صفحات الثقافة

مهرجان برلين» مروّجاً للتطبيع

 

مصطفى مصطفى

برلين | على صفحة الفايسبوك الخاصة بـ «مهرجان برلين للأدب»، تُطالعك صورة للروائي الاسرائيلي دايفيد غروسمان والجزائري بوعلام صنصال. إنّها جزء من الترويج الذي يقدّمه المهرجان لـ «نداء ستراسبورغ» و«التجمع العالمي للكتاب من أجل السلام». مدير المهرجان الألماني أُولريش شرايبر الذي إلتقته «الأخبار» في برلين، يبدو مسروراً بهذه الصورة وبهذا «النداء» الذي «بدأت فكرته حين زار صنصال القدس وقابل غروسمان هنالك» كما يذكر.

سألناه عن سبب دعم مهرجان برلين ذي السمعة المميزة عربياً وعالمياً لـ «نداء ستراسبورغ»، فأجاب: «لأنّنا نعتقد أنّ التواصل بين كتّاب من العالم العربي وإسرائيل أمر جيد وأساسيّ للسلام». وأعاد على مسامعنا تلك الاسطوانة المشروخة التي تتجاهل واقع الاحتلال المريع على الأرض في فلسطين: «الاسرائيلي ليس الشيطان أو الموت بل هو إنسان، هكذا يجب أن ينظر إليه الكتّاب العرب»، قبل أن يُعرب عن أسفه قائلاً: «أنا حزين لأنه لا اهتمام من كتّاب العالم العربي بهذا النداء. لقد وصلنا حوالي 150 توقيعاً من جميع الكتّاب في العالم». لكن هل سينجح هذا «النداء» في ظل المقاطعة الثقافية لإسرائيل؟ يبدو شرايبر غير واثق لكنه مؤمن بسذاجة أنّه «سيقوم بما يستطيعه، فلا مقارنة بين قوة الأدب وقوة السياسة. إنه نداء غير سياسي، وهدفه التوعية بمخاطر هذا الصراع. غروسمان أدان كل ما يحصل ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة، وصنصال استنكر أي غزو قادم من قِبل العرب الى إسرائيل». هذا «النداء» هو خطوة أُولى، إذ «يعدنا» شرايبر بقراءات ونقاشات وإقامات تجمع كتّاباً عرباً وإسرائيليين، قبل أن يضيف: «يدعم مهرجان برلين النداء عن طريق الترويج والتواصل فقط، أي ليس دعماً مادياً، الى جانب مهرجان إدنبرة ومؤسسة Ekron وغيرهما». ويأمل شرايبر بأن يحقق هذا «النداء» ما حققه الاسرائيلي دانيال بارنبويم «الذي قامت مشاريعه التي تجمع العرب والاسرائيليين على صعيد الموسيقى بتغيير في المجتمع المدني». فيما يطرح بوعلام صنصال مثالاً يحتذى بالنسبة إلى المثقفين العرب: «على كل كاتب عربي أن يسأل نفسه مثل بوعلام، أليس من الواجب علي الذهاب الى القدس، حيث هناك فلسطينيون يعيشون هناك؟» وحين تُذكّره بالاحتلال، يجيب: «عندما تريد التغيير، عليك أن تكسر كل الحدود والحواجز والجدران التي تدعم الصراع». جدران «مهرجان برلين للأدب» لا تختلف كثيراً عن الموجودة في فلسطين المحتلة. جدران من العقلية الفوقية في التعامل مع الصراع العربي الإسرائيلي.

عملية تسويقية لمغازلة لوبي الكِتاب

كلاهما يتبجّح بدفاعه عن قيم التآخي والعيش المشترك. لكن بيانهما لم يحمل أي نقد أو إدانة لسياسات العدوان الإسرائيلية التي تمنع أي أفق فعلي لإقامة سلام عادل في المنطقة

عثمان تزغارت

باريس | في الظاهر، تبدو المبادرة التي أطلقها بوعلام صنصال و«صديقه التقدمي» دايفيد غروسمان، مثيرة وجديرة بالاهتمام. كيف يمكن لمثقف ــ أياً كانت جنسيته وتوجهاته الفكرية ــ أن يعارض إنشاء «تجمع عالمي للكتّاب من أجل السلام»، خصوصاً أنّ المبادرة أُطلقت في إطار «المنتدى العالمي للديموقراطية» الذي أُقيم في مقر «المجلس الأوروبي» في ستراسبورغ في مناسبة الاحتفال بمرور نصف قرن على المصالحة التاريخية بين فرنسا وألمانيا التي مهدت لإقامة سلام دائم في كامل القارة الأوروبية؟

في ديباجة البيان المشترك الذي تلاه صنصال وغروسمان في احتفالية خاصة رعاها عمدة ستراسبورغ، الاشتراكي رولان ريياس، لم يتردد مؤسّسا «التجمع العالمي للمثقفين من أجل السلام» في انتقاد تجربة المصالحة والسلام الأوروبية التي أقيمت بعد جراح الحرب العالمية الثانية. أعابا عليها كونها «لم تهتم سوى بالقارة الأوروبية، فيما بقية العالم ما زالت محرومة من السلام، وتواجه مخاطر شبيهة بالفظائع النازية التي عرفتها القارة العجوز». من هذا المنطلق، كان متوقعاً من المبادرة أن تشجب على قدم المساواة كل أشكال التطرف والتعصب والعدوان التي تعرقل إقامة السلام في بقاع العالم، وخصوصاً في منطقة الشرق الأوسط التي يُفترض أن تحتل مكانة مركزية في هذه المبادرة، بوصفها مبادرة مشتركة بين كاتبين أحدهما عربي والآخر إسرائيلي، وكلاهما يتبجح بحبه للسلام ودفاعه عن قيم التآخي والعيش المشترك. لكن البيان لم يحمل أي نقد أو إدانة لسياسات العدوان الإسرائيلية التي تعيق ــ منذ ستة عقود ــ أي أفق فعلي لإقامة سلام عادل في المنطقة.

الأدهى أنّ البيان لم يكتف بمداهنة الصهيونية، بل تعمّد قلب جدلية الجلاد والضحية، ملقياً بمسؤولية المخاطر التي تهدّد «السلام» في الشرق الأوسط على «الإرهاب الإسلامي» المتنامي من فلسطين إلى إيران! والمفارقة أنّ هذا المنزلق جاء مباشرة بعد ديباجة البيان التي شجبت عدم اهتمام مساعي السلام الأوروبية التي أُطلقت بعد الحرب العالمية الثانية بنشر السلام في بقية دول العالم. تابع البيان: «مشروع السلام الذي أُطلق على إثر الفظائع النازية لم يعن سوى بالغرب. أما بقية العالم، فقد تُركت على حالها. والنتيجة أننا نواجه حالياً مخاطر مشابهة (للفظائع النازية) من خلال الزحف الفاشستي الذي ينبئ به بروز أحزاب إسلامية محكمة التنظيم». ولعل الجملة الأخيرة وحدها تكفي لفضح الخلفيات الصهيونية للبيان، فالأحزاب الفاشستية الإسلامية ـ كما يصفها البيان ـ ليست خطراً على «السلام» بسبب تطرفها أو أصوليتها المتشدّدة، بل كونها «مُحكمة التنظيم»! ما يوضح أنّ السلام المقصود في البيان إنما هو سلام اسرائيل. إذ لم يعد خافياً أنّ دولة الاحتلال تزداد مخاوفها كلما انكشفت لها قرائن جديدة عن الدقة التنظيمية المتناهية التي تدير بها المقاومة الإسلامية مواجهتها ضد الكيان الغاصب.

