صفحات العالم

الأسد يحتضر.. السيناريو الأخير


 محمد أبو رمان

بالضرورة لا تُقرأ التحولات الاستراتيجية في المواقف الدولية والإقليمية من سورية عبثاً، فالأتراك يتحدثون اليوم بلغة غير مسبوقة، فيها تهديد ووعيد واضح لنظام الأسد، الذي نكث وعوده لوزير الخارجية التركي، وأحرجه أمام العالم.

الموقف الأردني، برغم محدودية دورنا في هذا الملف، يشي هو الآخر بأنّ الأمور وصلت إلى مرحلة “اللاعودة”، إذ إنّ تخلّي الدبلوماسية الأردنية عن “حيادها” وصمتها، وإرسال إشارات، ولو خجولة، إلى الجانب السوري، ما كان ليتم لولا أنّ عمان قد نفضت يديها تماماً من إمكانية “العودة إلى وراء” مع النظام السوري، وتأكدت أننا أمام سيناريوهات جديدة تتطلب الخروج من “الحذر” في التعامل مع هذه الأزمة ومخرجاتها غير الواضحة.

قبل يوم واحد من التحول في الموقف الأردني، عبر اتصال رئيس الوزراء بنظيره السوري، كان مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية ينشر توصيات حلقة نقاشية مغلقة شارك فيها وزراء وسياسيون مخضرمون وخبراء أوصوا بتشكيل “فريق عمل” يدرس السيناريوهات المختلفة وفرضياتها ونتائجها المتوقعة على الأردن.

واتفق المشاركون على صعوبة اتخاذ “مواقف حاسمة” ضد أو مع النظام السوري، مراعاة لمصالح أردنية أمنية واستراتيجية حيوية مع سورية، وذهبوا إلى أن القرار العقلاني حالياً يتمثل بـ”الحياد” المعلن، مع فتح قنوات “خلفية” مع السوريين المعارضين لدراسة التوجهات والاتجاهات في الساحة السورية.

ما الذي حدث حتى تتزحزح الدبلوماسية الأردنية قليلاً عن حيادها؟ بالضرورة هنالك “متغيرات” أساسية حصلت، وفي مقدمتها تطور الموقف الإقليمي والدولي. وقد بدا ذلك واضحاً، من تزامن هذا “الموقف الجديد” مع التصعيد التركي من جهة، وضغوط الخليج من جهة ثانية، وقد سبقه تنسيق أردني تركي خليجي في الأسابيع الأخيرة.

ما حرّك الموقف الأردني، أيضاً، أنّ هنالك معطيات صدرت عن النظام السوري نفسه تشي بنواياه لتصدير أزمته السياسية والأمنية إلى الأردن، وتلقي عمان لرسائل غير ودية من النظام خلال الأيام الأخيرة.

حيثيات الموقف الدولي والإقليمي ليست مجّانية، فهنالك وقائع وتطورات في الشام نفسها تؤكّد أنّنا نتحدث، حالياً، بالفعل عن “مرحلة ما بعد الأسد”. فالحسم العسكري البشع عبر القتل والإبادة وآلاف الاعتقالات والقتل المجاني لعابر السبيل حتى، هذا مؤشر نهاية النظام لا قوته وسطوته.

“العائلة” أيقنت تماماً أنّ “المياه لن تعود إلى مجاريها”. وحتى لو قمعت المظاهرات والمسيرات والاعتصامات، فإنّ “اللعبة انتهت”، وانفض المجتمع عن النظام، والقلق الأكبر هو أن تذهب “العائلة” جرّاء صفقة بين العلويين والسنة، تمنح الطرفين ضمانات ورسائل “حسن نية”.

حكم الأسد يحتضر؟ المؤشرات جميعها تؤكّد ذلك. مما دفع بالمجموعة الحاكمة إلى “السيناريو الأخير”، الأكثر خطورة، بعد حمامات الدماء التي سالت، وهو سيناريو “الدولة العلوية” على الساحل السوري، ما يفسّر هذا “الإجرام” غير المسبوق ضد سكان اللاذقية ومخيم الرمل، وإجبار الناس على الهجرة والخروج من منازلهم لإجبار الطائفة على الانحياز له، بعد أن يحقن المناخ العام بروح الانتقام والشك والحقد.

لا تفسير لتخلي النظام عن كل دعاياته السياسية، وتنكيله باللاجئين الفلسطينيين (الذين لم يدخلوا نهائياً على خط الأزمة) وإجباره الناس على الرحيل إلاّ أحد هدفين، الأول الدفع باتجاه “عسكرة الانتفاضة” لتبرير ما يقوم به، وهذا بات هدفاً بعيداً وغير واقعي، والثاني التمهيد للتقسيم الطائفي، على قاعدة “بيدي لا بيد أعدائي

الغد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى