ثقافة العنف: عمار جلو
كان لدينا معلم بالصف الخامس الأبتدائي مولع باللغة العربية وبالأعراب تحديداً وملماً بهما , غير أن اسلوبه جعل النتيجة أن أرفع المنصوب وأجر المرفوع .
يطلق جملة ويطلب أعراب أحدى كلماتها , وبسرعة يمر على مقاعدنا يطلب أعرابها , ويقٌسم الطلاب بناءاً على أجاباتهم إلى مجموعات , واحدة منهم هي التي يحالفها الحظ بالنجاة من عقوبة الضرب , حتى صار جميع الطلاب لا يعرف أجابته صحيحة أو غير صحيحة الإ حين رجوعه سالماً لمقعده .
هذا حال كثيراً من ممارساتنا التربوية , تربية الأطفال , تعليم الزوجة بحياتها الزوجية , حواراتنا الثقافية والأجتماعية , علاقاتنا الوظيفية والمهنية , علاقة السلطة مع الشعب …………..
قد ينجو الطفل من حادثة دهس بالشارع واول ما نقوم به هو ضرب هذا الطفل بدل تعليمه السلوك السليم لعبور الشارع , ودون أن نشعر بتأنيب ضمير لتقصيرنا المفروض تجاهه من مسك يده او بقاء ناظرنا عليه , وكذلك الحال بأقترابه من مأخذ الكهرباء أو مصادر الحرارة , حتى أسلوب التعليم الممارس معه بالمنزل أغلبها يجب ذكر الغول والقاتل وجب الفأر وغيرها من العقد النفسية التي ربما تدوم معه , وما تولده لديه من عنف وقسوة , أذا ضربه أحد الأطفال بالخارج فالرد الأساسي لذلك يجب عليك ضربه , وليس هناك بإي قاموس لدينا أبعاده عن هؤلاء الأطفال الشرسين أو التواصل مع هؤلاء الأطفال بحديث يجعلهم يمارسون اللعب دون إي مشاجرات .
قد تخطأ الزوجة بمعيار الملح للطعام أو بمعيار الطهو, هذا مبرر لمشكلة من شتائم وربما الضرب والمشكلة إذا سميناها مشكلة هي تحل بكلمتين , وهنا أورد حادثة عن رجل صادف أن زوجته بعد خمس سنوات من زواجهم وجبتها سيئة الطهو , فغافلها وهي بالمطبخ ليقوم بأحتضانها والأطراء الزائد معها بالغزل كأنها عروس بشهرها الأول وحين سؤاله عن سبب مشاعره فأجاب : كانت وجبتك اليوم وكأنك عروس بأيامها الأولى فأحببت أن أعاملك كذلك .
نقاشاتنا لا تخلو من المشادات والعنف وربما بالضرب بالمتوفر حولنا , مهما كان النقاش وموضوعه غير ذا قيمة , أما أن تكون نسخة طبق الأصل عني وعن تفكيري أو ليس بيننا الإ الشجار والخصام , وهنا يقول المثل ( حتى الساعة العاطلة تصدق باليوم مرتين ) فمهما كان الرأي خطأ فهو ليس خطأ بالمطلق ومهما كان صواباً ففيه بعض الثغرات , وأجمل مافي الحدائق وقوس قزح هو تنوع الألوان فيهما.
من هذه الثقافة تولد هذا العنف الذي نعيشه يومياً , ثقافة نخشى أن توصلنا يوما للقتل بدافع القتل , عبارة الدعس التي نقرئها كل يوم وبمختلف الأتجاهات المؤيدة والمعارضة , هذه العبارة التي لا يوجد لها مستند ديني أو قانوني صارت أغنية للكثيرين , صارت الفرحة تزيد بالعدد الزائد للقتلى , علماً أن الأنتصار لا يكون الإ بأقل الخسائر حتى بالخصم , فكيف إذا كان الطرفين أبناء بلد واحد , هذا الكلام ليس دعوة للصفح المطلق عن الخصم , ولكن هناك العديد من القوانيين التي تلجم هؤلاء أو تعزلهم لآحقا ضمن مجتمعهم دون قتلهم .
هذه الثقافة التي مارستها السلطة ضد الشعب المطالب بالحرية , مارستها بكل قوة وبشاعة لتركيعه ثانيةً , يجب أن لا تحكمنا بالثورة ويجب محاربتها حتى ننتج الدولة التي ننشدها لأبنائنا والأجيال القادمة لنقول أن الثورة نجحت والإ سينطبق علينا قول الشاعر:
لا تنهى عن فعل وتأتي بمثله عار عليك إذا فعلت ذميم
فالعديد من الشهداء سقطوا ليكونوا جسر الحرية للسوريين الإ أن غياث مطر ويوسف الجادر ومصطفى شدود ستبقى أسمائهم لامعة بين هؤلاء الشهداء , كونهم خرجوا من ثقافة العنف إلى ثقافة اللاعنف , إلى توسيع مدارك الثقافة والوعي وأمتلاك الحجة للرد على ثقافة الغول .