ويمضي بيان «التجمع العالمي للكتّاب من أجل السلام» من مفارقة إلى أخرى. لعل أغرب ما في هذا البيان أنّه لا يرقى حتى إلى «المواقف التقدمية» التي يشتهر بها دايفيد غروسمان. هذا الأخير يدافع عن «حلّ الدولتين على أساس حدود الرابع من حزيران 1967»، ويعارض سياسات الحكومة الليكودية الحالية، ويشارك في حملة فاعلة لحشد الرأي العام الإسرائيلي ضد مخططات نتنياهو الهادفة لضرب المواقع والمنشآت النووية الإيرانية. أما نصّه المشترك مع صنصال، فقد جاء خالياً من أي نقد للاحتلال أو لحكومة إسرائيل، بل بالعكس تبنى موقفاً مناقضاً تماماً في ما يتعلق بالنووي الإيراني. جاء في البيان أنّ «المعركة من أجل السلام تقتضي منع إيران من تحقيق أطماع الهيمنة التي تصبو إليها، سواء على الصعيد السياسي أو العسكري أو الديني»، ما يشكّل تأييداً واضحاً للأطروحات الليكودية المنادية بضرب إيران.

بالطبع، لم يخل البيان من العبارة الفضفاضة الشهيرة «نطالب بإقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب دولة إسرائيل»، من دون أن يوضح البيان كيف يمكن أن تقوم دولة فلسطينية ذات سيادة، إذا كان مباحاً للدولة العبرية ألا تحترم سيادة أي دولة من دول المنطقة من شأنها أن تنافس هيمنتها السياسية وجبروتها العسكري.

ورغم المآخذ المذكورة، إلا أنّ هذه المبادرة الملتبسة التي أقدم عليها عليها صنصال بعد خمسة أشهر من زيارته المثيرة للجدل إلى القدس المحتلة (راجع المقال أدناه)، لا يجب النظر إليها فقط من منطلق استهجان غالبية الأوساط الثقافية والأكاديمية في العالم العربي إقدام مثقف عربي على خطوة تطبيعية من قبيل إطلاق مبادرة سياسية مشتركة مع مثقف إسرائيلي. الأدهى أنّ الروائي الجزائري لم يكتف في بيانه مع غروسمان بتقديم تنازلات مجانية لدولة الاحتلال وللصهيونية العالمية، بل جرّ صديقه الإسرائيلي إلى تنازلات تتنافى مع المواقف المعروفة عنه في «بلاده». ولعل السرّ في ذلك أن المبادرة حملت في طياتها تنافساً غير معلن بين صنصال وغروسمان، دفع كل واحد إلى السعي لتقديم أكبر قدر من التنازلات الفكرية من أجل إرضاء الاستبلشمنت الصهيوني المهيمن على صناعة الكتاب في فرنسا. الرابط الأقوى الذي يجمع بين صنصال وغروسمان، قبل «الصداقة» التي نشأت بينهما في أيار (مايو) الماضي في القدس، وقبل شراكتهما في إطلاق «التجمع العالمي للكتّاب من أجل السلام»، يتمثل في كونهما كاتبين روائيين تفوق مبيعات كتبهما في فرنسا بعشرات الأضعاف المبيعات التي يحقّقانها في بلديهما الأصليين!

روائي موهوب قتلته الانتهازية

عثمان تزغارت

السذاجة السياسية التي تتسم بها مقاربة بوعلام صنصال لمسائل الصراع (والسلام) العربي ـ الإسرائيلي، ليست بالأمر المفاجئ بالنسبة إلى من يعرفون مواقف صنصال وأفكاره السياسية منذ أن برز على الساحة الثقافية الجزائرية، كأحد أهم «الكُتّاب الجدد» في بلد المليون شهيد مع مطلع الألفية الجديدة.

رغم الموهبة الأدبية الكبيرة التي برهن عنها منذ روايته الأولى «قسم البرابرة» (1999)، إلا أن مواقفه السياسية اتسمت بالكثير من الانتهازية وحبّ الظهور. فقد زعم مثلاً أنّه أُبعد من منصبه كخبير اقتصادي في وزارة الصناعة الجزائرية عام 2006، عقاباً له على نبرته النقدية تجاه النظام في كتابه المدوّي «البريد المتبقي: الجزائر، رسالة غضب وأمل إلى بني بلدي» (2006). ما حوّله إلى «بطل» في منظور الإعلام الفرنسي. لكن الصحف الجزائرية كشفت أنّ إقالة صنصال جاءت إثر تنحية «ولي نعمته»، أي وزير الصناعة الذي عينه مستشاراً اقتصادياً. بينما سلط مثقفون جزائريون، منهم الروائي الكبير رشيد بوجدرة، الضوء على التناقض الصارخ في مواقف صنصال الذي يزعم أنّه يعارض النظام وينتقد فساده، لكنه يقبل في الوقت ذاته بأن يكون مستشاراً في وزارة تعد أحد أبرز معاقل الفساد في البلاد!

واتضحت هذه السطحية السياسية أيضاً من خلال اليسارية والأفكار الثورية التي ينسبها صنصال لنفسه، في حين أنها ليست سوى ادعاءات متوهمة. لم يُعرف عنه أي انتماء حزبي أو نقابي يساري. مما جعل البعض يتهم صنصال بأنه يحاول من خلال هذه «اليسارية الفردية» التشبه بمثله الأعلى برنار هنري ليفي الذي يتشدق هو الآخر بأنه يساري، رغم أنه لم ينخرط يوماً في أي تنظيم حزبي أو نقابي!

ومع تنامي شهرة صنصال في فرنسا، سُلِّطت الأضواء أكثر على انتهازيته السياسية. لم يتردد في لعب دور «العربي الخادم». ورغم يساريته المزعومة، انساق وراء موجة الإسلاموفوبيا التي أحكمت قبضتها على فرنسا في العهد الساركوزي، وذهب في تصريح لمجلة «الاكسبرس» في آب (أغسطس) 2011، إلى حد القول بأنّ «الديانة الاسلامية أصبحت تشريعاً مرعباً لا يفرز سوى الممنوعات».

بالطبع، لا يمكن لكاتب يريد استقطاب أضواء الإعلام الفرنسي، ونيل رضا الاستبشمنت المهيمن، أن ينأى بنفسه عن منزلق التطبيع ومعازلة الصهيونية العالمية. هكذا اغتنم صنصال الحملة العالمية التي أُطلقت في آذار (مارس) 2008، من أجل مقاطعة «معرض باريس الدولي للكتاب» احتجاجاً على إصرار هذه التظاهرة الباريسية العريقة على اختيار الدولة العبرية ضيف شرف، احتفاءً بـ «الذكرى الستين لتأسيس اسرائيل». تلك المبادرة المثيرة للجدل، دفعت عشرات الكتاب والمثقفين، عرباً وأجانب، إلى إطلاق عريضة تطالب بمقاطعة المعرض لأنه يحتفي بكيان غاصب أقيم على حساب الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني. ورأى هؤلاء المثقفون أنّ تلك الحفاوة التي أُريد تخصيصها للذكرى الستينية لإسرائيل تعد «تكريساً للاحتلال» ولـ «إرهاب الدولة الذي يمارس على الفلسطينيين، منذ ستة عقود، من قبل الصهاينة والمتواطئين معهم». لكن بوعلام صنصال شذّ عن القاعدة، ورفض الانضمام الى حملة المقاطعة، كما فعلت غالبية الأصوات الثقافية العربية في باريس، مبرراً موقفه الملتبس بقوله: «أنا أمارس الأدب لا الحرب»!

وبلغ تملّق صنصال للصهيونية أوجه ليتخذ طابعاً بورنوغرافياً مقيتاً خلال زيارته الى القدس المحتلة، في أيار (مايو) الماضي («الأخبار» 12/5/2012). هناك، لم يكتف بالمشاركة في النشاط الثقافي الذي دُعي إليه من قبل «المعهد الفرنسي»، بل أقدم على خطوة ملتبسة تمثلت في زيارته حائط المبكى، معتمراً القبعة اليهودية، ومحاطاً بكاميرات التلفزيونات الفرنسية. وقد أدلى بتصريحات طفولية قال فيها إنه فوجئ حين اكتشف أن المواطنين الإسرائيليين «أناس عاديون ومسالمون، رأيتُ بينهم أطفالاً رائعين يلعبون ببراءة في شوارع المدينة المقدّسة»!

—————

الأخبار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى