يفعلون ما نريد أن يحدث”. وبعد توقف برهة أضاف قائلاً “لكننا سنصدر تصريحاً عاماً قوياً ندين فيه مثل ذلك الاعتداء على المجال الجوي عندما ينتهي كل شيء”.
وفي يوم الجمعة الماضي الثاني والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر، حصلت صحيفة “التايمز” اللندنية على مقابلة نادرة مع السفير السعودي في لندن، الأمير محمد بن نواف بن عبد العزيز، الذي قال إن “جميع الخيارات متاحة” إذا فشلت القوى العظمى في كبح البرنامج النووي الإيراني. ولم يُنقل عن لسانه أي تصريح منذ ذلك الحين، لكن يمكننا أن نفترض ونحن مطمئنون أن مشاعره لم تهدأ بالاتفاق الذي تم التوصل إليه في جنيف. وفي غضون ذلك، أصدرت سفارته تأشيرة إلى محرر صحيفة “الغارديان” – اليسارية اليومية التي غالباً ما تنتقد سياسات المملكة – في الشرق الأوسط، الأمر الذي يعكس حاجة ماسة تقريباً لنقل رسالتها.
إذاً، ما الذي سيفعله السعوديون الآن؟ في يوم الأحد، نقلت الصحيفة السعودية “عرب نيوز” التي تصدر باللغة الإنجليزية عن عبد الله عسكر، رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشورى السعودي (وهو جزء من النظام الملكي الحاكم لمناقشة الأمور أكثر من كونه هيئة شبه برلمانية) قوله إن “حكومة إيران أثبتت الشهر تلو الآخر أن لديها أجندة قبيحة في المنطقة، وفي هذا الصدد، لن يهنأ أي شخص في المنطقة بالنوم ويفترض أن الأمور تسير على ما يرام”. وعند سؤاله عما إذا كان الاتفاق قد فشل في منع إيران من صنع قنبلة وما إذا كان ذلك سيؤدي إلى نشوب سباق أسلحة نووية في المنطقة، رد عسكر قائلاً “أعتقد أن المملكة العربية السعودية سوف تمضي قدماً لو مضت إيران قدماً [وحصلت على سلاح نووي]. أعتقد أن مصر، وربما تركيا، وربما دولة الإمارات العربية المتحدة، سوف تمضي قدماً وتحصل على نفس التقنية”.
ويشعر السعوديون بالإحباط جراء عدم قدرتهم على حجب ما يرونه عودة إيران إلى الاحترام على الساحة الدبلوماسية ونهج واشنطن التصالحي تجاه طهران. كما ينتابهم القلق من بقاء نظام الأسد في سوريا، الأمر الذي يمنح إيران انتصاراً استراتيجياً بدلاً من الانتكاسة التي تحاول الرياض تنسيقها من خلال دعمها لمقاتلي المعارضة الجهاديين في البلاد. وفي الشهر الماضي، أوردت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن رئيس المخابرات السعودية، الأمير بندر بن سلطان، حذر من أن المملكة سوف تبتعد عن الولايات المتحدة لأنها لا تشعر بالانسجام مع إدارة أوباما. وقد سخر المطلعون على بواطن الأمور في واشنطن من هذه الفكرة، حيث قالوا إن الرياض ليس أمامها مكان آخر تتوجه إليه. ويمكن اختبار هذه الفكرة قريباً جداً.
وبين أودية روضة خريم، وهي الآن وارفة بالخضرة بفعل أمطار الشتاء، سوف ينظر الملك عبد الله في الخيارات المتاحة أمامه. سوف تكون هذه استراحة عمل. وقد اصطحب معه بعض من أقرب مستشاريه، ومن بينهم نجله، الأمير متعب بن عبد الله، وصهره المفضل الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد، والنائب الثاني لرئيس الوزراء، الأمير مقرن بن عبد العزيز. إن الملك يشتهر بالتحدث عما يدور في ذهنه. بيد أنه حتى الآن، كان أتباعه هم من تحدثوا علانية نيابة عنه. ربما أننا على وشك أن نسمع من العاهل السعودي نفسه.
ذي أتلنتيك
سايمون هندرسون هو زميل بيكر ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن.
شفاف الشرق الأوشط
لكنْ ماذا يعني دور الشرطيّ؟/ حازم صاغيّة
يستند الحديث الرائج عن دور إقليميّ لإيران، مُقرّ به أميركيّاً ودوليّاً، وعن تحوّلها «شرطيّاً للخليج والشرق الأوسط»، إلى مرتكزات جدّيّة قدر ما يفتقر إلى مرتكزات أخرى.
فنحن غالباً ما يفوتنا حجم التقاطع بين واشنطن وطهران، والذي يشمل تقاسم النفوذ في العراق وتأمين مستقبل أفغانستان والوقوف في وجه التطرّف السنّيّ. وحتّى في النقطة الإقليميّة الخلافيّة الأكبر، أي الموضوع الإسرائيليّ، فإنّ «النصر الإلهيّ» لأتباع إيران في 2006 ألغى الالتحام في مركز الالتحام الأبرز، فصارت الجبهة اللبنانيّة – الإسرائيليّة منذ القرار الدوليّ 1701 مثل الجبهة السوريّة – الإسرائيليّة منذ 1974.
وأغلب الظنّ أنّ الولايات المتّحدة، فيما تنكفئ نسبيّاً عن المنطقة، يعوزها من يقوم بدور إقليميّ نشط وديناميكيّ أثبت الإيرانيّون أنّهم يملكون القوّة والبراعة المطلوبتين لأدائه، خصوصاً أنّ تولّي الإسرائيليّين له، وهم ليسوا عرباً ولا مسلمين، قد يتسبّب بإحراجات وإرباكات تفوق مغانمه وإنجازاته.
فوق هذا، ليس من الصعب استبيان عاطفة ثقافيّة، أميركيّة وأوروبيّة، يمينيّة ويساريّة، تستسيغ الفرس أكثر من العرب، والشيعة أكثر من السنّة، لأسباب عدّة تضرب في تواريخ الأنظمة والمعارضات، والأكثريّات والأقليّات، وقابليّات الحراك والديناميّة مقابل المحافظة والحرص على المألوف.
أمّا في السوابق التاريخيّة فنعرف أنّ شاه إيران كان بالضبط صاحب دور كهذا، وهو ما يصحّ جزئيّاً في حافظ الأسد إبّان فترات التقاطع العريض بينه وبين الولايات المتّحدة. ولنا، هنا، أن نتوقّف خصوصاً عند أواسط السبعينات وإدخال جيشه للمرّة الأولى إلى لبنان، ثمّ عند أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات، مع استكمال الاستيلاء على لبنان بعد الانكفاء الذي أجبره الاجتياح الإسرائيليّ عليه في 1982. حتّى جمال عبد الناصر نفسه عرف تجربة قصيرة مشابهة، ما بين 1959 و1962، تمخّض عنها، بين ما تمخّض، إرساء التسوية الشهابيّة في لبنان.
بيد أنّ شاه إيران، الذي عُهد إليه بأمن الخليج، كان حليفاً لإسرائيل، كما كان متصالحاً، رغم توتّرات ومناكفات جانبيّة، مع الوضع الخليجيّ القائم بحيث أمكن، بسهولة نسبيّة، تجاوز الخلاف حول البحرين، فيما جرى احتواء الخلاف الآخر ومبعثه احتلاله الجزر الثلاث، فتمّ حصره في حدوده الموضعيّة. وفي الغضون هذه شارك الجيش الإيرانيّ في قمع ما عُرف بثورة ظفار في سلطنة عُمان إلى جانب تشكيلات من جيوش عربيّة أخرى. وبدوره، جاء دخول الأسد إلى لبنان في السبعينات ليحول دون سطوة منظّمة التحرير الفلسطينيّة، مع ما يعنيه ذلك من انزلاق محتمل نحو مواجهة مفتوحة مع إسرائيل. أمّا في المرّة الثانية فارتبط الأمر بالانضواء السوريّ في تحالف دوليّ عريض تقوده أميركا لإخراج صدّام حسين وجيشه من الكويت وحماية الخليج.
حتّى عبد الناصر، ارتبط شهر عسله القصير مع واشنطن، ومعظمُه إبّان عهد جون كينيدي، بصراع ضارٍ كان يخوضه حينذاك ضدّ الشيوعيّة والاتّحاد السوفياتيّ ونظام عبد الكريم قاسم في العراق. وعلى رغم الضجيج الديماغوجيّ الهائل عن دولة الوحدة المصريّة – السوريّة وكونها «كمّاشة» حول إسرائيل، لم يحصل ما يعكّر الصفو على الجبهة الطويلة بين «الجمهوريّة العربيّة المتّحدة» والدولة العبريّة. يومها لم يتردّد أكرم الحوراني، نائب عبد الناصر الذي استقال مبكراً من نيابته له، في أن يتّهم رئيسه السابق بالتواطؤ مع تلّ أبيب والامتناع عن تحريك أيّ ساكن في مواجهتها، خصوصاً أنّه لم يستجب المناشدات بسحب القوّات الدوليّة التي وُضعت، إثر حرب 1956، عازلاً بينهما. وفي الحالات جميعاً، انتهى شهر العسل المصريّ – الأميركيّ مع تفاقم التدخّل العسكريّ في اليمن واتّساع رقعة المواجهة بين عبد الناصر والوضع القائم في شبه الجزيرة العربيّة.
وقصارى القول إنّ هذه المهمّة التي يرشّح البعض إيران خامنئي لها، مشروطة بشروط ثلاثة متلازمة: الوقوف في الأساسيّات إلى جانب الولايات المتّحدة، وحماية أمن إسرائيل، إن لم يكن الذهاب أبعد من ذلك تقارباً معها، والتصالح مع أمن الخليج في تأويله السائد. وهذه من منظور إيران الخمينيّة، تجربةً وإيديولوجيّةً، شروط مهينة تجعل منها خادماً، أو شرطيّاً مشروطاً جدّاً لـ «الشيطان الأكبر».
الحياة
الآمال والمخاوف: ثمن غموض السياسة الأميركية/ حسن منيمنة
تطوران رئيسيان من شأنهما تأطير مسار التموقعات السياسية في منطقة الشرق الأوسط في المرحلة المقبلة، الأول الإصرار الظاهر لحكومة الرئيس باراك أوباما على الاستحصال على اتفاق مع طهران بأي ثمن، والثاني كشف محادثات سرية جرت بين واشنطن وطهران، بتسهيل من عُمان، في الأشهر الماضية. والمسألة في كلا الأمرين ليست خطورة الفعل، فالاتفاق بين مجموعة خمسة زائداً واحداً وإيران، حتى قبل أن يفرض عليه الإصرار الفرنسي بعض الوضوح الإضافي في أوجهه التنفيذية، لا يتعدى حدود تنفيس الأزمة بين الجانبين من حيث التأسيس لخطوات تمهيدية لبناء الثقة في انتظار اتفاق أوسع بعد ستة أشهر. والمحادثات السرية، رغم أن مضمونها لم يكشف بالكامل، صُنِّفت في إطار بناء الثقة وتبيّن مدى عمق التفويض الذي حصل عليه الرئيس الإيراني الجديد من مرجعيته.
إلا أنه لا يمكن التقليل من مقدار التشتيت الذي يشكله الحدثان على مستوى منظومة العلاقات الأميركية في المنطقة، لا سيما لاندراجهما في سياق خطوات مستمرة طعنت لتوّها بصدقية أوباما، بخاصة تأرجحه بل تهافته في الموضوع السوري. يذكر هنا أن حكومة أوباما أظهرت مقداراً عالياً من التجانس في مواقفها إزاء هذا الموضوع. والتجانس هنا سلبي، إذ ثابرت من دون انقطاع على التخلف بالوعود التي قطعتها تباعاً لدعم المعارضة السورية، ما أثار لدى بعضهم ريبة يبدو أنها تتأكد اليوم بأن الأمر لم يكن تردداً بل كذباً متعمداً يهدف إلى ثني هذه المعارضة عن السعي إلى مصادر دعم بديلة.
وفي قراءة مشابهة، يطرح بعضهم القصد والعمد والخطة المسبقة في التبدل في مواقف الرئيس الأميركي من موضوع السلاح الكيماوي السوري. إذ بدا يوماً أنه عقد العزم على معاقبة نظام مارق، هو نظام دمشق، لارتكابه جريمة ضد الإنسانية وتجاوزه خطوطاً حمراً وضعها هذا الرئيس نفسه، انطلاقاً من التزام مفترض لحكومته بشرائع دولية وأخلاقية تحتم عليه التدخل، لينتقل بين ليلة وضحاها إلى شراكة ضمنية مع هذا النظام، بل الثناء عليه أحياناً لتسليمه إحدى أدوات الجريمة، مع إتاحة الاستمرار في الجرائم الأكثر فظاعة وفداحة شرط ألا تكون بالسلاح المحظور.
فبناءً على انكشاف أمر المحادثات السرية مع إيران، يعتبر بعضهم أن الرئيس الأميركي لم يكن قط صادقاً في كلامه عن معاقبة دمشق، لما في ذلك من إضرار بالمصالح الإيرانية، بالتالي بالمسار التفاوضي السري بين طهران وواشنطن. بل ثمة تسريبات بهذا الفحوى من أوساط مقربة من أوباما. إلا أن محاولة إظهار نهجه على أنه محكم في التخطيط والأداء، وإن على حساب المبدئية، تكاد أن تكون اعتذارية صرفة، إلا إذا كان ارتأى اعتماد التخبط المبدد للثقة والصدقية غطاءً لهدف ما لا يبدو أن أحداً قادراً على تحديده. فلو كانت النتيجة، أي تسليم النظام السوري لسلاحه الكيماوي، هي الهدف، فلماذا سبق لأوباما أن رفع درجة التشديد على فداحة الجريمة المستوجبة للعقاب، أي مقتلة الأبرياء لا سيما منهم الأطفال، ليعود ويغيّبها تاركاً التساؤلات المتكررة حول ما جاهر به من أخلاقيات، بل لكان أطّر المسألة بإبهام يستوجب تسليم السلاح فحسب.
إلا أن ثمة درساً واضحاً، للحكومة الإيرانية كما لحلفاء واشنطن القدامى في منطقة الشرق الأوسط، من تجربة السلاح الكيماوي السوري. فالإنجاز الأميركي المزعوم بهذا الصدد شكلي في أحسن تقدير، ذلك أنه يزيل المخزون السوري من هذا السلاح، إلا ما تمكن النظام من تعميته، من دون أن يتطرق إلى القدرة الفنية لإعادة تكوينه، أو لمنظومة القمع التي أنتجته أساساً. ورغم ذلك، فبالنسبة إلى الاعتذاريين الداعمين لأوباما، ما تحقق هو منتهى الإنجاز ومقصده في الشأن السوري، ويمكن للنظام القمعي متابعة مسعاه القاتل إلى تحقيق حسم عسكري، تحت غطاء مستمر من الأعذار المتراكمة لامتناع الحكومة الأميركية عن اعتراض فعله. والدرس هو بالتالي أنه في حال قدّمت الحكومة الإيرانية انتصاراً شكلياً لأوباما في موضوع السلاح النووي الإيراني، وشرط هذا الانتصار أن يكون قابلاً للتسويق لدى جمهوره، فإنه مستعد للانكفاء عن التعرض للمصالح الإيرانية في ما عدا هذا الموضوع. أي، بعبارة أخرى، السلاح النووي في مقابل التغاضي عن طموحات إيران في النفوذ والتوسع في المنطقة.
ولكن، قد يكون في هذه القراءة مقدار عالٍ من التجني. فعلى رغم الأهمية العالية التي يوليها أوباما للحصول على إنجازات تسجل له، كنزع السلاح الكيماوي السوري، وربما أيضاً منع إيران من الحصول على السلاح النووي، ليس هناك ما يدعو إلى الاقتناع بأن الرئيس يرغب بالفعل في التغاضي عن توسع النفوذ الإيراني، أو أنه، حتى لو كانت هذه فعلاً رغبته، قادر على هكذا تغاضٍ. ذلك أنه ليس من تصور للمصالح الأميركية يتوافق مع ما تعتمده طهران من رؤى وطموحات، لا موضوعياً أي من حيث التعارض الفعلي في المصالح في أكثر من موقع، ولا سياقياً من حيث استدعاء أي توافق بين طهران وواشنطن، في حال افترضت إمكانية حصوله، لردود فعل رافضة بل عدائية من أطراف في المنطقة هي في موقع الصديق والحليف، وكذلك من واقع سياسي في واشنطن متداخل في توافقاته وعلاقاته مع هذه الأطراف الصديقة والحليفة.
فالأقرب إلى الواقع هنا هو ملاحظة التفاوت بين الخطوات المحدودة التي يقدم عليها فريق أوباما، والتي تهدف فعلاً إلى ما تهدف إليه قولاً، أي بناء الثقة مع طرف خصم هو إيران، وبين التوقعات المتفائلة لمن هم في صف إيران كما المخاوف المتشائمة لمن هم في مواجهتها، بأن هذه الخطوات إرهاصات لتبدل عميق من شأنه قلب المعادلات وإعادة رسم التحالفات. فخيبة الأمل في صف أصدقاء أوباما اليوم قد تتبعها في غد قريب خيبة أمل أخرى في صف خصوم الأمس الطامحين إلى صفقات كبرى ليس الرئيس الأميركي راغباً فيها أو قادراً عليها.
الحياة