حازم نهارصفحات سورية

كيف وأخواتها

 

د. حازم نهار

ليس هناك ما هو أسهل من كتابة الأهداف والنصائح والتوصيات، وهذه لا قيمة لها في السياسة من دون الحديث في التفاصيل والتحليلات والمراحل والأدوات والأدوار والأطراف والطرائق والعقبات والخطط والاستراتيجيات والتكتيكات.

التعبيرات التي تبدأ بـ “إن وأخواتها” و”سوف وأخواتها” لها حضور كبير لدى المعارضة السورية، ويكفي متابعة أي لقاء إعلامي أو صحفي مع أحد أولئك الذين تعج بهم الفضائيات، أو بيانات جميع القوى المعارضة، لنكتشف حجم الصيغ التقريرية والمطالبات والمناشدات والنصائح والتوصيات. فيما يغيب عن معظم المتنطعين، إن في الداخل أو الخارج، وأياً تكن التوجهات والانتماءات السياسية، تعبيرات “كيف وأخواتها”.

فالقضية الأساسية ليست في تحديد الموقف السياسي العام تجاه أمر ما، فهذا أمر أصبح في متناول جميع أطفال سورية. إنما تكمن في الإجابة على أسئلة “كيف وأخواتها” التي يمكن من خلالها تكوين تصورات كثيرة، وبالتالي مواقف متعددة ومتباينة يصعب حشرها في اتجاهين متعاكسين كلياً لا ثالث لهما.

كان مثيراً للشفقة، ومعبراً عن مدى بؤس الوعي في آن معاً، تلك المهاترات الفارغة التي دخلت فيها جميع أطراف المعارضة حول قضية “التدخل الخارجي” مثلاً، وكذا الأمر حدث فيما يخص السلمية والعسكرة، وهو ما يحدث في مسألة الحل التفاوضي والحسم العسكري اليوم. والملفت أن طبيعة العقل واحدة والثقافة السياسية واحدة وآليات التعاطي مع كل هذه العناوين واحدة، فهم يختلفون بالشكل أو بالشعارات فحسب.

كان المعارض الذي يطرح ضرورة التدخل الخارجي شخصاً نزقاً وانفعالياً يريد منك أن تؤيده بطلب التدخل العسكري، مستنداً في ذلك إلى أن النظام لن يسقط إلا بهذه الطريقة، مع الإفراط في كيل الشتائم للنظام. وهذه هي كل علومه السياسية. وعندما توجه له بعض الأسئلة يصفن ويتبلكم ولا يجيب، ثم يستأنف شتائمه للنظام.

من هذه الأسئلة التي وجهناها مرات عديدة للسيد المعارض:

هل تعتقد أنك إن رفعت الصوت عالياً تطالب بالتدخل فإن الغرب سيسمعك وينفذ ما تريد؟

هل تعتقد أن الفضائيات هي المكان المناسب لتطلب التدخل الخارجي؟

هل تعتقد أن العالم سيتدخل مجاناً؟ ألا يوجد مصالح للعالم عليه ضمانها أولاً؟

هل تعتقد أن “أوباما” الذي جاء ببرنامج انتخابي طرح فيه خروج القوات الأميركية من العراق وأفغانستان مستعدٌ للمجازفة بحرب جديدة؟

هل تعتقد أن البيئة الإثنية والدينية والمذهبية في سورية مشجعة على التدخل العسكري؟

هل لديك تصور عن الأرباح والخسائر في حالتي التدخل وعدم التدخل؟ أي هل لديك تصور محدَّد للتكلفة المادية والبشرية للتدخل العسكري وحسابها بميزان الربح والخسارة استناداً للحالة الراهنة؟

هل لديك تصور عن مستوى الجاهزية الإغاثية والإنسانية للتخفيف من أي آثار كارثية أو ضارة؟

من هي الأطراف المقبولة سورياً للتدخل؟ ما مدة هذا التدخل.. هل هي أيام أم شهور أم سنوات؟

ما ضمانات عدم تفتت سورية وتحولها إلى دويلات في حال حدوث التدخل؟

ما الوسائل التي يمكن أن تستخدم في التدخل… هل هي ضربات جوية أم سيكون هناك دخول لقوات برية؟

ما توقعاتك لما يريده العالم مقابل التدخل؟ وهل أنت مفوض من الشعب السوري لتوافق أو ترفض؟

هل تتوقع أن العالم يمكن أن يتدخل من دون رؤية وعمل متكاملين للمنطقة بأكملها أو من دون التعامل مع جميع الملفات التي يرتبط بها النظام السوري؟

ماذا عن الجولان؟ ماذا ستقول إن طلبوا من المعارضة التعهد باتفاقية سلام مع إسرائيل مقابل التدخل مثلاً؟ وهل ستكون هناك اشتراطات على الجيش السوري مستقبلاً؟

هل تعتقد أن الأوضاع في العراق ولبنان والأردن في حال التدخل العسكري ستبقى على حالها أم أن هذه البلدان ستؤثر على الوضع في سورية، وستتأثر هي بالتالي؟

في حال حدوث التدخل هل ستكون إدارة المرحلة الانتقالية ما بعد سقوط النظام بيد السوريين وحسب؟

عندما نناقش عزيزي المعارض ونتفق على كل ذلك يمكن وقتها أن أحدِّد لك موقفي من موضوع التدخل الخارجي. أما المواقف العامة التي يجري اختزالها بنعم أو لا فإنها لا تقدِّم ولا تؤخر، وتثير البلبلة والفوضى والتشويش أكثر مما تقدِّم من الفائدة أو الإنجاز الواقعي.

بالمقابل، المعارض الذي رفع صوته عالياً ضد التدخل الخارجي، وجهنا له الأسئلة التالية في مناسبات متعددة، استناداً لطريقة “كيف وأخواتها” التي لا تقيم وزناً للشعارات:

هل تعتقد أنك قادر على إقناع العالم بعدم التدخل إن كان الأخير قد عقد العزم على التدخل؟

هل لديك طرق أخرى تفصيلية وواضحة المعالم تحقق أهداف الثورة؟ ماذا تستطيع أن تقدم للسوريين الذين يتعرضون للقتل والاعتقال والتعذيب والتشريد غير الشعارات؟

إذا كانت الدول الحليفة للنظام تمده منذ اليوم الأول للثورة بالمال والسلاح والرجال، فهل أنت قادر على منع هذا التدخل حتى يكف الآخرون عن المطالبة بتدخل مواز؟

كأنك ما تزال تعترف بشرعية هذا النظام، إذ تسكت عن تدخل إيران وروسيا، فيما تقف محتداً أمام شرعية المعارضة والثورة في طلب التدخل؟

إن طرحك لشعار “لا للتدخل الخارجي” يوحي وكأنك مقتنع بأن هذا التدخل ممكن في الحالة السورية؟ ألا تعتقد أن التدخل العسكري مجرد وهم وأنت تحارب هذا الوهم بالشعارات؟

في حال ظهرت بوادر لاستخدام النظام السلاح الكيماوي، ألا تعتقد أن التدخل في هذه الحالة يخفف من الكارثة الإنسانية المحتملة؟

في حال انتقل النظام إلى تعميم “المجازر الطائفية” أو أن أفعاله وممارساته جرت السوريين إلى حرب أهلية طائفية، ألا تعتقد أن التدخل الخارجي ضروري في هذه الحالة؟

في حال وصل النظام إلى درجة من الهشاشة دفعته لاستقدام مقاتلين من لبنان والعراق والأردن، فما هو الحل في مثل هذه الحال وقد انتهك النظام السيادة الوطنية التي يتغنى بها؟

هل هناك معنى للسيادة الوطنية غير سيادة النظام في ظل نظام انتهك كافة الأعراف والمواثيق الوطنية والحقوقية والإنسانية والدولية؟

هل تتوقع أن النظام السوري سيتخلى عن السلطة بالمطالبات والمناشدات والضغوط الدبلوماسية والاقتصادية؟ وماذا لو استمر النظام في الحكم بعد كل ما مارسه، هل تتوقع أن يكون هناك حياة سياسية ديمقراطية في ظله، بل حياة إنسانية؟

في الحقيقة، كانت مسألة “التدخل العسكري” إحدى النقاط التي شغلت بال المعارضة بكل أطيافها، وهي لم تناقش إلا في صيغة شعارات، والأنكى أنها طوال العامين الماضيين لم تكن أمراً محتمل الحدوث ضمن المعطيات المتوافرة حتى يختلف المعارضون إزاءها ويصنفون بعضهم استناداً لها، وهو ما ساهم في تشتيت المعارضة استناداً لأمور وهمية لم تجد من يتعاطى معها بعيداً من الشعارات.

الأمر ذاته يجري في التعاطي مع القضايا الأخرى، مثل السلمية والعسكرة، العلمانية والإسلام، واليوم تبرز قضية الحسم العسكري والحل السياسي/التفاوضي إلى السطح. وللأسف يعتقد السادة المعارضون أنهم مختلفون، فيما هم في الحقيقة متشابهون في الفكر والسياسة وآليات التعاطي، ولا يتمايزون إلا بالشعارات المتعاكسة المرفوعة.

“كيف وأخواتها” مفتاح للتعاطي الجاد مع أي إشكالات تواجه السوريين، ولتحديد المواقف الدقيقة والصائبة إزاءها في كل لحظة من دون غوغائية، ومن دون أصوات الطبول الفارغة.

زمان الوصل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى