صفحات الرأي

فارس الخوري: هذه سوريا/ علي فواز

تحية وبعد، في بلدنا العزيز، في هذه الظروف العصيبة، ولا أصعب… لا أظلمك عندما أريدك مع نفسك، ما أردته لنفسي… أنا سياسي سوري. ولدت سنة 1873 ـ والدي يعقوب بن جبور الخوري، مسيحي بروتستانتي. كان نجاراً في قريتنا «الكفير» التابعة لحاصبيا في لبنان. والدته حميدة بنت عقيل الفاخوري، ابنة رجل قضى في مذبحة 1860 ـ تلقيت علومي الابتدائية في مدرسة القرية. ثم في المدرسة الاميركية في صيدا. وبعدها في بيروت. لم أترك الدرس والتحصيل، حيث درست اللغتين الفرنسية والتركية لوحدي. امتهنت المحاماة في دمشق. انتسبت لجمعية «الاتحاد والترقي» سنة 1908، حيث كان أول عهدي في السياسة. جرى انتخابي نائباً في دمشق سنة 1914 في مجلس «المبعوثان» العثماني. أمر جمال باشا بسجني، بتهمة التآمر على الدولة. وكانت البراءة المشروطة بالنفي إلى «اسطنبول» بعد ذلك، وفي العام 1919 كنت وزيراً للمالية في دمشق. أثناء الاحتلال الفرنسي كنت فيها نقيباً للمحامين.

وفي سنة 1925، وبعد تأسيس «حزب الشعب» بالتعاون مع زعماء مواطنين، جرى اعتقالي والنفي إلى «أرواد»، وفي سنة 1936، كان انتخابي رئيساً للمجلس النيابي السوري. وحصل الشيء ذاته سنة 1943 ـ سنة 1944 توليت رئاسة مجلس الوزراء، حيث في صدارة الأولى من أمهات صحف الشام، كانت العبارات التالية:

«إن مجيء مسيحي إلى رئاسة الوزراء، يشكل سابقة محمودة في تاريخ سوريا الحديث، مما يدل على ما بلغته سوريا من النضوج القومي». ـ كان ذلك «سنة 1944 ـ».

استمرت توليتي لرئاسة السلطة التنفيذية في سوريا، وفي ظل تولي الرئيس شكري القوتلي رئاسة الجمهورية، ثلاث مرات.

لم يحصل مثل هذا في نطاق أي مجاملة مفترضة، بل في نطاق واقع راهن قائم، حيث كنت متجرداً في احكامي، عميقاً في تفكيري، صائبا في نظري. وذلك لأن الاسلام الذي درسته، وتعمقت فيه، محقق للعدالة الاجتماعية بين بني البشر. ويكون من الممكن تطبيق الاسلام كنظام، دون الحاجة للاعلان عنه انه «اسلام» هذا هو إيحائي. أنا مؤمن بالاسلام وبصلاحه لتنظيم احوال المجتمع العربي وقوته في الوقوف بوجه المبادئ والنظريات الاجنبية، مهما بلغ حجم الاعتداد الذاتي للقائمين عليها.

يرتبط بمثل هذا «الأصل» في المواقف مع الاجنبي، ارتباطاً وثيقاً ومباشراً «فرع» مردوده يهيمن على الاصل ويحدد اتجاهه القويم.

في مواقفي، في هذا المضمار، أمثولة نموذجية لا يغيرها زمان ولا مكان ولا ماهية موضوع.

دخلت احدى المرات (ويمثل هذا بيت القصيد) مركز الأمم المتحدة. كان يوم موعد الاجتماع الذي طلبته سوريا من أجل رفع الانتداب الفرنسي عنها. اتجهت مباشرة وتلقائياً إلى مقعد المندوب الفرنسي لدى الأمم المتحدة. جلست فيه وكأنه مكاني، كان ذلك، بطبيعة الحال، موضوع استغراب نافر نطقت به أعين الحاضرين. ومن ثم دخل المندوب الفرنسي ووجدني محتلاً للمقعد المخصص له. لم أعطه أي التفاتة. اعتراه استغراب هادئ في مرحلة أولى. ومن ثم، وبمواجهة عدم اكتراثي المطلق، رفع يديه بعنف، وعيناه تجاه الحضور المرتبكين من هذا الوضع الاكسترا ـ غريب… وصرخ … مشيراً بكلتا يديه إلى مكان وجود مقعد سوريا مستدلاً عليه بعلم سوريا؟؟؟ لم أحرك ساكناً… تابع صراخه بوجهي واضعاً يديه بعنف على كتفي… تراكض الأقربون منا… من دون ان ينجم عني أي تحرك غير النظر إلى ساعتي في يدي… وكأني أنتظر ثواني معدودة لأمر ما… صرخت بوجهه بما يشبه الصاعقة، ونظري موزع بين الحاضرين:

«سعادة السفير، جلست انا السوري على مقعدك لمدة خمس وعشرين دقيقة، وكدت تقتلني غضباً وحنقاً، مع ان سوريا استحملت جنودكم مع ما يغمرهم من «خفة الظل» خمسا وعشرين سنة. وآن لها أن تستقل. وكان انه في هذه الجلسة بالذات نالت سوريا استقلالها…

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى