صفحات المستقبل

مثقفو سوريا .. “صار في وادي بيني و بينون ، وينون ؟”

 


“. . .  ركبوا عربيات الوقت و هربوا بالنسيان و تركوا ضحكات ولادن منسية عالحيطان .. تركولي المفاتيح ، تركوا صوت الريح ، و راحوا و ما تركوا عنوان. وينون ؟ وين صواتون وين وجوهون وينون ؟ صار في وادي بيني و بينون ، وينون ؟ “

هذا هو لسان حال الشارع السوري يسأل عن مثقفيه ، فباستثناء قلّة ٍ قليلة ٍ ، لا صوت َ للمثقفين السوريين يُـسمع و كأنّهم يتبعون  جبران خليل جبران عندما قال “ لكم لبنانكم و لي لبناني “ ؛ يسكنون سوريا غير سوريانا التي نسكنها و يسكنها الحزن و الموت و التهديد و العنف و الظلم في هذه الأيّام ، سوريانا التي تحصي عدد ابنائها في كلّ مساء قبل َ أن ينام َ الضمير و يستيقظ الرصاص ، سوريانا التي لن تستمر بالوقوف على قدم ٍ واحدة ٍ و تعتمد على فئة ٍ واحدة ٍ من الشعب لفترة طويلة قبل أن تقع أو “يقع الفاس بالراس “ . فعندما تركض الطبقه المثقفة لتعتلي الرأس و معها الطبقة الارستقراطيّة إلى الأكتاف لتتبعها حتى الطبقة المتوسطه و تحتلّ باقي الجسد و لا يبقى على “الأرض” سوى الطبقه الفقيرة التي هي في الغالب تقضي معظم وقتها في الأحوال العادية بحثا ً عن ما تسدّ فيه رمق اسرها و جوعها لا يمكن ُ أن نلقي بكامل اللوم على هذه الفئة عندما تخطئ لقلّة خبرتها أو قلّة اطلاعها و ثقافتها.

عندما يـُترك ُ مقود السيارة بين يديّ طفل ٍ ، لا يلام الطفل على الحوادث أو سوء قيادته ، بل يلام ُ السائق النائم ُ في المقعد الخلفي ،  و هذا تماما ً ما يحصل اليوم في سوريا . معظم المثقفين من شباب ٍ و كتّاب ٍ و شعراء و رسامين و غيرهم ينامون في المقعد الخلفي تاركين زمام الأمور للطبقه الكادحة التي من الواضح تماما ً أنها غير منظمة و تدير ُ عجلة الأمور بطريقة ٍ غير احترافيّة و عشوائيّة في بعض الأحيان و لكن الحل ليس َ بأن يستمرّ ركّاب المقاعد الخلفيّة  بالجلوس منتظرين إلى أين َ سينتهي الحال بمركبتهم .

فحتّى البيانات التي خرجت بإسم المثقفين السوريين كانت موجهة بالدرجة الأولى للإعلام أو فئة أخرى من المثقفين بدورهم ، لم يتناول أيّ بيان ٍ بلهجته ِ خطاب َ الشارع السوري الذي هو بأمسّ الحاجة لمن يخاطبه ُ اليوم. المثقف ، كلّ مثقف ، كما هو كلّ سوريّ ، معنيّ بما يحصل في سوريا اليوم ، سواء كان مع التظاهر أو ضده ، مع النظام أو ضدّه ُ و التعامل مع الأمر و كأنه ُ لا يعنيه أو أنّ ما يحصل لا يمثله لسبب ٍ أو لآخر أو أنه ُ يرى أخطاء الجهتين لذا لا يستيطع ُ أن يشدّ على يد جهة أو يندد بأخرى  فهذا كلّه ُ لا يبرر غيابهم عن صورة الأحداث في هذه المرحلة. اليوم بوجود الوسائل الكافية كي يمثّل َ كلّ شخص ٍ نفسه ُ لا يــُمثل ُ شيء أو أحد شخصا ً فالغائبين ، غائبون بارادتهم و لا مبررات لغيابهم.

ليس َ هناك مجتمع يستطيع ُ أن يعتمد بأيّ شيء ٍ فيه على فئة ٍ واحدة ٍ من شعبه فقط و غياب الفئة المثقفة عن ما يجري اليوم في سوريا هو الجزء الأكبر من هذه المشكلة.

 

http://www.freesham.com/

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى