صفحات العالم

إنها كارثة إذا كان في سورية من يفكر بهذه الطريقة!

 


صالح القلاب

ليس في مصلحة نظام الرئيس بشار الأسد الذي يبدو أن لا خلاف عليه لو أنه غير محاط ببطانة لا تزال متوقفة عند لحظة تاريخية غدت بعيدة جدا وترفض الانتقال من دائرة ستينات القرن الماضي إلى دائرة العشرية الثانية من هذا القرن الجديد، أن يدخل في اشتباكات جانبية سياسية وإعلامية مع بعض دول الجوار القريب والبعيد ومع بعض أطراف المعادلة اللبنانية الداخلية، وأن يهرب من مواجهة حقائق الأمور في بلاده، ويسعى بطريقة لا يمكن أن يصدقها حتى صاحب نصف عقل، إلى تحميل هذه الأطراف كلها مسؤولية انفجار هذه الثورة الشعبية التي بدأت بدرعا ثم انتقلت غربا وشرقا وشمالا ووسطا فشملت معظم المناطق والمدن السورية.

ما المصلحة في أن تعلَّق هذه الأحداث، التي أعطتها بعض مراكز القوى في نظام الرئيس بشار الأسد طابعا دمويا منذ اللحظة الأولى، على مشجب خارجي، وأن يُعطى سعد الحريري وحزبه وتجمعه كل هذه الهالة باتهامه بأنه مشارك في تأجيج نيران هذه الثورة العارمة التي غدت تجتاح سورية كلها؟ وأيضا ما المصلحة في الغمز من جانب الأردن والقول فور انفجار الأحداث في مدينة درعا إن بعض الأسلحة التي استخدمت قد جاءت عبر الحدود الأردنية؟!

وأيضا ما المصلحة، بالنسبة لنظام الرئيس بشار الأسد، الذي لا يزال مقبولا من قطاع من الشعب السوري ومحترما من العديد من الدول العربية والأجنبية، في أن يحمَّل هذا العنف الدموي، الذي حصد خلال نحو أسبوعين أرواح أكثر من مائة وسبعين مواطنا سوريا كل ذنبهم أن خرجوا للتظاهر السلمي والمطالبة بالإصلاحات التي كان وعد بها رئيسهم قبل أعوام عدة، لعصابات وهمية مجرمة كانت تقوم، للمزيد من تأجيج الأمور، بإطلاق النيران مرة على المتظاهرين ومرة أخرى على رجال الأمن؟ فهل يعقل أن يحدث هذا في دولة بوليسية تعرف الأجهزة الاستخبارية المتعددة فيها كل شيء وتخال حسب أبو الطيب المتنبي: مناجاة الضمير تناديا..؟

ثم، والأسوأ من كل هذا التخبط، كانت آخر إبداعات هذه البطانة التي تحيط بالرئيس بشار الأسد حبكة استخباراتية طفولية وبائسة ومن غير الممكن أن تنطلي حتى على أصحاب أنصاف العقول تتحدث عن أن وراء كل هذه الأحداث مؤامرة أميركية يقوم بتنفيذها جهاز «تخريبي» يديره الأمير بندر بن سلطان بن عبد العزيز وله «شبكات لوجستية تعمل بكل حرية على الأراضي الأردنية»!!

إنها حبكة استخباراتية رديئة هدفها؛ من جهة، التأثير سلبا على العلاقات السعودية – الأردنية، ومن الجهة الأخرى، الإيحاء ربما لإيران ولـ«الأصدقاء» الذين يخيطون بالمسلة الإيرانية بأن النظام في سورية الذي لا يتورع بعض أصحابه عن إشعار الشعب السوري بأنه نظام فئة معينة، مستهدف من قبل الأنظمة السنية في المنطقة، وهذا في حقيقة الأمر يؤشر، بل يؤكد، على أن الطائفة «العلوية»، التي من غير الجائز، بل هي جريمة وطنية، أن يتم تحميلها مسؤولية نزوات بعض رموز مراكز القوى في هذا البلد العزيز على قلب كل عربي، غير موحدة وأنها كجزء من الشعب السوري فيها اتجاهات سياسية متعددة ولا تُجمع على موقف طائفي واحد، وبالتالي، فإن أصحاب هذا «السيناريو» الرديء والبائس أرادوا إشعار هذه الاتجاهات بأنهم مستهدفون أيضا وأن مصيرهم، رغم معارضتهم للنظام القائم، هو مصير هذا النظام وأنهم سيتعرضون لما سيتعرض له.

تضمن هذا «السيناريو» الذي هو لعبة استخبارية مكشوفة والذي بثه موقع «شام برس» الحكومي بالتزامن مع بثه من قبل موقع إسرائيلي اسمه: «إسرائيل اليوم»، روايات تشبه روايات «آرسين لوبين»؛ من بينها أن مصدر معلومات هذا الموقع هو ضابط مخابرات أردني «لا يزال في الخدمة، لكنه معارض للتورط في سورية ورافض لنشاطات بندر بن سلطان في الأردن، حيث له شبكات لوجستية تعمل بكل حرية فوق الأراضي الأردنية، وهي شبكات تستغل حدود الأردن للنفاذ إلى الداخل السوري لتهريب السلاح والمتفجرات والمقاتلين والمدربين»!!

وفورا، بعد هذه المقدمة، يقول هذا «السيناريو»، على لسان ضابط المخابرات الأردني الوهمي هذا: «إنه من السخرية أن يعلن الأردن مثلا وقوفه مع سورية في محنتها ثم لا تفعل السلطات هنا (في الأردن) شيئا لمنع شركات الخلوي، وبخاصة شركة أمنية للاتصالات، من تقوية الإرسال في اتجاه الأراضي السورية، حيث إنها سمحت بتركيب أجهزة تقوية تجعل الهواتف الأردنية تعمل بشكل طبيعي حتى حدود العاصمة دمشق».

«قال شو عرَّفك إنها كذبة؟ قال من كبرها» ولعل ما لا يعرفه بعض الأشقاء العرب أن دمشق تبعد عن الحدود الأردنية بنحو ثمانين كيلومترا فقط، وعن عمان بنحو مائة وثلاثين كيلومترا، وذلك في حين أن مدينة العقبة الأردنية الجنوبية تبعد عن العاصمة الأردنية بنحو ثلاثمائة وخمسين كيلومترا، وهذا يعني أن العاصمة السورية تقع ضمن دائرة بث شركات الهواتف الجوالة الأردنية أساسا، وكل هذا وهناك خدمات «فيس بوك» و«تويتر» التي يبدو أن كاتب هذا «السيناريو» الرديء لم يسمع بها بعد.

وهكذا، ولعل هذا هو بيت القصيد، فإن ضابط المخابرات الأردني الوهمي، الذي هو بطل هذه الحبكة «الجيمسبوندية» الرديئة قد وصل إلى استنتاج بأن المستهدف بهذا كله هو العميد حافظ مخلوف: «المكلف من قبل بشار الأسد بالسهر على ملاحقة أي مسؤول أو ضابط مندس يعمد إلى التلكؤ في تنفيذ أوامر الرئيس القاضية بعدم التعامل بالسلاح أو بالقوة والعنف مع المتظاهرين»!!

والمضحك فعلا أن هذا «السيناريو»، يقول أيضا على لسان ضابط المخابرات الأردني الوهمي: «لقد نجح العميد حافظ مخلوف، بما له من مسؤولية في مدينة دمشق وريفها في محاربة عدد من الاختراقات، وأمسك ببعض المندسين الذين قتلوا المتظاهرين». فهل هذا يعقل؟ وهل أن ضابط المخابرات الأردني هذا يعمل تحت إمرة العميد حافظ مخلوف؟ أم تحت إمرة قادة الجهاز الذي ينتمي إليه؟ هل توجد رداءة أكثر من هذه الرداءة وكذبة أكبر من هذه الكذبة؟!

وكأن ضابط المخابرات الأردني هذا محلل سياسي رديء أو مراسل صحافي مبتدئ، فهذا السيناريو «الجيمسبوندي» ينقل عنه حرفيا: «من بين المقربين من الرئيس الأسد، هناك عدد من الشخصيات التي لا يتوقف بندر و….. الأميركيون عند حد الوصول إلى تحويلهم ضحايا لعملية إعلامية تربك النظام وقياداته الأمنية التي يعول عليها في الشدائد، فيضطر إلى إبعاد أكثر رجاله إخلاصا إرضاء للمتظاهرين. وبحسب ما لدي من معطيات وتقارير (والكلام لضابط المخابرات الأردنية الوهمي) فإن ما يمثله الضابط المشهور (المقصود هنا هو حافظ مخلوف) بحربه الشرسة على الفساد وتفكيكه لشبكات التجسس الإسرائيلية، تجعل المحرضين على الاضطرابات من الخارج يسرعون في الإجراءات التي يرون أنها كفيلة بالإطاحة به».. يا سلام!!

فهل يعقل يا ترى أن تصل الأوضاع في سورية إلى هذا الحد من الانهيار والارتباك والذعر؟ ثم ما دخل الأمير بندر بن سلطان في هذه الأمور؟ ولماذا حُشِرَ اسمه في هذا «السيناريو» المخابراتي الرديء حشرا؟ وأيضا، هل يعقل أن يكون في المخابرات الأردنية، الشهيرة بأنها من أكثر مخابرات العالم كفاءة وأشدها انضباطا، مَنْ مِنْ الممكن أن يتحول إلى محلل سياسي لحساب حافظ مخلوف وأن يعتبره مستهدفا بالعزل إرضاء للمتظاهرين لدوره في ملاحقة الفاسدين.. والمعادين المحرضين من الخارج؟!

 

الشرق الأوسط

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى