صفحات المستقبلمازن عزي

إيران: هل قالوا “إصلاحيين”؟/ مازن عزي

 

 

قيل أن الاتفاق النووي بين الدول الكبرى وإيران، سيقود في النهاية إلى تقوية المعسكر الإصلاحي في إيران على حساب المتشددين ومؤسسات المرشد الأعلى. فالانفتاح الاقتصادي، سيقوم بتغيير “خلاّق” لبنية الدولة الإيرانية؛ وفق ما تأمله الدول الغربية. تغيير يتيح لإيران دخول “المنظومة العالمية” كشريك فاعل متساوي الحقوق والواجبات.

إلا أن الدرب لتحقيق الرغبات الغربية، في تغيير النظام الإيراني من الداخل، لا تبدو مكللة بالورود. فإذا كان الازدهار الاقتصادي، معوقاً في مجتمع ما، فذلك ناجم عن مؤسسات اقتصادية تابعة للطبقة الحاكمة، تستخرج الموارد الرئيسية “Extract” وتوجهها في دروب محددة سلفاً، بما يخدم مصالح نخبة ضيقة توظف الدولة ومؤسساتها في خدمتها.

على سبيل المثال، مصادرة الملكيات الخاصة، بتبريرات سياسية-عقائدية، شكّلت معظم أصول شركة المرشد الأعلى علي خامنئي، والمعروفة باسم “ستاد”، لتصبح المهيمنة اقتصادياً، في إيران. فـ”هيئة تنفيذ أوامر الإمام” التي أنشأها الخميني قبيل وفاته، خُصصّت لإدارة وبيع العقارات التي أجبر مالكوها على تركها بعد “الثورة الإسلامية” في العام 1979. “ستاد” تحولت في الأعوام الأخيرة إلى كيان اقتصادي عملاق، يملك حصصاً في كل قطاعات الاقتصاد الإيراني. وبحسب تقرير سابق لوكالة “رويترز”، فقد قدّرت القيمة الإجمالية لممتلكات “ستاد”، من العقارات والحصص في الشركات وغيرها من الأصول، بـ95 مليار دولار. ويسيطر على “ستاد”، من دون منازع، المرشد الحالي علي خامنئي. واستحوذت الهيئة على معظم ثروتها من خلال المصادرة لممتلكات إيرانيين معارضين، ومهاجرين، وموتى من دون ورثة، ومنتمين للطائفة البهائية. وأنشأ خامنئي لحماية ممتلكاته في “ستاد” جهة متخصصة في الأحكام القانونية والأوامر التنفيذية التي تمكّن الهيئة من الاستحواذ على الأصول.

“الحرس الثوري” بدوره، أصبح أهم العتلات الإقتصادية الإيرانية، عبر مشاريعه واستثماراته في قطاعات الطاقة والبنى التحتية والمواصلات. استثمارات قائمة على عقود حصرية، احتكارية، تضمنها النخبة الحاكمة، وتوظف مؤسسات الدولة لتنفيذها. “الحرس الثوري” يسيطر على نسبة تتراوح بين ثلث وثلثي “الناتج القومي المحلي” الإيراني، ويسيطر على مطار الخميني الرئيس في البلاد، بالإضافة إلى مطارات أخرى، ومعظم شبكات المواصلات. كما أن شركة “خاتم الأنبياء” التابعة للحرس تضم 812 شركة في مجال العقارات والبناء.

ومنذ وصول الإصلاحي محمد خاتمي، إلى رئاسة الجمهورية في إيران، سعى خامنئي إلى تعيين قادة “الحرس” السابقين، في مناصب حكومية، لاجهاض مساعي خاتمي الإصلاحية. فـ”الحرس” حالياً، وعدا عن ترسانته المسلحة كقوة ضاربة إقليمية، بات يسيطر حتى على مفاصل الحكم التنفيذي، التي يتساهل نظام الملالي في تسليمها للإصلاحيين، أحياناً.

فهل يراهن الغرب، لتغيير النظام الإيراني، على الانفتاح الإقتصادي؟ إحتمال تغيير النظام في إيران، أو تعديله قليلاً، يبدو أمراً غير قابل للتحقق من باب الانفتاح الإقتصادي. فالتغيير يتطلب الدعم لمؤسسات اقتصادية ترى في المساواة والتنافس الحر حماية لمصالحها الاقتصادية. تلك المؤسسات والطبقات التي تنتفع منها، ستكون الضاغط، بحكم مصلحتها، لتغيير المؤسسات السياسية وجعلها تعددية.

الاستثمار الغربي “النظري” في نتائج الإتفاق النووي، سيستغرق وقتاً طويلاً. فالغرب يتوقع بأن فتح الأسواق الإيرانية أمام الشركات الغربية، سيتسبب في “خراب خلاّق”، يتيح تحول المؤسسات الإقتصادية الإيرانية الاحتكارية إلى الإقتصاد الحر. إلا أن الإفراج عن الأموال الإيرانية المجمدة في الغرب، ورفع العقوبات الاقتصادية عنها، في ظل سيطرة المؤسسات الإحتكارية على الإقتصاد، لن يخدم ذلك الهدف. فمؤسسات الإقتصاد الإيراني الحالية، ليست نابعة من الخيارات الحرة للشعب، بل هي مفروضة من الأعلى، ومصممة بشكل “نابذ” من أجل الهيمنة على الاقتصاد، وبالتالي لاستدامة السلطة السياسية للنخبة الحاكمة. “ستاد” و”الحرس الثوري” مؤسستان اقتصاديتان احتكاريتان قائمتان على مصادرة الملكيات الخاصة والتلاعب بمؤسسات الدولة، وهما تتحكمان بدورة رأس المال في السوق الإيرانية، وتكيّفانها لمصالحهما.

كما أن تحول البنى الإقتصادية الإيرانية، يقتضي ترسيخ تشريعات اقتصادية جديدة، والدفاع عنها. تشريعات تحمي الملكية الخاصة وتمنع الاحتكار. إلا أن هذا الأمر غير وارد في حسابات الطبقة الحاكمة في إيران؛ ببساطة، قد تتم حماية الاستثمارات الغربية الجديدة في إيران، بتشريعات لا تنطبق على المستثمر الإيراني المحلي، ما سيوقف أي تفاعل حقيقي يتيح للبرجوازية الإيرانية أن تحمي مصالحها، وهو وحده ما يمكن أن ينتج تغييراً حقيقياً. في أحسن الأحوال، فإن مؤسسات مثل “ستاد” و”الحرس” ستكون المستفيدة الحصرية، بحكم بنية التشريعات التي تتيح الاحتكار، من مشاريع تنفذانها كمقاول ثانوي “Sub-Contractor” مع الشركات الغربية. أو أن “الحرس” سيغلق أبواب القطاعات الاقتصادية الأكثر ربحية أمام الشركات الغربية.

وزير الخارجية الأميركية جون كيري، قال إنه يدرك أن جزءاً من الأموال المجمدة الإيرانية، سيصب بعد تحريره في رعاية الإرهاب. إلا أن ما أغفله السيد كيري، أن معظم الأموال المفرج عنها، سيصب في مؤسستي “الحرس” و”ستاد”. فـ90 شركة وشخصية وكياناً، يدورون في فلك “الحرس”، بالإضافة إلى “الحرس” ذاته، سيُرفعون من قائمة العقوبات. وبغض النظر عن تمويل وإدارة “الحرس الثوري” لمليشيات شيعية تقاتل في سوريا، فضلاً عن مليشيا “حزب الله”، فالمشكلة الكبرى تكمن في أن الأموال المفرج عنها وفتح السوق الإيرانية أمام الشركات الغربية، لن يتيح نمواً حقيقياً للاقتصاد الإيراني في ظل سيطرة المؤسسات الإحتكارية. كما أنه، في الوقت ذاته، سيزيد من القوة الإقتصادية، للنخبة الحاكمة المحيطة بالمرشد.

روحاني كان قد ركز في حملته الانتخابية، قبل ثلاث سنوات، على أن “العقوبات هي المشكلة الرئيسية للاقتصاد، وأن إبرام الاتفاق النووي كان أفضل وسيلة لتخفيفها”. إلا أن ادخال ذلك الكم الهائل من السيولة في السوق الإيرانية -38 مليار دولار- وإن كان عملية بطيئة ستستمر ثمانية أعوام، قد لا ينتج نمواً حقيقياً مستداماً، ولا ازدهاراً للشعب الإيراني. فالانفتاح الاقتصادي المشروط، لا يقابله معادل سياسي، ولا حتى ضمانات تشريعية اقتصادية. والنظام الإيراني ليس بوارد خفض السطوة الاقتصادية لـ”الحرس الثوري” و”ستاد”، فهما ركائزه المتينة، وأي اخلال بهما سيعرّض الهيمنة السياسية للنخبة الحاكمة للضرر.

وإذا كان الجدل الغربي يتركز على أن تحسن الوضع الاقتصادي نسبياً، وفك عزلة إيران الدولية، سيدعمان فوزاً للاصلاحيين -منجِزي الاتفاق النووي- في الانتخابات البرلمانية في شباط/فبراير، فإنه جدل عقيم أيضاً.

فالشك في وجود خطين متباينين في إيران، يزداد قوة، بل إن ترجيح تناغم عملهما، يعود إلى أن السلطة لا تزال في يد المرشد الأعلى، وهو المستفيد من وجود الرئيس حسن روحاني، لتقديم صورة مقبولة لإيران في الغرب. بل إن خامنئي هو من دفع باتجاه عقد الصفقة النووية، بعد الركود الذي ضرب الاقتصاد الإيراني، بسبب العقوبات الأميركية والأوروبية. المرشد أصر منذ بداية المفاوضات مع الغرب، على أن التفاوض يجب ألا يمتد إلى مجالات حقوق الإنسان ولا نفوذ إيران الإقليمي. سيطرة المرشد على كل منابع القرار الإيراني، تجعل من إعتدال روحاني موضع شك، على كل الصعد. فمثلاً، ومنذ وصول الرئيس المحسوب على الإصلاحيين، تمّ إعدام 2000 شخص في إيران، معظمهم من المعارضين والأقليات. الأمر الذي يؤكد أن الإعتدال والإصلاح، أمران بعيدا المنال عن المنظومة الإيرانية الحاكمة.

الإدارة الأميركية ما زالت تراهن على فوز الإصلاحيين، وصمتت، لقاء ذلك، عن استفزازات “الحرس الثوري” وإهانة جنود البحرية الأميركية، وحتى عن تجارب إيرانية جديدة لصواريخ باليستية. ومع ذلك، تلقى “الإصلاحيون” ضربة جديدة من المرشد، بعدما رفض “مجلس صيانة الدستور” 60 في المئة من المرشحين الـ12 ألفاً لانتخابات البرلمان ذي الـ290 مقعداً، و99 في المئة من الممنوعين هم من المحسوبين على الإصلاحيين. كما رفض المجلس 80 في المئة من المرشحين الـ800 لعضوية “مجلس الخبراء” ذي الـ88 مقعداً، والذي يختار المرشد الأعلى.

من هنا، قال المرشد الأعلى دفاعاً عن تصفية المرشحين، ومنع الإصلاحيين من الوصول إلى مجلس النواب و”مجلس الخبراء”: “من يدخل المجالس التمثيلية عليه أن يكون مؤمناً بالنظام السياسي”. خامنئي، الذي يرى معركة وراثته مستعرة، لا يريد أن يرحل -74 عاماً ومصاب بالسرطان من الدرجة الرابعة- قبل أن يضمن استمرار نظام الملالي، اقتصادياً وسياسياً. ولذا، فهو يريد التأكد من أن تجري الانتخابات الإيرانية، بين المتشددين والمتشددين، ولا مانع من اعتراض “الإصلاحيين” طالما أنهم خارج السباق الانتخابي.

المدن

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى