صفحات العالم

مقالات تناولت زيارة الجربا الأخيرة إلى واشنطن وموقف الادارة الاميركية من الثورة السورية

السقف الأميركي لدعم المعارضة السورية/ جويس كرم
ما من شك في أن زيارة رئيس الائتلاف السوري المعارض أحمد الجربا الى واشنطن على رأس وفد يضم القيادي في المجلس العسكري الأعلى عبد الاله البشير هي الأولى من نوعها للمعارضة السورية. كما أن لقاءه الثلثاء بالرئيس الأميركي باراك أوباما هو سابقة في العلاقة، وكون الأخير، وعدا عن استثناءات خطابية، حفظ لنفسه طوال ثلاث سنوات مسافة من الأزمة.
الزيارة ككل تعبر عن احتضان أميركي سياسي لما يمثله الائتلاف، ودعم معنوي ورمزي لأركانه في هذا المنعطف من النزاع في سورية. غير أن هذا الدعم يصطدم اليوم بسقف عسكري وديبلوماسي يمنعه من تخطي اطار الاجراءات التجميلية والتصعيد البطيء والتدريجي، مثل ترقية مكاتب الائتلاف الى بعثات أجنبية، أو تقديم معونات انسانية أو أسلحة غير نوعية سرا. فواقع الأمور على الأرض وحال الفوضى التي ساهم أوباما بشكل غير مباشر في الوصول اليها، تمنع الادارة اليوم من ارسال صواريخ مضادة الطائرات أو ايصال سلاح بكميات كبيرة. كما تقيد أي استراتيجية تصعيد اليوم اتفاقية السلاح الكيماوي برعاية روسية-أميركية والانتظار حتى اخراجه بالكامل من سورية في تموز (يوليو) المقبل قبل وأد المعركة.
فمعادلة تغيير التوازن على الأرض للوصول الى حل سياسي والتي يلتقي حولها الائتلاف والادارة الأميركية بعد فشل “جنيف ٢”، لن تتم بين ليلة وضحاها. ويدرك مسؤولون في الائتلاف قبل البيت الأبيض حجم العوائق على الأرض والحاجة الى عمل تنظيمي لتنظيف البيت الداخلي قبل المضي في أي عمل عسكري جدي. ويقول مسؤول في الائتلاف لـ “الحياة” ان “هناك القاعدة وحزب الله وتجار الحرب والحدود السائبة”. ويرى أن هذا الواقع يساهم الى حد كبير في “تقطير السلاح” الذي يصل الى الجيش الحر. كما يشير الى “فيتو دولي وليس فقط أميركي في موضوع تسليم صواريخ ضد الطائرات للجيش الحر”. من هنا ستشهد مرحلة ما بعد زيارة واشنطن، جهودا مكثفة لدعم تعزيز الهيكلية المركزية للقيادة السياسية والعسكرية للائتلاف، والمحاربة على جبهتين ضد النظام وضد تنظيم “الدولة الاسلامية في العراق والشام” (داعش) . فالمخاوف من وصول الصواريخ والأسلحة النوعية الى هذه المجموعات حاضر في ذهن الدوائر الغربية، كما هناك رغبة في دعم القدرات التنظيمية للجناحين السياسي والعسكري للائتلاف.
أما أميركيا، فيفرض اتفاق السلاح الكيماوي واخراج الترسانة الكيماوية بالكامل من سورية نمطا بطيئا في أي تصعيد تراه واشنطن ضروريا لتقوية حلفائها وتفادي تراجعهم امام نظام الأسد أو حلفاء “القاعدة”. فتنفيذ الاتفاقية يحتاج الى تعاون من النظام وتسهيل وصول المفتشين والمراقبين من منظمة حظر الأسلحة الكيماوية الى المواقع، وتسهيل نقلها وتدميرها. وهذا ميدانيا يتضارب مع أي تصعيد عسكري جدي قد يعرقل ممرات اخراج السلاح الكيماوي، أو يدفع النظام لاستخدامه بشكل عشوائي في الداخل أو ضد دول اقليمية.
مع ذلك، هناك اعتبارات أميركية واقليمية، وبحسب المراجعة الأخيرة التي أعدها مستشارو أوباما حول سورية، تذهب باتجاه قلب المعادلة ضد النظام السوري، من دون المجازفة بتدخل أميركي أو تكرار تجربة أفغانستان. من هنا، تحمل زيارة الجربا أول مؤشرات الاستراتيجية، من خلال بناء الثقة وترتيب البيت السياسي والعسكري للائتلاف قبل المضي بخطوات أخرى.
الحياة

 

ماذا ينتظر الجربا في واشنطن؟/ حسان حيدر
يزور رئيس الائتلاف الوطني السوري احمد الجربا واشنطن هذا الاسبوع، ويقول انه سيبحث مع المسؤولين الاميركيين في “تزويد تشكيلات الجيش الحر بسلاح نوعي يسمح بتغيير موازين القوى على الارض”. لكن هذا يبدو مستبعدا جدا اذا لم يكن مستحيلا في ظل سياسة الولايات المتحدة الحالية، فالاميركيون، ومثلهم الاوروبيون، لم يعودوا يرون في المسألة السورية سوى قضية ارهاب وارهابيين، وليس قضية حكم مستبد يواجه شعبه بالقتل والتدمير والتهجير، بما يشكل خرقا لكل القوانين والاعراف الدولية ويستحق رداً دولياً ما على غرار ما حصل في حالات سابقة اقل فداحة.
وفي افضل الحالات، ما سيسمعه الجربا في واشنطن سيكون استعادة للنصائح الاميركية المتكررة عن ضرورة توحيد صفوف المعارضة وضرورة مواجهة المتطرفين فيها وعزلهم حتى لو ادى ذلك الى تصعيد الاقتتال في المناطق المحررة، وعن اهمية الوصول الى حل سياسي لا احد يعرف من اين سيأتي، ووعود بزيادة المساعدات الانسانية والعسكرية غير الفتاكة مثل اجهزة الاتصال وسواها. وسيحاول المسؤولون الذين سيلتقيهم الجربا تبرير رفض واشنطن القاطع ارسال الامم المتحدة مساعدات انسانية من دون موافقة دمشق، ما يعوق حتى الآن تنفيذ قرار لمجلس الامن بهذا الخصوص.
لكن مدير مكتب التحقيقات الفيديرالي الاميركي جيمس كومي كان اكثر وضوحا في التعبير عن الرؤية الاميركية للوضع السوري عندما شبهه بما جرى في افغانستان في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي عندما شكل المتطرفون الاسلاميون تنظيم “القاعدة” قبل ان يشنوا اعتداءات 11 ايلول (سبتمبر) على الولايات المتحدة، وقال “نلاحظ النمط نفسه في سورية لكن بدرجة أسوأ بكثير”، واكد ان “هذا موضوع نركز عليه مع الاوروبيين وجميعنا قلقون”.
ماذا يعني هذا الكلام عمليا؟ يعني انه بالنسبة الى الاميركيين صارت المعارضة السورية المعتدلة مغلوبة على امرها ولا تستطيع اضعاف المتشددين او استيعابهم، وبات نظام الاسد افضل بما لا يقاس من اي بديل له قد يأتي بنظام “طالباني” يحول سورية الى بؤرة عداء للولايات المتحدة تشن اعتداءات عليها. اي ان واشنطن ستسعى الى اقناع الجربا بأنها لا تملك خيارا آخر سوى التعايش مع بشار الاسد حتى لو كان لا يحكم سوى 40 في المائة من الجغرافيا واقل من نصف عدد السكان.
لكن الكلام الاخطر الذي سيسمعه رئيس الائتلاف هو ابلاغه بالقرار الذي سيتخذ في مستقبل قريب، بتنسيق اميركي مع دول الجوار السوري، ومن ضمنها اسرائيل، بأن الجيش الاميركي سيبدأ في ارسال طائرات بدون طيار، على غرار ما يفعل في اليمن، لتوجيه ضربات الى التنظيمات المتطرفة في المناطق السورية، وبينها “النصرة” و “داعش”، واغتيال قادتها، في اطار “حرب وقائية” تشن بالتكامل مع الاوروبيين الذي سيسهمون في الجانب الاستخباراتي.
وفي الاطار نفسه، يعقد خبراء الاتحاد الاوروبي في مكافحة الارهاب مؤتمرا الخميس المقبل في بروكسيل، بمشاركة الولايات المتحدة والمغرب والاردن وتونس وتركيا التي تشكل نقاط عبور للمتطرفين الى سورية، لمناقشة قضية “الجهاديين” الغربيين الذين يشاركون في القتال هناك، والذين يقدر عددهم ببضعة آلاف، يتوقع ان يعود اكثر من نصفهم الى دولهم حيث يخشى ان يشكلوا خطرا على الامن في اوروبا، ويكونون اقرب الى “الاهداف” الاميركية.
لن تحصل المعارضة السورية اذا على سلاح نوعي، ولن تتغير موازين القوى على الارض، على الاقل ليس بقرار اميركي، فهموم واشنطن في واد آخر، ولم يعد بين اولوياتها اسقاط نظام الاسد، بل ابقاء الوضع السوري في “مرحلة استنزاف”، على حد تعبيرها، الى حين زوال التهديد الذي يشكله تنظيم “القاعدة” وامثاله، وبعدها لكل حادث حديث.
الحياة

 

 

مغزى القرار الأميركي برفع التمثيل الدبلوماسي للمعارضة السوريّة/ ابتسام عازم
نيويورك
صحيح أن التخطيط لزيارة وفد الائتلاف الوطني السوري إلى واشنطن جارٍ منذ فترة، إلا أن استباق البيت الأبيض اللقاءات الرسمية، التي من المقرر أن تبدأ اليوم الثلاثاء، وتستمر حتى 14 من الشهر الحالي، وإعلان الإدارة الأميركية عن رفع الاعتراف بمكاتب المعارضة في كل من واشنطن ونيويورك إلى صفة “بعثات دبلوماسية”، كان مفاجئاً من ناحية التوقيت، وإن لم يكن مستبعداً في فحواه.
فقد قامت واشنطن في الآونة الأخيرة بخطوات عديدة توحي بمقاربة “جديدة” تجاه الوضع السوري، وإن لم يكن جذرياً في جوهره بحسب بعض المحللين السياسيين. وكانت الولايات المتحدة قد علقت عمل السفارة السورية في واشنطن وقنصلياتها الفخرية في كل من ولايتي ميشغين وتكساس. وطلبت من الموظفين من غير الأميركيين أو الحاصلين على إقامة دائمة، مغادرة الولايات المتحدة في منتصف شهر مارس/آذار الماضي. أضف إلى ذلك، كشْف وسائل إعلامية أميركية عن استخدام المعارضة السورية “المعتدلة” أخيراً، أسلحة “ثقيلة” من صنع أميركي. يُضاف إلى ذلك كشف إعلامي عن برنامج سري خاص، تقوم بموجبه عناصر أميركية بتدريب كوادر من المعارضة السورية المسلحة في الأردن. وكان الجربا قد أعلن عن نيته الطلب من واشنطن، خلال زيارته، تزويد المعارضة السورية “المعتدلة” بأسلحة نوعية إضافية.
ماذا يعني الاعتراف بمكاتب المعارضة كبعثات دبلوماسية أجنبية؟
ثمة في الولايات المتحدة مَن ينظر إلى قرار الإدارة على أنه مجرد ردّ دبلوماسي على خطوة الرئيس بشار الأسد في الترشح إلى انتخابات الثالث من يونيو/حزيران المقبل، وتلويح بالإقدام على المزيد من الخطوات في حال سار قدُماً في إقفال أبواب الحلول السياسية. وفي السياق، فإنّ الاعتراف بمكاتب الائتلاف كبعثات دبلوماسية، بحسب مسؤول رفيع المستوى في الإدارة الأميركية، “لا يعني منْح أعضاء البعثة حصانة دبلوماسية، بل يأتي من أجل تقوية المعارضة السورية المعتدلة، وتوسيع نطاق المساعدات الإنسانية”. كما أنه يترافق مع رفع قيمة المساعدات الأميركية “غير الفتاكة” للمعارضة السورية “المعتدلة” إلى 287 مليون دولار، إضافة إلى مساعدات أخرى لقيادات “الجيش الحر” لتحسين قدراتهم اللوجستية. ولا يعني هذا الاعتراف بمكاتب الائتلاف في الولايات المتحدة كبعثات دبلوماسية أجنبية، أن البعثة ستكون مخوّلة بفتح سفارة أو قنصلية في كل من واشنطن ونيويورك. ورداً على سؤال للصحافيين حول أهمية هذا الإعلان ومغزاه، قالت نائبة الناطق باسم مكتب وزير الخارجية، ماري هارف، إن هذا الرفع في مستوى التمثيل “سيسمح لبعثة المعارضة السورية بترتيب أمور مصرفية وأمنية، ومعالجة أمور رعاية السوريين في الولايات المتحدة”.
ومن غير الواضح ما إذا كانت دول غربية وأوربية أخرى ستحذو حذو الولايات المتحدة في هذا الصدد. يُذكَر أن الولايات المتحدة كانت قد اعترفت في ديسمبر/ كانون الأول، بالائتلاف كممثل للشعب السوري. لكن ذلك الاعتراف “كان سياسياً وليس قانونياً” بحسب ماري هارف نفسها. ورفض المسؤولون الأميركيون التعليق على توقيت هذا الاعتراف القانوني، وعن سبب تأخره، على ضوء تكرار الإدارة الأميركية إعرابها، في أكثر من مناسبة، عن امتعاضها إزاء إعلان الأسد عن نيته الترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وهو ما رأت فيه خرقاً لتفاهمات محادثات جنيف.
الوفد وبرنامج الزيارة
تُعَد هذه الزيارة الرسمية الأولى لـ”الائتلاف” إلى واشنطن منذ ديسمبر 2012. وبحسب مكتب “الائتلاف” في واشنطن، سيضم الوفد، إلى جانب الجربا، كلاً من رئيس هيئة أركان “الجيش الحر” عبد الإله البشير، والأمين العام للإئتلاف بدر جاموس، وكل من كبير المفاوضين عن الائتلاف هادي البحرة والأعضاء أنس العبدة وميشيل كيلو ومنذر آقبيق وهيثم المالح وريم علاف وآخرين. ويتضمن برنامج الزيارة لقاءات مع مسؤولين أميركيين رفيعي المستوى، كوزير الخارجية الأميركي، جون كيري، ورئيسة مجلس الأمن القومي، سوزان رايس، إضافة إلى مسؤولين في وزارة الدفاع والبيت الأبيض. ومن المتوقع أن تشمل اللقاءات كذلك مقابلات مع قادة الحزبين الديمقراطي والجمهوري، إضافة إلى لقاءات بأعضاء من مجلسي الشيوخ والنواب. ومن المقرر كذلك أن يلتقي أعضاء الوفد بممثلين عن مؤسسات أميركية بحثية، ووسائل إعلام أميركية، بغية تعريف الرأي العام الأميركي بوجوه “المعارضة المعتدلة”، على حد تعبير مسؤول رفيع المستوى في البيت الأبيض.
العربي الجديد
الجربا وحدود الدعم الأميركي/ هشام ملحم
من السابق لاوانه الحكم بشكل نهائي على نتائج زيارة رئيس “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة” السورية احمد الجربا لواشنطن، وان كان يمكن القول – استنادا الى أجواء الاوساط الحكومية وفقا لمصادر مطلعة عليها – انه لن يحقق مطلبه الرئيسي، أي الحصول على أسلحة متطورة نوعيا، بما فيها صواريخ مضادة للطائرات محمولة على الكتف. المسؤولون الاميركيون يتعاملون مع الزيارة الاولى يقوم بها رئيس “للمعارضة السورية المعتدلة” (وهي العبارة التي يستعملها المسؤولون دوما) على انها نقلة نوعية على المستويين السياسي والرمزي، مثل رفع مستوى مكاتب الائتلاف في واشنطن ونيويورك الى “بعثة أجنبية”، وزيادة المساعدات المالية غير القتالية، ولكن لا مؤشرات منهم لكونها ستشكل نقلة نوعية في الدعم العسكري.
المسؤولون يقولون ان الزيارة تأتي في سياق اخفاق “عملية جنيف”، وقبل الانتخابات الرئاسية في سوريا والتي ترفضها واشنطن سلفا وتشكك في صدقيتها، ونتيجة لمحادثات الرئيس باراك اوباما مع العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز الذي حض واشنطن على رفع مستوى دعمها للمعارضة، ورفع “بروفيل” الجربا كقائد لها.
الزيارة أتت ايضا بعد تسليم الفصائل العسكرية المنضوية تحت لواء الائتلاف “عددا محدودا جدا” من الصواريخ المضادة للدروع، قديمة الصنع، استنادا الى مصدر مطلع، “لامتحان” انضباط هذه الفصائل، وليس بالضرورة لتغيير الموازين القتالية، وان يكن ذلك لا يتناقض مع رغبة اميركية في أن تساهم المساعدات الاميركية اللوجستية، فضلا عن الاسلحة الخفيفة والمتوسطة التي تصل الى المعارضة من أطراف ثالثة الى وقف التقدم الميداني الذي احرزه نظام الاسد منذ أواخر 2013 حتى الان، من القصير، مرورا بالقلمون وانتهاء بحمص، بفضل الدعم الايراني وحراب حزب الله، ومحاولة حرمان الاسد امكان تصوير الناخبين السوريين وهم يدلون بأصواتهم في دمشق وحمص وحلب وغيرها من المدن التي كانت جزئيا على الاقل خاضعة لسيطرة الثوار.
وهناك ايضا سبب آخر لزيادة الدعم الاميركي للمعارضة، نابع من المخاوف المتفاقمة في واشنطن من خطر التنظيمات الاسلامية المتطرفة (“داعش” و”النصرة” تحديدا) والتي يمكن ان تنطلق من سوريا لتهديد مصالح واشنطن او حلفائها. ولا يزال الرئيس اوباما يعارض حتى الآن استخدام القوة ضد النظام السوري، كما لا يزال يعارض تزويد المعارضة الصواريخ التي تريدها. وفي وزارة الدفاع تقول المصادر ان كبار الضباط الذين خدموا في حربي افغانستان والعراق يعارضون التورط عسكريا في سوريا وهذا ما يعكسه وزير الدفاع تشاك هيغل والاهم من ذلك رئيس هيئة الاركان المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي. وتقول المصادر إن ديمبسي الذي عارض ضرب سوريا في الصيف، قد قلص معارضته تزويد المعارضة أسلحة أفضل لمواجهة المتطرفين.
النهار

 

محاولات الجربا تغيير البيت الأبيض/ عبد الرحمن الراشد
أحمد الجربا، رئيس السوريين البديل لبشار الأسد، يزور واشنطن في محاولة جديدة للحصول على صواريخ مضادة للطائرات، السلاح الذي أخرج السوفيات من أفغانستان، وتسبب حرمان الثوار السوريين منه في إبقاء الأسد في دمشق. لا أدري كيف سيقنع الجربا الرؤوس الحجرية في البيت الأبيض بأن تسمح لهم بالحصول عليها. والجربا لا يريدها مجانا، ولا يطلب من الأميركيين بيعها له، بل السماح للأطراف التي تملكها ببيعها أو إهدائها للجيش السوري الحر.
ولا توجد دلائل على أن البيت الأبيض مستعد لتغيير موقفه رغم ضخامة المأساة، ورغم استمرار نظام الأسد في استخدام طائراته يوميا في قصف المدن والقرى دون تمييز، رغم وجود تحذير من مجلس الأمن للنظام بعدم استخدام سلاح البراميل المتفجرة التي تستهدف غالبا المناطق المدنية. ونتيجة عدم وجود مضادات ضد سلاح الجو، بقي الفضاء السوري حرا، حيث تقوم الطائرات يوميا بغاراتها دون رادع. القوة الجوية هي مصدر بقاء النظام، بعد أن أصبحت قواته على الأرض متهالكة، ويعتمد بشكل أساسي على ميليشيات إيرانية مع حزب الله اللبناني تقاتل بالنيابة عن جيشه.
نتيجة لتسيد نظام الأسد جوا، والقصف المستمر، دمرت معظم المدن والقرى السورية، وتشرد تسعة ملايين مواطن، نصفهم فروا إلى الخارج. منع الأميركيين المعارضة من التسلح بصواريخ مضادة للطائرات عمليا مكّن النظام وحلفاءه، من إيرانيين ولبنانيين، من السيطرة والتقدم، وهو السبب المباشر في مأساة اللاجئين، التي تهدد بزعزعة دول الجوار، وتحديدا الأردن ولبنان.
ومن أجل أن يوقف الجربا الهزيمة والمأساة الإنسانية، يسعى لدى الجانب الأميركي لإقناعه بالسماح بتسليحه، خاصة بعد نجاح ضبط صواريخ «تو» المضادة للدروع، التي يتم إحصاؤها قذيفة قذيفة، قبل وبعد إطلاقها، حتى لا تسقط في أيد معادية.
ومع أن الخوف من أن يستولي متطرفون على صواريخ مضادة للطائرات مبرر لم يعد مقنعا، رغم صحة افتراس «القاعدة» الساحة السورية، بعون من النظام، فإن الجربا له معرفة شخصية وتجربة في نقل السلاح داخل سوريا، وقادر على تقديم ما قد يحتاجه الأميركيون من ضمانات بأن تدار هذه العملية وفق رقابة وإحصاء دقيقين. هذا إذا كان حقا المبرر هو الخوف من سقوط الصواريخ في أيد معادية، أما إذا كان السبب هو أن البيت الأبيض لا يمانع في إطالة الحرب، فحينها على الجميع تحمل مسؤولياتهم. كل المتابعين للحرب هناك أصبحوا يجمعون على أنها توشك أن تخرج عن السيطرة، وأن حرمان المعارضة السورية المعتدلة من حاجتها من الأسلحة الأساسية نجح في تحقيق أمرين؛ الأول إطالة المأساة بما تعنيه من مخاطر على جميع دول المنطقة، والثاني تقوية الجماعات المتطرفة التي تفرض نفسها كقوة على الأرض، على الجميع الامتثال لها.
لم يعد أحد يصدق ذريعة الخوف من سقوط الأسلحة في أيدي تنظيمات معادية، مثل «داعش» و«النصرة»، وذلك لأنه توجد على الأرض معارضة موثوق بها، أيضا معروفة للأميركيين أنفسهم، الذين يراقبون عن قرب في الأردن وتركيا ما يحدث وراء الحدود. ولم تعد حجة الخوف من التورط في الحرب مقنعة، لأن الجميع لا يريدون مقاتلين أميركيين، بل فقط السماح للسوريين بشراء ما يحتاجونه من سلاح لمواجهة آلة القتل الضخمة، وفرض حقائق على الأرض تجبر نظام الأسد على الذهاب إلى جنيف والتفاوض على حل سياسي معقول ومقبول.
الشرق الأوسط

 

سوريا وطريق الحل/ أمجد عرار
تزامناً مع زيارة وفد الائتلاف السوري لواشنطن “بشّرت” الولايات المتحدة كل المعنيين بالشأن السوري إيجاباً أو سلباً، أن المكاتب التمثيلية للائتلاف في الولايات المتحدة ستحظى بوضع بعثة أجنبية، وأنها ستزيد من دعمها العسكري لـ”المعارضة” من دون أن توضّح أو تحدّد من هي هذه المعارضة، وهل تشمل جماعات اعتادت واشنطن أن تصنّفها كـ”إرهابية”.
يستطيع أي مراقب سياسي أو إعلامي، أو مواطن عربي، أن يعرف بالضبط قيمة القرار الأميركي بتسمية مكتب تمثيلي ما في واشنطن “بعثة أجنبية” باعتماد القياس والنموذج، فواشنطن سبق لها أن اتخذت قراراً، قبل عشرين عاماً، ب “ترقية” مكتب منظمة التحرير الفلسطينية إلى “بعثة أجنبية”، وبالإمكان قراءة ما حصل للقضية الفلسطينية خلال هذه الفترة، أو يسأل مسؤولين فلسطينيين عن حصاد تلك “الترقية”.
وإذا كان من الطبيعي والمنطقي ألا يغلق حزب سياسي أو حركة تحرر وطني باب العلاقات مع الولايات المتحدة، إلا أن من غير الطبيعي التصديق أن هذه الدولة يمكن أن تكون داعمة للحرية والديمقراطية في أي بلد، بقدر ما تبحث عن مصالحها وحماية أعز حلفائها.
قد ترفع الولايات المتحدة شحناتها من الأسلحة “القاتلة” إلى المقاتلين المتقاتلين هناك، بدلاً من الأسلحة “الباذنجانية” غير القاتلة التي تتحدّث عنها، ولا نفهم ماذا تعني ب “غير قاتلة” . لكن أقل الخبراء خبرة يؤكدون، كما الوقائع، أن هذا السلاح لن يغيّر موازين القوى، إلا إذا اعتبر ارتفاع منسوب بحيرة الدم تغييراً . وليس سوى نوع من النكتة أن تتحدث الإدارة الأميركية عن “ضمانات” بعدم وصول السلاح إلى “متطرفين”، فهل احتكار هؤلاء “المتطرفين” القادمين من شتى أصقاع الأرض للسلاح والقتال في سوريا كان “تحت السيطرة”، أم أن منطق الأشياء يفرض نفسه، كما حدث في أفغانستان؟
الولايات المتحدة زارها مسؤولون فلسطينيون، مئات المرات، بعد أن حولتهم عملية “السلام” إلى “مسؤولين رسميين”، وكفّوا عن كونهم قادة وثواراً في حركة تحرر وطني، بل إن السلطة أعلنت بنفسها، قبل بضعة أيام، أنها التقت وزير الخارجية الأميركي جون كيري، خلال أقل من سنة، أربعين مرة، وكانت النتيجة طحن ماء وحصد هواء . أليست هذه دروساً مجانية لمن يريد أن يفهم حقيقة مواقف أميركا ودورها؟ ثلاث سنوات من الصراع الدامي في الشام كفيلة بحصد الاستنتاجات المنطقية الصارخة في وجه جميع أطراف الصراع أنْ لا حل عسكرياً لهذه المأساة المدمّرة، وأنْ لا حل سياسياً مركّباً على شروط تعجيزية مسبّقة، لأن موازين القوى هي التي تحدّد المسار وليست الأمنيات وأعمدة الصحف وألاعيب الصورة والصوت في بعض الفضائيات . لذلك، كان الحوار وما زال، هو الحل، واليوم يتّضح هذا الاستنتاج أكثر، إلا لمن يتكسّبون من الصراع ويعتبرونه نوعاً مجزياً من “البزنس”.
الخليج

 

لماذا تقف الولايات المتحدة «مكتوفة الأيدي» حيال سوريا؟/ فريد هيات
العبارات المذكورة أدناه هي منقولة عن الرئيس الأميركي أوباما؛ وسامانثا باور السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، والصحافية والكاتبة سابقا؛ وفاليري اموس، وكيلة الأمين العام للشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة:
«مجلس الأمن.. يشعر بالفزع حيال المستوى غير المقبول والمتزايد لأعمال العنف، بالإضافة إلى مصرع أكثر من 100 ألف شخص في سوريا، بما في ذلك أكثر من 10 آلاف طفل… ويطالب كافة الأطراف المعنية على الفورن بوضع حد لكافة أشكال العنف». وهذا ما جاء في «قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2139، الذي اُعتمد في 22 فبراير/ شباط».
«لقد جعل مجلس الأمن من الواضح أيضًا أنه في حال عدم الامتثال لهذا القرار، فإنه على استعداد لاتخاذ المزيد من الإجراءات… دعونا نكون واضحين. هذه الأزمة الإنسانية تعد بمثابة الأزمة الأكثر كارثية التي نشهدها على مدار جيل واحد… إن الشعب السوري يعول علينا جميعا». (سامانثا باور، 25 فبراير)
وقالت أيضا في السابع من مارس (آذار): «قد يكون نظام الأسد على يقين أن التدقيق الذي يجري من جانبنا حيال الإجراءات المتخذة من جانبه، وكذلك إزاء أي من هؤلاء الذين يعملون على تجنيد أو استهداف الأطفال، لن يتوقف إلى أن يجري الإيفاء بمطالبنا وتتوقف الأعمال الوحشية».
أما فاليري اموس فقد قال في 15 مارس: «عقب مرور ثلاث سنوات على بداية الصراع السوري، فحسب تقديرنا، هناك أكثر من 9 ملايين شخص في حاجة إلى المساعدة والحماية داخل سوريا، بالإضافة إلى 2.5 مليون آخرين فروا إلى خارج البلاد.. لم يكن من المسموح لنا مساعدتهم.. جيل كامل من الأطفال يتعرض للأذى وللمعاملة الوحشية».
وقالت سامانثا باور السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة في 28 مارس: «لا يوجد شيء يمكنني القيام به، ويمكننا أن نتخذ إجراءات أحادية الجانب لجعل المجلس يفعل ما نريد، وبالتالي ننخرط في مشاورات».
أما الرئيس الأميركي فقد قال في 28 أبريل (نيسان) ما نصه: «أود الإشارة إلى أن هؤلاء الذين ينتقدون سياستنا الخارجية إزاء سوريا، هم أنفسهم يرددون لا، لا، لا، نحن لا نقصد إرسال قوات. حسنا، ما الذي تعنونه؟.. نحن نساعد المعارضة.. نحن ننزع ونخلص سوريا من الأسلحة الكيماوية من دون شن هجوم. لذا، ما الذي تتحدثون عنه غير ذلك؟».
أما أموس فقالت في الثلاثين من أبريل: «الوضع يزداد سوءا وبعيد كل البعد عن التحسن للأفضل. لقد تصاعدت أعمال العنف بشكل أكبر على مدى الشهر الماضي، فضلا عن الزيادة المروعة لأعداد القتلى من المواطنين السوريين العاديين… هذه ليست مجرد كلمات. لقد رأينا جميعا الأثر المروع لما يحدث؛ حيث نرى صور الأطفال التي جرى إخراجها من تحت الأنقاض، والتي تقشعر لها الأبدان، وكذلك صور لأسر ترتعد داخل المباني المدمرة».
في 28 أبريل صرح أوباما بما يلي: «لماذا نجد الجميع حريصا على استخدام القوة العسكرية، عقب ما انتهينا للتو من مرور عقد من الحرب تكبدنا فيه تكاليف باهظة بالنسبة للقوات والميزانية الخاصة بنا؟».
وفي كتابها في كتابها «مشكلة من الجحيم»، الصادر في 2002، تقول باور: «لا يتعين على الولايات المتحدة أن تصوغ خيارات سياستها على أساس عدم اتخاذ أي إجراءات أو إرسال – أحادي الجانب – لقوات المارينز.. يتعين على الولايات المتحدة أن تتخذ تدابير معينة في كل حالة على حدة… وبالتشاور مع حلفائها، ويتعين على الولايات المتحدة أن توفر مناطق آمنة لإيواء اللاجئين والمدنيين، وحمايتهم من خلال توفير قوات حفظ السلام صارمة ومسلحة تسليحا جيدا، أو قوات جوية، أو كليهما».
أما أموس فقالت في 30 أبريل أيضا: «لقد أخبرت المجلس أنه من غير المقبول أن تواصل أطراف النزاع حرمان المجتمعات المحاصرة من الغذاء والدواء، وحرية التنقل. كما أنه من غير المقبول أنه ما زال يجري منع قوافل الإمدادات المنقذة للحياة من دخول المناطق، التي يصعب الوصول إليها…
انتهى وقت الانتظار… فكل يوم يفشل فيه المجتمع الدولي في حماية السوريين وأن يحول دون تعرضهم للأذى، من أجل تحقيق مكاسب عسكرية، يعني أننا نسمح بالمزيد من وأد إنجازات 150 سنة من المبادئ الإنسانية». فيما قالت باور يوم سبعة مارس: «اليوم، سوريا وصلت لنقطة الصفر كأبشع كارثة إنسانية يشهدها عصرنا».
يوم 28 أبريل قال الرئيس أوباما: «سيكون هناك أوقات نشهد فيها كوارث وصعوبات وتحديات في جميع أنحاء العالم، ولن تكون كل تلك الأمور قابلة لأن يجري حلها على الفور من جانبنا».
وجاء في كتاب «مشكلة من الجحيم» لباور ما نصه: «لم يرجع السبب الرئيس وراء عدم قيام الولايات المتحدة بما في استطاعتها، وما ينبغي عليها القيام به لوقف الإبادة الجماعية إلى الافتقار إلى وجود المعلومات أو النفوذ، ولكنه يعود إلى افتقار الإرادة. ببساطة، لم تتخذ القيادات الأمريكية تدابير من جانبها، لأنها لا ترغب في القيام بذلك… إنهم يدعون أنه من المرجح أن أي اقتراح بالتدخل سيكون غير مجد، وسوف يتسبب في الحاق الضرر… إن سجل الولايات المتحدة الأميركية لا يعد فاشلا، ولكنه يعد ناجحا. للأسف يجب أن نعترف أن المسؤولين الأمريكيين استغلوا الوضع لصالحهم ونجحوا في لعبتهم».
* خدمة «واشنطن بوست»
الشرق الأوسط
عوامل تحدد سياسة أوباما الخارجية/ حسين عبد الحسين
أثارت، تصريحات الرئيس الأميركي باراك أوباما حول سياسة بلاده الخارجية، أثناء جولته الآسيوية مؤخراً، عاصفة من الردود والانتقادات لا سابق لها. تراوحت بين اتهام الرئيس الأميركي بالضعف وانعدام الخبرة، والدفاع عنه بحجة وهن القوة الأميركية، وتراجع دورها خارج إطار ارادته.
صحيح أن النظام الرئاسي في الولايات المتحدة يعطي أوباما نفوذاً هائلاً، لتصميم وتطبيق السياسة الخارجية التي يراها مناسبة أكثر بكثير من نفوذه داخلياً، إلا أن الرئيس الأميركي يبدو أحياناً وكأنه يعاند أو يشاكس للتعمية على ارتباكه، فيما سياساته المنسحبة من المسرح الدولي تعكس فعلياً مواقف الداخل كما مواقف غالبية حلفاء أميركا.
يقول أحد مسؤولي الإدارة الأميركية، في جلسة خاصة، إنه يوم عقد الرئيس العزم على توجيه ضربة عسكرية لأهداف في سوريا، “حتى الدول العربية التي تطالب بتدخل عسكري أميركي منذ زمن لم تصدر بياناً لتأييد الضربة التي كانت مقررة”.
بريطانيا كذلك، تراجعت عن مشاركتها في ضربة ضد قوات بشار الأسد، فيما أبدت ألمانيا تحفظها. والتردد الخارجي عند حلفاء أميركا اقترن بتردد داخلي. غالبية الرأي العام الأميركية عارضت الضربة، وكذلك غالبية الكونغرس، الذي تسيطر عليه غالبية من الحزب الجمهوري المؤيد عادة للأعمال العسكرية. وحدها “لجنة الشؤون الخارجية” في مجلس الشيوخ وافقت على مشروع قانون يخول أوباما استخدام القوة العسكرية في سوريا، وهي فعلت ذلك بعد تصويت بالكاد حاز على أكثرية الأعضاء.
هذا يعني أنه لو كانت القوات الأميركية شنت ضربتها، لكان أوباما وجد نفسه مضطراً لاستنزاف رصيده الشعبي المتبقي، وهو في غالبه يستند إلى مؤيديه المعارضين للحربين في العراق وأفغانستان. ولو شنت القوات الأميركية الضربة وحصل خطأ ما، مثلاً أن يصيب صاروخ أميركي عن طريق الخطأ تجمعاً سكنياً ويوقع ضحايا مدنيين، لوجد أوباما نفسه في موقف حرج لا يمكن أن يخرجه منه أي تأييد عالمي أو محلي للضربة.
وكما في سوريا، كذلك في أوكرانيا. الأوروبيون منقسمون ومترددون في فرض عقوبات “ذات أسنان” على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين واقتصاده المتهاوي أصلاً. المستشار الألماني السابق، غيرهاد شرودر، يعمل في موقع مستشار لشركة الغاز الروسية “غازبروم”، والدول الأوروبية عموماً تخشى من أن يؤدي أي قرار روسي بوقف تصدير الغاز إليها إلى رفع سعر الغاز فيها، وتالياً التأثير سلباً على اقتصاداتها التي بالكاد تستعيد عافيتها.
وأوروبا تتمتع بحجم تبادل تجاري يبلغ أضعاف التجارة الأميركية مع روسيا، ما يعني انه حتى تنجح أي منظومة عقوبات، يحتاج ذلك إلى الثقل الأوروبي أكثر منه للثقل الأميركي. كذلك، لا يعتقد أوباما أن من مصلحة بلاده فرض عقوبات على موسكو تؤدي إلى خسارة الشركات الأميركية لسوقها الروسية، وخصوصاً شراكاتها النفطية مع نظيراتها في روسيا، فيما تحافظ أوروبا وباقي دول العالم على امتيازاتها التجارية مع السوق الروسية، حتى وإن كانت الأخيرة صغيرة نسبية.
الأمر نفسه ينطبق على إيران. أميركا ألقت بثقلها الاقتصادي الهائل لحرمان إيران، وأي دول أو شركات تتعامل معها من امتيازات اقتصادية حول العالم. لكن الحكومات الأوروبية “تقف خلف الباب” في انتظار رفع العقوبات حتى تقفز باتجاه إيران بهدف السعي إلى الربح وإلى الدخول في السوق الإيرانية العذراء، والغنية بسبب ثروة البلاد النفطية.
ويعتقد مسؤولون في إدارة أوباما أن بعض الدول تطلب من أميركا مقاطعة هذه الدولة أو تلك، اقتصادياً. وتذهب الدول المطالبة بالمقاطعة إلى انفتاح اقتصادي على الدول التي تقاطعها أميركا للإفادة المالية والاقتصادية.
حتى إسرائيل، طفلة أميركا المدللة وحليفتها، سبق أن باعت الصين أسراراً عسكرية أميركية، بهدف كسب ود الصين ودخول سوقها التجارية الضخمة، فيما تطلب تل أبيب من واشنطن يومياً معاقبة أي دولة تكسر الحصار الاقتصادي الدولي المفروض على إيران، بما في ذلك الصين، العطشى للنفط الإيراني.
كل هذه العوامل هي التي تدير سياسة أميركا الخارجية: رأي عام أميركي، من اليمين واليسار، أصابه الإحباط من التفاني من اجل حلفاء لا يبادلون الود ويسعون لمصلحتهم، إن كان مالكي العراق وكرزاي أفغانستان، أو المانيا وبريطانيا، وحتى إسرائيل. يمين أميركي يطالب الرئيس بحزم عسكري فيما هذا اليمين نفسه وقف يتفرج عندما اجتاح بوتين جورجيا وقضم منها أراضٍ، ولم يتحرك لتأييد ضربة سوريا في الكونغرس. حكومات حول العالم وشركات تسابق الشركات الأميركية وتطلب منها الخروج من اقتصادات ومقاطعتها لتأخذ مكانها.
أوباما هو الرئيس الواقعي الذي لا يعير لكل المبادئ، التي بشّر بها في الماضي أكثر من أي مسؤول حول العالم، أي اهتمام، وهو على الأرجح لن يعير أي اهتمام لأي من منتقديه، ما يعني أن سياسته الخارجية من اليوم وحتى خروجه من البيت الأبيض في كانون الثاني من العام 2017 ستبقى على حالها.
صحيح أن أوباما عديم الخبرة في السياسة الخارجية، وكان يمكن أن يكون أداؤه أفضل، حتى مقارنة بالمعطيات التي بين يديه وحتى من دون الدخول في مغامرات عسكرية، أو في فرض عقوبات اقتصادية واسعة على هذه الدولة أو تلك، لكن الرئيس الأميركي هو في المحصلة مجموع العوامل المحيطة به، وهذه لا تشي بأن الدول أو الشعوب تكترث اليوم للمبادئ أو للنظام العالمي، الذي تم تشييده منتصف القرن الماضي، بل هي تسعى أكثر إلى المصلحة الذاتية والربح، وهي الأمور التي يعتقد أوباما أن على بلاده أن تسعى من أجلها كذلك، وأن لا تحاول ترميم النظام القديم أو الدفاع عنه منفردة، إلا إذا قررت غالبية عالمية الوقوف في صفها.
المدن

 

حان وقت الكشف عن الحقيقة بشأن سوريا/ ديفيد إغناتيوس
تقع الحدودي السورية فقط على بعد أميال قليلة شمال المكان الذي يتمركز فيه اللاجئون. وقد دعاني قادة المتمردين السوريين للسفر معهم لبلادهم، من خلال نقطة عبور قريبة من هذا المكان، وقيل لي إن السلطات الأردنية ترفض ذلك، ولذا ما سأذكره لاحقا يستند إلى المقابلات التي أجريتها مع السوريين الذين قمت بمقابلتهم في الأردن أو تحدثت معهم داخل سوريا عبر الهاتف.
ووصف السوريون الذين تواصلت معهم المأزق الشديد الذي يمرون به، قائلين: «الرئيس بشار الأسد يتمسك بالبقاء في السلطة، لكنه فقد السيطرة على أجزاء كبيرة من الدولة». ويقاتل المتمردون بشجاعة، لكنهم يفتقرون للتنظيم والأسلحة الثقيلة من أجل حماية المناطق التي تمكنوا من السيطرة عليها. وفي غضون ذلك، يستفحل خطر متطرفي تنظيم القاعدة في الخفاء، ولا تزال المعارضة منقسمة ومفتتة للغاية، لدرجة أن بعض المتمردين اعترفوا صراحة بأنهم ليسوا على استعداد لتولي زمام الحكم، حتى في حال سقوط الأسد.
وحسب ما أقر به أحد قادة المتمردين: «نحن ما زلنا بحاجة لوجود قائد»، وأضاف: «لا يوجد لدينا قائد داخل البلاد».
وتحدث المقاتلون المتمردون، بشكل صريح، عن ثلاث قضايا رئيسة؛ القضية الأولى تتمثل في أن جناحهم العسكري ما زال مفككا وغير منظم، فالجبهة الجنوبية لديها أكثر من 55 كتيبة، لكنها تفتقر لوجود هيكل موحد يتوافر فيه عنصرا القيادة والسيطرة. وتكمن القضية الثانية في أن المتطرفين الإسلاميين أصبح لهم موطئ قدم في الجنوب، مثلما فعلوا قبل عامين في شمال سوريا؛ حيث إن جبهة النصرة – المرتبطة بتنظيم القاعدة – أقامت نقاط تفتيش على بعض الطرق، التي تقع شمال الحدود الأردنية. وأخيرا، تتمثل القضية الثالثة في أن قوات الأسد تمكنت من إعادة سيطرتها على العديد من ضواحي دمشق، من خلال العمل بالأساس على تجويع المقيمين لحملهم على الخضوع والاستسلام.
ومع زيارة أحمد الجربا، رئيس الائتلاف الوطني السوري، المقررة إلى واشنطن الأسبوع المقبل من أجل مقابلة مسؤولين أميركيين، فقد حان وقت الكشف عن الحقيقة؛ حيث إن النهج الأميركي الحالي يسهم في الموت البطيء لسوريا، فما الذي ينبغي تغييره؟ هناك احتمالان واضحان، لكن لكل منهما مشاكله، كما سيتضح من الآتي:
الاحتمال الأول: العمل على تدعيم ومساندة المعارضة؛ فالمملكة العربية السعودية وبضع دول خليجية تريد من الولايات المتحدة أن تعمل على توسيع نطاق برنامجها التدريبي السري من أجل إيجاد جيش حقيقي للمعارضة، يكون مزودا بصواريخ مضادة للطائرات، فهذا الأمر من شأنه أن يمكنهم من مقاومة الأسد وحماية المناطق التي يسيطرون عليها، ولكن سيقاتل المتمردون من أجل تحقيق نتيجة التعادل والتوصل إلى تسوية سياسية في نهاية المطاف. فالمتمردون منقسمون للغاية من الناحية السياسية، بما يؤثر على تحقيق النصر والوصول للحكم.
الاحتمال الثاني: التفاوض مع الأسد لكي يخلفه نظام آخر، ويرى البعض في الأردن وواشنطن أنه من أجل تحقيق الاستقرار، يجب على أصدقاء سوريا إعادة فتح قنوات اتصال مع الأسد؛ فحسب ما ذكره ريان كروكر، السفير الأميركي السابق لدى سوريا والعراق، في اجتماع مع مجموعة من الخبراء في واشنطن يوم الخميس: «ربما يتعين علينا تناول شيء من الغراب العنيد». وأضاف: «بنفس درجة قبح النظام، هناك شيء أسوأ، ألا وهو عناصر المعارضة المتطرفة».
لكن التوصل لاتفاق مع نظام الأسد يبدو لي وكأنه استراتيجية وخطة غير واقعية، بالإضافة إلى كونه أمرا غير أخلاقي؛ فقد أثار الأسد غضب الكثير من المواطنين السوريين، وبالتالي ربما يكون فقد أي فرصة يمكن بموجبها بناء بلد موحد، ووفقا لما ذكره أحد المسؤولين الأميركيين: «يشبه هذا الأمر الطلب من هامبتي دمبتي (شخصية كرتونية) لأن يعيد تركيب نفسه مجددا».
تحتاج الولايات المتحدة إلى استراتيجية تصلح لخوض معركة طويلة؛ فإذا كان الهدف يكمن في تحقيق توازن سياسي في سوريا في نهاية المطاف، ستكون المعارضة السورية بحاجة للتدريب والمساعدة العسكرية من أجل حفظ الاستقرار في المناطق التي تسيطر عليها، وفي مقابل الحصول على المساعدة سيتعين على المعارضة المعتدلة أن تتخلى عن جبهة النصرة، مثلما فعلت مع المجموعة الأكثر تطرفا، والمعروفة باسم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا.
وأوضح مقاتل من مدينة درعا السبب البسيط وراء تعاون قواته مع جبهة النصرة، قائلا: «إنهم يحظون بتأييد كبير»، لكن هذا النوع من التحالف الانتهازي يتعين تغييره، وإلا سيصبح المعتدلون محكوما عليهم بالفشل.
وفي إطار وضع استراتيجية مستدامة، يجب على إدارة أوباما أن تستمع لشكوى الأردنيين بشأن برميل البارود المجاور لهم؛ حيث إن الأردن يعد، شكليا، جزءا من الخطة السرية لمساعدة المتمردين، والموضوعة من جانب رؤساء الاستخبارات في الولايات المتحدة، والمملكة العربية السعودية، وتركيا، وبلدان رئيسة أخرى؛ لكن هذا الاتفاق يثير الكثير من القلق. كما أن بعض قادة المتمردين يدركون أن بعض الحدود المحكمة للأردن تعد أفضل من الحدود التركية التي يسهل اختراقها.
وحسب ما ذكره مقاتل ينتمي إلى كتيبة اليرموك بجنوب سوريا: «لا يمكن للمهربين والمختطفين أن يعملوا على طول الحدود الأردنية، ولا يمكن للمتطرفين الدخول عبر تلك الحدود. فهنا نشعر بأننا بمأمن».
إن الضحايا في هذه الحرب يدفعون ثمنا باهظا؛ فيمكن أن يظهر لك رجل ما الجراح الناجمة عن أعمال التعذيب؛ حيث يمكن أن ترى أصبعا مقطوعة تشبه عقب السيجارة، والعلامات الحمراء للغرز نتيجة كسر رجله، ويمكن أن ترى شابة جميلة تمشي بحذر وهي تعرج بشدة، بسبب كسر ساقها على يد حراس السجن.
يجب أن تتسم السياسية السورية بشيء من العقلانية، ولكن لا يمكن أن تكون بلا قلب في ما يتعلق بتلك المعاناة الإنسانية.
* خدمة «واشنطن بوست»
الشرق الأوسط
هجمات «الأسد» ومواقف البيت الأبيض!/ ترودي روبن
هناك أدلة متزايدة على أن النظام السوري استعمل غازات سامة ضد المدنيين من جديد، حيث يرسل طائرات هيلكوبتر تلقي براميل متفجرة مملوءة بعلب الكلورين على النساء والأطفال. ويذكر أن غاز الكلورين، والذي تم استعماله خلال الحرب العالمية الأولى وكان له تأثير وحشي، يتحول إلى حامض الهيدروكلوريك في الرئتين، ما قد يؤدي إلى احتراق داخلي وموت سريع. ولكن الغاز لم يكن على قائمة الأسلحة الكيماوية المحظورة بموجب الاتفاق الأميركي الروسي لعام 2013 حول الأسلحة الكيماوية السورية. وعليه، فمن الواضح أن الرئيس السوري بشار الأسد يسخر من البيت الأبيض، رغم الأزمة الإنسانية الكبيرة التي سبّبها لسوريا. ومن الواضح أيضاً أن البيت الأبيض يفتقر إلى سياسة واضحة للرد.
«لقد أضحت سوريا اليوم أكبر أزمة إنسانية وأمنية تواجه العالم»، يقول أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون. فمن أصل سكانها الـ21 مليون نسمة، قُتل أكثر من 150 ألف شخص وفر قرابة ثلاثة ملايين آخرين إلى البلدان المجاورة، وهو ما يشكل تهديداً لاستقرار العراق ولبنان والأردن. هذا فيما يُعتبر 6 ملايين شخص آخرين في سوريا نازحين أو بحاجة ماسة للمساعدة، وفق تقديرات الأمم المتحدة، من بينهم 3٫5 مليون عالقون وسط قتال شرس.
وفي هذه الأثناء، مازال البيت الأبيض يروّج لاتفاق الأسلحة الكيماوية باعتباره إنجازاً كبيراً. فتحت الضغط، قام الأسد بتدمير أو تسليم 84 في المئة من ترسانته المعلَنة من غاز السارين للمفتشين الدوليين. والحال أن السارين قتل بضع مئات من الأشخاص فقط، بينما قضى 40 ألف شخص آخرين جراء القنابل وقذائف الهاون والرصاص منذ اتفاق الأسلحة الكيماوية، وذلك لأن الاتفاق لم يفعل شيئاً لوقف أعمال القتل التي ترتكب بواسطة الأسلحة التقليدية. ويبدو أنه لم يوقف استعمال الغازات السامة أيضاً.
ديفيد ميليباند، رئيس لجنة الإنقاذ الدولية، التي تُعد واحدة من أنشط وكالات المساعدة التي تساعد السوريين داخل بلادهم وخارجها، يقول: «إن حجم جرائم الحرب والنزوح وتزعزع الاستقرار الإقليمي، كلها أمور تمثل حالة طوارئ إنسانية كبيرة في هذا القرن»، مضيفاً: «إن استعمال الأسلحة الكيماوية وانتهاك القانون الدولي وإلقاء البراميل المتفجرة على المدن، تمثل تطورات لافتة جداً، وبالتالي فإنه لا يمكننا القول إننا لا نعرف ما يجري».
إحباط «ميليباند»، وعلى غرار إحباط «مون»، واضح لأن رد المجتمع الدولي لا يتناسب وحجم الأزمة، حيث قال لي: «هناك تخدير للأحاسيس بخصوص هذا الموضوع والانتهاكات لا تزداد إلا سوءاً». وهو يخشى أن «الرد العرضي» للمجتمع الدولي يمثل «وصفة لارتكاب مزيد من أعمال القتل على نطاق واسع». وذلك مرده بالأساس إلى حقيقة أن المشكلة الإنسانية باتت رهينة الحسابات الجيوسياسية للنزاع السوري. فقبل شهرين، مرر مجلس الأمن الدولي قراراً بالإجماع يطالب الأطراف المتناحرة في سوريا بالسماح بوصول المساعدات إلى المدنيين. لكن الروس، الذين يدعمون الأسد، حرصوا على أن لا تكون لهذا القرار أي قوة تضمن تنفيذه، وإن كانت الدول الغربية هددت بالتحرك في حال عدم امتثال الأسد.
غير أنه الآن حانت لحظة الحقيقة. فهذا الأسبوع، من المقرر أن يبحث مجلس الأمن مدى امتثال الأطراف للقرار؛ لكن تقييماً أممياً مسرباً يشير إلى أنه مثّل فشلاً ذريعاً، حيث ما انفكت الحكومة السورية تقصف الأحياء المدنية ومخازن الحبوب، وتحول دون مرور المواد الطبية الأساسية واللقاحات. وفي البلدات المحاصَرة، اضطر السكان لأكل الأعشاب وأوراق الشجر، كما ظهر شلل الأطفال في المناطق الخاضعة لسيطرة الثوار.
ويقول التقرير: «يجب على مجلس الأمن أن يتخذ إجراءات للتعاطي مع الانتهاكات السافرة»، لكننا نعلم أن روسيا ستعرقل أي خطوة ضد الأسد.
والواقع أن ثمة العديد من الأفكار الجيدة حول سبل إيصال مزيد من المساعدات إلى المدنيين السوريين. وفي هذا السياق، يقترح ميليباند، وهو وزير خارجية بريطاني سابق، أفكاراً من قبيل إرسال مزيد من المساعدات عبر الحدود التركية أو العراقية إلى المحتاجين في المناطق التي يسيطر عليها الثوار، رغم شكاوى سوريا من أن ذلك ينتهك سيادتها، والتشديد على ضرورة الوصول إلى المناطق التي تحاصرها الحكومة -وفي بعض الحالات- الميليشيات الإسلامية المحسوبة على الثوار.
غير أنه لا شيء من ذلك سيحدث إلا إذا اقتنع الأسد وداعموه الروس بأن لا خيار لديهم غير الموافقة. وهذا يتطلب قرارات مازال الرئيس الأميركي باراك أوباما يرفض اتخاذها. ففي هذا الشهر، كرر وزير الخارجية الأميركي جون كيري، لدى مثوله أمام لجنة تابعة لمجلس الشيوخ، لازمة الإدارة الأميركية المتمثلة في أن الحرب السورية لا يمكن حلها إلا عبر الحل الدبلوماسي، حيث قال: «إن اللحظة ليست مناسبة لأنه مازال يتعين علينا تغيير حسابات الأسد». وعندما سُئل حول كيفية القيام بذلك، قال إنه لن يتحدث حول ذلك إلا في جلسة مغلقة. ثم أضاف: «إننا نتحدث حول ذلك.. وبالطبع نحن نناقشه». أما الفكرة التي ما زالت قيد النقاش، فهي ما إن كان ينبغي مساعدة الثوار السوريين الذين يتم التحقق من اعتدالهم بأسلحة ثقيلة من قبيل الصواريخ المضادة للطائرات التي يمكن أن تُسقط طائرات الهيلكوبتر التي تلقي غاز الكلورين. والحال أن هذا النقاش بدأ منذ عامين عندما زاحم المقاتلون الإسلاميون المسلحون والممولون بشكل جيد الثوارَ المعتدلين وطغوا على المشهد.
والواقع أن مثل تلك الخطوة قد تغيِّر حسابات الأسد، لكن البيت الأبيض مازال متردداً. وفي هذه الأثناء، تفيد تقارير بأن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية «سي آي إيه» شرعت في منح بعض الثوار الذين تتحقق منهم أسلحةً مضادةً للدبابات وتدرب بضع مئات منهم في الأردن، والحال أنه بهذه الوتيرة لن يشعر الأسد بالضغط لقبول حل دبلوماسي. بل سيشعر بحرية الاستمرار في قتل المدنيين السوريين بالغاز، رغم كل ما يبديه البيت الأبيض من مواقف بشأن الأسلحة الكيماوية.
الاتحاد
هل منتقدو أوباما على حق؟/ سميح صعب
يقول وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس ان الطريقة التي تعامل بها الغرب مع الأزمة السورية جعل روسيا تتخذ مواقف متشددة في اوكرانيا. ويتفق استنتاج فابيوس والمواقف التي يتبناها معلقون اميركيون ينتقدون فيها ما يصفونه بتردد الرئيس باراك اوباما حيال سوريا ويحمّلونه مسؤولية استمرار الحرب أكثر من ثلاثة اعوام، وهم يرون انه لو أقدمت واشنطن على تدخل عسكري في سوريا لما كانت الحرب استمرت كل هذا الوقت ولما كانت سوريا تحولت “جاذبا” للتنظيمات الاسلامية المتطرفة.
لكن اوباما لا يرى ان تدخلا اميركيا عسكريا مباشرا في سوريا كان سيجري ببساطة وسلاسة وان الامر لا يحتاج الا الى ضربات من الجو تضع حدا للازمة السورية وتأتي بنظام تعددي ديموقراطي وتؤمن انتقالا سياسيا على غرار ما حصل في ليبيا، علما ان ليبيا لا تعرف الاستقرار حتى الآن ولا تصلح نموذجا يحتذى في التغيير. وبالذهاب الى ما هو ابعد من القول ان اميركا اخطأت في عدم تدخلها في سوريا وانها تدفع الثمن اليوم في اوكرانيا، تجدر الاشارة الى ان سوريا بتركيبتها الاجتماعية المعقدة ونسيجها المتعدد وبموقعها الجيوسياسي، ما كانت لتكون سوى عراق آخر في حال حصول تدخل عسكري اميركي او ربما اخطر بكثير في حسابات لعبة الامم.
وفي المقابل، وصف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ما يجري في اوكرانيا بأنه استخدام من الغرب للعبة الجيوسياسية ضد روسيا. وما ينطبق على اوكرانيا ينطبق على سوريا. لذلك طالت حربها وتعقدت ودخل فيها اطراف اقليميون ودوليون باتوا يرون ان الحسم في هذا الاتجاه او ذاك لا بد ان ينعكس على مواقع هؤلاء الاطراف ومكانتهم وتأثيرهم.
لا يزال منتقدو اوباما يعتقدون ضمنا ان الولايات المتحدة هي من يجب ان يقود وانها يجب ان تبقى شرطي العالم الذي ظهرت فيه بعد سقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفياتي قبل ربع قرن. وعلى هؤلاء يرد وزير الخارجية الاميركي جون كيري بأن العالم اليوم أكثر تعقيداً بكثير مما يتخيله البعض الى درجة قوله إن الوضع حتى خلال الحرب الباردة كان افضل لأن اميركا كانت أقوى عسكريا واقتصاديا ولم تكن هناك التقسيمات القائمة اليوم.
من هنا يمكن القول أنه لو كانت أميركا ترى انها قادرة على حسم الأزمة السورية عسكرياً، لفعلت من دون تردد. وفي الوقت عينه ترى دول مثل روسيا ان لحظة استعادة المكانة التي فقدتها بانهيار الاتحاد السوفياتي قد حانت. والسياسة الروسية في سوريا وفي اوكرانيا تتفق والشعور الروسي المتنامي بأن هذه اللحظة قد حانت، من غير ان تكون لذلك علاقة بما اذا كان اوباما مترددا او ضعيفا.
النهار
كيري يدفع ثمن إخفاقات أوباما/ راغدة درغام
يبدو وزير الخارجية الأميركي جون كيري مخفقاً في الملفات التي استثمر فيها، على رغم أنه مفاوض دؤوب عازم على التوصل إلى الحلول مهما تراكمت العراقيل. واقع الأمر أن هذه إخفاقات الرئيس باراك أوباما بالدرجة الأولى، لأنه اختبأ وراء وزير خارجيته وأرسله في مهمات استطلاعية وليس بمهمات تنفيذية.
أوكل أوباما إلى كيري المهمات الصعبة من دون أن يدعمه بأدوات الإقناع اللازمة في الحالات المستعصية. وزير خارجية اللاسياسة الأميركية وجد نفسه يصنع السياسة الأميركية اعتباطاً أحياناً. البيت الأبيض وجد عند جون كيري ولاءً قاطعاً حتى عندما وضع أعباءَ اللوم على أكتافه حماية للرئيس الهارب من مسؤوليات القيادة. دق أوباما طبول الحرب عندما تحدث عن ضربة عقابية لنظام بشار الأسد في سورية، فتحوّل الحمامة كيري إلى صقر خالعاً عن نفسه سمعة السذاجة. وعندما تراجع رئيسه في الساعة الأخيرة عن الضربة العسكرية، عاد كيري حمامةً تطير في سرب الصقور.
كمفاوضٍ، أو كراعٍ للمفاوضات، يبدو جون كيري ضعيفاً بنيوياً بسبب تسرّعه في استنتاج حسن نوايا الآخرين فيما أولئك الآخرون يقهقهون خلف ظهره احتفاءً بما يعتبرونه عنوان السذاجة وواجهة السياسة الخارجية الأميركية المبعثرة والمتراجعة والهاربة من القيادة.
جون كيري لم يتعلّم من الدرس الذي مرّت به وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون في علاقاتها مع سيرغي لافروف، بالذات في مفاوضات «جنيف – 1» في شأن العملية السياسية الانتقالية لسورية. شعرت كلينتون بأن لافروف خدعها وأنه تعمّد تضليلها بموافقته على بيان جنيف ذي النقاط الست، ثم بالتملص منه بتفسير مختلف له لدى وصول البيان إلى مجلس الأمن في نيويورك للتطبيق.
جون كيري استرسل في افتراض حسن النية في كل مواقف لافروف – تلك التي سبقت مؤتمر «جنيف – 2»، والتي تبعته. فجأة وجد جون كيري نفسه في بطن ما حملت به السياسة الروسية والسورية والصينية والإيرانية المدعومة من «حزب الله». وجد نفسه هائماً ما بين زخم انتخابات رئاسية ترسّخ بشار الأسد في السلطة لسبع سنوات وبين احتضار «جنيف – 2» ومعها العملية السياسية الانتقالية في سورية.
لافروف «عملها» مرة ثانية بوزير خارجية أميركي آخر، إنما هذه المرة، غلَّف وزير الخارجية الروسي نفسه بالبراءة والتبرؤ من إجهاض العملية الانتقالية متظاهراً بأن قرار إجراء الانتخابات الرئاسية اتخذه بشار الأسد وهذا قرار سيادي لا تتدخل فيه روسيا. ولأن وزير خارجية اللاسياسة الأميركية مكبّل بوهن وتردد وتراجع رئيسه، وجد نظيره الروسي فيه أسهل المهمات.
اليوم تقضي روسيا عمداً على العملية السياسية التي أقرها بيان «جنيف – 1»، وأوضح أهدافها مؤتمر جنيف الذي كان من المفترض أن يسفر عن إنشاء هيئة حكم انتقالي ذات صلاحيات كاملة تليها انتخابات تحت إشراف دولي. سياسة التملص الأنيق مما تم الاتفاق عليه مع هيلاري كلينتون، ثم مع جون كيري وصلت إلى مرتبة جديدة.
فروسيا الآن لا تبالي بما يعجب أو يزعج الولايات المتحدة في سورية، لأن أولويتها أوكرانيا. وفي كلا الملفين، الديبلوماسية الروسية أكثر روسيةً مما هي ديبلوماسية هذه الأيام.
اليوم، تبدو الديبلوماسية الأميركية هي التي تحاول التملص من استحقاقات تتطلب منها، منطقياً، ألا تقف مكتوفة اليدين. ففي موضوع الانتخابات الرئاسية تكتفي واشنطن بالتهديد باعتبارها غير شرعية، وتسرع إلى القول أن ليس في اليد حيلة لإيقاف انتخابات في أي بلد كان.
لو كانت إدارة أوباما تمتلك سياسة جدية حقاً لاتخذت مواقف صارمة مع الصين كما في روسيا لإنقاذ العملية التفاوضية بدلاً من الرضوخ عند قولهما إن الانتخابات الرئاسية لا تتناقض مع المفاوضات على هيئة حكم انتقالي.
لو كانت إدارة أوباما ذات سياسة متماسكة يمكن الاعتماد عليها لما تركت المجال للهجمات والانتقادات من الحكومة السورية إلى ممثل الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، الأخضر الإبراهيمي، لمجرد أنه اعتبر أن إجراء الانتخابات يقوّض العملية الانتقالية السياسية. الأخضر الإبراهيمي يجب ألّا يستقيل الآن، لأن في استقالته رضوخاً أمام إملاءات النظام في دمشق مدعومة – كأمر واقع – روسياً وإيرانياً.
الإبراهيمي راهن على وفاق وتعاون أميركي – روسي لإيقاف النزيف في سورية، والتوصل إلى هيئة حكم انتقالي. كلاهما يخذله الآن سيرغي لافروف. يخذله لأنه أثبت عدم صدق رعايته «جنيف – 2» ودعمه الحقيقي لإنشاء هيئة حكم انتقالي. وصديقه الآخر جون كيري يخذله لأن السياسة الأميركية متقلبة بين منهج «اقبروا بعضكم» في المستنقع السوري وبين رعاية ضعيفة لـ «جنيف – 2» بلا عمود فقري وبلا التزام.
الأسوأ، أن الموقف الأميركي في الأمم المتحدة يبدو عائماً في أكثر من ناحية من الملف السوري – القرار 2139 الذي تبناه مجلس الأمن بالإجماع قبل شهرين لمعالجة جدية للكارثة الإنسانية، ما زال حبراً على ورق بلا جهود جدية لإجبار دمشق قبل تنفيذه وبلا محاسبة للذين يرتكبون جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب من الطرفين في سورية.
الوفد الأميركي لدى الأمم المتحدة يتردد في دعم التوجه الفرنسي لطرح مشروع قرار يحيل انتهاكات الحكومة السورية القانون الدولي وارتكاب جرائم ضد الإنسانية إلى المحكمة الجنائية الدولية. والسبب هو أن أميركا خائفة على إسرائيل، أي أنها تخشى أن تستخدم سورية، مثل هذا القرار لحالة الاحتلال الإسرائيلي الجولان إلى المحكمة الجنائية الدولية.
الأرجح أن أي مشروع قرار كهذا سيقابل بالفيتو الروسي، وهذا شبه مؤكد. فرنسا ترى أن لا ضرر في زج روسيا والصين في الزاوية من خلال مشروع قرار إنساني يتعلق بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. فإذا شاءت موسكو أو بكين استخدام الفيتو ضد مثل هذا المشروع، فهي تزج بنفسها في زاوية اللاأخلاقية.
الوفد الأميركي يريد إدارة هوية وكمية وتوقيت طرح مشاريع القرارات المؤهلة للفيتو الروسي حتى الآن، لم تتخذ واشنطن القرار السياسي لفيتو روسيا آخر في المسألة السورية، الفيتو أصبح جزءاً من الصفقات – للتهدئة أو للتصعيد – بينما مجلس الأمن في شلل، بل وفي استرخاء مذهل أمام الكارثة الإنسانية التي تتفاقم في سورية.
جون كيري ليس وحده المسؤول عن هذه السياسة. فالاسترخاء واضح على مستوى أعلى حيث الرئيس باراك أوباما يسترخي كالنعامة التي تدفن رأسها في الرمال.
الرئيس أوباما يريد الوزير كيري أن يكون ناشطاً وناشطاً جداً في المفاوضات مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية في إطاره + 1. يريد له أن يعطي الأولوية لذلك الملف على جميع الصعد بما في ذلك صيانة العلاقة مع روسيا. فالرئيس الأميركي يريد تجنب كل ما من شأنه أن يجبره على المواجهة. لديه أدوات أخرى للضغط وللمساومة مع إيران، وهو ليس في وارد المواجهة. إنه حريص على العلاقة مع روسيا والصين للتوصل إلى اتفاق نووي مع إيران يرفع عنه عبء المسألة.
فلسطينياً وإسرائيلياً، وضع باراك أوباما وزيره وحيداً بين أسلاك وأشواك ملف المفاوضات نحو حل الدولتين وتحقيق سلام فلسطيني – إسرائيلي. فلقد ذاق الرئيس الأميركي المرارة الإسرائيلية عندما حاول وضع ذلك الملف على سكة الحلول التي تتطلب مواقف أميركية جريئة. فلو نجحت جهود كيري بسبب صبره وإصراره، لاحتفى الرئيس ووزيره بالنتيجة، أما إذا انزلق في هفوة هنا أو تعبير صريح هناك، فاللوم على الوزير وحده.
ما قاله جون كيري عن مصير إسرائيل في حال فشل حل الدولتين، وإقامة الدولتين حقاً بدهياً، إنما استخدام جون كيري كلمة «آبارتهايد» وصفاً لذلك المصير أقام الدنيا في الولايات المتحدة. كيري اعتذر لاستخدام التعبير لكنه لم يتراجع عن تحذيره من مصير مشابه لإسرائيل إذا رفضت حل الدولتين. لكن، في الولايات المتحدة من الممنوع على أي كان أن يتحدث بصراحة كهذه وبتعابير كهذه عندما يتعلق الأمر بإسرائيل.
نسي الأميركيون الذين شنوا حملة شعواء على جون كيري، أن هذا الرجل كرّس شهوراً عدة من أجل صنع السلام للإسرائيليين والفلسطينيين. نسوا أن جون كيري حدّق في الفشل وتحداه بالأمل والعمل نحو تسوية للنزاع. حتى البيت الأبيض خذله وتركه بمفرده أمام عاصفة الانتقاد.
وأخفق جون كيري في ملف سورية، لأنه راهن على حسن النوايا الروسية فيما كان صديقه العزيز سيرغي لافروف يعد له خريطة تضليل طريق ويوصله إلى الحافة.
أخفق جون كيري، لأن رئيسه باراك أوباما اكتفى بتمني النجاح له وهو يضعه في الواجهة إمبراطوراً عارياً بلا أدوات ممارسة سلطات الإمبراطوية، إنما ليس كيري وحده في الواجهة، فالمرآة تعكس نمراً من ورق هو الرئيس باراك أوباما – أقله كما يراه العالم اليوم حتى إشعار آخر.
الحياة

أوباما في الغابة/ غسان شربل
في الطائرة الرئاسية يهاجمه النعاس. شيء من اليأس. وكثير من القلق. قصة أميركا مع العالم صعبة ومعقدة. إذا أرسلت جيشها ارتفع صراخ الاحتجاج. إذا ابتعدت نددوا بانسحابها وبدا العالم أشد خطورة.
ما أصعب أن تقنع الناس. إن عبء إدارة العالم يفوق قدرة الولايات المتحدة. لا اقتصادها يحتمل ولا العالم يطيق. ومن قال إن من حقها أن تقتلع نظاماً هنا وتنصب نظاماً هناك. للآلة العسكرية الهائلة حدود. للاقتصاد الهائل المتعب حدود. ثم إن الذين يطالبون أميركا باقتلاع ديكتاتور أو لجم مستبد يطلون في اليوم التالي رافضين العيش تحت «الهيمنة الأميركية».
المشاهد ليست مشرقة أبداً. علم «القاعدة» يرفرف في الفلوجة التي ارتوت بدماء الأميركيين. نفوذ الولايات المتحدة التي أنفقت هناك البلايين والأرواح يقل عن نفوذ الجنرال قاسم سليماني. يذهب العراقيون إلى صناديق الاقتراع فتفوز مشاعر الاحتراب والطلاق على مشاعر التعايش.
المشاهد ليست مشرقة أبداً. يعرف أن كثيرين يتهكمون اليوم على الخط الأحمر الذي رسمه لبشار الأسد. صحيح أنه سلم حتى اليوم معظم ترسانته الكيماوية لكن الصحيح أيضاً هو أن وضعه اليوم أفضل بكثير مما كان يوم إنذار الخط الأحمر. وأن وضع الشعب السوري أسوأ بكثير مما كان في ذلك اليوم. لو أرسل الجيش لسحق نظام الأسد من دون تفويض من الأمم المتحدة لقالوا إنه تصرف بمنطق البلطجي تماماً كما فعل جورج بوش حين اقتلع نظام صدام حسين. يتمتم. أهدى بوش العراق إلى إيران أنا لن أقدم سورية هدية لـ «القاعدة».
أيام البهجة عابرة. كان ذلك اليوم مثيراً ورهيباً. احترقت أعصابه وهو ينتظر النتيجة. فجأة أبلغوه. قتلنا أسامة بن لادن. صيد تاريخي بامتياز. لكن أعلام «القاعدة» ترتفع اليوم في سورية. والعراق. واليمن. ومالي. لا تستطيع أميركا أن تخوض كل هذه الحروب. على الدول المعنية أن تتحمل مسؤولياتها. وأن تدفع الثمن. أميركا ستأتي في صورة طائرات بلا طيار.
يغلبه الحزن. ما أقوى أميركا. تستطيع بآلتها العسكرية المذهلة سحق أي نظام. تبدأ الخسارة في اليوم التالي. ما أضعف أميركا. لا تستطيع بناء نظام بديل مقنع. تجربة ألمانيا واليابان مختلفة. إننا نتحدث اليوم عن مسرح آخر. مسرح تفصله مئات السنوات عن ذلك الذي شهد الثورة الفرنسية والثورة الصناعية وأفكار عصر النهضة وفصل الكنيسة عن الدولة. لا أميركا تفهم هذا العالم ولا هو يفهمها.
يتذكر خطابه اللامع في القاهرة. صحيح أن «الربيع العربي» كشف تبرم الناس بالطغيان والفشل الاقتصادي وتطلعهم إلى الحرية وفرص العمل. لكن الصحيح أيضاً أنهم يمزقون عباءة الظلم ثم يقعون تحت عباءة الظلام وغالباً عبر صناديق الاقتراع. القصة ثقافية قبل أن تكون سياسية.
يجول الآن لطمأنة البلدان القلقة من صعود العملاق الصيني. يبرم اتفاقات ويجدد التزامات ويوزع ضمانات وضمادات. أكثر ما يقلقه حالياً هو سلوك البلطجي الوافد من الصقيع. يدفع فلاديمير بوتين العالم إلى منطقة شديدة الغموض. ليس بسيطاً أن يلتهم شبه جزيرة القرم بهذه الشراهة. وأن يرغم أوكرانيا على التفكك. يقول في نفسه. أدرك بوتين ما أدركته أنا هو أن حقبة التفرد في إدارة العالم قد انقضت. وأن أميركا التي غرقت في المستنقعين العراقي والأفغاني نزفت من اقتصادها ودمها ما يمنعها من متابعة الحروب الجوالة.
العالم شديد الصعوبة. هذا وافد من عباءة الـ «كي جي بي». وهذا من كتاب ماو تسي تونغ. وذلك تسلل من قبر كيم ايل سونغ. وجاء آخرون من الاستبداد الشرقي العميق وذعر الأقليات. عبثاً ينصحهم بعدم الوقوف في الجانب الخاطئ من التاريخ. عبثاً يحدثهم عن الديموقراطية وفرص العمل. يعرف أنهم يسخرون منه. يقولون إنه أكاديمي في غابة. وإنه يصلح لإدارة مكتب محاماة. أو محاضراً في جامعة. وإن إدارة الغابة الدولية تستلزم ذئباً متمرساً.
يغمض باراك أوباما عينيه. قدره أن يعيد الجنود تاركين الديموقراطية في عهدة «القاعدة» و «طالبان». يفر من الأزمات وتلاحقه. يفر من إغراء التدخل. ما أصعب الإقامة في البيت الأبيض. حتى ولو قتلت أسامة بن لادن ونلت جائزة نوبل للسلام. العالم متعب. والكونغرس مزعج. وبنيامين نتانياهو محارب كذاب وأعمى. ذهبت بهجة انهيار جدار برلين. عاد العالم غابة يمكن فيها تمزيق الخرائط ومحو المدن ورسم حدود الهويات بالدم والسكاكين. لن يستطيع إنقاذ العالم. تلقى عرضاً استثنائياً ثمناً لمذكراته. زوجته ميشيل لم تضع الفرصة بدأت هي الأخرى بتدبيج مذكراتها.
الحياة
إيقاف روسيا يبدأ من سوريا/ آن ماري سلوتر
إن حل الأزمة في أوكرانيا يكمن جزئيا في سوريا. وقد حان الوقت لكي يثبت الرئيس الأميركي باراك أوباما قدرته على إعطاء الأوامر باستخدام القوة هجوميا في ظروف غير شن الهجمات السرية بطائرات بدون طيار أو العمليات السرية. وسوف تغير النتيجة الحسابات الإستراتيجية، ليس فقط في دمشق بل وأيضا في موسكو، ناهيك عن بكين وطوكيو.
يزعم كثيرون أن تراجع أوباما عن تهديده بتوجيه ضربات صاروخية ضد سوريا في أغسطس/آب الماضي كان سببا في إكساب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين القدر الكافي من الجرأة لضم شبه جزيرة القرم.
ولكن الأمر الأكثر ترجيحا هو أن بوتين تحرك لأسباب محلية لصرف انتباه الروس عن إخفاق بلادهم اقتصاديا وفشلها في التخفيف من مذلة مشاهدة متظاهرين موالين للغرب وهم يطيحون بالحكومة الأوكرانية التي دعمها بوتين.
ولكن بعيدا عن دوافع بوتين الأولية، فإنه يعمل الآن في بيئة بات فيها على يقين من معالم اللعبة. فهو يزن قيمة الاستمرار في تقطيع أوصال أوكرانيا، مع انضمام بعض القطع إما إلى روسيا أو تحولها إلى دول تابعة لروسيا، في مقابل الآلام المترتبة على عقوبات اقتصادية أشد قوة وأكثر شمولا.
والواقع أن استخدام الغرب للقوة، باستثناء إرسال الأسلحة إلى الجيش الأوكراني العاجز إلى حد كبير، ليس جزءا من المعادلة.
وهذه مشكلة كبرى. ففي حالة سوريا، اختارت الولايات المتحدة -وهي القوة العسكرية الأكبر والأكثر مرونة على مستوى العالم- التفاوض بيدين مكبلتين وراء ظهرها لأكثر من ثلاث سنوات. وهذا خطأ واضح في حالة روسيا تحت قيادة زعيم مثل بوتين، الذي يقيس نفسه وزملاءه من الزعماء على مقياس الذكورة الفظة الخام.
الآن حان الوقت لتغير حسابات بوتين، وسوريا هي المكان المناسب للقيام بذلك. فمن خلال تركيبة تتألف من قذائف الهاون التي تحطم أحياء بكاملها في المدن، والجوع، والبرد القارس، والآن قنابل البراميل التي تقذف المسامير والشظايا بصورة عشوائية، تمكنت قوات الرئيس بشار الأسد من اغتنام الفرصة. فببطء ولكن بثبات، تستعيد الحكومة المناطق التي يسيطر عليها المتمردون.
ويصف محللو السياسة الأجانب “الواقعيون” الأسد علنا بأنه أهون الشرين مقارنة بأعضاء المعارضة المرتبطين بتنظيم القاعدة، ويرى غيرهم ميزة في السماح لكافة الأطراف المتحاربة بالاقتتال حتى النهاية، بحيث تكبل كل منها الأخرى لسنوات. وعلاوة على ذلك، يبدو أن الحكومة السورية بدأت تتخلى ببطء عن أسلحتها الكيميائية، بعد موافقتها على القيام بذلك في سبتمبر/أيلول الماضي.
والمشكلة هي أنه إذا ظل الأسد على اعتقاده بأنه قادر على فعل أي شيء بشعبه إلا قتلهم بالمواد الكيميائية، فسوف يبيد معارضيه ويذبح كل من يتمكن من أسره ويعاقب مجموعات بأكملها، تماما كما فعل والده حافظ الأسد عندما ذبح سكان مدينة حماة في عام 1983. وقد أظهر مرارا وتكرارا أنه يتسم بنفس الطبيعة التي لا ترحم.
منذ بداية الصراع السوري، كان الأسد حريصا على تغذية المخاوف من الأفعال التي قد ترتكبها القوات المعارضة السُنّية ضد العلويين والدروز والمسيحيين وغير ذلك من الأقليات إذا فازوا، ولكننا لسنا في احتياج إلى التكهن بشأن سلوك الأسد، فقد رأينا منه ما يكفي.
إن توجيه ضربة أميركية ضد الحكومة السورية الآن من شأنه أن يغير الديناميكية بالكامل. فهذه الضربة إما أن تجبر النظام على العودة إلى طاولة المفاوضات بنية حقيقية للتوصل إلى تسوية، وأما أن تجعل من الواضح على الأقل أن الأسد لن يتمتع بحرية مطلقة في إعادة ترسيخ حكمه.
ولكن توجيه ضربة قانونية إلى سوريا أمر مستحيل ما دامت روسيا جالسة على مقعدها في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، نظرا لقدرتها على استخدام حق النقض ضد أي قرار يجيز استخدام القوة.
ولكن حتى روسيا وافقت في فبراير/شباط على القرار رقم 2139، المصمم لإرغام الحكومة السورية على زيادة تدفقات المساعدات الإنسانية إلى المدنيين الجرحى والجائعين.
وبين أمور أخرى، يلزم القرار 2139 الأطراف كافة بالوقف الفوري لكل الهجمات ضد المدنيين، فضلا عن الاستخدام العشوائي للأسلحة في المناطق المأهولة بالسكان، بما في ذلك القصف البري والجوي، مثل استخدام قنابل البراميل…”.
إن الولايات المتحدة، جنبا إلى جنب مع أكبر عدد ممكن من الدول المتعاونة، قادرة على استخدام القوة للقضاء على الطائرات ذات الأجنحة الثابتة لدى سوريا كخطوة أولى نحو تطبيق القرار 2139.
ومن المرجح أن يستمر “القصف الجوي” باستخدام طائرات الهليكوبتر، ولكن مثل هذه الضربة من شأنها أن تعلن على الفور أن قواعد اللعبة قد تغيرت.
وبعد الضربة، ينبغي للولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا أن تطلب موافقة مجلس الأمن على التحرك الذي تم تنفيذه، كما فعلت نفس الدول بعد تدخل حلف شمال الأطلسي في كوسوفو عام 1999.
وعلى نفس القدر من الأهمية، سوف يتردد صدى الضربات التي توجهها الولايات المتحدة إلى سوريا عاليا في روسيا. والمفارقة الكبرى هنا هي أن بوتين يسعى الآن إلى القيام في أوكرانيا بنفس ما فعله الأسد بنجاح كبير: تصوير المعارضة السياسية المشروعة بوصفها عصابة من البلطجية والإرهابيين، في حين يعتمد على الاستفزازات والأكاذيب لتحويل الاحتجاجات غير العنيفة إلى هجمات عنيفة تبرر آنذاك الرد المسلح.
ولنتذكر أن المعارضة السورية خرجت في مسيرات سلمية تحت النيران طيلة ستة أشهر قبل أن تبدأ أولى وحدات الجيش السوري الحر تشكيل نفسها بشكل تجريبي. وفي أوكرانيا، سوف يسعد بوتين لتحول إسقاط المعارضة سلميا لحكومة فاسدة إلى حرب أهلية.
وقد يتصور بوتين، كما أخبرت القوى الغربية مواطنيها مرارا وتكرارا أن قوات حلف شمال الأطلسي لن تجازف أبدا باحتمال التسبب في اندلاع حرب نووية بانتشارها في أوكرانيا.
ولعل هذه هي الحقيقة، ولكن القوات الروسية التي تزعزع استقرار شرق أوكرانيا لا ترتدي أي شارات، أي إن القوات السرية الغامضة قد تحارب على الجانبين.
إن وضع خيار استخدام القوة على الطاولة في حل أزمة أوكرانيا، وحتى استخدام القوة في سوريا، أمر ذو أهمية خاصة لأن الضغوط الاقتصادية المفروضة على روسيا -على قدر أهميتها على محفظة الردود الغربية- من الممكن أن تخلق حافزا ضارا لدى بوتين.
فمع سقوط الروبل الروسي ونضوب معين الاستثمار الأجنبي، سوف يتملك التوتر والضجر من أهل روسيا، وهو ما من شأنه أن يعطي بوتين المزيد من الأسباب لإلهائهم وصرف انتباههم بمشاهد مسرحية وطنية، مُـرَحِّبا بعودة المزيد من “الروس” إلى الوطن الأم.
لقد تولى أوباما منصبه بهدف إنهاء الحروب وليس إشعالها. ولكن إذا كانت الولايات المتحدة تعتزم مواجهة الرصاص بالكلمات فإن الطغاة سوف يستخلصون استنتاجاتهم الخاصة. وكذا سيفعل الحلفاء، فاليابان على سبيل المثال تتساءل الآن كيف قد يكون رد الولايات المتحدة إذا افتعلت الصين أزمة حول جزر سينكاكو المتنازع عليها.
إن الزعامة الفعّالة تصب في المصلحة الوطنية والعالمية، ويتعين على الولايات المتحدة أن تظهر استعدادها لتحمل المسؤوليات المصاحبة للقوة بالكامل. وقد لا يفضي ضرب سوريا إلى إنهاء الحرب الأهلية هناك، ولكنه من الممكن أن يمنع اندلاع حرب أهلية جديدة في أوكرانيا.
الجزيرة نت

 

سوريا الضائعة بين الدب الروسي والذئب الأمريكي!/ مطاع صفدي
إنها روسيا بوتين التي ربما ستكون هي النسخة الثالثة لـ(روسيا المقدسة) التي طالما استوحى معانيها الغيبية أدباءُ القرن التاسع عشر، حتى في ظل القيصرية، بدءاً من كاتبها الكبير تولستوي، الإقطاعي الثائر باسم العدالة (الأرثوذوكسية)، وصولاً إلى ديستويفسكي الروائي، الثائر هو كذلك، ولكن باسم العدالة الإنسانية، وكانت هي واحدة من أهم الطلائع الممهدة للثورة الاشتراكية، وبناء الاتحاد السوفييتي الذي اقتسم قمة النفوذ العالمي مع الغرب طيلة النصف الثاني من القرن العشرين.ما نريد قوله أن تحولات روسيا الحديثة، سواء لمرحلتها القيصرية، ومن ثم السوفييتية، وما بعدها راهنياً، باسم بوتين أو نظامه الفردي الليبرالي، كانت مشبعة في ماهيتها الثقافية والاجتماعية، بالروح القوموية ورديفها شبه العضوي، وهو الانتماء الشعبوي العميق لقداسة التدين الأرثوذوكسي’بنسخته اليونانية القديمة، والمتجذر بالنزعة السلافية الشمولية.
هذا التكوين الأركيولوجي ثلاثي الأبعاد، العرقي السلافي والديني مضافاً إليهما هذا النزوعُ إلى الشمولية في كل من الشأنين العام والخاص من أمور الفرد والدولة والعالم. جعل ‘روسيا المقدسة’ تصير إلى ما يشبه آلة سحرية في تفريخ الإيديولوجيات، من عصر سياسي اجتماعي إلى آخر. هذه الجذور الأنثربولوجية سوف تكون مسؤولة عن بناء أنظمة التمركز حول الذات، في مقابل تمركزيات الذات الغربية خاصة. حتى الاتحاد السوفييتي الذي ضم عشرات الأمم والحضارات ما بين قارتي أوروبا وآسيا، فإن اشتراكيته الماركسية عجزت عن إحلال علاقات ديمقراطية ما بين أُممه. فمن خلال بنائه الدولاني الفضفاض هذا مارست موسكو أفضليتها العقائدية والقيادية على بقية أعضائه. وها هو بوتين لا يكتفي بإبداء حنينه إلى المجد السوفييتي الضائع فحسب، بل يحقق عملياً ودولياً بوادر أولى في استعادة بعض أدواره القديمة: إنه يستثير مكامن أركيولوجيا غيبية ذات مسحة خلاصية ليست غريبة أبداً عن تكوين الشخصية العميقة للأقوامية السلافية. ويمكن أن تغدو البديل العقائدي عن إيديولوجيا الاتحاد السوفييتي الماركسوية؛ ما يعني أن عهد بوتين قد عثر على المضمون العقائدي ليملأ به طموحه اللامحدود إلى الشمولية التي افتقدتها روسيا بعد تخليها عن مشروعها الاشتراكي الدولي.
لعل المطمح المركزي المحرك لاستراتيجية بوتين، كما ترمز إلى بعض دلالاتها أحداث أوكرانيا ومن قبلها سوريا، هو الوصول إلى حال تحرر أوروبا الشرقية جملة وتفصيلاً، من خطر ابتلاعها غربياً. كأنما يهدف ـ هذا الطموح ـ إلى انعتاق دول أوروبا الشرقية من أدوار الشركاء الأضعف ضمن الاتحاد الأوروبي ذي البنية والقيادة الغربية الخالصة، ونقلها إلى ما يشبه كيان (الكتلة الشرقية) السابقة كما كانت في حقبة الحرب الباردة. ذلك أن أمريكا زعيمة الغرب في مختلف أطواره، لم تكن متجاوبة مع الاتحاد الأوروبي. في محاولته لاستيعاب ما كان يدعى بمشروع (أوراسيا) الداعي إلى تذليل كل العقبات الجيوسياسية الفاصلة بين القارتين الأوروبية والآسيوية. بدءاً من الانفتاح الحقيقي على كيانات أوروبا الشرقية مع دولتها الكبرى روسيا، وليس قسراً عنها. وعزلاً لها. لكن السياسة الأمريكية لم تكفّ سراً وعلناً عن تحريض دول أوروبا الشرقية المتبقية في المدار الروسي، لتركه والالتحاق بالاتحاد الأوروبي، كما تسلك عيْـنَ الأهداف مع الدويلات الإسلامية الآسيوية التي لا تزال ملتحقة بالاتحاد الروسي. هذه المعارك الجيوسياسية بامتياز، المحتدمة في أطياف القارتين أوروبا وآسيا. لن تظل مفاعيلها محدودة إقليمياً. إنه النظام العالمي لتوزع الدول الكبرى هو الذي يتلقى التداعيات الأبعد مدى.
لن يظل رافعاً لشعارات تعددية الأقطاب من دون أن تكون لها ثمة صلات واضِحة مع أحداث الواقع، المناقضة لمعانيه وحقائقه، فالتعددية في الاستقطاب الدولي سائرة نحو الاختزال في القطبية الثنائية عالمياً من جديد، وإن بقيت لها بعض الأمثلة في الاقتصاد.
ومهما يقال عن انسحابات أمريكية من بعض ساحات الصراع الإقليمي، إلا أنها هي الأمبريالية الكونية التي لن تسمح لأمريكا زعيمتها، بالغياب التام عن مسارحها الأساسية. فقد تتغير قليلاً أو كثيراً أسماءُ ألعاب الكبار أو عناوينها، لكن علاقات القوى فيما بينها هي صاحبة الأمر النهائي كما كانت دائماً. وفي عالمنا العربي وضواحيه الإسلامية كانت، ولا تزال تتابع معظمُ التمارين الأولى على ولادة الثمار الأخطر من مواسم علاقات القوى الدولية هذه؛ وذلك منذ عقود مديدة، وإلى حاضر ومستقبل غير متعينين مقدماً بالنسبة إلى ضحاياها تحديداً.
هذه الثنائية القطبية الجديدة ولدت من رحم خراب سوريا، وترعرعت سريعاً قوتها الأولى عبر المنازلة الأوراسية الراهنة، بين الدب الروسي والذئب الأمريكي في بطاح (أوكرانيا) ومُدنها الثلجية الغاضبة: لكن كان من نكد ديمومة الكارثة السورية أنها فتحت الأبواب الموصدة والمستعصية بين العدوين الأكبرين. فاستعاد الغرب عدوه القديم. وهاهما يدخلان معاً مرحلة ما بعد الشراكة المصطنعة التي استغلتها أمريكا لكي تقوم بالتصفية الكاملة لآثار القطب السوفييتي المنهار، تحسباً لمشروع عودته غير المستحيلة؛ وبوتين هو المتكفّل بابتكار نسخته المنتظرة، وإن اختلفت شكلاً ومضموناً عن الأصل، وتشابهت معه في الهدف الواحد عينه، وهو بالأقل الاحتياز على حصة النصف الآخر من النفوذ العالمي ومصالحه الاستراتيجية المحورية كحد أدنى.
عالمنا العربي هو الذي يوفر لهؤلاء الكبار الميادينَ المفتوحة لمختلف حروب المبارزات الحدية أو العابثة فيما بين أقطابهم، بشرط أن تدفع شعوبه تكاليفها من حيوات أجيالها ومن مصالح أوطانها. ولقد يُخيّل لبوتين أنه نجح حتى اليوم في إقامة مستعمرته الأولى في قلب المشرق العربي، بالاستيلاء شبه الكامل على القرار العسكري،فالسياسي بعده، بل الاستراتيجي لسوريا كدولة ونظام حاكم. ومنهج إداري وتنموي لمجتمعها.
فالثورة التي أطلقها جيل الحرية الناهضة، وتم اختطافها إلى الأهداف السلفية وبرامجها القروسطية، باتت موشكة في منعطفها الثالث راهنياً على التعرض لعمليات استقلاب لمنظماتها وأهدافها بدلاً من انتظار الاعتراف بهزيمتها من قبل معظم حلفائها، وحتى من بعض زعمائها، في الوقت الذي ستجري فيه عمليات إعادة إنتاج النظام، بما يؤهلهما معاً، هو والثورة السابقة ـ أو بعضها ـ في اصطناع ما يُسمى بسلطة وطنية مسوَّغة سياسياً وأخلاقياً بمهمات الانقاذ العام للبلاد من عصر الخراب الحالي.
كل هذا الوهم السياسوي هو من باكورة الإنتاج العقائدي لمستعمرة (سلافية)، طافرة من وطنها الأم الشمالي، نحو عمق المشرق، عازمة على طرح مشروع: سوريا ما بعد الخراب. كمقر قيادة عليا لحصة النصف الآخر من النفوذ العالمي استباقياً التي يحلم بوتين وزمرته الأوليغارشية بتأمينها من الكيس العربي والأمريكي، وقبل الانطلاق الكبير لمنازلات القطبية الثنائية عالمياً. وربما جعلها بوتين منذ الآن نوعاً من رأسمال استراتيجي لمشروعاته السلافية الأساسية في أوربا، وبدءاً من أوكرانيا، ووصولاً إلى دول البلطيق، ثم النزول نحو الوسط الشرقي الأوروبي.
إنه الجناح العربي الناهض بالسيناريو البوتيني موازياً أو سابقاً بصورة ما لجناح نشاطه الشمالي الأوروبي. فما كانت تناضله ثورةٌ سوريةٌ سلميةٌ لم يكن مجرد نظام طواغيت محلية فقط. لقد تفجّرت أمامها مغارةُ أفاعٍ، لم تحسب لها حساباً حتى في أضغاث أحلامها. ومع ذلك فإنها تلاحق لذاتها أدواراً فذة، وتحسبها ناجعة، ولعلها لن تكون هامشية في لوحة الصراع الجديدة ما بين الدب الروسي والذئب الأمريكي. فمثلما دشّنت هذه الثنائيةُ القطبية نفسَها عبر تجديد (الصراع على سوريا)، فإن الثورة دشنت من جديد عصر النهضة العربية، بدءاً من الصراع ـ من أجل ـ سوريا، وليس عليها، أو للاستيلاء على شعلة النهضة العربية الشاملة، الكامنة دائماً في وجدان كل شعب ممسك بجمرة الحرية حتى وهو غارق تحت ديجور المظالم، أقساها وأخبثها في تاريخ المجازر الكبرى لهمجيات الحيوان الإنساني.
الغريب في القطبين الروسي والأمريكي أنهما مصرّان على استمرار الحرب في سوريا، حتى تدمير آخر مدينة وقرية فيها. وكل منهما يعتقد أنه مسيطر سلفاً على مستقبل هذا البلد التعيس ما بعد تدميره. ليس هذا فقط، بل ما يجمع العدوين الجديدين القديمين، هو اعتقاد جازم أن نفوذ كل منهما على نطاق العالم، متعلق عضوياً بتحويل سوريا إلى مستعمرة سلافية روسية أو شبه تكايا سلطانية تابعة لأمريكا جملةً وتفصيلاً. لكن الثورة التي كادت تفقد كل عناوينها الشرعية لا تزال هي وحيدة وواحدة قرارها الوجودي، وإن لم تتح لها الظروف أن تفجر أعمق إمكانياتها. فليس لها إلا مؤونة عقيدتها الأولى، وهي أنها ثورة للحرية وبأدوات الحرية فحسب.
لكن هل مثل هذا الهدف سيظل شعاراً، أم أنه هو نفسه منشئ معانيه إن شاء الإنسان العربي السوري أن يستيقظ يوماً من تحت ركام التحريفات التي أفقدته بوصلة الأمان والخلاص.

‘ مفكر عربي مقيم في باريس
القدس العربي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى