سوريا … أبشع السيناريوهات
عبدالله بن بجاد العتيبي
نشرت صحيفة لوموند الفرنسية مؤخراً حواراً مع الزعيم الدرزي وليد جنبلاط تحدث فيه عن لقائه الأخير ببشار الأسد في 9 يونيو 2011، وذكر أنّ الحوار كان “سوريالياً” وأنّه سأل الأسد عن موضوعين واحد عن ابن خالته رامي مخلوف والثاني عن الطفل حمزة الخطيب، فأجاب الأسد –بحسب جنبلاط- واصفاً مخلوف بالمجنون، وقال إنّ حمزة لم يتعرّض للتعذيب لكنّه قتل. وعلّق جنبلاط على ذلك بالقول “كيف يمكن تقديم مثل هذه الإجابات! .. إنّه مصاب بجنون العظمة”. العربية نت.
لا أدري لماذا يكثر الأسد من ذكر المجنون والجنون، ولكنني أتذكر هنا لقاء الأسد مع “باربارا والترز” مطلع ديسمبر الماضي، حين أجاب على سؤالها عن قتل الشعب بقوله: “إنّه لايفعل ذلك سوى شخصٌ مجنون”، والسؤال اليوم بعد مضي ما يقارب الثلاثة أشهر على هذا الجواب وبعد أن ثبت أنّ “الأسد” يقتل شعبه كل يومٍ هل يحقّ لأحدٍ أن يطلق عليه ذات الصفة التي اختارها بنفسه؟ ثم إذا كان رامي مخلوف مجنوناً، فماذا يمكن أن نطلق على من منحه صلاحياتٍ مطلقةٍ ليعبث في عرض البلاد وطولها؟
رغم رفض نظام الأسد لبيان مؤتمر “أصدقاء الشعب السوري” الذي عقد الجمعة الماضية في تونس، فإنّه بالتأكيد ينظر إليه كحلقةٍ في سلسلةٍ من المواقف السابقة التي وإنّ صعّدت لهجتها السياسية إلا أنّ قراراتها لا تهزّ شيئاً من سياسته الوحشية على الأرض، منذ الجامعة العربية مروراً بمجلس الأمن وصولاً لتونس ومؤتمرها، الموقف المختلف في مؤتمر تونس، والذي بدا أكثر استيعاباً لحجم الكارثة التي يرتكبها نظام الأسد كان موقف السعودية الحازم الذي عبّر عنه الأمير سعود الفيصل بقوله إنّ “النظام السوري فقد شرعيته وبات أشبه بسلطة احتلالٍ، فلم يعد بإمكانه التذرّع بالسيادة والقانون الدولي لمنع المجتمع الدولي من حماية شعبه الذي يتعرض لمذابح .. ولم يعد هناك من سبيل للخروج من الأزمة إلا بانتقال السلطة إما طوعاً أو كرهاً”، وكذلك حين اعتبر أن البيان الختامي للمؤتمر “لايرقى لحجم المأساة”.
هذا الموقف يعني صراحةً أن السعودية قد نفضت يدها من النظام وشرعت في التفتيش عن مخارج أخرى تكون فاعلةً في إجبار النظام على التخلّي عن سياسة القتل وتسليم السلطة للسوريين. ومن هنا كان جواب “الفيصل” بعد لقائه هيلاري كلينتون عندما سئل عن تسليح المعارضة بالقول: “أعتقد أنها فكرةٌ ممتازةٌ”، ولئن قالت “كلينتون” إنها ستتحدث عن هذا الموضوع لاحقاً فإن المرجو هو ألا يتأخر هذا الحديث أكثر مما يحتمله المشهد.
لقد تمّ تناول الموقف الروسي كثيراً وجرت محاولات عدة لفهمه وأفضل السبل للتعامل معه، ويبدو اليوم أنّ الجهود يجب أن تنصب على مكانٍ آخر، والمقصود هنا هو الدول الغربية الرافضة لما يجري في سوريا كالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، وهي الدول التي وإن دعمت الجهود العربية إلا أنّها تبدو أقل حماسةً لتطوير موقفها، وكلّما تأخرت كلّما تعقّدت الأوضاع أكثر، كما أنّها دول يقول تاريخها بأنّ معارضة الاتحاد السوفييتي أو خليفته روسيا الاتحادية لمواقفها لم تمنعها من اتخاذ قراراتٍ سياسيةٍ حاسمةٍ تشمل التدخل العسكري، ومن ذلك التدخّل العسكري في أفغانستان والبوسنة. من هنا فإن محاولات التأثير يجب أن تتركزّ على هذه الدول لتغيير موقفها ودفعه إلى الأمام، وهي وإن لم تكن مهمةً سهلةً غير أنّها أفضل من الاستمرار في الالتهاء بمماطلات الموقف الروسي.
في الداخل السوري مثّل الإعلان عن توافقٍ بين العميد مصطفى الشيخ صاحب الرتبة العسكرية الأعلى بين الضبّاط المنشقين عن الجيش السوري وبين قائد “الجيش السوري الحر” العقيد رياض الأسعد خطوةً في الاتجاه الصحيح، وذلك لجهة توحيد المعارضة المسلحة تحت قيادة واحدة بدلاً من التشتت الذي سيكون سبيلاً رحباً لتفشّي حربٍ أهليةٍ يريدها النظام ويسعى إليها جهده.
سيناريو الحرب الأهلية هو أبشع السيناريوهات التي يمكن تخيّلها، حيث الفوضى العارمة وتسلّح الأقليّات، والتدخّل الإقليمي والدولي واسع النطاق لطرف ما مقابل الأطراف الأخرى، ولئن كان الأمل ألا تصل الأمور لهذا الحدّ، وألا يفلح النظام بفرضها على الجميع، فإنّه يكفي هنا استحضار الحرب الأهلية اللبنانية التي ستصبح نموذجاً صغيراً لو انجرفت الأمور في سوريا إلى هذه الهوّة، علماّ بأنّ سوريا وشدّة الصراع عليها، ربّما دفعت باتجاه التقسيم الذي لم يكن ممكناً في لبنان، والذي هو دائماً أسوأ نتائج الحروب الأهلية.
دعم إيران اللامحدود لنظام الأسد وإرغامها أتباعها كبيدقها في لبنان “حزب الله” على اتخاذ ذات الموقف، يشير إلى أنّ إيران بالتوافق مع نظام الأسد تريد الذهاب بالأزمة لأبشع نهاياتها، وهي حين تنظر للموقف في سوريا يبدو أنها تستحضر المقارنة بالموقف في العراق.
لقد دخلت القوّات الأميركية والتحالف الدولي العراق بالقوّة وأزالوا نظام صدام حسين في أسابيع، ولكنّ إيران وسوريا أدارتا عبر سنواتٍ ما يشبه الحرب الأهلية داخل العراق ونشرتا الفوضى والقتل في كل مكان حتى اضطرت أميركا لترك العراق ثمرةً سقطت في سلة إيران، وليس مستبعداً أن إيران ونظام الأسد يستحضران هذه المقارنة، ويريان أن وضعهما أفضل بكثيرٍ في هذه الأزمة، فسوريا بخلاف العراق لن تكون فيها قوة دولية مهيمنة، كما يصبح من السهل تسليح الطوائف والإثنيات، ثم لا يبقى إلا إثارة النعرات والنزاعات بينها.
ربما بدا مثل هذا السيناريو متشائماً وسوداوياً، ولكنّ حجم الوحشية التي اتبعها النظام لعامٍ كاملٍ وحجم الدمويّة التي يفكر ويعمل من خلالها، وتاريخ الدول الداعمة له تجعله قابلاً لارتكاب الأسوأ دائماً، ومالم يكن ثمة موقفٌ جادٌ من قبل الدول الغربية لتأييد حلٍ سريعٍ وفعّالٍ، فإنها ربما تندم بعد فوات الأوان.
لقد دفع حجم الجرائم المرتكبة في البوسنة إلى اتخاذ قرار التدخل العسكري رغم معارضة الروس حتى تمّ حلّ النزاع هناك، ومن قبل كانت دموية الاتحاد السوفييتي في أفغانستان دافعاً لتحالف دولٍ غربيةٍ وإسلاميةٍ أدّى في النهاية لإخراج السوفييت يجرّون أذيال الهزيمة من أفغانستان، وما يرتكبه النظام السوري لا يقل في فظاعته عن النموذجين السابقين، فما الداعي لأن تختلف سياسات مواجهته؟
في هذا السياق، فإنه باستحضار الماضي كالنموذج الأفغاني. فإنّه وفي نهاية 1979 عندما دخلت القوّات السوفييتية لأفغانستان قال مستشار الأمن القومي الأميركي بريجنسكي للرئيس كارتر “إنّها فرصتنا لنردّ لهم جميل فيتنام”، وباستحضار الواقع فإنّ وليد جنبلاط في لقائه مع صحيفة” اللوموند”، تحدّث عن سعي النظام لإثارة موضوع الأقليّات قائلاً: “لا أريد أن أتحدث بأسلوبٍ طائفيٍ، النظام السوري يروّج لقيام تحالف الأقليات. دروز سوريا مواطنون سوريون، وهم إما مع النظام وإما ضدّه، في السابق قاتل الدروز الانتداب الفرنسي، واليوم حان الوقت لكي (يناضلوا) ضدّ طغيان النظام الذي يقتل السوريين في كل مكان”. أخيراً، قضى أكثر من قائد مجنونٍ يتبع سياسات جنونيةٍ نحبه في صفحات التاريخ وبقي للعقل والحكمة أثر أكبر ونجاح أهم.
الاتحاد