صفحات المستقبل

الجزيرة السورية والحراك الثوري

تتميّز منطقة “الجزيرة السورية” التي تقع شمال شرق البلاد، والتي يحدها تركيا شمالاً والعراق شرقاً، بتنوعها الإثني والديني؛ إذ يقطن “الجزيرة” كل من العرب والأكراد والكلدان والآشوريون والأرمن والشركس والشيشان، بالإضافة إلى طوائف مسيحيّة مختلفة. تأثر العيش المشترك بين هذه المكوّنات المختلفة لمجتمع “الجزيرة” بالسياسة التي إتبعها نظام البعث خلال العقود الماضية.
يتذكر ع. ج. الذي يبلغ من العمر 60 عاماً بوضوح فترة التعايش التي كانت مخيّمة على المنطقة حتى الستينات من القرن الماضي: “كانت منطقتنا متنوعة تحوي الأكراد والعرب والمسيحيّين والأرمن والآشوريين والشيشان. كنا نلعب سوية في فرق رياضية ونزور بعضنا البعض. أذكر أنه كان لدى كنيسة الأرمن فريق كرة قدم في مرحلة الخمسينات يضم كافة أطياف مجتمع مدينتنا.” يعيش هذا الرجل الستيني في مدينة رأس العين في محافظة الحسكة التي كانت من أكثر المدن الواقعة في الجزيرة تنوعاً سكانياً.
تجربة م.د. مشابهة، الرجل الكردي الذي يبلغ من العمر 70 سنة يقول: “كنا في البداية نعيش في الريف وكان في قريتنا عدة منازل مسيحية. لم يفرقنا شيء يوماً ما إلا بعد إستلام البعثيين الحكم. فقد بدأت التوترات من خلال أخذ أراضينا وأراضي بعض المزارعين المسيحيّين ومنحها لعشائر موالية للنظام.” ويتحدث الرجل عن التمييز الذي يمارس بحق الأكراد. فقد مُنعوا من رفع العلم الكردي والاحتفال بعيد النوروز، بالإضافة إلى منع تدريس اللغة الكردية وحرمانهم من التوظيف في المؤسسات الحكومية.
المحامي الشاب ف.ح. سليل عائلة هاجرت حديثاً إلى المنطقة يقول: “لقد جاء بنا النظام إلى المنطقة في سبعينات القرن الماضي بعد أن غمرت المياه أراضينا في الرقة إثر إنشاء سد الفرات. ومنذ بداية مجيئنا، لاحظنا التوترات بيننا وبين أبناء المنطقة، “فقد قام النظام بتأميم بعض أراضي مزارعي المنطقة ومنحها للوافدين. يتابع الشاب قائلاً: “نحن لا نتحمل أي ذنب سوى أننا ولدنا هنا. لم نستطع حتى اليوم التأقلم مع السكان بسبب السياسة التي إتبعتها الحكومات السورية المختلفة. لذا حتى يومنا هذا نعتبر أنفسنا غرباء في المنطقة.”
السيد أ.س. أرمني الأصل وناشط في العمل الكنسي يقول: “لقد كانت منطقة الجزيرة مليئة بالأرمن، فقد استقبلنا أهالي المنطقة بعد هروبنا من المجازر على يد العثمانيين وكنا نتعايش مع أبناء المنطقة بشكل جيد. أذكر أنّ بناء أول كنيسة ومدرسة أرمنية في إحدى المناطق عام 1932 قام به أجدادنا الأرمن بمساعدة الأكراد والعرب ولم نكن نعرف آنذاك صعوباتٍ تذكر.” وتراجع عدد الأرمن في منطقة الجزيرة خلال العقود الماضية بسبب تردي الوضع الاقتصادي. فهاجر البعض إلى مدن سورية أخرى مثل حلب أو إلى الخارج.
