صفحات الناس

كأنه المستقبل السوري يحترق/ لوسي بارسخيان

 

 

أمير وأميرة الفحل طفلان سوريان آخران إحترقا، ليس بنيران الحرب الدائرة في سوريا، بل بشمعة التهمت الخيمة التي تسكنها أمينة مع أطفالها الأربعة في منطقة جديتا العقارية في البقاع الأوسط، فأطفأت شمعة أمير عن عمر 3 سنوات ونصف، وأميرة عن عمر 11 شهراً، فيما نجا شقيقهما الأكبر محمد (4 سنوات ونصف) مع حروق طفيفة أصيبت بها يديه الصغيرتين وأذنيه، بعدما انتشلته خالته من وسط النيران التي كانت أسرع منها في خطف شقيقيه الصغيرين.

“ما قدرت حتى ابعتهم على المدرسة”، تصرخ أمينة المفجوعة، بينما تتزاحم يديها مع يدي أكبر أطفالها طيبة (6 سنوات) على شعر صغيرها الناجي محمد لتطيّب خاطره وتخفف من آلامه، فتختنق بدموع وجعها على طفليها المتفحمين، وهي تحث طيبة على لوم والدها على ما أصابها وأولادها.

لم يكن هذا المستقبل الذي رسمته أمينة لأطفالها الأربعة عندما هربت بهم وحيدة من الرقة، بعدما صاروا يشتهون لقمة الخبز اليابسة ليسدوا بها جوعهم. فيروي والدها كفاحها الطويل على حدود الدبوسية لتعبر مع أطفالها الأربعة، قبل أن يتوسط لهم أصدقاء من بلدة القصر على حدود الهرمل البقاعية، فيؤمنون دخول أمينة إلى الأراضي اللبنانية لتنضم مع أطفالها إلى عائلتها التي نزحت من القصير إلى جديتا. ومنذ ذلك التاريخ لا تعرف أمينة شيئاً عن زوجها، سوى أنه أصيب خلال قتاله مع جيش النظام السوري، وفُقد أثره.

قاسية الحياة على أم وحيدة تربي أطفالها في تشردهم، ومع ذلك عضت على جرحها، ظناً منها أن مستقبل أطفالها سيكون أفضل من حاضرهم. لكن ما لم يخطر في بالها يوماً أن الجوع والقذائف والبراميل المتفجرة ليست وحدها ما يلاحق اللاجئين السوريين وأطفالهم في محنتهم. ففي لحظات فقط، التهمت نيران شمعة أنيرت داخل الخيمة كل ما ومن بداخلها. وتروي شقيقة أمينة أن والدة الأطفال خرجت مع طيبة بحثاً عن حبة دواء لطفلها أمير في خيمة شقيقتها، وقد تكون تلهت بأحاديث جانبية لدقائق، ولم يخطر في بالها أن يكون الخطر قريباً إلى هذا الحد من أطفالها.

وفي لحظات أيضاً تمددت النيران فإلتهمت حيطان الخيش ودعائم الخشب، وقضمت جزءاً من خيمة شقيقها وعائلته، الذي تنبه للأمر وهرع مع أخرين إلى الطفايات التي جُهز بها المخيم قبل أقل من سنتين من قبل احدى المؤسسات العاملة في إغاثة اللاجئين السوريين، ليفاجؤوا بأن واحدة فحسب من بين الخمس طفايات الموجودة تعمل.

يحمد سكان المخيم الله الذي أرسل لهم عمال مؤسستين قريبتين، هرعوا إلى المكان مع طفاياتهم، فساهموا في الحد من حجم الكارثة. ولكن ذلك لم ينجهم من “الاساءة” التي يقولون إنهم تعرضوا لها من قبل عناصر الدفاع المدني، حتى في إعداد تقريرهم عن سبب الحريق بنسبه إلى احتكاك كهربائي، فيما المخيم محروم من الانارة منذ نشوئه. وهم يرون أن أحد الشبان القاصرين عومل بـ”فوقية” عندما اعترض على تأخر عناصر الدفاع المدني، فتطور الأمر، على فورة دم، إلى عراك، اتهم الدفاع المدني سكان المخيم بإفتعاله.

فتحت هذه الحادثة وما تلاها من ردات فعل جروح اللاجئين وذكرتهم بحرمانهم مع أطفالهم من أبسط الحقوق. ففي المخيم المفجوع الذي تسكنه عائلات تمت لبعضها بصلة قرابة، لا يوجد راشد أمي، فالكل متعلم ومن لا يملك منهم شهادة جامعية أكمل على الأقل المراحل المدرسية، كما يقول سكانه، ولكن في مقابل هناك 40 طفلاً يقيمون مع ذويهم في المخيم، خمسة منهم فقط يذهبون إلى المدرسة، وذلك نتيجة لسوء الأوضاع المعيشية التي تجعل ذويهم عاجزين عن تسديد بدلات الانتقال إلى المدرسة.

تشكل مشهدية احتراق الطفلين أمير وأميرة التجسيد الأشد ايلاماً لمستقبل أطفال سوريا، الذي يحترق أمام أعين العالم، فيما الأمم مكتوفة الأيدي، إما بسبب عجزها أو بسبب تقصيرها. حتى الطفايات التي إكتشف أهالي مخيم جديتا أنها معطلة، تعكس صورة مؤتمر جنيف 3 الذي خرج خائباً في إطفاء حريق الحرب الدائرة في سوريا، فيما لا يتوقع الشعب السوري الغارق في مأزقه من مؤتمر لندن الذي عقد لتلبية احتياجات اللاجئين السوريين، سوى الامعان بإذلالهم مع المجتمعات المستضيفة وتمنينهما بالفتات.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى