هدنتان سورية ولبنانية
سليمان تقي الدين
تشهد سوريا نوعاً من الهدنة رغم استمرار بعض أعمال العنف، ويتولى الموفد الدولي العربي كوفي عنان الإشراف على تطبيق هذه الهدنة مع المراقبين الدوليين، أما روسيا فتتولى نيابة عن المجتمع الدولي الحوار الفعلي مع كل الأطراف . هذا الدور الروسي يفترض أنها قادرة على إقناع سوريا وإيران بطبيعة التسوية التي يمكن الوصول إليها، ولعل هذه التسوية بدأت ملامحها الإقليمية تظهر في التفاوض الإيراني مع الدول 5 + 1 على الملف النووي، وضمناَ لروسيا والصين الدور الأكبر في تحديد سقف الموقف الإيراني .
روسيا تعهدت الملف النووي والمساعدة التقنية، والصين ترتبط بعقود نفطية مهمة جداً مع إيران . طالبت إيران بوقف العقوبات الاقتصادية في حال إخضاع الملف النووي للرقابة الدولية . وعكس ما هو شائع عن الصمود الإيراني في وجه الضغوط، فإن العقوبات تتفاعل على المستوى الداخلي وتؤثر في السياسات الداخلية والخارجية . يلائم الغرب أن تذهب إيران في سباق التسلّح فهي مهما تقدمت على هذا الصعيد تتسع الفجوة لديها بين القوة العسكرية والأوضاع الاقتصادية السليمة، وتكرر تجربة الاتحاد السوفييتي السابقة . فضلاً عن أن سباق التسلح هذا لا يمكن أن يصل إلى توازن استراتيجي مع الغرب في أي حال من الأحوال .
على أي حال، رغم أهمية الملف النووي في المنظور الاستراتيجي لأمن المنطقة، وتوجس الغرب من الحصانة الإيرانية، فإن الأساس في المشكلات التي يواجهها الغرب هو دور إيران السياسي والأمني الإقليمي . استطاعت إيران أن تصدّر ثقافتها السياسية “الدينية المحاربة” إلى العديد من الحركات السياسية الموالية مذهبياً، وهي بذلك صارت شريكة بشكل أو بآخر في مكونات النظام العربي والآسيوي عموماً عبر هذه الثقافة . لا يتخذ الغرب موقفاً من هذه “الثقافة الدينية”، ولا تهمه أحكامها، بل هو ينظر إليها من زاوية الاستقرار السياسي والأمني .
ولعله صار معروفاً بعد ثلاثة عقود من هذا التوجه الإيراني، حدود اللعبة الإيرانية، حصلت إيران على نفوذ شبه كاسح في العراق وفي بعض المواقع داخل الوضع العربي . لا نقلل من أهمية ذلك، غير أن ردة الفعل في العالم العربي جاءت قوية إلى حد أنها امتصت جزءاً من هذا النفوذ وبدأت مواجهته رسمياً وشعبياً . ومن المتوقع أن تكون تسوية الأزمة في سوريا أو نتيجتها على الأقل، شراكة بين كل القوى الدولية الفاعلة وعلى رأسها روسيا، وهذا في حقيقته على حساب الدور الإيراني . ما كان يحكى عن منظومة أمنية إقليمية تمتد من لبنان إلى إيران عبر سوريا والعراق تم تجويفها في الوسط عبر الأزمة السورية على المستوى الإقليمي، ولو أن ذلك يظهر وكأنه كسب روسي في مواجهة الأمريكيين . أما التجويف السوري فسيرتد على لبنان بالضرورة، على الأقل، في عدم فاعلية أو عدم هيمنة على السياسات اللبنانية، ولو كان ذلك ربما يحتاج إلى خضة جديدة في لبنان تعيد القوى إلى أحجامها .
هكذا يمكن تفسير المشهد السياسي اللبناني الانتظاري مع التحفز لدى جميع الأطراف إلى اتخاذ مبادرة فتح ملف التوازن الداخلي القائم على تواطؤ مؤقت . ذلك أن تحريك الملف اللبناني الآن قد يثير عواصف أمنية ويوسّع من الصدام المذهبي ويبعث الفوضى في كل المنطقة، وهذا ما ليس في نيّة جميع الأطراف الإقليميين والدوليين .
ومن الواضح أن الحكومة اللبنانية التي لا ترضي جميع الأطراف، يتمسك بها جميع الأطراف فعلاً . فهذه الحكومة هي التي تدير الأزمة في ظل الاستقرار الأمني وتقوم بتمرير الوقت الضائع وليس من مهماتها التصدي للقضايا الخلافية الأساسية .
ومن المؤكد أن عمر هذه الحكومة مرتبط بتطور الأزمة السورية، وفي خلال هذا الوقت الضائع ليس لدى الأطراف اللبنانيين أي تصور مسبق لنتيجة هذه الأزمة وللتوازن الإقليمي الذي سينتج عنها .
يذهب الفرقاء اللبنانيون إلى الاحتفاظ بمواقعهم ويقاومون أي سعي إلى ترتيب أبسط الأمور المتعلقة بحياة اللبنانيين بما في ذلك ملء شواغر الإدارة ومعالجة المشكلات الاجتماعية .
الخليج