صفحات العالم

مؤامرة علي عبدالله صالح… في سورية أيضاً!؟/ محمد مشموشي

 

 

في تسريبات «الممانعة» حالياً كلام على «جنيف 3»، والبعض يقول: «موسكو 1»، من أجل ترجمة ما يقول النظام في دمشق انه «انجازات» ميدانية وسياسية واستراتيجية تمكن من تحقيقها خلال الفترة الماضية. في اعتقاد نظام بشار الأسد أنه انجز لمصلحته خلال هذه الفترة ما يلي:

1- أبعاد التهديد الأمني عن دمشق وريفها، أساساً نتيجة انشغال تنظيم «داعش» و»جبهة النصرة» و»الجيش السوري الحر» بالتقاتل في ما بينها بعيداً من المنطقتين.

2- التقاء حرب التحالف الدولي-العربي ضد هذه المنظمات مع مقولة النظام منذ البداية حول ضرورة محاربة الارهاب في سورية قبل البحث بأية اصلاحات سياسية في نظامها.

3- اتفاق القوى الكبرى، من روسيا الى الولايات المتحدة الى دول الاتحاد الأوروبي، على أن لا حل عسكرياً للأزمة في سورية، وأنه لا بد من تسوية سياسية مهما طاولت الحرب فيها.

وفي سيناريو النظام، مدموغاً الآن بالطابع الروسي، ولكن مفتوحاً هذه المرة على الحكم الجديد في مصر كما يقال، أن الظروف المحلية السورية كما الاقليمية والدولية باتت مهيأة للتسوية التي تخدم النظام، بعد أن أكدت التطورات الأخيرة أن التهديد الفعلي لسورية وللمنطقة كلها يأتي من الارهاب وتنظيماته وليس من أي مصدر آخر… والقصد هنا نظام الأسد نفسه!

ليس ذلك فقط، بل انه يتحدث عن خطوات عملية في هذا السياق، ويدرج فيها دعوة الرئيس السابق لـ «الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة» أحمد معاذ الخطيب لزيارة موسكو ولقاءه فيها وزير الخارجية سيرغي لافروف. كما يأتي اقتراح الموفد الأممي ستيفان دي ميستورا تجميد الأعمال القتالية في حلب (وربما في حمص وغيرها لاحقاً)، لكن أساساً وقبل ذلك كله اعلان رئيس النظام استعداده الآن لمناقشة كل ما يؤدي الى وقف العنف والبدء بالحل السلمي.

لا يهم الأسد هنا رأي المعارضة السياسية، التي لا يعترف بها أصلاً، ولا موقف الفصائل المقاتلة بغض النظر عن تنظيم «داعش» و»جبهة النصرة»، ولا حتى رأي الشعب السوري الذي عانى القتل والتهجير والاعتقال والتدمير طيلة الأعوام الأربعة الماضية، في «موسكو 1» هذه ولا في التعقيدات السورية والاقليمية والدولية التي يمكن أن تقود اليها.

لكن ماذا في المبادرة الروسية هذه، على فرض وجودها أصلاً، فضلاً عن فرض صحة ما يسرب عنها؟.

بين ما تردده أوساط «الممانعة» عدد من النقاط كما يأتي:

أولاً، استبعاد أي حديث عن تغيير النظام، أو عن مستقبل رأس هذا النظام تحديداً، خلال المرحلة الانتقالية التي نص عليها «جنيف 2» وسترد حتماً في «موسكو 1». فهذا غير وارد، ليس لدى النظام وحده، انما حتى لدى موسكو نفسها فضلاً عن نظام «الولي الفقيه» في ايران.

وكان هذا في أساس فشل «جنيف 1» و «جنيف 2» كما يعرف الجميع، بل كما يعترف النظام نفسه.

ثانياً، يمكن فقط البحث بدور للأسد (أو ربما «لا دور»، كما أعلن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط من موسكو التي زارها بدوره) لكن بعد انتهاء المرحلة الانتقالية، التي سيكون النظام جزءاً أساسياً منها، وبالتالي عاملاً مقرراً في تشكيل حكومة هذه المرحلة وفي الانتخابات النيابية وفي صياغة الدستور الجديد للبلاد. أما صلاحيات هذه الحكومة فيمكن أن تكون «كاملة» بحسب البنود التي عقد على أساسها «جنيف 1» و «جنيف 2»، الا أن الأمن والجيش يبقيان في عهدة الأسد من دون غيره. ولا يختلف الأمر هنا عما كان عليه في المؤتمرين السابقين.

ثالثاً، لا قوى معارضة تشترك في المحادثات، ولا حتى في المرحلة الانتقالية، الا ما تقبل به أو تحدده دمشق وموسكو. كما لا اشارة، ولو تلميحاً، الى العلاقة الزمنية بين مدة هذه المرحلة ومدة ولاية الأسد التي باتت، بعد الانتخابات الرئاسية التي أجراها قبل شهور، تمتد لسبع سنوات أخرى.

وهكذا، فما يسمى «معارضة الداخل» هو وجده الهدف الذي تريد أن تبني عليه «موسكو 1» هذه، اذا ما قدر لها أن تصبح حقيقة… وهي لا تأخذ في حسابها حتى رئيس الائتلاف السابق الذي دعته لزيارتها، والذي كان ولا يزال يتحدث عن حل سياسي لكن طبعاً من دون الأسد وأفراد زبانيته المخضبة أيديهم بدماء الشعب السوري.

الا أن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا الآن بالذات تتحرك موسكو من ناحية، وتتحدث دمشق من ناحية ثانية، بدعوى البحث عما تعتبرانه «تسوية سياسية» للحرب السورية؟

واقع الحال أن العاصمتين تحاولان أولاً تجيير الحرب الدولية على التنظيمات الارهابية لصالحهما عسكرياً وسياسياً في آن واحد، تماماً كما تحاول موسكو طرح «مقايضة» من نوعٍ ما بين ورطتها مع الغرب في أوكرانيا ومد يد العون له في سورية، فضلاً عن تمييز نفسيهما عما قد يتوصل (أو لا يتوصل؟!) اليه هذا الغرب مع ايران حول ملف الأخيرة النووي.

ولم يعد سراً أن ما أشار اليه الرئيس الأميركي باراك أوباما في رسالته الى المرشد الايراني علي خامنئي، كما ما تحدث عنه أكثر من مسؤول ايراني، حول امكان الربط بين التقدم على المسارين (الاقليمي والنووي) قد يعني الكثير بالنسبة للعاصمتين السورية والروسية.

مع ذلك، فاللعبة مكشوفة لأنها لم تقدم شيئاً بالنسبة للشعب السوري من جهة أولى، ولأنها تقوم من جهة ثانية على توهم أن المعارضة لم تعد موجودة في ظل سيطرة تنظيم «داعش» و»جبهة النصرة» على المشهد الميداني والسياسي السوري، ويمكن بالتالي تعويضها بفتات المائدة.

ولعل أدق وصف لهذه الحال، لا سيما بعد التجارب العديدة مع الأسد في الفترة الأخيرة، ما قاله أحد النشطاء السوريين تعليقاً: ليست هذه سوى محاولة لتكرار مناورة الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح في سورية: تراجع تكتيكي، بانتظار فرصة أخرى للقفز مجدداً الى السلطة!

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى