تحية إلى ابن العم
زين ابراهيم
عرضت قناة العربية مؤخراً فلماً قصيراً سجلته عدسات شباب سوري واعد عرضوا فيه لمحات من حياة مانديلا سورية المناضل رياض الترك
تابعت الفلم بشغفٍ شديدٍ واهتمام بالغ لكل كلمة صاغها عقل هذا المناضل الجبار
ليست المشكلة في السجن المادي فقط بل هي في السجن الفكري أيضا ولعلها هي المشكلة الاكبر والأهم كما أراد رياض أن يوضحها
نحن أسرى وسجناء لأفكارنا وتصوراتنا عن الواقع والحياة والآخرين وعن أنفسنا قبل كل شيء
وسواء كنا ضمن زنزانات النظام أم خارجها فنحن أيضا سجناء لها حتى ولو تركنا سورية أيضا
ما الفائدة من مغادرتي سورية لبلد آخر حتى أقول كلماتي فأعتقد آنذاك أنني حر بينما أقبع وحيداً مسكوناً بمخاوفي من باقي السوريين ومن أفكارهم
لن أتكلم عن النظام باسمه ممثلاً بشخوصٍ زائلة وأحزاب كرتونية ودعاية سياسية هزيلة وايديولوجية تسكن المتاحف
ولكن لننظر للصورة الكبرى لواقعنا الراهن كعرب وكمسلمين
وهنا لا أتكلم بمنطق أقصاء للقوميات والعقائد الأخرى ولكني أتكلم عن العرب والمسلمين بصفتهم يمثلون أغلبية عددية في المناطق التي يسكنونها من المحيط إلى الخليج بل وأضيف إليهم الشعوب الاسلامية من ايران وباكستان وغيرها
وهنا لو قرأنا التاريخ جيدا لعرفنا أن فكر الطغيان السياسي والفكري يملك امتدادا عميقاً في الجغرافية وفي التاريخ
امتداداً في الجغرافية من المغرب غرباً إلى أطراف الهند شرقاً
وامتداداً في التاريخ على مدى قرون وحتى مع فجر العالم المعاصر الجديد لازالت هذه المنطقة مسكونة بالطغيان والدكتاتوريات
قد يقول قائل أن أوروبا نفسها لم تتحرر بعد من هذه الأمراض الاجتماعية والفكرية إلا منذ فترة قصيرة مع انهيار جدار برلين
أقول نعم هذا صحيح وأردف بأننا تأخرنا كثيراً ولا يجب أن نترك القطار يبتعد كثيرا قبل اللحاق به
ليست مشكلتنا مع النظام في سورية مع أفراد وهنا أتمنى لو نتوقف عن مناداتهم بأسمائهم ولندع تلك المهمة لقضاء صالح ورأي عام وتاريخ يحاكمهم
وليست مشكلتنا في سورية مع طوائف وملل كما يريد البعض أن يصور أو يتصور
فحافظ وبشار وماهر وصدام وقصي وعدي وعلي صالح وولده ومبارك ونجليه والقذافي وسيف والساعدي وبوتفليقة والبشير بالاضافة لقائمة تطول من أصحاب المعالي والسمو في كل شبر من عالمنا العربي والاسلامي. فكلهم برأيي ينتمون لطائفة واحدة اسمها طائفة الاقصاء والانانية والطغيان والغطرسة
لن نتوقف نحن السوريين عن الثورة حتى اسقاط النظام القائم حالياً في سورية ولكنني أتمنى لو نقرأ كلمات رياض الترك وغيره من المثقفين جيداً ونبحث في دواخلنا وفي ذواتنا عن الجذور الفكرية والثقافية للطغيان فنعمل على تحريها وفهمها ومحاولة علاجها
علينا أن ندرس تاريخنا جيدا وعلينا أن نبحث كيف استطاع رجال من أمثال شكري القوتلي وهاشم الأتاسي وهم من مواليد 1891 و1875 على التوالي أن يطوروا ثقافة ديمقراطية قوامها تحمل الآخر وقبوله ومارسوا حياةً سياسيةً نحسدهم عليها نحن السوريون وقد ولد معظمنا بعد عام 1960 وعرفنا حتى هذه اللحظات تطورا علميا ومعرفيا هائلا
كيف طور ثمانينيون من أمثال رياض الترك وهيثم المالح وغيرهم لا تسعفني ذاكرتي لذكرهم الآن هذه الروح وهذا العمل الفكري والسياسي بينما عجزنا نحن المحدثين من ذلك
هل سيبقى هيغل محقاً عندما قال تعلمنا من التاريخ أن الإنسان لا يتعلم شيئاً من التاريخ
هل تريدون رأيي الشخصي مما رأيته من خلال هذه الشهور الماضية
رأيت أن السوريين تعلموا أشياء كثيرة وكثيرة جداً. تعلموا من العراق ومن لبنان الكثير وأن الطغاة لون واحد ودين واحد مهما حاولوا مخادعتنا وتعلموا أن أقصاء الآخر وتهميشه ورفضه لا يقود لأية حلول .
تعلمنا نحن السوريين( وهنا لا أستطيع أن أنكر دور النظام في ذلك) تعلمنا الكثير عن أنفسنا وعن هذا الكم المخيف من الخداع والتضليل الرخيص الممارس ضدنا .
شكرا لابن العم والأب والأخ والصديق رياض الترك
فهو كما وضح في كلامه أن المسألة ليست شخصية وأنه لا يستطيع أن يوافق على ما يحدث في سورية لأن القضية ليست حول رياض الترك فقط يوقع فيها على صك تحريره من أسره
أنها أعظم منا كأشخاص وهي تخصنا جميعاً
ونحن يجب أن لا نتوقف عند اسقاط الاشخاص فقط لأن أيامهم معدودة ولذلك تجد السوريين ينادون دائما بالحرية وباسقاط النظام وهذه المرة أقول لكم سنقرأ التاريخ جيدا وسنبحث فيه وفي أنفسنا عن بواطن الخلل .
2-12-2011