حاول النظام منذ اندلاع الثورة السورية قبل سنة كسب ود شرائح اجتماعية مختلفة في “الجزيرة السورية” لكي يمنع امتداد الحراك الشعبي شرقاً. المرسوم الجمهوري الذي أعاد الجنسية السوريّة إلى آلاف الأكراد مثال على ذلك. ولكن رغم هذه المساعي، فإن حركة الإحتجاجات وصلت إلى الجزيرة ومدنها. وتنوّعت ردود فعل سكان المنطقة تجاه الحراك، فتأثرت مشاركة الأكراد في الإحتجاجات بموقف الأحزاب السياسية الكردية، التي تحفظت في البداية على هذه المشاركة لرغبتها في الحصول على ضمانات للأكراد من المعارضة السورية في المستقبل. إلا أنه بعد عقد المؤتمر الوطني الكردي في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2011، الذي ضم معظم الأحزاب بالإضافة إلى شخصيات مستقلة وتنسيقيات، تم الاتفاق على قرار بالوقوف إلى جانب الثورة.
أما بالنسبة لمسيحيّي المنطقة، فهناك مشاركة ملحوظة من قبل شخصيات مستقلة ومنتسبين إلى جمعيات حقوقية كمنظمة لجان الدفاع عن الحريات ومنظمات أخرى “كالمنظمة الآثورية الديمقراطية” العضو في إعلان دمشق وفي “المجلس الوطني الانتقالي.” أما بالنسبة إلى غالبية المسيحيّين في “الجزيرة”، فإنّ الخوف من المستقبل والشعور بالتهديد من الأكراد والتيّارات الإسلامية يشكل عقبةً كبيرةً في وجه مشاركة أوسع في الحراك الشعبي، يضاف إلى ذلك أن الكنائس السورية المختلفة تأخذ موقفاً متحفظاً من الإنتفاضة.
ورغم وجود عشائر وشخصيات عربية مختلفة مشاركة بشكل فعّال في الثورة إلا أنه من الملاحظ أنّ الكثير من العشائر الأخرى تخشى الإصطفاف مع المحتجين لخوفها على النفوذ الذي استطاعت الحصول عليه في العقود الماضية من خلال استلام مناصب في مؤسسات حكومية وحزبية وفي جمعيات فلاحية.
آراء متنوعة حول الإنخراط في الثورة
تعددت الآراء حول واقع الانخراط في الثورة. السيد م.ش. من أبناء إحدى العشائر العربية في المنطقة يقول: “إنّ التوترات التي زرعها النظام داخلنا منذ استلامه الحكم شكلت لدينا حالة عداء تجاه بعضنا البعض. أنا أحد الأشخاص المؤمنين بالثورة ولكنّي ألاقي امتعاضاً شديداً وتهديدات من عشيرتي والعشائر العربية الأخرى ومن مسؤولين في حزب البعث. لقد حاول النظام منذ اليوم الأول من الثورة كسب كافة العشائر العربية لجانبه وترويج المقولة بأن خروج أكراد المنطقة في تظاهرات هدفه المطالبة بالإنفصال عن سورية واقتطاع جزءٍ من أراضيها.”
من الجانب الكردي يقول أ.م. من القامشلي: “لقد بادرنا منذ الجمعة الثانية للثورة في شهر آذار/مارس بالخروج والتظاهر تضامناً مع درعا والمدن الأخرى. لقد عشنا كأكراد أعتى أنواع الظلم والحرمان من النظام البعثي وكانت لنا تجربة في انتفاضة آذار/مارس 2004 قوبلت بشراسة ووحشية. ولكن الحمد لله اليوم نحاول أن نبيّن للأخوة العرب والمسيحيّين أنّ هذه الثورة تمثل كل السوريين وليس شريحةً واحدةً فقط. والدليل أنه منذ اليوم الأول شاركنا بعض الأفراد من العشائر العربية والمنظمة الآثورية المعارضة.”
ر.ج. وهو مسيحي سرياني يقول: “نحن كمسيحيّين نخشى على مستقبلنا بعد سقوط هذا النظام حيث لا نعلم من سيستلم الحكم. هل سيتقبّلنا الإسلاميّون المتشدّدون والشارع السني ونحن أقلية في سوريا؟ أرى أن الحل الوحيد هو الجلوس إلى طاولة الحوار لأنه الطريق الأمثل للوصول إلى استقرار في سوريا.
http://damascusbureau.org/arabic/?p=2102

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى