فى سوريا.. إلى أى مدى الوضع مختلف؟
أحمد مصطفى الغر
كعادة كل بلاد العرب لا إصلاح ولا حرية، لا عدالة ولا تنمية، فقط هى أحاديث عن إصلاح وخطط وهمية للتنمية، هى إذن الأوضاع ذاتها والأنظمة نفسها، وقالوا قديما: إن السبل المتشابهة غالبا ما تؤدى إلى نفس النهاية، وهاهى سوريا تعيد نفس السيناريو الذى رأيناه بالأمس القريب فى مصر وتونس وليبيا واليمن، الشعب يخرج من قمقمه مطالباً بإصلاح وتنمية وعدالة، فيخرج النظام ليؤكد على أنه بالفعل يسير فى هذا الاتجاه منذ سنوات، تطالب الجماهير الغاضبة بتطهير أوطانها من الفساد والبيروقراطية، يأمر النظام زبانية سلطاته الأمنية بضرورة سحق الاحتجاجات والتظاهرات السلمية، ولا مانع من إراقة الدماء تحت مسميات الحفاظ على وحدة الوطن وتماسكه والقضاء على براثن الأجندات الخارجية والمؤامرات الأجنبية، تثور الجماهير الغاضبة بالأساس أكثر فأكثر ويزداد سقف مطالبها حتى تصل سقوط رأس النظام نفسه وضرورة رحيله عن منصبه، فيخرج رأس النظام مضطراً تحت ضغط الشارع ليقيل حكومته التى لا يتعدى دورها سوى أعمال السكرتارية لنظامه الفاسد.
الشعب يريد إسقاط النظام، والنظام يلقى بكل أوراقه المتاحة أمامه، ففى ليبيا جلب المرتزقة من الخارج، وفى اليمن أحدث انشقاقاً بدق “إسفين” بين مؤيديه ومعارضيه وأطلق يد البلاطجة يعيثون فساداً فى أرض اليمن، الذى كان سعيداً قبل أن يجعله يحزن، وفى مصر كان لبلطجية النظام دور كبير فى ما عُرف بمعركة الجمل إلى جانب الانسحاب المفاجئ لقوات الأمن من كل ربوع مصر، وفى تونس أعطى أوامر للجيش بسحق كل من يطالب بسقوطه، أما سوريا فقد أخذ بشارها العبرة من دروس جيرانه وأخذ من كل نظام درس ليستأسد على بنى وطنه وكأنهم أعداء وليسوا مواطنين، ثمة حملة قمع عنيفة لاحتجاجات ومظاهرات سلمية مطالبة بالديمقراطية والحرية والعدالة. الأسد يرسل الدبابات لقمع الاحتجاجات فى مدينة درعا التى اندلعت فيها شرارة الثورة السورية، بينما لم نر على مر عقود مضت أى دبابة أو حتى ذبابة يتم إرسالها صوب الجولان المحتل، يحاصر درعا وكأنها أصبحت تحت وطأة الاستعمار الأجنبى، ثم ما تلبث وزارة الداخلية أن تطالب المواطنين بعدم الخروج للتظاهر بدون ترخيص، ترخيص؟ّ!..
عن أى ترخيص كانوا يتحدثون؟ إنها الثورة، فهل رأيت من قبل ثورة تطلب إذناً أو ترخيصاً كى تقوم؟، ثمة درس آخر قد أخذه الأسد من قصص سقوط الأنظمة الشقيقة له وهو الادعاء الكاذب بأن تلك المظاهرات هى مؤامرة صهيونية أمريكية هدفها النيل من سوريا، يبدو أن كل رؤساء العرب قد تولدت لديهم قناعة بأن الشعوب العربية قد فقدت الروح الثورية التى اتسموا بها فى عهد التحرر من قيود الاستعمار الغربى وأن تلك الروح الثورية لن تعود لهم مرة أخرى أبداً، كما أن القبضة الأمنية التى استطاعت أن تقمع أى صوت معارض على مر السنوات المنصرمة من شأنه أن يجعل الساحة فارغة دائماً إلا من شخص واحد فقط وهو الرئيس الأب والبطل! هى مفاجأة إذن، بالنسبة للنظام، أن يرى صور الابن والأب فى شوارع المدن السورية يتم تمزيقها، بل والتمثال الشامخ يسقط، بعدها يجن جنون النظام فيبدأ بتوسيع دائرة إلقاء التهم فتطول السلفيين والإخوان وغيرهم، فلعله يجد فى فزاعة التيارات الدينية مبرراً أمام العالم لما يقوم به بحق الشعب السورى، هذا بخلاف أنه منع أى مراسلين أجانب من التواجد لتغطية الأحداث مما ولد تعتيما غير مسبوق على ما يحدث على أرض الواقع، اللهم إلا بعض مقاطع الفيديو التى يتم تسريبها على مواقع الانترنت من الحين للآخر، وعلى الجانب الآخر نجد شجبا وإدانة لكل ما تقوم به السلطات فى سوريا بحق الشعب، وعقوبات منتظرة بحق العديد من الشخصيات القيادية وتجميدا لأموالهم بالخارج.
فى الواقع إن نظام الأسد على ما يبدو أنه يترنح وقد يقترب فى المستقبل القريب من مرحلة الاحتضار قبل أن يزول كغيره من الأنظمة العربية التى سقطت أو كتلك التى ستسقط عما قريب، حينها لن ينفع الأسـد حالة الطوارئ التى لم يُقتل فى حيز تنفيذها أى إرهابى أو خارج عن القانون، بقدر ما قُتل مدنيون ومحتجون فى مظاهرات سلمية تنادى بالإصلاح والعدالة والديمقراطية.