رضوان زيادةصفحات سورية

كيف أصبحت سورية ضحية الصراعات الدولية؟/ رضوان زيادة

 

 

لم يكن المبعوث الدولي الخاص إلى سورية ستيفان دي ميستورا متفائلاً عندما دعا الى الجولة الحالية من محادثات السلام في جنيف، والسبب أنه لا يوجد تغيير في المشهد السياسي في الوقت الذي تتزايد حرارة المعركة ضد «داعش» في سورية.

ذكر دي ميستورا في أحد مؤتمراته الصحافية أن غياب مشاركة دبلوماسية اميركية انعكس على النتيجة الضعيفة لعملية السلام في جنيف، وقد أثارت الضربات الأميركية ضد نظام الأسد بعد استخدام الأسلحة الكيماوية في خان شيخون الأمل في أن تتحرك الولايات المتحدة من الدور السلبي في الأزمة السورية منذ تولي دونالد ترامب الرئاسة إلى دور أكثر نشاطاً للتوصل إلى حل لإنهاء الأزمة المستمرة في سورية منذ عام 2011.

انتقد العديد من المسؤولين السابقين وأعضاء الكونغرس الإدارة الأميركية لعدم وضع استراتيجية بدلاً من القيام بضربة واحدة مع تأثير ضئيل جداً على الحرب في سورية، حيث تواصل الإدارة فك الارتباط مع آستانة وجنيف، هذا الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة ملأته روسيا التي تشجعت بعد تدخلها العسكري في البلاد في ايلول (سبتمبر) 2015.

لكن، مع كل ما يحدث داخل ادارة ترامب، من التحقيق في التدخل الروسي في الانتخابات، والتهديد اليومي لكوريا الشمالية، إلى خفض ميزانية وزارة الخارجية، يشعر ترامب بعدم الأمان في موقعه، ما يعني أن من غير المحتمل أن يكون لديه الوقت لتطوير أو وضع استراتيجية لسورية قريباً. وهذا هو السبب في أنه بالكاد ذكر سورية في رحلته الأخيرة في الخارج وإلى الشرق الأوسط والتي ربما كانت فرصة له لجلب جميع اللاعبين النشطين في الشرق الأوسط للاندماج في استراتيجية سورية واحدة حيث تلعب الولايات المتحدة دوراً رائداً، ولكن كون أي من هذا لم يحدث يترك الأزمة السورية تحت رحمة روسيا اليوم بشكل كبير.

هناك حاجة إلى استراتيجية أميركية في سورية، وليس الضربة لمرة واحدة، لكن ولسوء الحظ تواصل الإدارة الأميركية تجاهل الحاجة إلى مثل هذا النهج والتركيز فقط على هزيمة تنظيم «داعش» في سورية، وحتى في هذا الصدد قررت الإدارة تجاهل كل دعوات المعارضة السورية وحليفتها في «الناتو» تركيا بالاعتماد على «الجيش السوري الحر» في هزيمة «داعش» بدل الاعتماد على «قوات الدفاع الكردية»، فهذه السياسة ستمكن الأكراد الانفصاليين في سورية من تقويض وحدتها في النهاية.

لقد ذكرنا من قبل أن النظام الفيدرالي الذي يدعمه «حزب الاتحاد الديموقراطي» في سورية غير واقعي ويمكن أن يطيل أمد الحرب الأهلية في سورية بعد هزيمة «داعش» ويؤدي إلى مزيد من الخلافات بين الأكراد والقبائل في سورية بعد القضاء على التنظيم في الرقة حيث لا وجود لأقلية كردية في تلك المحافظة.

وبتجاهل هذه الدعوات، ستعقد الولايات المتحدة عملية السلام خلال المرحلة الانتقالية في سورية، وهذا هو سبب الحاجة الى تحقيق التوازن مع التأثير الروسي في سورية، فعلى الولايات المتحدة اليوم أن تشارك في عملية السلام أو الدفع بالمرحلة الانتقالية وأن تستثمر المزيد من الجهود الدبلوماسية والموارد لتكون قادرة على ربط المعركة ضد «داعش» مع المرحلة الانتقالية لرؤية النور في نهاية المطاف.

وإذا انتقلنا إلى الجبهة العسكرية، فقد قامت الولايات المتحدة بإسقاط طائرة نفاثة سورية، وقبل ذلك قامت باستهداف الجيش السوري والقوات الموالية للنظام لحماية «قوات سورية الديموقراطية» من هجوم قامت به الحكومة السورية، وردت روسيا وبسرعة كبيرة واعتبرت هذا الهجوم شكلاً من أشكال الإرهاب من قبل الحكومة الأميركية.

ولكن يبدو أن الولايات المتحدة جادة في حماية قواتها على الأرض لتكون قادرة على إنهاء معركة الرقة وإنهاء «داعش» في سورية والوصول إلى مقر التنظيم الدولة الإسلامية في الرقة قبل القوات الروسية.

لدى روسيا، بطبيعة الحال، الكثير من المزايا في سورية على حساب الولايات المتحدة، فلديها قوات كبيرة على الأرض، ولها على الأقل الآن ثلاث قواعد عسكرية. وبالتالي فإن أي مواجهة في سورية ستكون لمصلحة روسيا، ما يجعل موقف الولايات المتحدة أضعف بكثير.

قدمت روسيا للنظام السوري نظام صاروخ دفاع جوي متقدم S400 يمكن أن يهدد القوات الجوية الأميركية إذا قررت الطيران فوق سورية، وبعد أن أعلنت روسيا ما يسمى «مناطق خفض التصعيد» اشارت إلى حظر الطيران الاميركي فوق هذه المناطق. ويمكن اعتبار ذلك علامة تصعيد من روسيا ولكن روسيا سوف تنفذه أو سوف تستخدم مثل هذا البيان فقط كلغة تهديد.

لا يزال الرئيس ترامب يعتقد أنه سيكون قادراً على مفاوضة روسيا في سورية في ما فشل فيه سلفه أوباما والوزير كيري عدة مرات، والفجوة بين الموقفين لا تزال واسعة، ولكن الجانبين يعتقدان أن عليهما فعل شيء ثم فرضه. نهج روسيا أكثر تركيزاً على البعد الأمني ​​ومستوى العنف مع عدم الرغبة في مناقشة مسألة الانتقال السياسي ومستقبل الأسد. فيما الولايات المتحدة أكثر اهتماماً بالقضاء على «داعش» أولاً ثم التحقق من كيف سيبدو الانتقال في المستقبل.

إن وجهتي النظر المختلفتين بشأن سورية تخفيان الصورة الأكثر تعقيداً لقوتين دوليتين تطمحان لاستعادة النظام في سورية وفق شروطهما، ويبدو أن المدنيين السوريين هم الخاسر الأكبر في المعادلة.

* كاتب سوري وباحث في المركز العربي – واشنطن

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى