المعارضة السورية ليست مشتتة
طارق الحميد
النغمة السائدة اليوم عند الحديث عن المعارضة السورية – بحق أو من دون – هي أنها مشتتة، وهذا عذر يستخدمه البعض، بقصد أو من دون، للقول إنه من الصعب اتخاذ موقف عربي أو دولي تجاه النظام الأسدي، لأن المعارضة ليست على قلب رجل واحد، لكن هذا الحديث غير صحيح.
فكيف ننتظر من شعب عاش، ويعيش، طوال أربعين عاما، تحت نظام يحكم بالرعب، والتنكيل، ويكرس الحكم بيد طائفة واحدة، أن يفرز معارضة متفقة، ومتسقة؟ وهو، أي النظام، يستخدم كل الأوراق، من أجل فرض واقع «فرق تسد» ليحكم سوريا. فنحن أمام نظام يخيف المسيحي من المسلم، والعكس، ويخيف المسلم من المسلم، وهكذا. نظام دمر مدينة في الثمانينات، وهي حماه، ليفرض سيطرته، وتلحف بعباءة ملالي إيران من أجل أن يوجد له نفوذا في المنطقة.. نظام رفع أنصاره صورة زعيم ميليشيا حزب الله جنبا إلى جنب مع بشار الأسد، فكيف يمكن بعد ذلك كله توقع خروج معارضة موحدة؟ فالمنطقي أن المعارضة السورية موحدة فقط في رغبة إسقاط الأسد، ولكن ليس في الرؤى، وهذا الأمر لا ينطبق على السوريين وحدهم.
فإذا أردنا الاستشهاد بالواقع القريب فهناك ليبيا، فلولا المظلة الدولية التي احتضنت المعارضة الليبية، وساعدتها على توفير صفوفها فورا من خلال مؤتمر أصدقاء ليبيا الذي شاركت فيه قرابة 49 دولة، وحظي بغطاء عربي، ودولي، لما كان من الممكن أن تتوحد المعارضة الليبية بذلك الشكل، وخصوصا أنها، أي المعارضة الليبية، مرت بلحظات بالغة الصعوبة، خصوصا عند اغتيال القائد الميداني اللواء عبد الفتاح يونس، وهو ما كاد يؤدي إلى تشرذم المعارضة الليبية. وإذا أردنا الاستشهاد بالتاريخ، فإنه لولا الدعم الأميركي والبريطاني، لما التأم مؤتمر المعارضة العراقية ضد صدام حسين في لندن، وهو المؤتمر الذي جمع الإسلامي بالعلماني، والكردي بالعربي، وكل فسيفساء العراق، بل ما الذي جعل حزب الله وحلفاءه في لبنان أقوياء لولا الدعم السوري والإيراني، الذي ذلل الصعوبات، وقرب المساحات حتى رأينا حزب الله حليفا لعون، وهو تحالف يشبه التقاء الشرق بالغرب!
عليه، فإن ما ينظر إليه على أنه «تشخيص» لواقع المعارضة السورية بأنها مشتتة، ما هو إلا تنصل من الواجب، الذي يقول إن على الجميع دعم المعارضة السورية، وتقريب وجهات نظرها، وتوحيد صفوفها، وتمكين قياداتها. فهذا ما تم فعله مع جميع الحالات المشابهة عربيا، تقريبا، فحتى المعارضة المصرية لمبارك حظيت بدعم معنوي من الغرب، وبعض العرب، بينما لم نر جهدا عربيا حقيقيا، أو دوليا، لدعم المعارضة السورية، مثل الاعتراف بمجلسها، وفرضه كواقع، فمجرد ظهور برهان غليون إلى جوار زعيم عربي، أو غربي، مع الدعوة إلى مؤتمر دولي، سنجد أن الأمور قد تغيرت، فلماذا يحرم السوريون من ذلك؟
هذا هو السؤال، خصوصا أن ليس الهدف خلق معارضة غير موجودة، بل هي موجودة، وتتلقى ضربات قاتلة من نظام يقتل شعبه كل يوم، فالقصة ليست افتعال أزمة، بل حلها!
الشرق الأوسط